إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر الإسرائيلية





مهام القوات الإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة القدس
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الضربة الجوية الإسرائيلية

معارك الاستيلاء على الجولان
الضربات البرية الرئيسية
العمليات على الجبهة الأردنية



المبحث الخامس

المبحث الخامس

الحرب على الجبهة المصرية

5 ـ10 يونيه 1967

جاء صباح 5 يونيه 1967، لتجد القوات المسلحة الإسرائيلية أنها تواجه جيوش عربية غفيرة، تحتشد حول حدودها، وكان جيش الدفاع الإسرائيلي، قد جهز في هدوء، وكفاءة لمدة عدة أسابيع ليدافع عن البلاد، ضد الهجوم العربي الوشيك والتي أعلنت كل وسائل الإعلام العربية أنه قريب.

والواقع أن إسرائيل كانت قد استعدت تماماً لتلك الجولة، طبقاً لخطة محكمة، وقام الجنرال "موفي" موردخاي هدو، قائد السلاح الجوي بعد ظهر اليوم السابق (4 يونيه) بتزويد قادة الأجنحة بالتعليمات النهائية، وفي مساء اليوم نفسه في الساعة الثامنة مساء - قام قادة الأجنحة بتزويد قادة أسرابهم بالتعليمات النهائية للعملية في صباح اليوم التالى. وفي صباح يوم الخامس من يونيه، تم إيقاظ الطيارين في الساعة 3.45 صباحاً حتى يطلعوا على التعليمات النهائية.

وطبقاً لخطة الخداع، ولإيجاد الذريعة أمام العالم، الذي ينتظر "من الذي سيطلق الطلقة الأولى؟".. فقد صدر بيان عسكري إسرائيلي ينص على: "رصدت محطات الرادار الإسرائيلية في جميع أنحاء البلاد، طائرات العدو فوق مصر، وهي تتجه صوب إسرائيل، وذلك في الساعات الأولى من صباح يوم 5 يونيه 1967. كما اكتشفت تحركات العربات المدرعة المصرية، وهي تتجه نحو الحدود الإسرائيلية في سيناء. وقد سقطت قذائف المدفعية والهاون، من قطاع غزة في حقول "نحال عوز" الكيبوتز الإسرائيلي الواقع بالقرب من مدينة غزة، وأصيب كذلك كيبوتزى "كيسوفيم"، "عين هاشلوشا" بالقرب من القطاع. وقد صدرت الأوامر للقوات الجوية الإسرائيلية بالضرب، حيث بدأت القوات الجوية الإسرائيلية تنفيذ مهامها في الساعة 7.45 صباحاً.

وقد بدأت الحرب بتوجيه إسرائيل ضربة جوية مركزة ضد القواعد الجوية والمطارات ومواقع الدفاع الجوي المصرية أولاً. أعقبها بعد ذلك ضربات جوية أخرى ضد جبهتى الأردن ثم سورية.. وعندما تأكد نجاح الضربة الأولى في اتجاه الجبهة المصرية صدرت التعليمات لشن الحرب البرية.

أولاً: الضربة الجوية على الجبهات المختلفة

يصف الجنرال موشى ديان وزير الدفاع تفاصيل الضربة الجوية كالآتي:

1. الضربة الجوية في اتجاه الجبهة المصرية (اُنظر شكل الضربة الجوية الإسرائيلية)

كان يوم 5 يونيه سنة 1967 يوم الهجوم : ساعة الصفر 7.45 صباحاً[1]. وكنت في الساعة السابعة والنصف في مقر القيادة الجوية. وكان التوتر يكاد يكون ملموساً. ولم تتحول أي عين عن خريطة العمليات الحربية، ولا أي أذن عن شبكة اللاسلكي. وعندما بلغت طائراتنا أهدافها وأصبح واضحاً أنه لم يتم اكتشافها، انزاح عبء واحد - ولكنه ذو ثقل مضن - عن قلوبنا. لقد نجحت الخطوة الأولى. وبدأت الطائرات سلسلة غاراتها الجوية. وأنه لحظ سعيد، إذ من المعتقد أن نحشون، زعيم قبيلة يهودا إبان الخروج، كان أول من دخل مياه البحر الأحمر عندما انشقت، ضارباً بذلك مثلاً لبقية "أبناء إسرائيل" الذين تبعوه على الفور، وبدأت مدرعاتنا تتحرك أيضاً.

وبدأت تقارير طيارينا ترد خلال ساعة: دمرت مئات من طائرات العدو ومعظمها رابض على الأرض، كما تم تدمير مواقع الصواريخ أرض/ جو أو تعطيله. ولم تتم إصابة أية طائرة من طائراتنا إلا نادراً، وعلى ذلك فقد نجحنا في تحطيم قوة عدونا الجوية. غير أنها كانت جزءاً فقط من القوة المسلحة لعدونا، ولم تكن دباباتنا قد التقت بعد بالمدرعات المصرية. بيد أن كابوس الأسابيع السابقة كان قد تلاشى بالفعل خلال دقائق معدودة. حقا كانت الحرب ما تزال في بدايتها، ولكنها كانت بداية من نوع يبشر بالخير بالنسبة للمراحل القادمة، فإن مصر كانت قد أصبحت بدون سلاح جوى. ولم يقض هذا على خطورة قصف سكاننا المدنيين فحسب، بل أنه هيأ لقواتنا البرية ميزة حاسمة. كما أنها ستتمتع بمساندة جوية، بينما ستحرم القوات البرية المصرية منها.

وقد تم تنفيذ هجومنا على القواعد الجوية المصرية، على موجتين اشتركت في الموجة الأولى 183 طائرة، وتعرض أحد عشر مطاراً مصرياً للهجوم فيما بين الساعة السابعة والدقيقة الرابعة عشر صباحاً وبين الساعة الثامنة والدقيقة الخامسة والخمسون صباحاً، وتم خلال ذلك الوقت تدمير 197 طائرة للعدو منها 189 طائرة على الأرض وثماني طائرات في معركة جوية، وأصبحت 6 مطارات غير صالحة للعمل، أربعة منها في سيناء واثنان في فايد وكبريت غرب قناة السويس، وتعطلت ست عشرة محطة رادار. واشترك في الموجة الثانية 164 طائرة هاجمت 14 قاعدة جوية ودمرت 107 من طائرات العدو. وبلغت خسائرنا 11 طياراً قتل 6 منهم (5 في الموجة الأولى وطيار واحد في الموجة الثانية)، وأسر اثنان، وجرح ثلاثة طيارين - وخسرنا 9 طائرات. وأصيب 6 طائرات ولكنها عادت سالمة وأمكن إصلاحها. وخسر المصريون في ذلك الصباح ثلاثة أرباع قوتهم الجوية ـ أي 304 طائرات من مجموع الطائرات الحربية التي يملكونها البالغ عددها 419 طائرة.

