إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / حرب عام 1967، من وجهة النظر الإسرائيلية





مهام القوات الإسرائيلية
معركة أم قطف الثانية
معركة القدس
معركة رفح
معركة كمين بير لحفن
الضربة الجوية الإسرائيلية

معارك الاستيلاء على الجولان
الضربات البرية الرئيسية
العمليات على الجبهة الأردنية



المبحث السادس

2. أعمال قتال اللواء 55 المظلي

أما اللواء 55 مظلي بقيادة العقيد "موتاجور" والذي أصبح حالياً تحت قيادة الجنرال "نيركيس" فقد كلف بمهمة اختراق منطقة المباني شمالي مدينة القدس القديمة عند الشيخ جاراس ومدرسة البوليس وتل الذخيرة وهذه المناطق هي التي تسيطر على الطريق المؤدي إلى منطقة جبل سكويس المحاصرة حيث يوجد بها قوة صغيرة بعدد مائة وعشرون من رجال الشرطة اليهود الذين ظلوا معزولين هناك لمدة أعوام (وكان يصلهم الإمداد فقط في حماية الأمم المتحدة) وكان هذا العمل يكمل عملية "ابن آري" وأيضاً يفصل الاتصال بين رام الله والقدس الشمالي المؤدي لداخل المدينة القديمة وكان الفيلق العربي يعلم المعارك العنيفة التي تمت بالمنطقة عام 1948 كما يعلم أيضاً بأهمية الأحياء الشمالية في القدس من الناحية الإستراتيجية ولذلك وعلى أكثر من تسعة عشرة عاماً قام العرب بتشييد أعمال دفاعية واسعة ومعقدة للتأكد من عدم قدرة أي هجوم إسرائيلي على اختراق الخط الذي يربط بين رام الله ومدينة القدس القديمة وقد تم تحصين المباني والمواقع بالخرسانة والخنادق العميقة والمدافع عنها بحقول الألغام والأسلاك الشائكة.

ومنذ نهاية عمليات 1948 قسمت القدس بين العنصرين المتحاربين بالأسلاك الشائكة الكثيفة والتحصينات والخنادق والحصون العالية التي تخترق المدينة ويطل من هذه التحصينات المراقبون لملاحظة الجانب الآخر بيقظة عالية وكان الجزء الغربي من المدينة تحت السيطرة اليهودية وبه أكثر من مائة ألف ساكن وكان يمثل طرف بروز إسرائيلي متصل بالساحل بواسطة ممر القدس وكانت المدينة نفسها محاطة من أجنابها الثلاثة بالمواقع الأردنية والتي تسيطر على طرق الاقتراب من الأراضي العالية لكلا الجانبين وكان الفيلق الأردني العربي بصفة خاصة يهدد الممر بمنطقة اللطرون بصفة رئيسية والتي ظلت منذ معارك 1948 كما هي على حالها كما تهدد الأراضي العالية شمال الممر الطريق الذي يربط القدس بالسهل الساحلي وكان يسيطر على الجزء العربي من القدس الفيلق العربي مركزا بصفة على المدينة التاريخية القديمة بمزاراتها وأماكنها المقدسة والخاصة بالأديان الثلاثة وكان معها الجزء الشرقي من القدس وأيضاً تحت السيطرة العربية وكانت هناك منطقتين محصورتين في القدس أضافتا مشاكل عسكرية للقادة هناك وكانت الأولى منطقة جبل سكويس وهي مقاطعة إسرائيلية في منطقة جامعة جبرور ومستشفى هداسا وكانت محاصرة تماماً في عام 1948 ولكن استمرت السيطرة عليها بنجاح ضد الهجمات العربية وكانت المنطقة الثانية هي منطقة مقر الحكومة والتي كانت مقراً للمندوب السامي البريطاني بفلسطين واستمرت بعد الانسحاب البريطاني كقيادة لمراقبي الهدنة التابعين للأمم المتحدة بعد الحرب ورمز لاتفاق وقف إطلاق النار وكانت تقع في جنوب المدينة القديمة على بروز عرف باسم تل مستشار الشيطان بارزا جهة الشرق ويسيطر على الطريق الذي يربط القدس ببيت لحم والذي بناه الأردنيين.

وكان يدافع عن القدس حشود كبيرة من القوات الأردنية وكانت مسؤولية الدفاع عن مدينة القدس مسندة للواء 27 مشاة من الفيلق العربي وتحت قيادة العميد "عطا علي" وكانت منطقة رام الله بشمال القدس يدافع عنها بواسطة اللواء الهاشمي والذي ألحق بعض القوات على الضواحي الشمالية للمدينة وتمركزت كتيبة دبابات من اللواء 60 مدرع خارج مدينة القدس مباشرة عبر وادي كيدرون. أما اللواء حطين والذي كان مسؤولاً عن منطقة حبرون جنوب القدس فقد الحق أيضاً كتيبة لتكون مسؤولة عن المنطقة بين القدس وبيت لحم. وكان ما يبدو الدهشة أنه لم يكن هناك قيادة أردنية مركزية لكل منطقة مدينة القدس.

وقد أبرزت تلك العملية بوضوح إحدى مزايا قوات الدفاع الإسرائيلية حيث تجلت في المرونة بتعديل تكليف اللواء المظلي بقيادة "جور" ليقوم بالتحرك والعمل في اتجاه القدس وذلك بدلا من التخطيط السابق له والذي كان سيتم فيه إسقاطه في العريش وشرم الشيخ. فقام قادته باستطلاع المنطقة المكدسة بالمباني والمختلفة في طبيعتها عن المناطق الصحراوية التي تعودوا العمل فيها وقاموا بالتخطيط لواحدة من أصعب العمليات العسكرية وهي القتال في المدن.

