إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر الإسرائيلية





مهام القوات الإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة القدس
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الضربة الجوية الإسرائيلية

معارك الاستيلاء على الجولان
الضربات البرية الرئيسية
العمليات على الجبهة الأردنية



المبحث الرابع

سادساً: الخداع من أجل إنجاح الخطة

توسعت القيادة الإسرائيلية في إجراءات الخداع على جميع المستويات، وأحاطت جميع إجراءاتها بغلاف من السرية، وخصوصاً في المجال الدبلوماسي، الذي تم بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص التنسيق للحرب، ودعم إسرائيل في كافة المجالات، وكانت الزيارة الهامة، التي قام بها "مائير آميت" إلى الولايات المتحدة الأمريكية بتفويض من الجنرالات ثم بدعم من رئيس الوزراء الإسرائيلي، كما سبقت الإشارة، من أهم إجراءات التنسيق بين الجانبين، وتمت، بحيث لم يشعر بها أحد على الإطلاق.

وقد بنت إسرائيل إستراتيجية الخداع على عدة أسس منها:

1. تصوير أنها سوف تكون ضحية اعتداء عربي، مع التظاهر بالضعف الشديد، والتهديد من الآخرين، وذلك من أجل حشد الرأي العالمي لصالحها، وتلقي أكبر ما يمكن من الدعم المادي والعسكري والمعنوي من الدول المختلفة.

2. إعطاء انطباع لدى العالم ـ ولدول المنطقة بوجه الخصوص ـ أنها ليست على وشك حرب، وأن استعداداتها تدخل في نطاق إجراءات تأمين من التهديد الصادر لها من الدول العربية وقد تلقت مكاتب الصحف في أنحاء العالم صوراً فوتوغرافية للقوات الإسرائيلية، وهي في حالة استرخاء تام.

3. فرض سرية تامة على الاستعدادات العسكرية في المجالات المختلفة، واقتصار العلم بالخطة على نطاق أقل عدد من القادة الرئيسيين.

4. الخداع عن هدف الهجوم، بإجراء تحركات خداعية في الاتجاه الجنوبي لإعطاء انطباع، بأن إسرائيل هدفها فتح مضيق تيران للملاحة، يصاحب ذلك تصريحات متتالية من السياسيين حتى تقوم مصر بحشد قواتها على ذلك المحور، بينما النية الإسرائيلية مبيتة ـ طبقاً للتخطيط ـ على تدمير القوات المصرية في وسط سيناء، بادئة بالمحور الشمالي.

وكان أهم إجراءات الخداع، هو المؤتمر الصحفي الذي عقده "موشي ديان" في الثالث من يونيه، بعد توليه منصب وزير الدفاع في حكومة الوحدة الوطنية.. وكما يقول "موشي ديان" نفسه: "لقد ألقيت بياناً موجزاً في بداية المؤتمر الصحفي، ثم أجبت على الأسئلة الكثيرة، التي كان معظمها يدور بالطبع، حول، ما إذا كنت أعتقد أن الأزمة ستحل عن طريق المفاوضات، أو في ساحة المعركة. وكنت آمل، دون أن أوضح ذلك، أنه بالرغم من الدلالات التي تم استنتاجها على نطاق واسع نتيجة لتشكيل الحكومة الجديدة، وتعييني وزيراً للدفاع بها، في أن يخرج الجميع بانطباع مؤداه، أننا لسنا على وشك خوض الحرب، ولكننا عازمون على استنفاذ كل الإمكانيات الدبلوماسية. وقد أخبرني "موشي بيرلمان"، مساعدي الخاص فيما بعد، أنه يعتقد أن هذا هو الانطباع الذي خرج به المراسلون، وظهر فيما كتبوه، وفي تقاريرهم التي أرسلوها.

وقد عقد "موشي ديان" هذا الاجتماع، وهو يستعد لاجتماع هام "للاستعداد للحرب" تم عقده مساء هذا اليوم، بحضور رئيس الوزراء "ليفي أشكول"، و"إيجال آلون" وإيجال يادين"، و"مائير آميت" رئيس الموساد، الذي كان قد وصل لتوه من واشنطن في زيارة خاطفة، اجتمع خلالها مع وزير الدفاع الأمريكي "مكنمارا"، وبعض الشخصيات الأخرى حيث قدم "آميت" تقريره أمام المجتمعين وكان رأيه الشخصي: "أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تفعل شيئاً من أجل فتح مضيق تيران ـ وقد سخر أصدقاء "آميت" في واشنطن من فكرة الحملة البحرية المقترحة ـ و أيضاً فإنها سوف لا تفعل شيئاً إذا دخلت إسرائيل الحرب، بل أن هناك احتمالات أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالمساعدة على المستوى السياسي في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

وقد ساد هذا الاجتماع شعور بأنه "قد سبق السيف العزل" ولم يكن ديان هو الشخص الوحيد الذي حث على القيام بعمل عسكري فوري.. فقد قال "أشكول" أيضاً: أنه أصبح لا مفر من الحرب الآن، ويجب شنها بأسرع ما يمكن، وطلب منه "ديان" عقد لجنة الدفاع الوزارية للتوصل إلى قرار حاسم في هذه المسألة.