وتم هجوم الموجة الأولى وفقاً للخطة الموضوعة، وثبت أن الاعتبارات التي استند إليها التخطيط كانت سليمة. فقد تم تحديد ساعة الصفر بالساعة السابعة والدقيقة الخامسة والأربعين صباحاً على أساس افتراض أن كبار الضباط المصريين سيكونون في ذلك الوقت في طريقهم من منازلهم إلى مقر عملهم. وقد ثبت أن هذا التقدير كان سليماً. واستطاعت طائراتنا الوصول إلى أهدافها بدون أن يكتشف أمرها وذلك بطيرانها على ارتفاع منخفض مع الالتزام بصمت أجهزة اللاسلكي. وكانت الأوامر الخاصة بصمت أجهزة اللاسلكي مشددة لدرجة أنها كانت تمنع مخالفتها حتى في حالة سقوط الطائرة أو اضطرار الطيار للقفز منها، وكان الحد الأقصى للارتفاع المسموح بالتحليق به لأي طائرة منخفضاً للغاية[2].

واتجه أول تشكيل يحلق في الجو، إلى قاعدة بير جفجافة الجوية في سيناء. وأقلع التشكيل الثاني بعد دقيقة واحدة متجها إلى أبو صوير، غرب القناة. وهاجمت الطائرات، التي أقلعت عقب ذلك مطاري بنى سويف وغرب القاهرة. وتم الهجوم على مطار العريش بدون قنابل حتى لا تصاب الممرات بأي أضرار. وكان من المفترض أنه سيتم الاستيلاء على العريش في ظرف يوم أو اثنين وأن سلاحنا الجوي سيحتاج إلى استخدام المطار.

وكانت القواعد الجوية المعادية التي تعرضت لأعنف الهجمات هي أبو صوير (حيث وجهنا ضدها 27 طلعة جوية)، وفايد القريبة من البحيرة المرة الكبرى (24 طلعة) وغرب القاهرة (22 طلعة)، إذ كانت هذه القواعد الثلاثة تضم أكبر حشود للطائرات الحربية[3].

وقد وصل أحد تشكيلاتنا ويضم أربع طائرات، نتيجة لخطأ ملاحي، إلى مطار القاهرة الدولي. ولم يكن به أي طائرات حربية فلم يمس.

وفي الساعة 9.34 صباحاً. أقلعت الموجة الثانية. وبالنسبة لهذه الموجة - وعلى عكس الأولى - تم إجراء التعديل والتغيير في الخطة الأصلية إذ أصبح من الواجب آنذاك أن يؤخذ في الاعتبار نتائج موجة الهجوم الأولى وما قد يكون هناك من تطورات غير متوقعة.

فقد كانت هناك بعض المطارات التي دمرت جميع الطائرات بها ولم تكن هناك حاجة لتكرار الهجوم عليها. وفي مقابل ذلك، نجحت بعض طائرات العدو في الفرار والهبوط في مطارات أخرى أبعد، لم تكن داخلة ضمن الخطة الأصلية. ومن بين الـ 164 طلعة التي قامت بها الموجة الثانية، كانت 115 منها ضد قواعد جوية، و13 طلعة ضد محطات رادار، أما الباقي فقد اشتركت في عمليات الدوريات والمساندة القوية للطائرات المهاجمة. وقد ألقت هذه الموجة قنابلها على 14 قاعدة جوية، من بينها 6 قواعد لم تتعرض لهجوم الموجة الأولى والتي هربت طائرات العدو إليها وهبطت بها. وكانت هذه هي أبعد الأهداف - المنصورة وبلبيس وحلوان والمنيا والغردقة والأقصر. وكانت القاعدة الجوية التي تعرضت لأعنف قصف في كلتا الموجتين هي قاعدة أبو صوير حيث تم تدمير 61 طائرة حربية في 52 طلعة جوية.

وعندما بدأت الموجة الثانية في القيام بغاراتها كان المصريون قد أصبحوا في حالة تأهب كامل، وواجهت طائراتنا عند بعض الأهداف نيراناً ثقيلة من المدافع المضادة للطائرات. ولكن الظروف في هذه المرة كانت أسهل بصفة عامة، إذ أن أعمدة الدخان الكثيفة المتصاعدة من المطارات المضروبة بالقنابل ساعدت الملاحة الجوية، ولم يعد هناك حاجة لصمت أجهزة الإرسال أو للطيران على ارتفاع منخفض بشكل خطير.

2. الضربة الجوية في اتجاه الأردن وسورية (اُنظر شكل الضربة الجوية الإسرائيلية)

بينما كان سلاحنا الجوي مشغولاً على الجبهة المصرية، بدأت الطائرات السورية والأردنية والعراقية في مهاجمة إسرائيل. وكانت الطائرات السورية هي أول الطائرات المهاجمة. فقد أقلعت 12 طائرة ميج ـ 17 من دمشق في الساعة 11.50 صباحاً[4]، وقامت اثنتان منها بمهاجمة مستعمرة دجانيا، وأشعلتا النار في مخزن للأعلاف وحظيرة دواجن، ثم واصلتا طريقهما لكي تقصفا موقعاً معيناً لإحدى السرايا في بيت يريح الواقعة أيضاً على بحيرة طبرية ولكي تقصف سداً على نهر الأردن دون أن تصيبا أهدافها. وهاجمت ثلاث طائرات أخرى مطاراً في وادي جبزمريل وأسقطت مدافع الميادين المضادة للطائرات إحدى هذه الطائرات. وقامت ثلاث طائرات أخرى بإشعال النيران في كومة قش ومخزن حبوب بالقرب من مستعمرة عين همفراتس معتقدة خطأ أنها تقصف معمل تكرير البترول في حيفا. أما الطائرات الباقية فقد هاجمت برشاشاتها وصواريخها دار النقاهة في كفار هاهوريس بالقرب من الناصرة، وأصابت المباني بأضرار كما أصابت يهودياً واحداً وعربياً واحداً بجراح.

وكان السلاح الجوي الأردني هو ثاني سلاح جوى عربي يشترك في الحرب، حيث أقلعت طائراته من طراز هنتر في الساعة الثانية عشرة ظهراً وهاجمت مصيف ناتانيا على الساحل ومطار كفار سيرفين بالقرب من بتاح تيكفاه ودمرت الطائرات الأردنية في سيركين طائرة نقل من طراز فورد كانت رابضة على الأرض. وبعد ساعتين حلقت طائرات عراقية من طراز هنتر فوق إسرائيل وأطلقت صواريخها في اتجاه مستعمرة نحلال، مسقط رأسي معتقدة بلا شك أنها مطار رامات ديفيد. ولم تسبب أي أضرار وعادت إلى العراق.