وبعد ظهر يوم 5 يونيه وبعد تدمير القوات الجوية الأردنية واصلت القوات الجوية الإسرائيلية هجومها على المواقع الأردنية حول القدس وخاصة جميع التقويات على الطريق من نهر الأردن عند أريحا في اتجاه المدينة وقد تم تدمير جميع خطوط المواصلات الأردنية وفي المساء تم تعطيل محطة الإرسال الإذاعي في رام الله وفي الوقت نفسه أجبرت مراكز القيادة الأردنية بالضفة الغربية بواسطة نشاط القوات الجوية الإسرائيلية على إخلاء الضفة الغربية والتحرك إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن وقد طلب العميد "عطا علي" قائد اللواء 27 المتمركز بمنطقة القدس طلب قوات لدعم جنوده الذين يقاتلون حاليا ضد قوات كبيرة وفي الحال بدأ تحرك عناصر من اللواء 60 مدرع وكتيبة مشاه وذلك بعد الظلام على طريق اريحا ـ القدس ولكن قامت القوات الجوية بإضاءة الطريق بالمشاعل ثم بدأت في تدمير قول الدعم والذي تم القضاء عليه وكان الأردنيون على علم بوصول قوات "جور" للقدس وأدركت أن هناك هجوماً كبيراً سيحدث الآن وقد بذلت الجهود لدفع تدعيمات من المشاة عبر المدقات الصحراوية والطرق الجانبية وذلك لتفادى التدخل الجوي.

وقبل ساعة من منتصف ليلة 5/6 يونيه 67 بدأت معركة القدس التاريخية فقد تم تنفيذ التمهيد النيراني بالمدفعية والهاونات طبقاً لما سبق تخطيطه مع توجيه الأضواء الكاشفة من الجزء الغربي للقدس ومن مقاطعة جبل سكويس وركزت الإضاءة على الأهداف تلو بعضها وتم تدمير المواقع العربية موقعاً بعد الآخر بواسطة حشود النيران الإسرائيلية وبعد فترة قصيرة بعد الساعة 0200 صباحاً تقدمت قوات المظليين بقيادة العقيد "جور" تعاونهم حشود نيران المدفعية ويؤمنها وحدة استطلاع لواء القدس في الأمام ويدعمه كتيبة دبابات من لواء القدس، تقدمت هذه القوات عبر المنطقة المحايدة في المنطقة بين بوابة "مندليوم" ومدرسة البوليس، وقامت كتيبة بمهاجمة مدرسة البوليس وتل الذخيرة بما فيهم من تحصينات كثيفة ومعقدة، بينما تقدمت كتيبة أخرى في الشمال إلى داخل حي الشيخ جاراس وقد قاتل الأردنيون ببسالة وبعد أن قامت قوات "جور" بالتعامل مع حقول الألغام التي زرعها الأردنيون على طرق الاقتراب لمواقعهم اندلعت سلسلة من معارك القتال القريب والمتلاحم وواصلت القوات الإسرائيلية عملها على امتداد المواقع بالخنادق والقتال من حجرة لأخرى وتطهير ملجأ بعد الآخر وقاتلوا على الأسطح وفي المخابئ واستمرت تلك المعارك المستميتة والمتأرجحة لمدة أربع ساعات بواسطة جنود كلا الجانبين حيث قاتلوا بشجاعة منقطعة النظير وأصبحت معركة تل الذخيرة جزءاً من ملحمات إسرائيل العسكرية.

وباقتراب الفجر تقدم "جور" بكتيبته الثالثة إلى القطاع الجنوبي في الشيخ جراس وبالتعاون مع دبابات لواء القدس شقت طريقها بالقتال إلى منطقة متحف روكفيلر المواجه للقطاع الشمالي لحائط المدينة القديمة بمنطقة بوابة دمشق وبوابة هيرود وفي الصباح تم تطهير المنطقة وسيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة بين حائط المدينة وجبل سكويس وأعيد فتح الاتصالات مع المقاطعة المحاصرة وتمركزت قوات المظلات في الوادي تحت جبل سكويس وتل أوجستا فيكتوريا المواجه لحائط المدينة القديمة.

وبالتوازي مع تلك العمليات قام لواء هارتيل بالاستيلاء على منطقة النبي صموئيل وقام بالتعزيز على امتداد طريق القدس ـ رام الله وقامت كتيبة من اللواء 60 مدرع أردني بشن هجمة مضادة بالقرب من تل الغول وبعد معركة شرسة لمدة قصيرة خسرت فيها عدة دبابات انسحب الأردنيون وتابعت قوات "ابن آري" في اتجاه تل شوافات شمال القدس.

وهكذا بمنتصف صباح يوم الثلاثاء 6 يونيه تمكنت وحدات اللواء 16 (لواء القدس) من السيطرة على زور باهر جنوب القدس مع قطع جبال الخليل عن القدس وتمركزت قوات "جور" بين جبل سكويس والمدينة القديمة وقامت القوات المدرعة "بن آري" بالسيطرة على طرق الاقتراب الشمالية من رام الله إلى المدينة وقد تم تقسيم لواء العميد "عطا علي" إلى ثلاثة أجزاء منفصلة عن بعضها بمناطق المدينة القديمة وتل شوافات والمنطقة العامة لاوجستا فكيتوريا والتي كانت على النتوء بين جبل سكويس وجبل الزيتون كما كان يوجد وحدة صغيرة بمنطقة أبو طور في جنوب حائط المدينة القديمة مباشرة والذي يشرف على محطة سكة حديد القدس وقد أخطره "الملك حسين" شخصياً بأنه سيتم بذل الجهود لتحرير القدس وطبقا لذلك فقد قرر أن يتمسك بها ويحارب وخلال ذلك بدا لواء القادسية المشاة والذي كان متمركزاً بمنطقة أريحان بدا التحرك في اتجاه القدس على امتداد الطرق الجبلية والمدقات وعلى أي حال فقد تم إيقاف اللواء في الطريق نتيجة للهجمات الجوية الإسرائيلية باستخدام المشاعل الضوئية وتم تكبيده خسائر كبيرة في الهجمات المتكررة وتم إرباك الجدول الزمني لطابور الدعم بهذه الهجمات وباقترابه للقدس كان متأخراً جداً لتقديم أي معاونة للقوات الأردنية بالمدينة القديمة. سقوط القدس "7 يونيه 1967".