سابعاً: اتخاذ قرار الحرب "الرابع من يونيه 1967"

اجتمعت لجنة الدفاع الوزارية في القدس في الساعة الثامنة والنصف صباح الأحد الرابع من يونيه. وبدأ "ايبان" الاجتماع بتقرير عن التطورات السياسية والدبلوماسية. وآخرها إخطار رسمي من الرئيس "جونسون"، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي، يبلغه فيه أن أمريكا تأمل في الحصول على توقيع جميع الدول التي اتصلت بها، ما عدا فرنسا، على إعلان حرية الملاحة في المضيق[4]. فقد رفض "ديجول" التوقيع، على الرغم من أن فرنسا وقعت في عام 1957 الإعلان الأصلي الذي يضمن حرية مرور السفن في هذا المجرى المائي. وأن الولايات المتحدة الأمريكية، لا زالت تعمل من أجل تشكيل حملة بحرية نقوم بإثبات هذه الحرية، وتأمل في أن تنضم ست دول أخرى على الأقل من بينها هولندا وبريطانيا إلى تلك الحملة. ولم تقبل الاشتراك في هذه القوة حتى الآن، سوى استراليا، ودولة من دول أمريكا اللاتينية. ويعتزم أن تتم هذه المظاهرة البحرية بعد أسبوع من اليوم "يوم الحادي عشر من يونيه".

وتشمل الخطة، مرور سفينة إسرائيلية في المضايق تحت حراسة الحملة. وإذا فتح المصريون النار عليها.. فسوف ترد عليهم السفن الحربية المرافقة النيران بالمثل. كما أن الأمريكيين أكدوا على أهمية النقطة الخاصة، بمن يطلق الطلقة الأولى: "فهذا هو الذي ستحدد الولايات المتحدة الأمريكية على أساسه موقفها، ولذلك فعلينا أن نمتنع عن البدء بشن الحرب. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية ترى أنه لم يقع بعد أي عمل عدواني، بالرغم من أوامر "عبدالناصر" بسحب قوات الطوارئ الدولية، وإغلاق المضيق. لذلك لا يمكن اعتبار تصرفات "عبدالناصر"، هي أول خطوة في حرب ضد إسرائيل".

ثم أعقب التقرير السياسي الذي قام به "ايبان"، تقرير رئيس المخابرات الجنرال "أهارون ياريف" حيث حدد الخطوط العامة لتحركات ونوايا الدول العربية. فمصر، تعتبر المواجهة معها أمراً لا يمكن تجنبه، ولذلك تتدفق قواتها في سيناء، وهناك لواء كويتي مدرع[5]. على وشك النزول إلى سيناء. وكتيبة عراقية في طريقها إلى غزة، ووعدت ليبيا والسودان، بإرسال قوات إلى مصر، ولكنها لم تصل إلى سيناء بعد.

وكانت هناك دلائل على أن المصريين على وشك شن هجومهم. فقد أصدر "الفريق مرتجي"، قائد القوات المصرية في سيناء في اليوم السابق "أمره اليومي" والذي ينص على: "أن عيون العالم تتطلع إليكم في حربكم المجيدة، ضد العدوان الإمبريالي الإسرائيلي على تراب وطنكم.. إن حربكم المقدسة لاستعادة حقوق الأمة.. واستعادة أرض فلسطين السليبة بفضل الله، وبالعدل، وبقوة أسلحتكم ووحدة إيمانكم.

وكان "عبدالناصر" يحاول أيضاً التأثير على سورية والأردن للاشتراك في الحرب.. ففي الأردن، تم تشكيل قيادة الجبهة التابعة للقيادة العربية الموحدة برئاسة الفريق المصري "عبدالمنعم رياض". الذي تولى الإشراف على جميع القوات الأردنية، وأمر بتوزيعها على طول الحدود الإسرائيلية. ووعدت العراق بإرسال أربعة ألوية مشاة على الفور إلى الأردن، بالإضافة إلى قوة مدرعة. وألغت الأردن في حركة استعراضية طلبه الخاص بشراء طائرات من الولايات المتحدة الأمريكية، وأجل تسلمها.

وعندما انتهى رئيس المخابرات من تقريره، أضاف "ايبان" وزير الخارجية.. أنه كما يقول وزير الدفاع والخارجية الأمريكيان "مكنمارا، ودين راسك"، فإن أمريكا ترى أنه بالرغم من احتمال قيام مصر بعمل عسكري ضد إسرائيل، فلا ينتظر شن هجوم فوري. وأنه فيما يتعلق بطلبات الأسلحة من الولايات المتحدة الأمريكية، أشار وزير الدفاع، إلى أنه حتى لو تمت الموافقة عليها، فلن تصل إلى إسرائيل قبل وقت طويل، وبذلك لن تكون لها تأثير على الأزمة الحالية.

ثم جاء دور وزير الدفاع الإسرائيلي "موشي ديان" لتقييم الموقف، وكان قد سلم "أشكول" اقتراحاً مكتوباً يتضمن القرار الذي يجب اتخاذه.. وذكر: أنه قد حدث تغيران رئيسيان في الموقف خلال الأيام القليلة الماضية. أحدهما هو هدف مصر ومحاولات حمل الأردن على أن تفتح الجبهة الشرقية. والثاني: هو استعدادات مصر لشن هجوم عسكري عاجل، ذلك، أن وحدتي الكوماندوز المصريتين اللتين أرسلتا إلى الأردن خلال اليومين الماضيين، هي قوات هجومية. وقد لا يهاجم المصريون في صباح اليوم التالي[6]، ولكنني أعتقد أنهم متلهفون لتوجيه الضربة الأولى. وإذا اعتقدوا، أن هذا هو هدفنا أيضاً، فلن يترددوا في أن يسبقونا إلى ذلك، ويشنوا هجومهم في اليوم السابق لشن هجومنا. وإذا نجحوا، فإن المضاعفات بالنسبة لنا ستكون فقدان عنصر المفاجأة، وفتح جبهة عربية ثانية.