وما أن وصلت أنباء الغارات الجوية السورية والأردنية، حتى أصدر موتى (موردخاي) هدو الأوامر إلى هيئة أركانه بوضع "خطة لسورية والأردن - وبسرعة!". وخلال دقائق معدودة تحولت ثماني تشكيلات كانت في طريقها لقصف أهداف أخرى وهي في الجو إلى القواعد السورية والأردنية.

وعلى هذا فإنه في الساعة 12.15 بعد الظهر توجهت موجة ثالثة من الطائرات الحربية الإسرائيلية لتنفيذ مهام أساسية تهدف إلى القضاء على قوة العدو الجوية أو إضعافها. وتم تنفيذ 51 طلعة في الأردن على القاعدتين الجويتين في المفرق وعمان، وتم تدمير سلاح الطيران الأردني الذي يضم 28 طائرة حربية، تدميراً كاملاً. وأثناء ذلك أصيبت الممرات بأضرار إلا أنه لم تتبق هناك أي طائرات لاستخدام تلك الممرات[5].

هذا وقد خسرت سورية حوالي 50% من قوتها الجوية - فقد تم تدمير 53 طائرة من مجموع 112 طائرة ـ وذلك من خلال 82 طلعة جوية على القواعد الجوية في دامير ودمشق وصيقل ومارجاريال "T-4" وخسرت العراق 10 طائرات في ثلاث طلعات هجومية على مطار واحد وهو "H-3".

وكانت خسائرنا في هذه الموجة الثالثة 10 طائرات، وقتل 5 طيارين وإصابة اثنين بجراح وأسر اثنين.

وكان ذلك اليوم، بالنسبة لرجال سلاحنا الجوي، يوماً طويلاً وشاقاً حافلاً بالمخاطرة لقد كان هذا يومهم بجدارة. فقد ضمنوا نتيجة للتخطيط البارع والقتال الجريء فيما بين فجر ذلك اليوم وغروب شمسه نجاح الحملة ضد البلاد الثلاثة.

اتخذنا الخطوة الأولى في الحرب مع مصر. وأصبح يواجهنا الآن مشكلتان إضافيتان تتطلبان حلاً فورياً : طبيعة ردنا العسكري على العدوين العربيين الآخرين، سورية والأردن، وكيفية معالجة الاتهام الذي لابد وأن يوجهه العالم إلينا بأننا أطلقنا الطلقة الأولى".

وحاولت طوال فترة النشاط الجوي المكثف في الصباح، أن أمضي أكبر وقت ممكن في مقر قيادة السلاح الجوي. وكان "موتي" وكبار ضباط أركان حربه يجلسون في الصف الأمامي في مواجهة حاجز زجاجي، وكنت أجلس خلفهم مباشرة.

وكانت أجهزة الإشارة توالي تلقى المعلومات وإرسال الأوامر بشكل مستمر. وكانت هناك حركة دائبة بين ضباط "النوبتجية" الذين كانوا يروحون ويغدون باستمرار. ومع ذلك بدا أن كل شئ كان متجمداً، وأن كل صوت كان يصمت في اللحظة الحرجة الأمر الذي كان يُمكِّن "موتى" من التفكير في هدوء ومن الاستماع والتأمل والبت وإصدار قراراته المصيرية.

وبينما كنا نتابع تقارير الطيارين، كانت تحدث تغييرات خاطفة على الحالة النفسية، الأمر الذي كان يبدو في تعبيرات عيون الجميع. فكانت العيون تتألق عندما كنا نسمع إشارة تعلن: "لقد سقطت طائرة ميج"، "لقد أصبت ولكنى بخير"، "إني عائد إلى القاعدة".

وكان الحزن يظهر في العيون عندما تسمع إشارة تقول: "إني سأقفز" أو "لا أرى الباراشوت" وكان الضباط في مقر القيادة يعرفون كل من في الجو ويستطيعون التعرف على كل واحد منهم. وكانت الكلمات الفنية المتبادلة مقتصدة ومختصرة وجافة. فقد كانت هذه هي لغتهم ولغة حياتهم، وكانت تعطيهم شعوراً ملموساً بكل ما يدور في المعارك الجوية، وكأنهم يجلسون شخصياً في كابينة القيادة. وعندما كانت الأمور تسير على ما يرام كانت تبدو ابتسامة سريعة، ولكن عندما كان يصاب أحد الطيارين بجراح أو يضطر إلى القفز أو الهبوط بالمظلة والبحث عن مكان يختبئ فيه بين التلال أو خلف شجرة، أو بين الصخور كانت أفكارهم جميعاً تتجه إليه في كل لحظة. وكان يتم إرسال الطائرات الهليكوبتر وطبيب وطائرات مقاتلة بسرعة لمساعدته، ولكن كان يبدو وكأن الجميع في مقر القيادة موجودون معه في كل لحظة ومرتبطون به برباط مادي لا يمكن قطعه.

هذه العملية الرائعة أعطت إسرائيل السيادة الجوية ومن هنا كانت القوات الجوية الإسرائيلية لها القدرة على حرية تكريس نفسها لمساعدة وتدعيم التشكيلات الأرضية المتقدمة خلال الأيام الباقية من القتال على كل الجهات.

نظرة على شخصية الجنرال "موردخاي هود"

بخلاف من سبقوه في قيادة القوات الجوية الإسرائيلية وهم اللواء "دان فلكورسكى" واللواء "عيزرا وايزمان" لم يكن "موردخاي هدو" من نتاج القوات الجوية الملكية فقد كان يخدم في البالماخ ثم التحق بالوحدة الجوية الإسرائيلية في البالماخ والتي كانت نواة تكوين القوات الجوية الإسرائيلية ثم أرسل كبقية زملائه للتدريب في دورة خاصة بإحدى القواعد الجوية بتشيكوسلوفاكيا في الفترة التي سبقت حرب الاستقلال عندما كان التشيك الذين كانوا يمدون الإسرائيليين بالأسلحة كما كانوا يساعدون إسرائيل بعمل التسهيلات لتدريب القوة الجوية الوليدة. اللواء "موردخاي" هدو من كيبوتز ديجانيا وكان خريجا من المستوى الأول والذي تدرب على الطيران في تشيكوسلوفاكيا وهي التي أمدت إسرائيل بأول طائرة ميسير سميث والتي لعبت دوراً كبيراً في حرب الاستقلال وبعد ذلك تدرب في الخمسينات في مدرسة القوة الجوية الملكية ببريطانيا والتي ظهر فيها كطيار بارز وقد تقدم في مناصب القوات الجوية وحضر دورات تدريبية في الخارج قبل حرب الأيام الستة بشهور وحل محل اللواء "وايزمان" الذي أخذ منصب رئيس العمليات في هيئة الأركان العامة. وقد أثبت جدارته كقائد نشيط وقائد قوي للقوات الجوية وهو قليل الكلام ويتضح ذلك في حديثه المتقطع وغالباً يعرض وجهات نظره على رئيس الأركان (كما فعل سابقوه) وذلك بالنسبة للحالة المالية والنقاط الأخرى المتعلقة بالقوات الجوية وكان جريئاً ومبتكراً وربما كانت خطته الافتتاحية في حرب 67 أصدق تعبير عن خصائص هذه الشخصية.