كانت قوات "جور" بالقدس وبعد أن قامت بتطهير طرق الاقتراب للمدينة القديمة وانتشرت في الوادي بين جبل سكويس والمدينة القديمة قامت بالتجهيز للاقتحام النهائي والذي سيكون أعظم حدث تاريخي وعقائدي وسيميز تاريخ الشعب اليهودي ولكن كان من المفروض أولا إحكام السيطرة على الهضبة التي تطل على القدس من الشرق وهي جبل سكويس وتل اوجستا فيكتوريا وجبل الزيتون (في سنة 70 بعد الميلاد) أي منذ ألفين سنة ومن نفس هذا التل قام الفيلق الروماني بقيادة "تيتوس" بمسح حوائط مدينة القدس وذلك قبل شن هجومهم عليها وعلى المعبد اليهودي فيها وكان الوقت يجري مع تصاعد الضغوط داخل مجلس الأمن بالأمم المتحدة لفرض وقف إطلاق النار.

وكان الحاكم الأردني لحي القدس "أنور الخطيب" وقد اعتراه اليأس وكان على اتصال دائم مع "الملك حسين" الذي وعده (كما وعد قائد اللواء 27 المسؤول عن الدفاع عن منطقة القدس وهو العميد "عطا علي") بإرسال إمدادات وقد تم إرسالها فعلاً ولكنها لم تصل بسبب تدخل القوات الجوية الإسرائيلية على طول طريق اريحا. وقد احتج الحاكم الأردني بسبب استخدام منطقة قبة الصخرة التي تضم جامع عمر بن الخطاب والمسجد الأقصى كمخازن ذخيرة ولكن بدون جدوي. وقد أصبح الأمر خطير خوفاً من اندلاع القتال والذي يمكن أن يدمر المنطقة المقدسة للثلاثة أديان وعندما فشلت الإمدادات في الوصول من أريحا أدرك عطا علي أن الموقف ميئوس منه فقرر أن يسحب قواته ومن ثم إنقاذها وبالتدريج انسحبت حشود القوات الأردنية في إخلاء ماهر. ولكن الحاكم الأردني "أنور الخطيب" رفض مصاحبة القوات المنسحبة وبعد يومين قدم نفسه في القدس إلى الجنرال "أهارون ياريف" مدير الاستخبارات الإسرائيلية، حيث تم ترشيحه كأول حاكم عسكري للضفة الغربية وروى له القصة الدرامية لمعركة القدس كما يراها الجانب الأردني (وبالمناسبة فإن عملية إخلاء المساجد من الإمدادات العسكرية والمفرقعات والذخائر استغرقت عدة أيام).

وفي سعت 8.30 صباح يوم 7 يونيه هاجمت ثلاثة كتائب تابعة للعقيد "جور" كتيبتين منهم يعاونهما نيران مركزة من المدفعية ومعاونة جوية شنتا هجوماً ثنائياً ضد تل أوجستا فيكتوريا واخترقت كتيبة مدعمة بالدبابات الموانع الأردنية من اتجاه جبل سكويس بينما تسلقت كتيبة أخرى الميول الحادة لمواقع اوجستا فيكتوريا من الوادي بين التل والمدينة القديمة وفي نفس الوقت اندفعت إلى حائط المدينة من متحف روكفيلر في اتجاه بوابة القدس حيث تم التخطيط هناك لاختراق المدينة القديمة وجبل المعبد وبمتابعة الهجوم الثنائي الشعبية اكتسحت قوات المظلات المدعمة بالدبابات عبر تل اوجستا فيكتوريا وجبل الزيتون ثم هبطت على المنحدرات إلى الطرف الشمالي لوادي كيدرون تحت حوائط المدينة وقد تمكن جزء من القوة من السيطرة على مواقع دفاعية تغلق الطريق من اتجاه أريحا وقد تحرك لواء مشاه أردني إلى هذا الطريق ليلاً لدعم القوات الأردنية بالقدس، ولكن مع أول ضوء تم قصفه بالقوات الجوية والمدفعية الإسرائيلية من منطقة القدس وهكذا انهزمت القوات واضطرت للانسحاب قبل أن تفتح للهجوم.

وقاد "جور" الكتيبة الثالثة من عربته النصف جنزير مدعماً بفصيلة دبابات قاصداً بوابة القدس "ستيفن" وقاد عملية الدخول للمدينة القديمة وبسرعة كانت تتبعه ثلاثة كتائب من اللواء وفي اتساع منطقة جبل المعبد انتشرت القوات وأخذت في تطهير مناطق المقاومة المحتمل وجودها ولكن مع استبعاد القناصة العادية لم توجد سوى مقاومات صغيرة فقد انسحب معظم القوات الأردنية.

وهكذا وفي سعت 1000 وصلت القوات الإسرائيلية المزارات اليهودية المقدسة وهي حائط المبكى وتم هناك احتفال سريع يمجد ما اعتبرته القوات الإسرائيلية أحد اللحظات العظيمة في التاريخ الوطني الطويل الذي حدثت فيه هذه المناسبة التاريخية وهنا قدم القادة العرب أنفسهم للعقيد "جور" وأخبروه عدم وجود مقاومات منظمة أخرى وهنا دخلت قوات "جور" المدينة القديمة ومعها وحدات من اللواء 16 (لواء القدس) بقيادة العقيد "أميناي" تقوم بتطهير جنوب المدينة من جبل صهيون حتى سلوان والبوابة المحفورة، ثم تقدم اللواء جنوباً وتغلب على مواقع مآري الياس مع مقابلة مقاومات خفيفة وأخذ بيت لحم بسرعة واتريون وحبرون مندفعاً في اتجاه الجنوب من جرون واتصلت قوات القدس مع وحدات القيادة الجنوبية الإسرائيلية يوم 8 يونيه.