وهناك جانبان لفقدان عنصر المفاجأة بالنسبة لها. إذ أن ما فشلنا في تحقيقه في الضربة الوقائية فلن نستطيع تحقيقه بعد ذلك. وعلى الرغم من أننا جميعاً أعلنا ثقتنا في أننا سنحقق النصر، فإن علينا أن نتذكر أن حجم قواتنا محدود. وإذا خسرنا عدداً كبيراً من القوات والطيارين، فلن يكون تحقيق النصر سهلاً. فنحن لسنا مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تستطيع أن تدفع بموجات متتالية من قوات الاحتياطي. فكل جندي عندنا له قيمته، وعندما أبلغ رئيس الاستخبارات، أن مصر تلقت سرباً جوياً عراقياً آخر، ومزيداً من طائرات الميج. كنا نهز رؤوسنا ونقول: "وماذا في ذلك؟". ولكن كل هذه الإضافات تطرح صعوبات أكثر. فلا يمكن التغلب عليها بسهولة. وأضاف "ديان": أن الأعضاء الحاضرين في هذا الاجتماع يتباهون بإنجازاتهم الضخمة التي حققوها في الأسبوع الماضي. لقد أبعدوا شبح الحرب طوال الفترة الماضية. وإنني أهنئهم على غرورهم. ولكن ينبغي عليِّ أن أوضح أن كل ساعة مرت، زادت من تعقيد مهمتنا وجعلتها دموية بدرجة أكبر. والآن، فإن شن هجوم على رفح أو غزة، اللتين كان تسليحهما ضئيلاً حتى أسبوع واحد مضى. وهما تزدحمان الآن بدبابات العدو ومشاته ـ التي نقلت خلال الأسبوع الذي وفره وزراؤنا ـ سوف يكلفنا ذلك عدد أكبر بكثير من القتلى والجرحى، فمن المستحيل مهاجمة المواقع المحصنة، الواحد تلو الآخر دون التعرض لخسائر.

إن المفروض أن كل من يدعو إلى أن ننتظر أسبوعاً آخر لكي نحمي مؤخرتنا السياسية يدرك ما يتحدث عنه. ولكن كل من يشعر أنه يحتمل أن نتورط في الحرب في النهاية، يجب أن يدرك قيمة كل يوم يمر وتكاليفه، فكيف يمكن أن نتحدث بمثل هذا الاستخفاف عن الانتظار أسبوعاً آخر.

إن علينا الآن أن نتخذ قرارنا بشأن ما إذا كنا سنقوم بتوجيه الضربة الوقائية أم لا.. فإنه إذا فاجئنا العدو، فسوف نعطل على الأقل، مائة من طائراته الحربية عن العمل.. ويعادل هذا بالنسبة لنا جميعاً إمدادات الأسلحة الإضافية التي قد نتلقاها خلال الشهور الستة القادمة، إذا تحققنا أن هناك دولة توافق على تزويدنا بالأسلحة، لأنني أعتقد أننا لن نتلقى طائرة واحدة خلال تلك الفترة، سواء كان هناك حظر رسمي على الأسلحة أم لا.. ولن يسمح لنا ديجول بالحصول على الطائرات، حتى لو بدأت مصر الحرب، وسوف تحدد الطلقة الأولى الطرف الذي يعاني أفدح الخسائر، وسوف يتغير بالتأكيد توازن القوى.

ولكن الأمر الأهم بدرجة كبيرة هو فرصة النصر الأساسية، وبصراحة، فإن أفضل فرصة أمامنا لتحقيق النصر تتمثل في توجيه الضربة الأولى. وسوف تسير الحملة بعد ذلك وفقاً لرغبتنا. وإذا بدأنا القتال، وحققنا عملية اختراق بالمدرعات في سيناء، فسوف يضطر العدو إلى القتال، وفقاً للخطوات التي نقوم بها، وربما تمكنا أيضاً من السيطرة على الجبهات الأخرى بقوات صغيرة.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الموقف الذي نجد أنفسنا فيه، مع وجود مئات من دبابات العدو على كل محور من المحاور المؤدية إلى إسرائيل، من القواعد المصرية في سيناء، بالإضافة إلى الاستعدادات الأخرى التي يقومون بها. فسيكون من الخطأ القاتل، أن نسمح لهم بشن هجومهم، وعلينا توجيه الضربة الأولى.

ثم جاء دور رئيس الوزراء الإسرائيلي.. وأثناء حديثه، وصلت إشارة من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت رسالة طويلة وملتوية وسلبية في مضمونها. فضلاً عن الجملة التقليدية التي رددها الرؤساء الأمريكيون الأربعة، منذ إنشاء الدولة، والتي تنص على "احترام وحدة أراضي إسرائيل، وجميع دول المنطقة"[7]. كانت الرسالة مخيبة للأمل. فقد كان الرئيس يقول في برقيته، أنه يأمل في القيام بعمل قوي يؤدي إلى التوصل إلى حل مرض لمشكلة حرية الملاحة في المضيق، ولكن ينبغي أن تقوم بهذا العمل الأمم المتحدة أو الدول البحرية، وليست الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها بأي حال. وتدرس الولايات المتحدة الأمريكية الاقتراح البريطاني، الذي يدعو إلى إقامة وجود دولي في مياه المضيق.

ووصف "أشكول" رسالة "جونسون"، بأنها مخيبة للآمال. وقال أن الميزة الوحيدة فيها أنها أفضل من رسالة "ديجول". وأن موقفنا خطير للغاية، ويجب علينا أن نشرح السبب في ردنا على الرئيس، ولكن لا ينبغي أن نطلب أو ننتظر رداً، ويجب أن نفعل الآن ما يجب أن نفعله ـ وكان "أشكول" متردداً في نطق كلمة "الحرب" ـ وأضاف ولعله كان من الأفضل لو أننا قد تصرفنا منذ ثلاثة أو أربعة أيام.