3. ردود الفعل الأولية لبدء الحرب

جاء أول رد فعل من خلال توجيه السؤال الخاص "من الذي أطلق الطلقة الأولى" في الساعة الثامنة والنصف من صباح ذلك اليوم من جانب أحد أعضاء لجنة الكنيست للشؤون الخارجية والأمن موجها سؤاله إلى الجنرال "موشى ديان" الذي كان قد غادر مقر القيادة الجوية لفترة قصيرة على مضض وقابل لجنة من الكنيست في مطار تل أبيب. وكان أعضاء اللجنة موجودين هناك في انتظار ركوب الطائرة للقيام برحلة إلى الجبهة الشمالية، كان قد تم الترتيب لها في الأسبوع الماضي، ولم يتم إلغائها حتى لا يثار التكهنات وتتعرض السرية للخطر. وعندما قابلهم ديان قرأ عليهم البيان الذي أصدره المتحدث العسكري منذ فترة قصيرة: "اعتباراً من صباح اليوم يدور قتال عنيف بين الطيران والقوات المدرعة المصرية المتقدمة نحو إسرائيل، وبين قواتنا التي خرجت لإيقافها" ثم أطلعهم في إيجاز على أحداث هذا الصباح، ولم يرد بشكل مباشر على التساؤل عن "الطلقة الأولى"، ولكن نظراً إلى أنهم قد سمعوا من قبل آرائه الخاصة بأهمية المبادرة والمباغتة في المعركة، فإنهم لم يكونوا في حاجة إلى الحدس والتخمين.

وفرضت قوات الدفاع الإسرائيلية ستاراً من السرية على أنباء المعركة إلى ما بعد منتصف ليلة اليوم الأول من الحرب، بينما راحت مصر تذيع وصفاً "لانتصارات". فأعلنت الإذاعة المصرية في الساعة الثامنة وخمسين دقيقة صباحاً: "أيها المواطنون، إننا نقف الآن وقفة رجل واحد قلباً وقالباً خلف قائدنا البطل "جمال عبدالناصر". سوف نردع بعزيمة قوية ذلك العدوان الغادر الذي بدأته إسرائيل ضدنا صباح اليوم. النصر حليفنا وحليف الأمة العربية ! النصر لجنودنا البواسل، أبطالنا الأحرار إلى الأمام نحو تل أبيب.

وفي الساعة 9.24 صباحاً صاح راديو القاهرة قائلاً:

"أيها الأخوة والجنود في غزة وسيناء وشرم الشيخ، أيها الأخوة الأبطال في الأردن وسورية! إلى الأمام نحو تل أبيب! يجب على كل عربي أن يثأر لعام 1948 وأن يتقدم عبر خطوط الهدنة لتدمير وكر العصابات الصهيونية في تل أبيب". وبعد ذلك بدقيقة قطع راديو دمشق برامجه ليقول:

"نحن معكم يا رفاق السلاح في القاهرة. نحن معكم يا رفاق السلاح في غزة وسيناء، وشرم الشيخ. نحن معكم يا جماهير أمتنا العربية في الأردن، في زحفكم المشرف!" وبعد ذلك وجه راديو دمشق النداء التالي إلى الشعب السوري :

"أيها الأخوة المواطنون ! إن نيران المعركة قد اندلعت ولن تخمد بعد الآن. إن ساعة الثأر قد حانت. لقد بدأت معركة التحرير. أشعلوا النار، أحرقوا ودمروا الغزاة الصهاينة. إن برميل البارود قد انفجر ولهيب حرب التحرير ترتفع عالية. إلى السلاح يا عرب ! تقدموا إلى قلب فلسطين ! سنلتقي في تل أبيب ! سوف نسحق الغزاة والمعتدين. هيا إلى المعركة يا عرب! إن أجراس النصر تدوي لأن أمل التحرير قد تحقق".

ولم يسكت الأردن. فقد أذاع راديو عمان ما يلي وذلك في الساعة 9.40 صباحاً :

"أيها العرب في كل مكان! إن ساعة التحرير واستعادة حقوقنا المغتصبة قد حانت. إننا سندمر الحدود المصطنعة ونستعيد حقوقنا المسلوبة في هذه المعركة المصيرية التي تشنها قوى الشر والعدوان الصهيوني. إلى الجهاد ! وإلى النصر!".

وبعد ذلك التجاوب من إذاعتي سورية والأردن، أعلن راديو القاهرة أول الانتصارات : "إسقاط" 23 طائرة إسرائيلية. وفي الساعة 10,10 قفز ذلك العدد إلى 42 طائرة، وأعلنت مصر في الساعة 12.40 أن سبعين طائرة إسرائيلية قد "دمرت". وأذاعت محطات إذاعية عربية أخرى قصف تل أبيب وحيفا ومدن أخرى في شمال إسرائيل. ومع ذلك لم ترفع إسرائيل ستار السرية أو تنكر على العرب "انتصاراتهم" الزائفة حتى الساعة الواحدة من صباح يوم 6 يونيه. ووجه راديو القاهرة في المساء الكلمة التالية باللغة العبرية إلى إسرائيل:

"إن قواتنا تهاجمكم من جميع الجهات، من كل جبهة ومن كل قرية. وفي هذه اللحظات فإن قنابلنا سوف تنسف كل مدنكم. لقد أعلناها حربا شاملة على إسرائيل. نحن لانبغى موتكم، إلا أنه لا مفر من ذلك المصير، فموتوا، ولن تأخذنا بكم شفقة. على من تقع مسؤولية تعاستكم أيها الحقراء المساكين ؟ إنها لمسؤولية زعمائكم. إن قواتنا تحيط بكم من كل جانب ونضرب بكل قوة وإحكام. زعماؤكم أداة في أيدي الإمبرياليين وعليهم تقع مسؤولية نهايتكم المريرة هذه؛ فهم الذين أقاموا إسرائيل لتكون نقطة سوداء في قلب وطننا العزيز".

وقال راديو القاهرة في إذاعة أخرى له:

"أين أنت الآن يا "موشى ديان"؟ في عام 1956 وصفوك بوزير النصر. إنك الآن وزير الهزيمة. وإذا كان شعبنا السوري الباسل قد اقتلع إحدى عينيك فسننتزع نحن عينك الأخرى اليوم".

لقد أوضحت تلك الإذاعات والتصريحات بجلاء أن حربنا لم تكن فقط مع مصر وإنما أيضاً مع الأردن وسورية والعراق. وكان لابد للقوات الجوية في اليوم الأول من القتال، أن تقوم بعملياتها ضد حلفاء "عبدالناصر" أيضاً.