3. استكمال الاستيلاء على باقي الضفة الغربية

لم يتوقف الهجوم لحظة واحدة، ولكن كان هناك اندفاعاً مستمراً للقوات الإسرائيلية في اتجاه الضفة الغربية، تسانده القوات الجوية بقصف المواقع والاحتياطيات الأردنية.

هذا وقد استولى اللواء المدرع بقيادة "يوري بن آري"، بعد الانتهاء من مهمته في القدس في الظهر، على رام الله الواقعة شمال القدس مباشرة في وقت متأخر من بعد ظهر ذلك اليوم. وفي اليوم التالي اتجه اللواء نحو الشرق واستولى على أريحا بعد مقاومة ضئيلة وكانت المدينة مكتظة بقوات أردنية ووسائل نقل في انتظار دورها للانسحاب شرقاً عبر الجسور القائمة فوق نهر الأردن، وعندما دخلت الدبابات الإسرائيلية وقع ذعر وهروب جماعي نحو النهر. وعبرت وحدات من اللواء المدرع نهر الأردن واتخذت مواقع لها على الضفة الشرقية وقد أدى هذا إلى وصول رسالة عاجلة وقلقة من السفير الأمريكي، ويبدو أن الحكومة الأردنية استدعت السفير الأمريكي في عمان وأبلغته أن قواتنا عبرت الأردن بهدف الاستيلاء على عمان والسلطة، فأصدرت الأوامر فوراً إلى هيئة الأركان العامة بإعادة اللواء المدرع إلى الضفة الغربية للأردن ونسف الجسور الأمر الذي سيظهر عزمنا على عزل أنفسنا عن الضفة الشرقية. وأننا قد وصلنا إلى أقصى الحدود الشرقية في قتالنا وكان هذا علامة على النهاية، ولم يكن علامة على البداية كما حدث بالنسبة "ليوشع" منذ ثلاثة آلاف وثلاثمائة عام.

وتعتبر أريحا، أو منية النخيل كما يسميها الكتاب المقدس، أقدم مدينة في العالم حيث ترجع إلى العصر الحجري الحديث. وقد شيد سكانها الأوائل مباني من الحجر كما شيدوا حائطاً لحمايتها وأبراجاً للمراقبة وقد استحدثوا نظاماً للري مستخدمين أدواتهم البدائية وفروع الشجر والطفل الرملي، مما يسر لهم زيادة محاصيلهم[2].

ووقعت معركة دبابات أخرى بعد ظهر ذلك اليوم - الأربعاء 7 من يونيه - كانت أكثر إثارة وهي معركة الاستيلاء على نابلس، والتي أبلى فيها ضابط شاب برتبة ملازم بلاءاً حسناً، حيث واجه بدباباته الأربع الخفيفة طابوراً أردنياً مدرعاً يضم دبابات باتون الأقوى من دباباته، ودمر سبع دبابات بالإضافة إلى حاملة جنود مدرعة وسيارة جيب ومدفع عديم الارتداد وعربة محملة بالقوات الأردنية.

أما تفاصيل المعارك للاستيلاء على الضفة الغربية فقد سارت كالآتي

كان في مواجهة القطاع الشمالي للضفة الغربية اللواء "بيليد" بفرقته المدرعة المكونة من لوائين مدرعين منتظراً رصد القوة الأردنية الرئيسية ولكن لم يتقدم أحد سواء من السوريين أو الأردنيين.

1. تكوين وأوضاع القوات الأردنية

تتكون القوات الأردنية في قطاع سماريا من ثلاثة ألوية مشاه ولواء مدرع مدعم وكتيبتين مشاه مستقلتين وكتيبتين مدرعتين مستقلتين وكانت بلدة جنين تعتبر مفتاح القدس من جهة الشمال ولذا فقد دارت عليها معارك عنيفة في حرب الاستقلال حيث كانت تحت سيطرة اللواء 25 مشاه الأردني المدعم بكتيبة دبابات وكان اللواء مسؤولا عن طرق الاقتراب الجنوبية في الأردن من توباس في الشمال وكان لواء الأميرة عليا متمركزا بمدينة نابلس ومسؤولا عن الفتح في السهل الساحلي بمنطقة طولكرم وكان هناك لواء آخر وقيادته برام الله يدافع عن اللطرون والجزء الشمالي من ممر القدس وكان اللواء 40 مدرع هو الاحتياطي المدرع الرئيسي ويتمركز بمنطقة جسر داميا على نهر الأردن.

ويمكن تشبيه تلال يهوذا وسماريا بأنهما مثل السلم المدرج العملاق الذي يتجه لأعلى من البحر إلى منتصف السطح لخط تقسيم المياه ثم يهبط ثانية. لذلك فهو يتجه بدرجات أكثر انحداراً إلى وادي الأردن وتتجه الدرجة الأولى إلى ساحل البحر المتوسط وتهبط خلال التلال المنخفضة (الشفيلا في الانجيل) ثم إلى الدرجة الثالثة (الميول الأقل انخفاضا) ثم الدرجة الرابعة (انحدارات أعلى) إلى السطح وعند الهبوط الدرجة الأقل انخفاضاً (من ميول وادي الأردن) في انحدار يكاد يكون صخر عمودي بارتفاعات مختلفة ويمكن رؤية المنطقة الوسطى من الجو على شكل العمود الفقري لسمكة عملاقة والسلسلة الفقرية هي خط تقسيم المياه والوديان تجرى لأسفل من خط تقسيم المياه إلى البحر المتوسط والى وادي الأردن أو البحر الميت وهما يشبهان الضلوع الخارجية من العمود الفقري والمدينتين الرئيسيتين المؤثرتين على استراتيجية إسرائيل في الحملة هما مدينتي (نابلس وجنين) واللتان كانت أيضاً تقاطعات الطرق الرئيسية وتقع جنين أسفل تلال سماريا وتسيطر على مداخل وادي جزريل إلى الشمال وفي اتجاه الجنوب من المدينة يوجد وادي دوتان الذي يفتح غربا للسهل الساحلي وفي التاريخ كان هذا الوادي الطريق الرئيسي للجيوش التي تدخل سامريا من الشمال أما نابلس والتي على مسافة 18 ميل جنوب جنين فتقع في الوادي بين الجبلين الذي ذكرا في الانجيل وهما جبل جزريم وجبل عبال وهناك طريقين يمتدان بين نابلس وجنين ويمر الطريق الشرقي خلال توباس والطريق الغربي خلال سيلفدرها وديرشرف.

