إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر الإسرائيلية





مهام القوات الإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة القدس
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الضربة الجوية الإسرائيلية

معارك الاستيلاء على الجولان
الضربات البرية الرئيسية
العمليات على الجبهة الأردنية



المبحث السادس

المبحث السادس

القتال على الجبهة الأردنية

5 ـ 8 يونيه 1967

ولم يكن مصير الأردن وسورية أفضل حظاً وهما اللذان وقفا إلى جانب "عبدالناصر". ففي 30 مايو كان "الملك حسين" قد طار إلى مصر لتوقيع معاهدة عسكرية يوضع بمقتضاها الجيش الأردني كله تحت القيادة المصرية. وأعلن "عبدالناصر"، على الملأ، بعد توقيع الاتفاق، الهدف العدواني منه، إذ قال: هذه مرحلة العمل الجاد وليس التصريحات. فمن الآن فصاعداً سوف نعمل مع الأردن يداً واحدة. وسوف تؤدى هذه المعاهدة إلى توحيد القوات المسلحة للأردن ومصر وبذلك سنكون جميعاً على خطوط المواجهة.

ولقد بدأت المعارك على الجبهة الأردنية أولاً اعتباراً من يوم الخامس من يونيه، واستمرت حتى التاسع من يونيه، حيث سيذكر التاريخ، يوم الأربعاء السابع من يونيه 1967 على أنه أحد الأيام العظيمة في التاريخ اليهودي: أنه اليوم الذي تحررت فيه البلدة القديمة للقدس، وعاد جبل المعبد ، والحائط الغربي "حائط المبكى" لليهود.

أما المعارك على الجبهة السورية، فقد بدأت بشكل جدي اعتباراً من التاسع من يونيه، وبعد الانتهاء من القتال على الجبهتين المصرية والأردنية. وقد تم الاستيلاء خلال يوم واحد على مرتفعات الجولان. وربما كانت تلك العملية أكثر صعوبة من عملية فتح البلدة القديمة، القدس، والمناطق المحيطة بها.

أولاً: الحرب على الجبهة الأردنية

وفي أعقاب الضربة الجوية الإسرائيلية ضد القواعد الجوية المصرية صباح الاثنين 5 من يونيه، بعثت إسرائيل برسالة إلى "الملك حسين" ملك الأردن تنصحه بالامتناع عن أي أعمال عدوانية ضدنا حتى لا يصيبه أي ضرر. وقد أرسلت الرسالة إليه عن طريق قائد هيئة الرقابة على الهدنة الجنرال "أودبول" النرويجى، ولم نتلق رد حسين إلا بعد الساعة الحادية عشرة صباحا، وجاء فيه أنه حيث أننا قمنا بمهاجمة مصر فإن الرد الأردني سيصلنا عن طريق الجو. وبعد فترة وجيزة أقلعت الطائرات العسكرية الأردنية من طراز هنتر متجهة نحو أهداف في إسرائيل.

ثانياً: الطبيعة الجغرافية لمسرح العمليات الأردني وأوضاع القوات

كانت الحرب مع الأردن تدور في منطقة تختلف من حيث طبيعتها عن سيناء وعلى عواصم ومدن لها دلالات دينية وتاريخية عن اليهود والمسلمين والمسيحيين والضفة الغربية تتكون من هضبة جبلة مركزية تمتد من الشمال للجنوب ويوجد شرقها منحدر يؤدى إلى نهر الأردن حيث جنوبه يوجد البحر الميت وهنا نجد طرق قليلة تسمح بالمرور من الضفة الغربية للنهر في اتجاه ساحل البحر المتوسط والطبيعة الجبلية للمنطقة تجعل من الصعب على الجيش أن يواجه مقاومة ذات تصميم والى الغرب من هذه الهضبة نجد السهل الخصب الآهل بالسكان حيث تسيطر الأردن على ما لا يزيد عن 8 إلى 10 ميل من الساحل في النقطة التي يبدأ عندها السهل الساحلي في الارتفاع التدريجي في اتجاه الهضبة المركزية. والمرور خلال وعبر هذه المنطقة الغربية سهل نسبياً بينما يمكن لمرابض المدفعية على التلال والهضبات من تغطية المناطق الساحلية المواجهة والقرى ومراكز التجمع السكانى مثل ناتانيا وهيرزليا وتل أبيب. وبعد ذلك جنوباً توجد منطقة جبلية ضمن المناطق الإسرائيلية تطل على منطقة أردنية هي - ممر القدس - هذا الممر المحاط بمرتفعات محصنة بواسطة الأردنيين.