وفي الوقت نفسه لم يكن هناك بالطبع أساس للزعم بأن هناك خسائر إسرائيلية فادحة ولكن الغرور والمبالغة العربية كان مفيدين لنا الآن تماماً فقد طلبت من المسؤولين عن الإعلام الجماهيري عدم ذكر أي أنباء عن انتصاراتنا في اليوم الأول على الأقل، حتى تبقى معسكرات العدو في حالة بلبلة.

يقول "موشى ديان": "لم يكن العالم الخارجي وحده هو الذي يهمنا، بل كان علينا أن نوجه كلمة ما إلى شعبنا وقواتنا. وعلى ذلك وجه رئيس الوزراء كلمة في الإذاعة إلى الأمة، ووجهت من جانبي كلمة إلى قواتنا عبر الإذاعة العسكرية قلت فيها: "إن "الفريق مرتجى"، القائد المصري للقوات العربية في سيناء قد أبلغ قواته أن العالم ينتظر مترقباً نتائج "الحرب المقدسة" التي يشنونها، وأنه طالبهم بالاستيلاء بقوة السلاح ووحدة الأخوة على "أرض فلسطين السليبة".

وقلت "يا جنود إسرائيل" ليست لدينا أهداف للغزو، إن هدفنا هو إحباط محاولات الجيوش العربية لغزو بلادنا وكسر حلقة الحصار والعدوان التي تهددنا. لقد عبأت مصر المساعدة من جانب سورية والأردن والعراق. وضمت قوات تلك الدول تحت قيادتها كما أنها عززت قواتها بوحدات عسكرية من الكويت حتى الجزائر. وهم يتفوقون علينا عدداً، ولكننا سنتغلب عليهم وإننا أمة صغيرة، ولكنها قوية، إننا نحب السلام ولكننا في الوقت نفسه مستعدون للقتال دفاعا عن حياتنا وبلدنا. ولاشك في أن مواطنينا المدنيين في المؤخرة سيعانون. ولكن المطلوب منكم يا قواتنا المقاتلة في الجو والبر والبحر هو بذل أقصى جهدكم. يا جنود قوات الدفاع الإسرائيلي إن آمالنا وأمننا معلقان عليكم في هذا اليوم.

4. الذريعة لشن عمليات برية ضد الأردن وسورية

دخلت سورية والأردن الحرب ففتحت الأردن نيران مدفعيتها ومدافع الهاون في الساعة 11.45 صباحاً على الأحياء اليهودية في القدس، وأعقبتها بعد فترة قصيرة نيران المدفعية والأسلحة الخفيفة على طول خط وقف إطلاق النار. وبعد ذلك بنصف ساعة بدأت سورية المعركة بقيام طيرانها بقصف مدينة طبرية ومجدو.

وأثار التحرك العدواني من جانب الأردن ثلاث تساؤلات. كان الأول متعلقاً بالقدس التي يحميها لواء احتياط من بعض الرجال المسنين، وما هو العمل الذي يمكن اتخاذه ومتى ؟ أما السؤال الثاني فيتعلق بنظام الأولوية بالنسبة لتوزيع القوات. إذ يجب علينا أن نخصص جميع التشكيلات المطلوبة للجبهة المصرية حتى نحقق نصراً حاسماً وسريعاً. فمن أين إذا يمكن سحب وحدات وتحويلها إلى الجبهة الشرقية ؟ وكانت المشكلة الثالثة هي كيف يمكننا حماية سكاننا المدنيين من النيران الأردنية. وكانت الجبهة الأردنية، على خلاف الجبهة المصرية، ملتصقة بأكثر مراكزنا السكانية كثافة. منطقة القدس والسهل الساحلي المزدحم ووادي جيزربيل ووادي بيت شبعان.

وكانت المشكلة الرئيسية الناجمة عن دخول سورية الحرب هي معرفة ما إذا كان يجب علينا الرد بحرب شاملة أو أن نقتصر على شن غارات محلية وقصف بالمدفعية وغارات جوية. كانت وجهة نظري هي أنه يكفي أن نحارب على جبهتين فحسب، ولما كان الأمر يرجع إلينا فإنه يجب علينا أن نتجنب فتح جبهة ثالثة. وبالإضافة إلى ذلك فإنه لم تكن توجد في سورية أي أهداف تماثل في حيويتها شرم الشيخ ـ مفتاح الملاحة إلى إيلات ـ أو القدس والضفة الغربية، اللذين كان جزءاً من لحم ودم "أرض إسرائيل" بل في الواقع روحها ذاتها.

وبعد التشاور في قاعة الحرب مع رئيس الأركان وكبار ضباطه، أصدرت الأوامر التالية:

·   أن تتدخل قواتنا الجوية ضد أي دولة تقوم طائراتها بمهاجمتنا.

·   أن ترد نيراننا في منطقة القدس على مصادر نيران الأردن ولكن على ألا تقصف المدينة القديمة.

·   أن تعد القوات لشن هجوم على الأردن في منطقة القدس (بواسطة اللواء العاشر) وفي الشمال (بواسطة وحدات القيادة الشمالية).

وأجريت مشاورات في الساعة 12.30 بعد الظهر مع رئيس الوزراء، وقد وافق على تأشيرتي الخاصة باستيلاء اللواء العاشر على جبل المكبر. وأن تتعامل القوات الجوية مع الأهداف العسكرية في الأردن وسورية، وأن تستولي القيادة الشمالية على منطقة جنين، حتى تبعد مطارنا في تل أبيب عن مدى المدفعية الأردنية.

وسألني رئيس الأركان بعد الاجتماع عما إذا كان من الأفضل، أثناء عملية جنين، الاستيلاء أيضاً على بعباد، التي تقع على بعد أميال قليلة نحو الغرب. ووافقت على اقتراحه. وتعتبر بعباد قرية عربية كبيرة تقع على قمة تل يشرف على وادي دوثان، و كانت لها قيمة تاريخية قديماً وحديثاً. فهي المكان الذي باع فيه أخوة يوسف منذ 3500 عام أخاهم إلى تجار مدين. كما أن هذه القرية كانت الموقع الذي اكتشفت فيه امرأة عربية أثناء قيامها بجمع الحطب، خلال فترة الانتداب مخبأ الإرهابي المتطرف عز الدين القاسم وأصدقائه، حيث كانوا يختبئون في أحد الكهوف، وقد قامت بكشف أمرهم للسلطات البريطانية. وكان لأسطورة يوسف نهاية سعيدة. أما عصابة القاسم فقد أعدمت رمياً بالرصاص. وهذا هو العصر الحديث!.

5. طبيعة مسرح العمليات في مسرح سيناء الذي دارت عليه المعارك

خلال السنوات العشر التي مرت منذ حملة سيناء سنة 1956 كان المصريون قد حركوا قوات كبيرة إلى شبه جزيرة سيناء وشيدوا سلسلة من المواقع المحصنة لخدمة أغراض الهجوم والدفاع المزدوجين.