بعد ظهر يوم 5 يونيه أمر الجنرال "اليعازر" قائد المنطقة الشمالية اللواء "بيليد"[3] بمهاجمة الأردنيين بهدف إسكات وحدات المدفعية في وادي درتان والتي كانت تهدد قاعدة رامات دافيد.

وفي سعت 1700 يوم 5 يونيه 1967، عبرت قوات بيليد خط وقف إطلاق النار وقد صاحب الهجوم قصف مركز بواسطة الحشود النيرانية من القوات الجوية الإسرائيلية على تجمعات المدفعية في وادي دوتان غرب جنين وقد تقدم لواء مدرع بقيادة العقيد "موشى ياركوشفا" يتبعه لواء مشاه بقيادة العقيد "آهارون أفنون" على محورين محور في اتجاه بعباد غرباً وجنوباً من جنين والثاني في اتجاه جنين من الغرب وفي نفس الوقت كان هناك هجوم خداعي بواسطة المشاة من وادي بيت شان جنوباً مهدداً جسر داميا ـ وهذا قد يمثل تهديداً لكل الفتح الأردني بمنع الأردن من حشد قواتهم المقابلة لضربة إسرائيل الرئيسية ضد جنين وكانت الخطة الإسرائيلية لمهاجمة جنين تعتمد على حركة تطويق واسعة لجنب القوات الأردنية ومهاجمتها من الجنوب بهدف الاستيلاء على المرتفعات المشرفة على المدينة.

وقد وصلت قوات المشاة الآلية والدبابات بقيادة العقيد "باركشوفا" مناطق تجمع المدفعية الأردنية وبعد معركة عنيفة استولت على المنطقة، كما تحرك طابوره المدرع للاستيلاء على تلاقى طرق قابطيا وبذلك تم قطع جنين عن نابلس ومعظم الضفة الغربية وقامت القوات المدرعة الأردنية بهجوم مضاد في محاولة التطويق المزدوج لقوات باركشوفا ودارت أثناء الليل معركة بالدبابات ولكن المدرعات الإسرائيلية بمدافعها عيار 105 مم المركبة على الدبابات الشيرمان القديمة أثبتت أنها أكثر من منافسة للدبابات الباتون الأردنية الأمريكية الصنع وقد قام "باركشوفا" بهجوم مضاد على قوات الحصار الأردنية وأجبرتها على الهرب، وبالتعاون مع وحدات لواء المشاة بقيادة "أفاتون" قرر "باركشوفا" التقدم نحو جنين لمهاجمته. تجمعات أردنية جيدة الإخفاء والتمويه والمكونة من 30 دبابة باتون أردنية وعدد من الأسلحة المضادة للدبابات المحملة على مركبات مدرعة. وبعد صد الهجوم المضاد الأردني والذي قاتلت فيه القوات الأردنية بشجاعة كبيرة تحركت قوات باركشوفا لاحتلال التلال المسيطرة على جنين من اتجاه الجنب الشرقي بينما احتلت وحدات أخرى من اللواء التلال الجنوبية الغربية.

وأثناء ذلك وبمجرد وصول القوات الإسرائيلية إلى مركز الشرطة شمال جنين أبلغت وحدة استطلاع اللواء عن وجود قوة من حوالي 60 دبابة باتون أردنية تتقدم شمالاً من اتجاه توباس وهنا حرك "باركشوفا" قواته جنوباً إلى تقاطع الطرق في قابطيا واستعد لملاقاة تلك القوات الأردنية بينما واصل لواء المشاة بقيادة "أفاتون" أعمال التطهير داخل المدينة واستولى عليها سعت 1300 يوم 6 يونيه 1967. ودخلت القوات الأردنية المدرعة المتقدمة في القتال مع كتيبة استطلاع من قوات "باركشوفا" وقامت بتطويقها وحاصرتها تماماً. وكانت قوات "باركشوفا" التي واصلت التحرك لمدة 24 ساعة والتي اشتبكت في قتال كثيف وشديد كانت في مسيس الحاجة لإعادة التجميع والإمداد ولكنها حاليا تواجه معركة ضد قوات مدرعة أردنية بكامل إمكانياتها واتخذت لنفسها مواقع دفاعية ثابتة داخل وحول قابطيا أثناء حصارهم لكتيبة استطلاع "باركشوفا" وقد أرسل "بيليد" تعزيزات جوية وذلك لتخفيف الضغط الواقع على باركشوفا وتمنحه الوقت الذي يسمح لإعادة التجميع والتنظيم، وكانت معركة قابطيا ضد قوات أردنية تتكون من اللواء 25 مشاه بقيادة المقدم/"عوض محمد الخالدي" وتقويات مدرعة وقد رد الأردنيون الهجمات الإسرائيلية للخلف واستمر القتال العنيف المتواصل لمدة 12 ساعة بمنطقة تلاقى الطرق. وبعد سقوط الليل نجحت سرية دبابات إسرائيلية في التحرك على جنب القوات الأردنية وإحداث ثغرة في الحلقة الأردنية التي أحكمت على كتيبة الاستطلاع وهنا تحركت القوات المحاصرة وانضمت إلى القوات الإسرائيلية الرئيسية بينما استمرت معركة الدبابات من مدى قريب وتدريجيا تغلبت قوات "باركشوفا" على الأردنيين في قابطيا واخترقوها وتقدموا من الشمال في اتجاه نابلس.