وكانت مواقع الجيش الأردني تتمركز في قطاعين دفاعيين رئيسيين القطاع الشمالي ويشمل منطقة سماريا وبه المدن الرئيسية نابلس وطولكرم وجنين والقطاع الجنوبي على منطقة أرض الميعاد الممتدة على طول العمود الفقري لتلال يهوذا جنوب رام الله خلال القدس وحيرون وتنتشر العناصر المتقدمة من القوات في كلا المنطقتين على امتداد الشريط الساحلي المؤدى إلى الخط الأوسط لإسرائيل.

ثالثاً: تكوين الجيش الأردني "القوة المضادة"

يتكون الجيش الأردني من ثمانية ألوية مشاه ولوائين مدرعين بقيادة المشير "حابس المجالي" القائد العام وكان اللواء "محمد أحمد سالم" هو القائد العربي للجبهة الغربية وقد فتح قواته كالآتي:

·   6 الوية، مشاه تدافع عن الضفة الغربية تتمركز في قطاع سماريا.

·   لوائين في قطاع القدس والسادس في جبال حبرون جنوب بيت لحم وقد تم فتح لواء مشاه قرب جيركو غرب نهر الأردن مباشرة.

·   تمركزت القوة الضاربة المتحركة في الجيش الأردني والممثلة في اللوائين 40، 60 المدرعين في المنطقة الخلفية من وادي الأردن وكان اللواء 40 مدرع بقيادة العميد أركان "غاد الجازى" ومسؤول عن المنطقة الشمالية من الضفة الغربية واللواء 60 مدرع بقيادة اللواء "الشريف زيد بن شاكر" وتم توجيهه باتجاه القدس والمنطقة جنوبها العميد بن شاكر كان واحداً من الضباط البارزين في الجيش الأردني وله تقديره الكبير عند ابن عمه "الملك حسين" وقد أصبح في الأعوام التالية رئيساً لأركان القوات المسلحة الأردنية. وتم وضع بطاريات المدفعية بعيدة المدى 155مم لتغطى تل أبيب في الجنوب وقاعدة رامات دافيد الجوية في الشمال وعندما قام عبدالناصر بتحريك فرقة داخل سيناء ووقع اتفاقاً مع "الملك حسين" قام الأردنيين بتقديم مدفعيتهم إلى الهضبات التي تغطى المدن الساحلية والقدس وأعدوا قواتهم المدرعة في وادي الأردن بتمركز لواء بالقرب من جيركو والآخر بالقرب من جسر داميا في الشمال مع كتيبة في منطقة نابلس.

وبالإضافة إلى 270 دبابة و 150 مدفع من الأردن كان يوجد لواء مشاة عراقي يتمركز في الأردن وقد زاد الدعم العراقي خلال أسبوع إلى ثلاثة الوية مشاة ولواء مدرع.

وكان "الملك حسين" قد وافق قبل ذلك على ترشيح الفريق "عبدالمنعم رياض" قائداً عاماً لقواته وكان إجراؤه محاطاً بالتردد لأنه لم يكن متأكداً من حكمة الخطوة التي يشرف على اتخاذها وقد ظهر تردده هذا في العديد من الحوادث أثناء سير المعارك وقد تغلب "الملك حسين" على هذه الشكوك بسبب تأكيد الرئيس "عبدالناصر" في مكالمة تليفونية في صباح 5 يونيه بأن أهداف القوات الجوية الإسرائيلية قد تم إسقاطها (وكانت في تلك اللحظة وبدون علم "عبدالناصر" قد تم تدمير القوات الجوية المصرية) وأن القوات المدرعة المصرية تنطلق عبر صحراء النقب بغرض الانضمام للقوات الأردنية في تلال حبرون فأمر "الملك حسين" قواته المسلحة بالهجوم.