وأنهى "أشكول" الاجتماع بتقديم اقتراح بإصدار أوامر للجيش لكي يختار الوقت والمكان والأسلوب المناسب.. وكان ذلك يعني بالنسبة لأسلوب رئيس الوزراء، شن الهجوم الإسرائيلي في اللحظة، التي يعتبرها الجيش مناسبة.

وعرض رئيس الوزراء قرارين للتصويت، أحدهما مقدم من وزير الدفاع، والآخر من حزب المابام (حزب العمال اليساري في الائتلاف الحاكم). وكان اقتراح وزير الدفاع ينحصر في: "أن تقوم الحكومة بعمل مسلح لتحرير إسرائيل من القبضة العسكرية الخانقة، التي يتزايد إحكامها حولها، ولمنع وقوع الهجوم الذي توشك أن تشنه عليها قوات القيادة العربية الموحدة. على أن تخول الحكومة لرئيس الوزراء، ووزير الدفاع سلطة إقرار توقيت العملية للهيئة العامة لأركان قوات الدفاع الإسرائيلي".

وكان اقتراح المابام، ينص على: "أن تقوم الحكومة، بهدف كسر قبضة العدو العدوانية، والخانقة، بالمضي في تنفيذ الخطوة التي قررت القيام بها يوم السابع والعشرين من مايو ـ أي أن تؤجل جميع القرارات في الوقت الحاضر، وتتابع جهود الرئيس "جونسون" الرامية إلى جمع أسطول من عدة دول يقتحم المضيق، بينما نوضح للدول الكبرى أن أمننا ووجودنا معرضان للخطر الشديد، ونطالب بإمدادات عاجلة من الأسلحة تتطلبها الخطورة المتزايدة على أوضاع أمننا.

وقد حصل قرار وزير الدفاع على الأغلبية، بينما لم يحصل القرار الآخر إلا على صوتين فقط.. وبهذا أصبح قرار الحكومة المضي في العملية العسكرية. وتم اتصال وزير الدفاع، برئيس الأركان، وإبلاغه بأنه تمت الموافقة على خطة العمليات بما فيها ساعة الصفر المحددة لها الساعة 45ر7 من صباح اليوم التالي.

وإمعانا في الخداع، فقد أصدرت الحكومة الإسرائيلية، عقب الاجتماع بيانا يتضمن، اجتماعها في العاشرة من صباح اليوم التالي، مرفقاً به جدول أعمال عادي يضم مسائل مدنية مثل إصدار سندات حكومية جديدة، والتصديق على اتفاقية ثقافية مع بلجيكا.

1. الموقف العالمي قبل شن الحرب مباشرة

تباين الموقف العالمي على الساحة، بين مؤيد لهذا ومؤيد لذاك، وكان الغرب في معظمه من مؤيدي إسرائيل، بينما كان الاتحاد السوفيتي مؤيدا للعرب، وكان العرب أنفسهم بين قاب قوسين أو أدنى في اتجاه الحرب.. ولكنهم لا يدرون أنها قادمة لهم بشراسة.

2. موقف الولايات المتحدة الأمريكية

تباين موقف الولايات المتحدة الأمريكية الرسمي، عن موقفها غير المعلن، والذي كان يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بشن حرب في التوقيت الذي تختاره، على ألا تعلن أي علاقة بهذه الحرب من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أشرنا إليه في السابق.

3. الاتحاد السوفيتي

قبل يومين من الحرب.. استدعى وزير الخارجية السوفيتي، سفير إسرائيل في موسكو وسلمه بياناً رسمياً لينقله إلى الحكومة الإسرائيلية، وقال البيان في فقرته الأخيرة، "تود الحكومة السوفيتية أن تكرر وتوضح أنها سوف تبذل كل ما في وسعها من أجل نشوب الصراع العسكري المسلح. وهي تركز جهودها الآن على تحقيق هذا الهدف، ولكن إذا قررت إسرائيل تحمل مسؤولية نشوب الحرب، فسوف تدفع ثمن نتائج هذه الحرب بأكملها[8].

4. الموقف الفرنسي

تعارضت ردود الفعل الفرنسية، بين الموقف الرسمي، والموقف الشعبي الذي تسيطر عليه المصالح اليهودية في فرنسا. وقد سارت مظاهرات ضخمة تؤيد إسرائيل، ولكنها لم تؤثر على ديجول. ففي الثاني من يونيه قرر مجلس الوزراء الفرنسي أن فرنسا لا تعتبر نفسها ملتزمة إزاء أي طرف من الأطراف في الشرق الأوسط. وتعترف فرنسا بحق الوجود لجميع الدول في المنطقة. ويجب على هذه الدول جميعاً أن تمتنع عن جميع أشكال العنف، والدولة التي تبدأ باستخدام القوة المسلحة، سوف تخسر تأييد فرنسا لها. والمشكلات المتعلقة بالملاحة في خليج العقبة، وكذلك مشكلات اللاجئين العرب، والعلاقات بين دول المنطقة ينبغي أن تحلها الدول الكبرى فقط وهي الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وفرنسا وبريطانيا.

وفي الثالث من يونيه، صدر إعلان بأن فرنسا قد قررت مؤقتاً وقف تزويد إسرائيل بالأسلحة. وأكد "ديجول" في حديثه له مع السفير الإسرائيلي في فرنسا، "أنه يؤيد وجود إسرائيل، ولكنه قال أن عام 1967 ليس شبيها بعام 1957. ولم أكن أتولى السلطة وقتئذ. وفي الوقت نفسه، فإن فرنسا جددت علاقاتها مع العرب، وهي ترغب بشدة في تدعيم هذه العلاقة، وأصر "ديجول" على أن فرنسا أوقفت إمدادات السلاح إلى إسرائيل، لأن تريد منعها من شن الحرب".