وبينما كان لواء "باركشوفا" يقاتل للاستيلاء على جنين وقابطيا قام "بيليد" بتحريك لواء مدرع آخر بقيادة العقيد "يورى رام" بالمرور شرقا من جبل جلبوا وجنين بهدف فتح طريق جنبة توباس ليتقدم في اتجاه نابلس من الشرق وبعد التغلب على الحشود الأردنية المضادة للدبابات قامت قوات "رام" باختراق المواقع الأردنية ثم اشتبكت، في معركة مدرعة من الثبات على مسافة بعيدة واستمرت طول اليوم. وقام الأردنيون من المرتفعات قرب زبابيدا بالاشتباك مع قوات "رام" المتقدمة حيث أمكن للأردنيين من مواقعهم تغطية الطريق وكل الوادي فقام العقيد رام بالفتح على امتداد المرتفعات على الجانب الشرقي للوادي وقام بدفع وحدات مدرعة صغرى إلى أسفل الوادي لجذب نيران الأردنيين وحتى يمكن تحديد مواقعهم عن طريق وميض مواسير المدافع واستمرت المعركة حتى الغسق وقرب المساء تعرضت سرية الدبابات الأردنية التي أمكن ملاحظة تحركها ( الهجمة جوية ) وبحلول الظلام وباستخدام الدبابات الأردنية المخترقة كنقط إشارية قام "رام" بهجوم ليلى ووصل قريبة العقبة ثم تقدم اللواء واستولى على توباس محققا المفاجأة وترك "رام" معظم قواته عند تلاقى الطرق لتغطية الطريق من جسر داميا لتوقع اقتراب اللواء 40 مدرع من هذا الاتجاه وأيضاً لأنه كان علم أن هناك وحدات مدرعة أخرى لم يتم حسابها بمنطقة توباس وعلى ذلك تقدم إلى نابلس بكتيبة الاستطلاع وسرية دبابات فقط.

كانت تقارير الاستطلاع تفيد بهدوء مدينة نابلس ولهذا أمر "رام" القوات بدخول المدينة وقد دهش الإسرائيليون بدرجة كبيرة حيث قوبلوا بالترحاب من مواطني نابلس الذين تجمعوا على جانبي الطريق للتهليل والتحية وقد حدث ذلك نتيجة اعتقاد خاطئ بأن الدبابات الإسرائيلية هي دبابات عراقية والمقرر أن تتحرك على هذا الطريق لتعزيز داميا. وعندما حاول جندي إسرائيلي أن ينزع سلاح أحد العرب وحدث إطلاق نيران، أدرك مواطني نابلس خطأهم وبدأت النيران المتفرقة تنطلق ولمدة 6 ساعات في معركة غير منظمة داخل وحول المداخل الغربية للمدينة وقد كان التخطيط الأردني يقدر أن الخطر الرئيسي على نابلس سيكون من القوات الإسرائيلية التي تهجم من الساحل وليس من الشرق، ولهذا انتشرت القوات المدرعة الأردنية إلى الغرب من المدينة وعلى امتداد الطريق المؤدى إلى الساحل، بينما انتشرت قوات المشاة الأردنية شرق المدينة ولهذا السبب قاتلت قوات "رام" المشاة الأردنية بالمداخل الشرقية للمدينة، أما في المداخل الغربية فقد قابلت قوة إسرائيلية مدرعة واشتبكت مع وحدات الدبابات الأردنية وقد اندلعت الاشتباكات القريبة بالدبابات بينما دخلت وحدات من لواء المشاة الجولانى الذي كان يتقدم مع القوات المدرعة وسط المدينة، واستمرت في قتال عنيف من منزل لآخر حتى سيطرت على المدينة مساء يوم 6 يونيه.

2. الاستيلاء على وادي الأردن ]

بينما كانت القوات الإسرائيلية تحتل المدينة القديمة وتأخذ تلال الخليل ( حبرون ) قاد "ابن آري" لوائه داخل رام الله وقد تم تدعيم قواته بوحدات من العقيد "يوتفات" الذي تقدم من اللطرون وقد تحركت كتيبتين من قوات "ابن آري" على طريقين منفصلين اسفل وادي الأردن في اتجاه اريحا حيث هجموا خلال المدينة مع فتح نيرانهم وقضوا على المقاومات المبعثرة ومن هناك التفوا إلى معابر نهر الأردن ثم تحركوا شمالا على امتداد وادي الأردن للاتصال بالقوات التي تتحرك جنوبا من القيادة الشمالية واندفعت الكتيبة الثالثة شمالا في اتجاه نابلس حيث قابلت القوات من القيادة الشمالية والتي سيطرت على المدينة وقد حاولت الوحدات الأردنية المدرعة المنسحبة من تلال حبرون لتصل إلى الكباري شمال البحر الميت على امتداد المدقات خلال صحراء أرض الميعاد وأخيرا تركوا دباباتهم وجاهدت القوات للهرب على الأقدام.