وكانت أكثر المعاقل قرباً من حدود النقب في إسرائيل بمثابة نقط انطلاق لهجوم مصري على إسرائيل، كما كانت مواقع صد أي اختراق إسرائيلي لسيناء. أما التحصينات المقامة على عمق أكبر إلى الداخل فكانت بمثابة قواعد خلفية لخدمة المواقع الأمامية وتضم حشود قوات الاحتياطي وإمدادات لتغذية الجبهة ولتزويدها بخطوط دفاع خلفية في حالة سقوط المواقع الأمامية.

وكانت أقوى التحصينات الشرقية هي تلك التي تسيطر على الطرق التي تؤدى إلى إسرائيل، والتي يمكن أن تستخدمها أي قوات غزو مصرية، وفي الوقت نفسه تمنع الوصول إلى الطرق التي تخترق سيناء إذا ما شنت إسرائيل هجوما، وتقع الطرق الثلاث الوحيدة عبر سيناء التي يمكن أن تستخدمها العربات العسكرية الثقيلة في النصف الشمالي من الجزيرة. وهي عبارة عن منطقة صحراوية منبسطة تغطيها الكثبان الرملية، ويوجد بها أيضاً بعض الجبال والوديان. وكانت هذه هي منطقة القتال الرئيسية في سيناء، وهي تختلف عن النصف الجنوبي من شبه الجزيرة، المثلثة الشكل، ذات التضاريس الجبلية الذي يصعب اجتيازها. ويحد هذا الجزء الجنوبي خليج السويس من الغرب وخليج العقبة من الشرق. وقد كان من الممكن، عادة الوصول إلى شرم الشيخ الموجودة بالقرب من رأس المثلث عبر طريق ساحلي على طول الساحل الشرقي لخليج السويس.

وفي عام 1956 نجح لواؤنا التاسع في الوصول إلى شرم الشيخ باستخدام طريق يمتد على طول شاطئ خليج العقبة الأمر الذي فاجأ المصريين الموجودين هناك، وذلك بفضل الجهود الجبارة والمثابرة وسعة الحيلة وحدها.

وكانت الطرق التي يمكن استخدامها في النصف الشمالي لسيناء تقتصر على طريقتين أساسيين هما الطريق الشمالي والطريق الأوسط وطريق جنوبي إضافي وعر إلى حد ما، وهذه الطرق الرئيسية تتصل ببعضها على مسافات بواسطة طرق فرعية ومدقات، وأقام المصريون قاعدة محصنة في رفح في الزاوية الشمالية الشرقية لسيناء، وفي الطرف الجنوبي لقطاع غزة وذلك لحماية الطريق الشمالي الذي يصل حتى القنطرة على قناة السويس ضد أي محاولة للقوات الإسرائيلية لاستخدامه. غير أن هذه القاعدة يمكن أن تستخدم أيضاً كنقطة انطلاق لهجوم مصري على السهل الساحلي الجنوبي لإسرائيل. والواقع أن القوات المصرية شنت هجومها ضد دولة إسرائيل الجديدة سنة 1948 عن طريق رفح وعبر قطاع غزة.

وأقامت مصر مجموعة من القواعد المحصنة في منطقة أبو عجيلة المنيعة وأم قطف لمنع إسرائيل من استخدام الطريق الأوسط الذي يمتد من حدودها حتى الإسماعيلية غرباً.

وأقيمت أيضاً قواعد في القسيمة جنوب أبو عجيلة وفي الكونتيلة في أقصى الجنوب. وتعتبر كلتا القاعدتين مدخلاً إلى الطريق الجنوبي الذي يصل حتى قناة السويس عند بور توفيق ومدينة السويس التي تقع على رأس قناة السويس ويمكن لكل من القسيمة والكونتيلة بوجه خاص أن تخدما أي قوات مصرية تسعى لعبور الحدود الإسرائيلية لعزل إيلات.

وكانت النقط الحصينة المصرية على الحدود تعتبر مواقع دفاعية ضخمة يصل عمقها في أحيان كثيرة إلى عشرين ميلاً. وفي قلب هذه التحصينات القوية توجد شبكة من مواقع المدفعية ومواقع المدافع المضادة للدبابات وأوكار المدافع الرشاشة بالإضافة إلى مفارز الدبابات وصفوف طويلة من الخنادق تحيط بها حقول ألغام ممتدة. وكانت تحمى المداخل مواقع أمامية تعتبر هي نفسها صورة مصغرة للحصن المركزي، وخلف كل هذا وعلى امتداد الطريق حتى القناة كانت توجد مواقع وقواعد عسكرية أخرى.

وبهذا فقد تم تحويل كل المنطقة الغربية الشمالية إلى منطقة محصنة كبيرة تم تصميمها كقاعدة ثابتة للهجوم على إسرائيل كما تم تجهيز طرق إضافية كدروس مستفادة من حرب 56 وقد تم حفر ممر جبلي ( الجدي ) الذي يوازي ممر متلا تم تجهيزه من خلال سلسلة من الجبال الموازية لقناة السويس لكي يحقق مرونة إضافية لتحركات القوات. كما أضيفت طرق إضافية من الشمال إلى الجنوب لربط جزئي سيناء الرئيسيين كما تم إنشاء نقاط قوية عملاقة وكذا قواعد جوية ومعسكرات تدريب ومخازن تكديسات ـ كل ذلك يشترك في إطار عمل منطقة محصنة كبيرة تمتد من حدود إسرائيل حتى عمق سيناء. أما قطاع غزة فقد تحول إلى حصن مجهز بالدبابات والمدفعية التي تغطى الحدود وعندما بدأ المصريون في التدفق على سيناء في نهاية شهر مايو وأوائل شهر يونيه 1967 تم إدخالهم قواعد سبق تجهيزها بكفاءة كاملة زودت المعدات والإمدادات وفي خلال أيام كانت القوات جاهزة لدخول معركة انطلاقاً من تلك المواقع السابق تجهيزها.