وكان يواجه هذه القوات عناصر من قيادتين في قوات الدفاع الإسرائيلي: القيادة المركزية بقيادة اللواء "عوزي نركيس" وتحت قيادته اللواء 16 (لواء القدس) بالمدينة بقيادة العقيد "العازر أمينات" ولواء مشاه احتياطي بالقرب من اللد بقيادة العقيد "موشى بوتفات" ولواء مشاه احتياطي بقيادة العقيد "زيف شاحام" بمنطقة ناتانيا. والقيادة الشمالية بقيادة "دافيد اليعازر" وتحت قيادته سبعة لواءات وكانت مسؤولة عن الحدود مع ثلاثة دول هي سورية والأردن ولبنان وهذا الانتشار بلواء لتغطية الحدود الأردنية ولوائين منتشرين في الجبال الشرقية في مواجهة سورية ولواء في مواجهة سماريا في منطقة الناصرة. ولواء مدرع في الاحتياطي في اتجاه الجبهة السورية بينما توجد فرقة مدرعة بقيادة اللواء "بيليد" تتكون من اثنين لواء مدرع تعمل في الاحتياطي في الجبل الأوسط ولواء ميكانيكي هارتيل في الاحتياطي العام بقيادة العقيد "يورى بن آري" والذي قاد اللواء السابع المدرع بنجاح في حرب 56 في حملة سيناء وجزء من اللواء 55 مظلي بقيادة العقيد "موردخاي موتاجر" والذي كان جاهزاً للإسقاط الجوي ضد العريش وشرم الشيخ.

رابعاً: سير العمليات على الجبهة الأردنية (اُنظر خريطة العمليات على الجبهة الأردنية)

في الساعة 1100 يوم 5 يونيه أعقبت الأردن قصفها الجوي بعملية قصف بالمدفعية للجزء اليهودي من القدس وغيره من المراكز الإسرائيلية بالإضافة إلى مطارنا الدولي في اللد. وتلقينا مكالمة تليفونية في الساعة الواحدة والدقيقة الخامسة والخمسين بعد الظهر من الجنرال "بول" تقول: إن الجيش الأردني استولى على مقر قيادته عند المشارف الجنوبية للقدس بين الخطوط الإسرائيلية والأردنية. وأن وحدة من الفيلق العربي دخلت المنطقة المنزوعة السلاح، وسيطرت على الموقع التابع للأمم المتحدة.

ولم يعد أمامنا خيار حينئذ سوى الاشتباك في حرب شاملة مع الأردن مهما كانت درجة إحجامنا عن تحويل مواردنا من المعركة الدائرة في سيناء. وبسرعة رد طيراننا على الهجوم الجوي، وخلال ساعات قليلة تم القضاء على سلاح الطيران الأردني تماماً. وتلقى الميجور جنرال "عوزى ناركيس"[1]، قائد عام القيادة الوسطى الإذن باستعادة مبنى هيئة الرقابة على الهدنة التابعة للأمم المتحدة، ثم الاستيلاء على قرية عيرون وهي قرية عربية، تعزل الجزء العربي من القدس عن بيت لحم والخليل. وقام بعد ذلك عدد من الوحدات التابعة لقيادتنا الشمالية باختراق الخطوط الأردنية في الشمال ودخلوا السامرة واستولوا على عدة مواقع متقدمة تابعة للفيلق العربي.

وبذلك أصبح من الضروري استمرار المعركة في هذه الجبهة بكامل قواتها، وكان هدفها الرئيسي بالطبع، سواء من الناحية الجغرافية أو السياسية هو مدينة القدس المنقسمة إلى نصف عربي وآخر يهودي منذ سنة 1948، مع وجود الجزء القديم للمدينة تحت أيدي العرب. وتم استدعاء لواء مدرع احتياطي بقيادة الكولونيل "يوري بن آري" إلى نقطة تبعد عشرة أميال غرب القدس. وصدرت الأوامر إلى لواء مظلي بقيادة الكولونيل موتاجور، كان ينتظر بالقرب من أحد المطارات الجوية ليستقل الطائرات للقيام بعملية إسقاط في سيناء بالاتجاه إلى القدس بدلاً من ذلك.