5. الموقف البريطاني

كانت بريطانيا تقوم بتنسيق سياستها مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان "هارولد ويلسون" رئيس الوزراء البريطاني موجوداً في واشنطن في ذلك الوقت، ومستعداً على ما يبدو للاشتراك في الإجراءات التي اقترحها الرئيس "جونسون". أي توقيع إعلان ملائم والانضمام للقوة البحرية.

6. الموقف العربي

أعلن "عبدالناصر" مراراً أن هدفه في هذا الوقت هو تدمير إسرائيل، ووصل من الأقطار العربية مثل الكويت والجزائر مفارز من القوات لتدعيم مصر. وسرعان ما أحيطت إسرائيل بقوات عربية حتى مائتين وخمسون ألف جندي وأكثر من 2000 دبابة وحوالي 700 طائرة مقاتلة ومقاتلة قاذفة وذلك في الخط الأمامي وقد توقع الكثيرون من العالم أن إسرائيل على وشك التدمير ولكن لم يتم اتخاذ أي إجراء دولي وقد كان مندوب الاتحاد السوفيتي والدول العربية في الأمم المتحدة يواصلون جهودهم لإعاقة أي مجهود يمكن أن يقود به فتح النيران للتدخل واعتراض الخطط العربية. وابتكروا طرق لتقليل خطورة الموقف والسماح للخطط العربية بالتقدم في طريقها.

أما الحكومة الإسرائيلية بقيادة ليفي "أشكول" قد بذلت جهوداً كبيرة لحل الأزمة بالطرق الدبلوماسية بإرسال وزير الخارجية "آبا إيبان" إلى رؤساء الحكومات إلى الدول الغربية ولكن كل ذلك لم يسفر عن شيء.

وقد تورطت إسرائيل في الأزمة وكانت قواتها وما تزال معبأة بما فيها الاحتياطي وبذلك تجردت البلد من قواتها البشرية. وتم دفن الشكوك القائمة من حيث قدرة حكومة "أشكول" في إقرار وشن الحرب. وقد ظهر التردد وفقد الشجاعة في بعض الأحيان على الجنرال "رابين" وقد تظاهر بتسممه بالنيكوتين وقد أصابه الخمول التام لمدة 48 ساعة وقد أخذ مكانه الجنرال "عيزرا وايزمان" والذي كان وقتئذ رئيساً لفرع العمليات في هيئة الأركان العامة[9]. وتصاعدت الضغوط السياسية في إسرائيل، في الوقت الذي كانت فيه الجيوش العربية تتحرك لدعم الجبهات، وانضمت لقوات "عبدالناصر" فرق إضافية من الدول العربية وطارت كتيبة فدائية مصرية إلى الأردن ومن هناك تحركت إلى منطقة اللطـرون لكي تقوم بعمليات ضد الطريق الرئيسي وشريان إسرائيل وهو طريق القدس ـ تل أبيب.

وبينما يسود الاضطراب العالم العربي كان "الملك حسين" يتوجه إلى الرئيس "عبدالناصر" في القاهرة بعد أن وصفه "عبدالناصر" قبلها بأسابيع بأنه عميل الإمبريالية، وكان ذهابه للقاهرة لتحقيق الوفاق معه وقد وضح في وقت لاحق للدبلوماسيين الغربيين أن ما فعله كان للحصول على التأمين لما كان يسود العالم العربي من اضطراب. وبعد أن وقع معاهدة دفاع مع "عبدالناصر" ووافق على ترشيح واحد من المصريين هو الفريق "عبدالمنعم رياض" كقائد للقوات العربية المشتركة التي تعمل على جبهة الأردن. وكان "الملك حسين" قد عاد إلى الأردن يوم 30 مايو وفي صحبته هذه المرة خصم عنيد لإسرائيل وهو "أحمد الشقيري" رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وبعد ثلاثة أيام وصل إلى الأردن الفريق "عبدالمنعم رياض" ليباشر عمله القيادي الجديد.

أما بالنسبة لإسرائيل فقد كانت من الناحية الإستراتيجية تواجه حشود من التحالف العسكري المتحفز بها وعلى الأقل من جبهتين هما الأردن ومصر وإزاء ما كان سائد، بأن الحرب أمر حتمي وسوف يتكرر واحد من العوامل التي حددت القرار في عام 1956. حيث أن قرار "بن جوريون" بالحرب لم يكن فقط بسبب سلوك "عبدالناصر" ولكن أيضاً بسبب تطور وازدياد التحالف العسكري ضد إسرائيل والذي كان يضم سورية ومصر، وقبل أسبوع من اتخاذ قرار الحرب شمل أيضاً الأردن. أما في عام 1967 فقد حدث تطور مفاجئ ومشابه بانضمام الأردن إلى التحالف الذي تم تشكيله من قبل كل من سورية ومصر، وهذا الموقف وضع قادة إسرائيل أمام مجال قليل من الخيارات. وفوق ذلك كانت الحكومة الإسرائيلية تعلن باستمرار وبوضوح من أن إغلاق مضايق تيران سيتم تفسيره من قبل إسرائيل على أنه إعلان بالحرب من جانب البلاد العربية.