6. حجم القوات المصرية في سيناء

كانت القوات المصرية في سيناء تتضمن خمسة فرق مشاة وفرقتين مدرعتين تضم مائة ألف جندي مزودين بأكثر من 1000 دبابة ومئات من قطع المدفعية وكانت القوات المشاة تحتشد على المحاور الرئيسية القريبة من الحدود مع إسرائيل بينما كانت تتمركز القوات المدرعة كلها في منتصف سيناء وتغطي أيضاً الجانب الجنوبي من الجبهة أما بالنسبة للمحور الشمالي فكان يدافع عنه بالفرقة العشرون الفلسطينية بقيادة اللواء "عبدالمنعم محمد حسني" والمتمركزة في قطاع غزة والفرقة السابعة المشاة بقيادة اللواء "عبدالعزيز سليمان" والذي كان مسؤولاً عن المنطقة الجنوبية الشرقية من قطاع رفح إلى العريش وإلى الجنوب عبر المحور المركزي أما الفرقة الثانية المشاة بقيادة اللواء "سعدي محمد نجيب" كانت تتمركز في المنطقة المحصنة الممتدة من القسيمة إلى أبو عجيلة وتشمل أيضاً منطقة أم قطف الجنوبية أما الفرقة الثالثة المشاة بقيادة اللواء عثمان نصار فكانت غرب الفرقة المركزية الشمالية في جبل لبنى وبير الحسنة حيث العمق اللازم في عملية الانتشار. وإلى الجنوب الفرقة السادسة المشاة ميكانيكي بقيادة اللواء "رؤوف محفوظ" وكانت في مواقع على امتداد الكونتيلا ـ التمد ـ نخل. وهو نفس المحور الذي حدث منه الاختراق الإسرائيلي عام 56 والذي تم احتلاله بواسطة لواء المظلات بقيادة العقيد "اريك شارون". أما الفرقتين المدرعتين في الجيش المصري في سيناء فكانتا منتشرتين في العمق الإستراتيجي وكانت الفرقة الرابعة المدرعة بقيادة اللواء "محمد صدقي الغول" تتمركز بمنطقة وادي المليز بين بير جفجافة وبين تمادا وهي قاعدة مركزية في عمق سيناء. أما القوات المدرعة الثانية بحجم فرقة والتي سميت قوة الاشاذلي باسم قائدها اللواء "سعد الدين الشاذلي" تحركت قرب الحدود الإسرائيلية بين القسيمة والكونتيلا ثم عسكرت لتكون جاهزة للاختراق داخل إسرائيل وفصل منطقة النقب الجنوبية وميناء إيلات.

7. حجم القوات الإسرائيلية المضادة

وبالنسبة للجانب الإسرائيلي فقد كانت القيادة الجنوبية بقيادة اللواء "بشياهو جافيتش" وتتكون من ثلاثة فرق بقيادة كل من "إسرائيل تال" و"افرهام يوفي" و"اريك شارون". أما عن الجنرال "جافيتش" فهو خريج مدرسة الحرب الفرنسية في باريس وكان مصاباً بعرجة بسبب جرح إصابة في حرب الاستقلال وقد كان ضابطاً رائعاً ذو كفاءة عالية وكان يعتبر واحداً من الضباط البارزين في القيادة الإسرائيلية. وفي حملة سيناء عام 1956 كان رئيساً لفرع العمليات مع رئيس الأركان "موشى ديان" وكان ضابط اتصال بين "ديان" والأركان العامة حيث كان "ديان" يصر على التواجد مع القوات في الإمام خلال القتال. وبعد حرب 67 خطا "جافيتش" وبسرعة ليصبح رئيساً للأركان بعد انتهاء فرصة "بارليف" وكان "موشي ديان" يفضله أكثر من "اليعازر". وعلى أي حال فبالرغم من كون "ديان" وزير الدفاع إلا أنه لم يستطيع أن يفرض رأيه لصالح "جافيتش" في مواجهة رأي "جولدا مائير" رئيسة الوزراء مدعما برأي "بارليف" رئيس الأركان السابق وتم تعيين "دايفيد اليعازر" واستقال "جافيتش" من القوات المسلحة ليصبح نائباً لمدير أكبر مجموعة صناعية في إسرائيل (مجموعة كور الصناعية) أما الجنرال "تال" فهو رجل قصير خدم قبل ذلك في الجيش البريطاني في مجموعة اللواء اليهودي وهو رجل نظامي صارم صعد الدرجات في قوات الدفاع الإسرائيلية حتى قاد مجموعة مدرعة وقد تخرج في الفلسفة من جامعة هيبرو وأصبح عبقرياً في قوات الدفاع من الناحية الفنية وقد نال مرتين جائزة إسرائيل للمخترعات الهامة في مجال الأمن وصمم أخيراً الدبابة الإسرائيلية الرئيسية "مركافا أوتشاريوت" وهي واحدة من أكثر الدبابات تقدماً في العالم وقد بنيت فكرتها على الدروس المستفادة لدى القوات المدرعة الإسرائيلية في حروبهم المختلفة وخاصة حرب كيبور وقد ثارت حوله درجة معينة من الاختلاف في الرأي بعد حرب يوم كيبور والتي خدم فيها نائباً لرئيس الأركان جنرال "اليعازر" وأخير أصبح مستشاراً لوزير الدفاع للتطوير والتنظيم وينظر له حالياً على أنه شخصية عالمية في الحروب المدرعة.


 



[1] يقول الجنرال أهارون باريف (مدير الاستخبارات الإسرائيلية في هذا الوقت) أنه تم اختيار ساعة الصفر عند بدء تحرك معظم أفراد وقادة الوحدات الجوية المصرية، وهم في طريقهم إلى قواعدهم بعد تناول الإفطار "أهارون باريف، مصدر سابق، ص 218". ويذكر الأخوان رودلف، وونستون تشرشل في كتابهما، ص ص 34-35 : "أنه كانت هناك أربعة أسباب رئيسية وراء اختيار إسرائيل لهذا التوقيت منها : 1- كانت حالة الاستعداد المصرية قد بلغت الذروة، وكان من الصواب الافتراض بأن المصريين كانت لديهم منذ أن بدأوا في حشد قواتهم في سيناء بطريقة عدوانية، عدة طائرات من طراز "ميج - 21" تقف على أهبة الاستعداد في نهاية الممر في كل صباح، بحيث تكون على استعداد للتحليق في الجو في مدى خمس دقائق. كما كان من المحتمل أيضاً أن لديهم دوريات تحلق في الجو. وتتألف من طائرة أو طائرتين من طراز "ميج - 21" في هذه الفترة من اليوم. وهي الفترة التي من المرجح فيها على الأغلب أن يقع هجوم العدو. غير أنه رؤى، أنه ليس من المرجح، إلى حد كبير، أن يستمر المصريين في هذه الحالة من الاستعداد إلى فترة غير محدودة، وبما أنه لم يقع هجوم خلال ساعتين أو ثلاث ساعات بعد الفجر. فمن المرجح أن المصريين كانوا يخففون من حالة استعدادهم، ويطفئون بعض أجهزة الرادار لدواعى الصيانة. وقد شعر الإسرائيليون أنه من الصواب الافتراض بأن المصريين كانوا يقللون من درجة استعدادهم في الساعة 7.30 (8.30 بتوقيت القاهرة). 2- أن الهجمات الجوية تقع في أغلب الأحيان في الفجر، ولذلك كان لابد على الطيارين أن يكونوا داخل طائراتهم قبل ثلاث ساعات على الأقل من تحليقهم في الجو. ومعنى هذا أنه كان لابد عليهم أن يستيقظوا في حوالى منتصف الليل أو لا يناموا على الإطلاق في تلك الليلة. وبتحديد الساعة 7.45 لتوجيه الضربة الأولى، أصبح في استطاعة الطيارين الإسرائيليين أن يناموا حتى الساعة 0400 صباحاً أو نحوها. 3- في هذا الوقت من العام يوجد ضباب في المنطقة ينقشع تماماً مع بلوغ الساعة الثامنة صباحاً، وتكون الرؤية واضحة إلى أقصى حد بسبب زاوية الشمس. 4- وأخير ذلك نفس السبب "الذي سبق أن ذكره ياريف من ذهاب الموظفين إلى مكاتبهم".