يقول "موشى ديان": وبينما كانت هذه الوحدات تتحرك، كنت أنا نفسي في طريقي إلى القدس للقيام بمهمة دستورية. فقد كان تعييني منذ أربعة أيام في منصب وزير الدفاع يتطلب موافقة رسمية من الكنيست، وكان عليّ أن أذهب إلى القدس لأداء اليمين من فوق المنصة أثناء انعقاد الجلسة البرلمانية. وكانت الجلسة ستعقد بعد ظهر ذلك اليوم. ولكن عندما وصلت إلى الكنيست كان القطاع اليهودي للقدس يتعرض للقصف، وكان الجميع موجودين في المخبأ. وانتظرت بعض الوقت، حتى نفد صبري، فعدت إلى مقر القيادة العامة وأخطرت في المساء بأن الكنيست انعقد فيما بعد ووافق على التعيينات الوزارية الجديدة، وأنه يمكنني أداء اليمين في الوقت الملائم بعد الحرب. وكان الأعضاء الوحيدون الذين عارضوا هذه التعيينات هم الأعضاء الشيوعيين الأربعة في الكنيست. وقد صاح أحدهم، وهو "توفيق طوبي"، وهو عربي، بعد إعلان نتائج التصويت، قائلاً "أن هذا يعني أن أربعة أعضاء يحبذون السلام ويشجبون الحرب" ! وكان عليه أن يصرح بصوت مرتفع حتى يعلو فوق صوت انفجار قذائف المدفعية الأردنية !.

وبينما كان الكنيست مجتمعاً كان لواء ابن آري يخترق المواقع الأردنية فوق التلال غربي القدس. وواصل اللواء تقدمه طول الليل وشق طريقه بالقتال ليصل إلى القدس من جهة الشمال ووصل إلى مسافة قريبة من الجيب الإسرائيلي فوق جبل المكبر الذي يطل على المدينة القديمة وذلك ظهر اليوم التالي، 6 من يونيه. وهناك التقى بالبقية الباقية على قيد الحياة من إحدى كتائب المظلات التي كانت قد شقت طريقها بالقتال متكبدة خسائر فادحة لتفتح الطريق إلى جبل المكبر، الذي كان يمر بضواحي عربية، وقد أعادت الاتصال بينه وبين القطاع اليهودي من القدس.

أما قوات المظليين بقيادة "موتاجور" فقد دخلت المعركة في الساعة الثانية والنصف صباح يوم 6 من يونيه، من غير أن ينفسح أمامها الوقت لإجراء عملية استطلاع دقيقة بسبب عملية التغيير السريع للمهمة التي كانت مكلفة بها. وكانت أول مهمة أسندت إليها هي شق الطريق إلى قمة جبل المكبر وجبل الزيتون، وكان عليها، تحقيقاً لذلك، أن تشن هجوماً مواجهاً على حرم مدرسة الشرطة الأردنية، الذي كان قد تحول إلى قلعة داخل الخط الذي يفصل بين حي عربي وآخر يهودي، وعلى إحدى التحصينات المنيعة المعروفة بجبل الذخيرة. قامت سرية الهجوم المتقدمة، وعلى رأسها الضباط باقتحام مدرسة الشرطة تحت نيران مهلكة. وقامت القوات المهاجمة التي كانت تتكبد خسائر كل دقيقة بشق طريقها خلال أربعة أسوار حتى وصلت إلى الخنادق الخارجية وطهرتها في قتال متلاحم واستولت على هدفها.

وأسرعت بدون توقف نحو جبل الذخيرة، تتبعها وحدات أخرى من الكتيبة، وتقدمت نحو هذا الحصن. وكان يضم بالإضافة إلى الدشم ومزاغل مدافع الماكينة، أربعين موقعاً للمدافع تحميها هي الأخرى جدران متينة من الحجر. وكانت المدافع مسددة إلى كل المداخل المحتملة، وكانت كل خطوة إلى الأمام يصحبها إراقة للدماء، ولكن رجالنا يواصلون طريقهم وهو يقاتلون في الدشم، وأوكار المدافع والخنادق. وتم الاستيلاء على آخر موقع للعدو في الساعة السادسة والربع صباح 6 من يونيه.