وفي استرجاع الأحداث أصبح ممكناً الآن تقييم دور "عبدالناصر" للموقف وخطته للتحرك للمواجهة. وفي الواقع أنه كان من الممكن الحصول على رؤية واضحة لتفكير "عبدالناصر" وذلك بتحليل مقالات "محمد حسنين هيكل" محرر الأهرام والذي كان أقرب المقربين وأكثر ثقة لدى "عبدالناصر"، هذا وقد اتضح تفكير عبدالناصر في مقال لهيكل نشر في يوم 26 مايو وبات واضحاً من هذا المقال ومن تحليلات أخرى ظهرت في مصر، أنه عندما أمر "عبدالناصر" قوات الطوارئ الدولية بمغادرة البلاد يوم 17 مايو استند قراره على ثلاثة افتراضات:

أ. أنه بعد انسحاب قوات الأمم المتحدة بناء على طلبه فسوف يغلق مضايق تيران أمام البحرية الإسرائيلية.

ب. وأنه من المحتمل أن يلي هذا الإجراء محاولة إسرائيل فتح المضايق بالقوة وكسر الحصار وهذا سيؤدي للحرب.

ج. أنه في حالة حدوث حرب فإن نسبة القوات وحالة الاستعداد للحرب في قواته سيحقق لمصر النجاح العسكري. وكان "عبدالناصر" مقتنعاً، بأنه في حالة جمع كل من الصراع العسكري والسياسي فستكون له اليد العليا.

7. آراء بعض قادة إسرائيل في قرار الحرب

يذكر "عيزرا وايزمان" (رئيس إسرائيل الحالي) في مذكراته: "أنه عندما دخل "موشي ديان" الوزارة، كان يعرف أن هناك احتمال في أن يصدر قراراً بدخول الحرب".. وأضاف: "أن حكومة "أشكول" كانت خائفة للغاية من اتخاذ قرار الحرب دون أن يكون "موشي ديان" مشتركاً في الحكومة.. فقد كانت الحكومة تريد اشتراك "موشي ديان" حتى إذا انتهت الحرب بكارثة، لا يتحملون هم وحدهم تبعاتها".

كما يستعيد "آبا إيبان"، وزير الخارجية، و"إيجال آلون"، وزير العمل، الأحداث بصورة مختلفة. فآبا إيبان يقول أن حكومة إسرائيل قررت الدخول في الحرب يوم أول يونيه، وقد فرض التحالف الذي تم بين القاهرة وعمان هذا القرار. ويوافق إيجال آلون على ذلك، ويضيف، أنه كان هناك خلاف في الحكومة وكانت الغالبية تأمل حل دبلوماسي، ولكن بعد 30 مايو، كانت الحرب أمراً ضرورياً لا مفر منها. ويضيف "شيمون بيريز": "أن السبب الرئيسي في الحرب كان الحلف العسكري الذي عقد بين الرئيس "عبدالناصر" و"الملك حسين". فقد شعرنا بأننا محاطون بشبكة من الأسلحة الروسية."

ويقول بن جوريون في كتابه "إسرائيل تاريخ شخصي" ومما لا شك فيه أن الثقة الزائفة بالنصر لدى الدول العربية الأربع إنما نبعت من الموقف الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي خلال الاثنى عشر عاماً الماضية، أي منذ صفقة الأسلحة السوفيتية الأولى لمصر (عن طريق تشيكوسلوفاكيا) في أكتوبر سنة 1955. فقد زودت موسكو مصر وسورية والعراق بألفي دبابة، 700 طائرة مقاتلة وقاذفة، وآلاف من مدفعية الميدان. وأنفقت مصر وحدها، في تلك الفترة، أربعة بلايين دولار على تعزيز قواتها المسلحة، كما حصلت من الاتحاد السوفيتي على أكثر من خمسمائة طائرة، 1300 دبابة، 540 مدفع ميدان، 130 مدفع متوسط المدى، 200 هاون عيار120 مم، 600 مدفعاً مضاداً للطائرات، 650 مدفعاً مضاداً للدبابات، 12 غواصة أو أكثر. كما كان بمصر، قبل حرب الأيام الستة، أكثر من خمسمائة من الضباط والمعلمين السوفييت.

"لقد ضاعفت أجهزة الدعاية السوفيتية نشاطها منذ وقوع الهجوم السوري على المستعمرات الإسرائيلية في الجليل الأعلى في 7 إبريل سنة 1967 عندما اضطرت القوات الجوية الإسرائيلية إلى الاشتباك وأسقطت ست طائرات ميج سورية. فقد قالت تلك الدعاية أن "إسرائيل تعمل لصالح الإمبريالية الأمريكية وشركات البترول الغربية". وردد الروس بصفة متواصلة القول بأن قوات إسرائيلية كبيرة تحتشد على الحدود السورية. وربما قصد السوفييت، بتركيز دعايتهم على وجود حشود عسكرية إسرائيلية مزعومة في الشمال، إلى تحويل أنظار الحكومة الإسرائيلية والعالم عن الاستعدادات المصرية في الجنوب، في شبه جزيرة سيناء".

واندلعت الحرب في هذه المرة من الجنوب وليس من الشمال، ذلك أن "عبدالناصر" منذ هزيمته في معارك سيناء 1956 (ما بين أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر من عام 1956)، كرس كل جهوده نحو تحويل المنطقة الشمالية الغربية من سيناء إلى قاعدة عسكرية حصينة من أجل شن هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل. فأدخلت تحسينات على الطرق التي كانت موجودة قبل معارك سيناء وأعيد رصفها، كما أقيمت طرق جديدة. وأنشئت شبكات كبيرة من التحصينات على مقربة من الحدود الإسرائيلية وعلى خط يبدأ من غزة إلى رفح والعريش، ومن العريش إلى أبي عجيلة والقسيمة، وخلف ذلك امتدت شبكة من الدفاعات، والمعسكرات الحصينة والمطارات إلى عمق سيناء".