وبصباح يوم 6 يونيه قام العقيد "باركشوف" فأعاد هجومه من جديد على تلاقى الطرق في قابطيا مدعما بهجوم مركز من القوات الإسرائيلية واستمرت المعركة أربعة ساعات فقد فيها اللواء الأردني 25 دبابة أخرى (وهذا يعني أن اللواء 40 مدرع فقد بالفعل أكثر من نصف دباباته داخل وحول مدينة نابلس)، ونتيجة لتقدم لواء العقيد "شاحام" من الغرب واقترابه لنابلس من قلقيلية وتهديده للأردنيين بدأت القوات الأردنية في الانسحاب في اتجاه جسر داميا. والآن تتحرك بعض قوات بيليد جنوباً من نابلس في اتجاه رام الله حيث قابلوا لواء بن آري المتقدم شمالا بينما تحركت وحدات من لواء "باركشوفا" داخل وادي الأردن وسيطروا على كوبري داميا وهكذا سيطرت القوات الإسرائيلية على الكباري الثلاثة الممتدة على نهر الأردن مؤكدين سيطرتهم على الضفة الغربية.

وظهر "الملك حسين" في التليفزيون وهو متعب وأشعث ووجه نداءً يائساً لأمته للقتال إلى آخر قطرة دم وآخر رجل ولكن في الواقع كان قد اتخذ قراراً لقبول وقف إطلاق النار الذي دعت إليه الأمم المتحدة وفي ذلك المساء في الساعة الثامنة مساء يوم 7 يونيه وافقت كل من الأردن وإسرائيل على وقف إطلاق النار بصفة رسمية.

هذا وقد اكتملت عملية غزو الضفة الغربية وفقد "الملك حسين" أكثر من نصف مملكته لأنه سمح للأردن بأن تقحم نفسها الحرب وذلك خلال موجة الهيستيريا في العالم العربي ووقع اتفاقات مع مصر ندم عليه بشدة بعد عشرة أيام من توقيعه ولقد تم إعطائه فرصة سانحة للبقاء بعيداً عن الحرب وتحذيراً عادلاً من عواقب مشاركته في الحرب وذلك في الرسالة التي أرسلها له رئيس وزراء إسرائيل "ليفي أشكول" من خلال مكاتب الأمم المتحدة يوم 5 يونيه وقد اختار أن يتجاهل هذا التحذير وبدلاً من ذلك وضع نفسه فريسة للاستخبارات الزائفة التي جاءته عن طريق المصريين وفوق ذلك فقد ضعفت مكانته الدولية بسب تلفيقه مع "عبدالناصر" قصة الدعم العسكري الأمريكي والبريطاني لإسرائيل، وقد ضلله حلفاؤه المصريون وخانه حلفاؤه السوريون، فبالرغم من نداءاته الملحة لم يفي السوريون بوعودهم له وبالرغم من تمركز العراقيين بالأردن فإنهم لم يدخلوا الصراع وقد أعطى "الملك حسين" تعبيراً قاسياً لمشاعره في كتابه "حربي مع إسرائيل عام 1967" والخسائر الأردنية في الحرب طبقاً للتقديرات الأردنية أكثر من ستة آلاف بين قتيل ومفقود، وكانت خسائر إسرائيل تقريباً خمسمائة وخمسون قتيلاً وألفين وخمسمائة جريح.

يقول الجنرال "موشى ديان"

وقبل ظهر يوم الخميس بوقت قصير، أبلغت القيادة الوسطى القيادة العامة بأن لواء القدس التابع لها تقدم جنوباً من القدس واستولى على بيت لحم والخليل والناصرية. فاتجهت فورا إلى الخليل وقابلت "عوزي ناركيس" في القدس واصطحبته معي في طريقي إلى الجنوب. وكنا مضطرين إلى التزام الحذر عند عبورنا للحدود القديمة بين القدس وبيت لحم، فقد كان علينا ألا ننحرف عن الطريق الذي تم تطهيره وسط حقل الألغام. ولكن لم يكن هناك أي أثر تقريبا للحرب بعد ذلك. فقد كانت جبال الخليل في أوج ازدهارها بينما كانت الوديان في هذا الوقت شديدة الحرارة بفعل شمس الصيف المحرقة وكانت الحقول متعطشة للماء، كان الجو هنا ما يزال ربيعاً، وكان كل شئ أخضر نضيراً. لم تكن هناك أي عربات في الطريق سوى العربات العسكرية وكان الفلاحون كالمعتاد يعملون في البساتين ومزارع الكروم، وكان كل شبر من الأرض بين الصخور مزروعا بالكروم وأشجار الزيتون والتين.

وألقينا نظرة عل برك سليمان ثم اتجهنا إلى مجمع أتزيون، وهي مجموعة المستعمرات الدينية التي دمرها العرب إبان حرب 1948. ولم يبق هناك أثر للمستعمرات اليهودية الأربع. فقد أقام الفيلق العربي معسكرات وشيد مسجداً مكانها. وبينما كنت أتأمل ما حولي وأنا أتذكر الرواد الأصليين وما حدث لهم، أيقنت تماماً أن مستعمرات جديدة ستظهر قريبا في هذا الموقع. وفعلا بعد أشهر قليلة بدأت عملية أحياء المستعمرات على أيدي أبناء الأسر المؤسسة التي قتل أفرادها سنة 1948. فقد صمموا على بناء المساكن والمدارس واستصلاح الأرض وإنجاب الأبناء الذين سيصبح مجمع أتزيون موطنهم الدائم.

وواصلنا رحلتنا إلى مدينة الخليل، التي فرض عليها حظر التجول وكانت شوارعها مهجورة. ولم يكن يقوم على حراسة المسجد المقام فوق الكهف الذي دفن فيه الأنبياء العبرانيون، سوى جندي واحد لمنع دخول أي جندي من القوات الإسرائيلية. وعندما وصلت سيارتنا الجيب وتوقفت عند المدخل، هب الحارس واقفا ووجه بندقيته نحونا وصاح "الدخول ممنوع" ثم أشار إلى لافتة على الباب كان رجالنا قد وضعوها، وتبين أن هذا مكان مقدس ممنوع دخوله بالنسبة للقوات. وجلسنا في السيارة الجيب بلا حراك. وكان على وشك إلقاء خطبة علينا عندما اكتشف شخصيتنا. ثم لوح ببندقيته، التي كانت ما تزال في يده، نحوي وقال "أعتقد أنه لا بأس بالنسبة لكما أنه يمكنكما الدخول". وشكرته وصعدنا الدرجات ودخلنا المبنى.