وكانت معركة جبل الذخيرة هي أعنف معركة ضد الأردنيين، وقد اشترك فيها أحسن مقاتلي قوات الدفاع الإسرائيلي، ولقي واحد وعشرون جنديا مصرعهم خلالها. وأصيب أكثر من نصف الجنود بجراح ومعظمهم من الضباط الذين خاضوا معركة جبل الذخيرة. وكانت الصعوبة التي تم بها الاستيلاء على الأهداف، هي الثمن الغالي الذي دفعه رجالنا والبطولة التي أبداها كل فرد مقاتل، وهي التي خلدت ذكر هذه المعركة وأفردت لها مكانا بارزاً في سجلات تاريخ العسكرية الإسرائيلية.

وقد قال لي "عوزي ناركيس"، عندما وصلت إلى جبل المكبر بعد ذلك بوقت قصير، أن قوات المظليين ستشن مساء اليوم نفسه هجوماً على مبنى أوجستا فيكتوريا، الواقع بين جبل المكبر وجبل الزيتون حتى يصلوا إلى الطريق المؤدى إلى أريحا لعزل القدس عن الشرق. ولكن نتيجة لعدد من الأخطاء، التي أسفرت عن إصابتنا بخسائر فادحة، اضطررنا إلى تأجيل الهجوم إلى اليوم التالي، لنجد أن الوحدة الأردنية انسحبت وفرت عبر نهر الأردن. وباحتلالنا لمبنى أوجستا فيكتوريا صباح الأربعاء 7 من يونيه، وسيطرتنا على طريق أريحا، تمت عملية تطويق القدس. وأصدر "موتاجور" قائد اللواء، وهو يقف في الساحة الواقعة أمام فندق انتركونتينيننتال فوق جبل الزيتون أوامره إلى قادة الكتائب التابعة له بالتقدم نحو بوابة الأسد ودخول القدس القديمة. وتدفقت القوات عبر البوابة وانحرفت يساراً إلى جبل الهيكل ومن هناك إلى الحائط الغربي.

وبينما كانت هذه القوات تدخل القدس القديمة من الشرق كان لواء القدس بقيادة "اليعازر آميتاي" على وشك دخولها من الجنوب. وتمكنت قواته من الدخول بعد ذلك بنصف ساعة بعد أن استولت على عدة مواقع عربية وظهرت حقول الألغام بين جبل صهيون وكنيسة بطرس في جاليكانتو. وبعد ذلك بفترة قصيرة دخلت القدس المحررة وقمت بزيارة الحائط الغربي.

أما تفاصيل المعارك لحصار القدس، فقد تمت بالتسلسل الآتي: (اُنظر شكل معركة القدس)

عقب بداية القصف المدفعي الأردني فقد أمر "نركيس" المدفعية الإسرائيلية بالرد على القصف وأرسل قوة من لواء القدس (لواء 16) لطرد الأردنيين من لواء حطين من مقر الحكومة حيث مشطت وحدات من اللواء 16 المنطقة وحررت أفراد الأمم المتحدة الذين تم عزلهم داخل المبنى واستمرت القوة الدافعة للهجوم في اتجاه قرية (زور بحر الواقعة) بجانب الطريق الرئيسي حبرون ـ القدس والذي يربط بين تلال حبرون ومنطقة حبرون مع باقي المملكة الأردنية وبها لم يجد الأردنيون في حبرون سوى الطرق الثانوية والمدقات الجبلية للتحرك عليها لمنطقة القدس وإلى إنماء الضفة الغربية الأخرى وبهذا كان عازلاً لتلال حبرون والتي كانت بمثابة الأرض التي كانت تنطلق منها القوات الأردنية في اتجاه بير سبع والنقب بهدف الاتصال بالقوات المصرية والمفترض تقدمها حالياً خلال صحراء النقب.