"وتحول قطاع غزة، خلال تلك الحقبة، إلى معسكر مسلح حفرت فيه الخنادق، وزود بالمدرعات والمدفعية وبأنواع أخرى من الأسلحة. وعندما بدأت القوات المصرية الدخول إلى سيناء على نطاق واسع في 15 من مايو 1967، وجدت أمامها شبكات تموين مجهزة بالفعل بالذخيرة والوقود والإمدادات التموينية. وعندما بدأت الحرب في 5 يونيه بلغ عدد القوات المصرية التي احتشدت في سيناء وقطاع غزة سبع فرق، أي عدة مئات الألوف من الرجال. وكانت هناك، تحت تصرفهم، 1000 دبابة ومئات من مدفعية الميدان، كما كان رابضاً بمطارات سيناء طائرات اعتراضية وأخرى قاذفة مقاتلة".

"وكان قد تم توزيع فرق المشاة عبر المحاور شرقي سيناء، مع تركز القوات المدرعة في العمق بالأجزاء الوسطى والجنوبية لسيناء. وأقامت فرقة مشاة "فلسطين" رقم 20 بمعسكرات مؤقتة في قطاع غزة، ووضعت الفرقة 7 بين رفح والعريش وأخذت الفرقة الثانية مواقعها على المحور الأوسط في أبو عجيلة والقسيمة، ووضعت الفرقة 31 إلى غرب وجنوب العريش وأبو عجيلة، وفي جبل لبنى، وبير حسنة، أما الفرقة السادسة فقد أخذت مواقعها في الجناح الجنوبي بين نخل والكونتيلا. وكانت كل فرقة مشاة تضم أعداداً كبيرة من الدبابات. ووضعت فرقتان مدرعتان في وسط سيناء: الفرقة الرابعة المدرعة ـ وهي أفضل التشكيلات المصرية امتيازاً ـ وأخذت مواقعها بين بير جفجافة وبير تمادا، أما الفرقة الأولى المدرعة والتي كانت جنوب الكونتيلا على مسافة ليست بعيدة عن إيلات، فكانت مستعدة لاختراق صحراء النقب الإسرائيلية لشطر إيلات ومنطقة الخليج عن إسرائيل".

وكان في مواجهة تلك القوة المصرية قوة مشاة إسرائيلية وقوى أخرى مدرعة يزيد عددها على ثلاثة فرق قادها على التوالي الجنرالات: "إسرائيل تال"، "آريل (اريك) شارون"، "إبراهام يوفي"، في ظل الرئاسة العامة لقائد الجبهة الجنوبية: "بيشا ياهو جافيش". وكانت كل فرقة تتألف من ألوية مشاة مدرعة وألوية مظليين، وكتائب مدفعية، وكتائب سلاح مهندسين، ووحدات لسلاح الإشارة ووحدات طبية.

ثامناً: الساعات الأخيرة قبل شن الهجوم

ربما يكون الشعور الشخصي الذي جال بخاطر وزير الدفاع والذي عين ليكون مسؤولاً عن إدارة الحرب هو أقرب الخواطر، للتعرف على المنهج التحليلي للسيكولوجية الإسرائيلية في مواجهة العدوان، التي تشنه على الدول العربية من آن لآخر. يقول "موشي ديان" في خواطره: "بعد اجتماع مجلس الوزراء (الذي عقد يوم 4 يونيه، واتخذ فيه قرار الحرب). عدت إلى تل أبيب، واجتمعت مع رئيس الأركان، ومع نائب رئيس العمليات، لاستعراض الخطط المقترحة في الجنوب. ثم سافرت إلى الشمال بالطائرة، لعقد اجتماع مع دادو "ديفيد اليعازر" قائد القيادة الشمالية وقتها.. وسمعت تقريره عن الموقف، وكذلك اقتراحاته. وقد أكدت ـ إزاء إلحاحه ـ على ضرورة عدم تسخين الجبهة السورية، وعدم القيام بأي عمل للاستيلاء على ثلاثة مواقع على الحدود السورية، حسبما كان يرغب، وإنني أعتقد أنه يجب عليه أن يدعم إجراءاتنا الدفاعية، ويوسع نطاق حقول الألغام، ويزيد من التحصينات. وأن المنطقة الوحيدة التي أرى أنه يمكن أن نتقدم فيها، هي المنطقة المنزوعة السلاح، على أن نتقدم حتى خط الحدود الدولية السابق، ولا نتخطاه. وسوف نفعل نفس الشيء في منطقة الحمة، التي قد نتقدم فيها شرقاً على طول نهر اليرموك، حتى نتمكن من تحويل نصيبنا من مياه هذا النهر إلى بحر الجليل ـ وفقا لما حدده مشروع جونسون لاستغلال مياه نهر الأردن. وكان من حقنا بموجب هذا المشروع الذي وضعه في الفترة بين عامي 1953ـ 1956، "إيريك جونسون"، مبعوث الرئيس أيزنهاور وقتها، أن نشارك في مياه نهر اليرموك مع سورية والأردن. ولكن سورية قررت في آخر لحظة، بتحريض من مصر، ألا توقع الاتفاق لأسباب سياسية، وحرمت إسرائيل من نصيبها من المياه.

ولم يحدث شيء يذكر أثناء الليل، وكانت جميع قواتنا متأهبة للقتال حتى الفجر. وقد كانت تلك هي المرة الثالثة في حياتي التي توليت فيها منصباً هاماً في شؤون الدولة.  ولكن في منصبي الحالي، كان اهتمامي الكامل منصباً على الحرب، ومسؤوليتي عنها. وكنت أشعر طوال الوقت بعبء المسؤولية التي أصبحت ملقاة على عاتقي. ولم أستطع أن أتجاهل ببساطة كلمات "بن جوريون" الذي حذر من دخول الحرب، كما لم أستطع أن أتجاهل موقف "ديجول"، ونصيحة "دين راسك" المحذرة، وخاصة تهديدات الروس، ولم يكن في استطاعتي أن أنسى الحرب السابقة، حملة سيناء، التي رفعت الروح المعنوية بالنصر، ولكنها خلقت في نفسي آثار جرح الانسحاب.