[2] كانت الدورة الزمنية للطائرات لكي تضرب القواعد المصرية الرئيسية في منطقة القناة تحسب كالآتى : - الوقت اللازم لوصول الطائرات إلى الهدف = 22.5 دقيقة تقريبا. - الوقت الذي تستغرقه الطائرات للتحليق فوق الهدف = 7.5 دقيقة تقريباً. - الوقت اللازم لعودة الطائرات إلى القاعدة = 20 دقيقة تقريباً. - الوقت اللازم لهبوط الطائرات = 7.5 دقيقة تقريباً. - المجموع الكلى = 57.5 دقيقة تقريباً

[3] يقول الأخوان رودلف، وونستون تشرشل في كتابهما، حرب الأيام الستة،  ص 40 : "برغم من أن 23 شبكة رادار مصرية (من بينها 16 شبكة في سيناء) قد عطلها سلاح الجو الإسرائيلي عن العمل، إلا أن ذلك لم يتم قبل بعد ظهر يوم الاثنين. ومن المحتمل أن أجهزة التشويش الإلكترونية، لم تستخدم قبل الساعة 7.45 صباحاً. نظراً لأن ذلك كان سيحذر العدو من أن شيئاً يحدث حوله. ولكن بعد ذلك، فإن الإسرائيليين تلاعبوا تماماً بشبكات الرادار المصرية"

[4] يمثل خط الفاصل الزمني الكبير بين بدء الضربة الجوية على الجبهة المصرية 7.45، وإقلاع طائرات سورية لتنفيذ مهام 11.50، أي أكثر من أربعة ساعات. وقد حقق ذلك انفراد إسرائيل بكل جبهة على حدة

[5] يقول ونستون، ورودلف تشرشل: "يرجع تدمير في المطارات إلى استخدام إسرائيل لقنبلة عجيبة، ابتكرها الإسرائيليون، وعملوا على تطويرها لكي تستخدم في غرض معين، وهو تدمير الممرات.. ففي الوقت الذي يتم فيه إلقاء القنبلة، يجرى إطلاق صاروخ عكسى يمنع انطلاقها إلى الأمام، ثم يجرى إطلاق صاروخ آخر يعمل على دفعها عموديا داخل الممر. وفي الوقت الذي تخترق فيه القنبلة الخرسانة، يقوم جهاز تفجير زمنى بتفجيرها وقد يقوم جهاز التفجير بعمله في الحال، أو ربما يؤجل عملية التفجير لفترة زمنية متغيرة. وقد روى الملك حسين شيئاً عن الأضرار التي حدثت نتيجة إلقاء القنابل الصاروخية، في حديث أدلى به إلى "جون بنتلى" مراسل جريدة "فلايت". قال : "أن الحفر التي نجمت عن قذف هذه القنابل كان عمقها يصل إلى متر أو مترين. وأن القنابل التي تنفجر في زمن لاحق لوقت إلقائها، جعلت عملية إصلاح الممرات مستحيلة وقد انتظرنا حتى يهدأ الموقف، ولكن الطائرات الإسرائيلية كانت تتابع في أمواج متعاقبة، وقد كنا نظن أن الليل سيسمح لنا بالتحرك فوق الأرض، ولكنهم كانوا يشعلون الحرائق ويحولون الظلام إلى نهار

[6] العقيد جونين، يعتبر ضابط صلب شديد المراس وقاطع اللهجة معروف بارتداء نظارة شمس وقد خرج من هذه الحرب بسمعة طيبة وهو مواطن من القدس وابن لوالدين أرثوذكس وكان طالباً في مدرسة دينية للأرثوذكس في القدس وكانت أول تجربة له في القتال وهو في السادسة عشر في حصار القدس خلال حرب الاستقلال وفي حملة سيناء خدم كقائد سرية في اللواء السابع بقيادة بن آرى في ذلك الوقت وتدرب في الولايات المتحدة في مدرسة المدرعات في فورت نوكس مثل معظم ضباط المدرعات في إسرائيل. وفي صيف عام 1973 حل محل أريك شارون كقائد عام للمنطقة الجنوبية وبعد شهور قليلة اندلعت حرب يوم كيبور 73 وفي الأوقات التي ظهر فيها أمام لجنة "اجرانات" وفي مقابلاته العامة التالية ظل جنين يقول أنه ورث عبء القيادة الجنوبية وعانى إهمال القائد السابق وهو الجنرال شارون في حرب يوم كيبور، ووصل هذا الجندي الشجاع إلى نهايته المفاجئة

[7] كان اللواء سعد الدين الشاذلي ضابط قوات خاصة له تقديره عند الرئيس جمال عبدالناصر وفي 1960 قاد كتيبة من القوات الخاصة المصرية في الكونغو في إطار الأمم المتحدة. ورغم أن الكتيبة لم توفي مهامها بصورة طيبة في تلك العملية إلا أن العقيد سعد الشاذلي اكتسب شعبية ملحوظة ومتميزة وقد كلفت قواته في عام 1967 بعمل هجوم كبير وذلك بقطع النقب الإسرائيلي في الجنوب وحتى شمال إيلات وفي فترة الانتظار التي سبقت الحرب بأسابيع كانت له تصريحات في الصحف العالمية تشيد بالقوة المدرعة المصرية وتقلل من قيمة القوات الإسرائيلية التي تواجهها وقد اشترك في التخطيط لحرب أكتوبر كرئيس أركان القوات المسلحة المصرية وكان قد فقد أعصابه في تلك الحرب بعد أن أقامت إسرائيل جسرا عبر القناة وقد حدث خلاف بينه وبين السادات أثناء إحدى المقابلات وطبقا لما رواه السادات أن الشاذلي كان في حالة هستيرية وحث الرئيس على سحب القوات المصرية من الضفة الشرقية لقناة السويس وقد رفض الرئيس السادات اقتراحاته وأعفاه من القيادة، وقد تم إبعاده كسفير لمصر في بريطانيا ثم في البرتغال ولكنه بعد ذلك أقيل من منصبه ودعى لثورة ضد السادات ثم تعامل مع العقيد القذافي رئيس ليبيا ربما ليجمع حوله قوات مصرية مناهضة للسادات