1. اللواء العاشر المشاة "لواء القدس

ومع تعرض مطار رامات دافيد ووسط مدينة تل أبيب للمدفعية الأردنية بعيدة المدى فقد صدرت الأوامر من رئيس الأركان الإسرائيلي إلى الجنرال "نركيس" للتحول للهجوم وكجزء من الخطة تم عزل القدس من التجمعات الرئيسية للجيش الأردني الموجود بالشمال وصدرت الأوامر للعقيد "بن آري" قائد اللواء العاشر الميكانيكى (هارتيل) للتحرك لممر القدس لاختراق الخطوط الأردنية بمنطقة "مصال هاحميشا" والاستيلاء على قمة الجبل والطريق الموصل بين القدس ورام الله وتعتبر هذه المنطقة مفتاح السيطرة على تلال يهوذا والقدس لأنها تسيطر على الطريق الهابط إلى جريكو وتسيطر على جميع طرق الأقاليم إلى المدينة (هذه المنطقة كانت الهدف الأول الذي احتله "جواشوا" وذلك بعد عبوره نهر الأردن خلال حملته للاستيلاء على تلال يهوذا، كما كانت المنطقة التي استولى عليها الجنرال اللنبي أولاً وانطلق منها للاستيلاء على القدس وذلك بواسطة الفرقة 90 البريطانية خلال الحرب العالمية الأولى). وتقدم اللواء "هارتيل" تحت قيادة بن آري الذي سبق قيادة اللواء السابع المدرع بنجاح عام 1956 ـ في اتجاه القطاع المركزي الواقع بين ثلاثة جبال مجاورة لممر القدس بمنطقة معالي حاميشا تل الرادار والشيخ عبدالعزيز وبيت اكسا وحقيقة فقد عاد العقيد "بن آري" للقتال مرة ثانية على أرض مألوفة لديه "حيث قاتل كقائد سرية في قوات البالماخ في هذه المنطقة بشمال ممر القدس وذلك عام 1948 وفي هذا الوقت استولى الفيلق العربي في قتال شرس على الرادار ذات الموقع الإستراتيجي ولم يكن استعادته بالرغم من قيام "بن آري" بخمس هجمات مضادة وظل في يد العرب لمدة تسعة عشر عاماً ومسيطراً على طريق القدس إلى الساحل بواسطة الفيلق العربي".

واختار "بن آري" المنطقة الجبلية الصعبة التي يحتلها الفيلق العربي في مواقع محصنة يغطى بها كل طرق الاقتراب وصعدت قوات "بن آري" طريق القدس الرئيسي من الساحل وذلك بدون توقف ثم اتجه شمالاً على امتداد الثلاثة محاور المتوازية واندفع لمهاجمة مواقع الفيلق وقد قامت الدبابات بإسكات دشم الحرب بالنيران المنشنة وقامت قوات المهندسين المدرعة والمشاة بالتغلب عليها وقد بدأت هذه العملية بعد ظهر يوم 5 يونيه وعند منتصف الليل وبعد قتال عنيف تم الاختراق وبصباح يوم 6 يونيه تمكن اللواء بقيادة "بن آري" من السيطرة على القمة الإستراتيجية (في مواجهة تل الغول المشرف على القدس والتي يوجد عليها قصر "الملك حسين" في مرحلة إنشائه) واصبح اللواء يسيطر على منطقة الطرق المؤدية إلى جيركو (أريحا) في الشرق واللطرون في الغرب ورام الله في الشمال والقدس في الجنوب وأثناء هذه العملية وبالتوازي معها قامت وحدات اللواء "موتقات" المشاة الذي من منطقة اللد باحتلال اللطرون لاصطياد الفدائيون المصريون الذين بدأ العمل من المنطقة ضد الأهداف الإسرائيلية. وهكذا ولأول مرة وبعد العديد من المعارك الدموية التي فشلت في حرب الاستقلال أصبحت اللطرون في أيدي الإسرائيليين كما أصبح أيضاً طريق رام الله اللطرون تحت سيطرة إسرائيل.