يضاف إلى ذلك، أن هذه كانت هي أول مرة أتصرف فيها على مسؤوليتي الخاصة، وبدون الخضوع لسلطة أعلى. حقاً أنني كنت تحت رئاسة رئيس الوزراء "ليفي أشكول". ولكن الواقع، ومن الناحية النفسية، كان هناك فرق كبير بين وضعي الحالي، ووضعي إبان حرب 1956. عندما كنت رئيساً للأركان، تحت قيادة "بن جوريون"، ولكني كنت أقدر من "بن جوريون"، وحتى عندما كنت أختلف معه، وأعتقد أنه كان مخطئاً، كنت أنفذ أوامره بقلب مفتوح، وأنا أعرف أنه قد يكون على حق في نهاية الأمر. أما في هذه المرة فكان الأمر مختلفا. فبصفتي وزيراً في حكومة "أشكول"، شعرت بأنني في حاجة إلى وزن الأمور، وكأني لا أخضع لأي رئاسة. وكان "بن جوريون" الذي كنت أحترم دائماً حكمته السياسية يقيم قريباً من مكتبي، ولكنني امتنعت عن الأخذ بمشورته. وكنت أعتقد أن نظرته إلى وضعنا غير سليمة، وأؤمن بأنه يعيش في عالم الماضي، فقد كان لا يزال يعجب "بديجول"، ويقدر نفوذ "عبدالناصر" بشكل مبالغ فيه، ويقلل من شأن قوات الدفاع الإسرائيلية المنضبطة. ومهما كانت النتيجة، فإن العجلة كانت قد دارت بالفعل. وكان علي أن أتصرف على مسؤوليتي.


 



[1] هذا اليوم بالذات، كان شيمون بيريز يكتل تحالفا سياسياً لاستقطاب 50 نائباً في الكنيست وكان هدف هذا التحالف هو إسقاط حكومة ليفي أشكول، نظير عدم قدرته على اتخاذ قرار الحرب

[2] وصف شيمون بيريز المشاكل التي تواجهها إسرائيل قبل الحرب. فقال: `إن هناك مشكلتين لابد أن يوجد حل لهما أولهما: قرار خوض الحرب من عدمه، والثانية: من الذي يتحمل ذلك القرار. وكان هناك شعور بالتبرم والضيق في إسرائيل وفي الجيش، لأن الحكومة لم تدخل الحرب، حيث أن قفل مضيق تيران شيء يعتبر في نطاق القضية الثانوية.. أما التهديد المباشر لإسرائيل نتيجة بناء تحالف يشمل قوات عسكرية حولها فهذا أمر لا يجب السكوت عليه. في نفس الوقت، فإن إسرائيل التي عبأت قوات الاحتياطي، لا يمكنها الاستمرار في حالة التعبئة، في الوقت الذي لا تستطيع فيه التخفيف منها والخطر لا يزال قائما

[3] وقد اكتملت خطة التعبئة في إسرائيل بحشد القوات على الجبهات الثلاث بإجمالي خمسة مجموعات عمليات تحتوي على 30 لواءا من جميع التخصصات. وقد ركزت إسرائيل على الجبهة المصرية ، حيث لها 45% من إجمالي قواتها ضدها ، وحشدت في اتجاه الأردن 30% (على مرحلتين) ، وفي اتجاه سورية 25% من تلك القوات.

[4] يدل ذلك، على أن هناك العديد من القنوات التي تستخدمها إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالقنوات السرية والتي ذهب إليها آميت قد سخرت من فكرة تجميع الأسطول الذي يمر في الخليج، بينما القنوات الدبلوماسية المعلنة تقول غير ذلك تماما

[5] كان عبارة عن كتيبة مغاوير كويتية، كأفراد بأسلحتهم الخفيفة، ولم يكن لواءا مدرعا

[6] كانت كتيبتا صاعقة مصريتين، قد وصلتا إلى الأردن يوم 3 يونيه 1967، ضمن الخطة العامة التي وضعتها القيادة المصرية وقتها. وقد فوجئت الكتيبتان بمجرد وصولهما، بإجراءات اتخذتها السلطات الأردنية، أفقدت سرية تواجد الكتيبتان تماما

[7] يلاحظ هنا أن موشي ديان يحاول تقليل الدور الأمريكي المساند لإسرائيل، علما بأنه هو الذي كتب عن ما أحرزه آميت رئيس الموساد ومن نتائج في الولايات المتحدة الأمريكية

[8] يتضح أن الموقف السوفيتي، قد بنى استراتيجيته على الصراع بالكلمات، دون إجراءات فعلية في سبيل دعم العرب أو إيقاف الحرب نفسها، والتي لم تكن تغيب عن تقدير الاتحاد السوفيتي. وربما يكون ذلك له جذور عميقة في اتجاه تنمية مصالح الاتحاد السوفيتي في المنطقة، والتي كانت ستدعمها إلحاق هزيمة بالعرب، تجعله يؤكد بقاؤه في المنطقة بأسلوب جديد، وبعناصر جديدة تنقل التواجد السوفيتي في المنطقة إلى معترك منافس للولايات المتحدة الأمريكية نفسها

[9] كتب "عيزرا وايزمان" مقالاً صحفياً عقب ترشيح "رابين" لرئاسة الوزارة بعد استقالة "جولدا مائير" يقول فيه أن سلوك "رابين" عام 67 يجعله غير جدير بمنصب رئيس الوزراء