والحقيقة أن "الملك حسين" كان ضحية ليس فقط لاندفاعه، ولكنه أيضاً للأنباء الزائفة من حلفائه العرب وكان قد استقبل هذه الأنباء والتي دعمها تبليغ المشير "عبدالحكيم عامر" والفريق "عبدالمنعم رياض" الموجود بالأردن بأن 70% من القوة الجوية الإسرائيلية قد تم تدميرها وكذلك بلاغ "عبدالناصر" له بأن الهجوم الإسرائيلي قد فشل وأن هناك تقدماً مصرياً عبر صحراء النقب في اتجاه تل حبرون، وقد خدعه أيضاً السوريون كما وصف ذلك بنفسه في مذكراته عن الحرب حيث أن السوريون لم يرسلوا أي قوات لتدعيمه بالرغم من وعودهم له بذلك منذ أكثر من أسبوع متعللين بأن القوات الجوية لم تكن قد استعدت بعد لبدء عملياتها وقد أبلغه العراقيون أنهم بدأوا الهجوم بالفعل وأنهم قصفوا تل أبيب وأحدثوا بها خسائر جسيمة وكان ذلك ادعاء زائف تماماً وعلى هذا شن "الملك حسين" هجوماً جوياً غير ناجح على إسرائيل وهنا حولت القوات الجوية الإسرائيلية جهودها إلى القوات الجوية الأردنية وذلك بعد أن انقضت على القوات الجوية المصرية، وكان لدى الأردن حوالي اثنين وعشرون طائرة هيكر هنتر تم تدميرها جميعاً وأصبح الأردن بدون معاونة جوية في قتاله التالي.

وقد سمح ذلك للقوات الجوية الإسرائيلية لتركيز جهودها على تنفيذ مهام المعاونة الأرضية فخصصت هجماتها على المناطق المجاورة للقدس وكانت ضرباتها موجهة للاحتياطيات الأردنية في ميدان القتال وكذلك مع القوات المتقدمة على طريق أريحا القدس وحرمانها من دعم الوحدات الأردنية التي تقاتل في القدس وقد أرغمت القوات الجوية الإسرائيلية قيادة الضفة الغربية الأردنية على الانسحاب إلى شرق نهر الأردن ومن ثم أصبح طريق أريحا القدس مكتظ بدبابات اللواء 60 الأردني والتي حاولت بلا فائدة التحرك إلى منطقة القدس.


 



[1] كان قائد المنطقة المركزية حينئذ اللواء عوزى نيركيس كان قد خدم في قوات البالماخ وقاد الكتيبة التي دخلت المدينة القديمة من ناحية بوابة صهيون حرب الاستقلال عام 48 والذي دخل بالضبط هو الرائد دافيد العازار "رادو" وكان قائد سرية في كتيبته وهو خريج لمدرسة الحرب الفرنسية واللواء نركيس قصير ونحيف البنيان ذو عقلية تحليلية وفهم عسكري ممتاز. وقد خدم كنائب لمدير المخابرات العسكرية وعمل أيضاً كملحق عسكرى لإسرائيل في فرنسا

[2] أو تعتبر هذه البقعة أقل مناطق العالم كثافة سكانية، فالطبيعة لطيفة هنا جافة - والأراضي مقفرة وجرداء. ولكن أريحا ذاتها تنعم بالجداول وتبدو وكأنها تعوم فوق بحيرة من الحشائش الخضراء. وهي نفس المدينة التي قامت فيها رحاب، بنت الهوى، بإخفاء جنود الاستطلاع الذين بعث بهم يوشع والتي حدثت فيها معجزة اليشع وتحولت المياه الآسنة إلى مياه عذبة - ومازال النبع يعرف باسم نبع اليشع. فمن هو الفاتح الذي لم تهف نفسه إلى هذه الواحة ؟ من الذي يعرف عدد المرات التي دمرت فيها المدينة ؟ ولكنها كانت دائما تعود إلى الحياة مرة أخرى. فقد ثبت أن جداول المياه العذبة أبقى على الدوام من قوى التدمير

[3] وقد أثبت بيليد كفاءته كضابط صغير في البالماخ أثناء حرب الاستقلال حيث قاتل بنجاح بمنطقة صفد وأصيب فيها بجرح بالغ وهو خريج مدرسة الحرب الفرنسية وأخيرا قاد لواء المشاة "الجولاني" وبعد استقالته من الجيش خدم كمدير عام بوزارة التعليم تحت قيادة إيجال آلون وزير التعليم والذي كان قائدا له في قوات البالماخ ثم دخل أخيرا الحياة السياسية وانتخب نائب عمدة القدس مع العمدة تيدى كولك