وكانت هذه هي أول مرة أدخله. فقد كان دخول كهف الأنبياء محرما على اليهود. ولم يكن مسموحا لهم، أثناء حكم المسلمين بالارتقاء إلى أعلى من الدرجة السابعة خارج المبنى، ومن هناك كان يمكنهم النظر من خلال كوة ليلمحوا الكهوف الممتدة تحتهم. وارتقينا الدرجات إلى أعلى من الدرجة السابعة ثم دخلنا القاعدة. وكانت توجد إلى اليسار قاعة لصلاة المسلمين. أما إلى اليمين فكانت توجد مقابر الأنبياء إبراهيم واسحق ويعقوب وزوجاتهم.

وقد تأثرت، بالطبع، إزاء فكرة أن اليهود سيستطيعون مرة أخرى زيارة أحد أماكنهم المقدسة التي حرموا من زيارتها منذ عهد بعيد. ولكن لا يمكنني القول بأنني تأثرت بالمبنى المقام في الموقع. وليس هناك شك في أن كهف ما تشبيله، الذي اشتراه إبراهيم "مقابل 400 شاقل من الفضة" (وهي عملة عبرانية فضية قديمة) من "افرون بن زوهار" حتى "يمتلك مدفنا"، لم يكن سوى كهف تقليدي منحوت في صخور المنحدرات المطلة على أحد حقول الشعير. وبعد وفاة إبراهيم بألفي عام، وخلال العصر المسيحي، أصبح هذا المدفن اليهودي القديم، موقعا لكنيسة، وبعد ذلك تحولت هذه الكنيسة بدورها مع ظهور الإسلام إلى مسجد. ولكن لم تكن بالإضافات البيزنطية والمملوكية غير ملائمة وحدها. بل أن المبنى الأساسي الضخم المستطيل الشكل الذي أقيم في عهد "هيرود" في القرن الأول قبل الميلاد، لم ينجح في أن يصور تصويراً نابضاً بالحياة صورة الرعاة الرحل الذين كان الواحد منهم يقوم برعاية قطيع حماه لمدة سبع سنوات كصداق لزوجة.

وقررت أنه لابد من وضع الترتيبات اللازمة حتى يمكن لكل من اليهود والمسلمين أن يترددوا على المعبد للزيارة والصلاة. وكنت قد لاحظت عند وصولي إلى المبنى أن علما إسرائيلياً يرفرف فوقه، فأمرت بإنزاله. فإن العلم يجب أن يرفع فوق مكتب الحاكم وليس فوق مقبرة مقدسة. وتم إنزال العلم.

وقد أصدرت إلى قائد عام القيادة الوسطى، أثناء رحلتي هذه توجيهات سياسية بأن يتصرف بشكل يتمشى مع نوايانا الخاصة بإقامة مستوطنات يهودية دائمة في جبل الخليل والقدس. أما في الشمال عند السلسلة الوسطى المطلة على جنين ونابلس ورام الله، فإنه سيتعين علينا إقامة معسكرات للجيش حتى يمكننا السيطرة على نهر الأردن بقوة صغيرة.

وحتى تلك اللحظة، كانت الأردن وإسرائيل فقط قد أعلنتا عن استعدادهما لقبول وقف إطلاق النار. أما مصر وسورية فقد رفضتا حتى ذلك الحين الامتثال لقرار مجلس الأمن.

وطلبنا عقد اجتماع مع ممثلي لبنان، معتقدين أنه ربما يكون الوقت قد حان لإجراء محادثات معهم. فإذا لم يكونوا مستعدين لتوقيع اتفاق سلام معنا، فربما كان في إمكاننا التفاوض حول وضع ترتيبات أخرى قد تكون مفيدة. ولكنهم رفضوا اتصالاتنا وأعلنوا أن لبنان في حالة حرب رسميا مع إسرائيل. وهذا يعنى أن اتفاق الهدنة الذي كان قائماً بيننا منذ سنة 1949 لم يعد سارياً.

وكان لخروج الأردن السريع من الحرب أثران هامان. وكان الأثر المباشر أثراً عسكريا ـ فقد أصبح في مقدورنا تحويل قواتنا من الجبهة الأردنية إلى الجبهة السورية. أما الأثر الثاني فكان سياسياً ـ وهو أن الفلسطينيين في الضفة الغربية لم يشتركوا في الحرب.

فقد وقعت معظم المعارك خارج المناطق المأهولة بالسكان، ولذلك فإن الاشتباكات وقعت بين القوات المسلحة الأردنية والجيش الإسرائيلي، ولم تحدث أي أضرار تقريباً للسكان المدنيين في يهودا والسامرة. وكانت هذه الحقيقة، من وجهة نظري وبحسب فهمي أسلوب العلاقات التي يجب أن نسعى لتنظيمها مع العرب الفلسطينيين ذات مدلولات حاسمة.


 



[1] كان قائد المنطقة المركزية حينئذ اللواء عوزى نيركيس كان قد خدم في قوات البالماخ وقاد الكتيبة التي دخلت المدينة القديمة من ناحية بوابة صهيون حرب الاستقلال عام 48 والذي دخل بالضبط هو الرائد دافيد العازار "رادو" وكان قائد سرية في كتيبته وهو خريج لمدرسة الحرب الفرنسية واللواء نركيس قصير ونحيف البنيان ذو عقلية تحليلية وفهم عسكري ممتاز. وقد خدم كنائب لمدير المخابرات العسكرية وعمل أيضاً كملحق عسكرى لإسرائيل في فرنسا

[2] أو تعتبر هذه البقعة أقل مناطق العالم كثافة سكانية، فالطبيعة لطيفة هنا جافة - والأراضي مقفرة وجرداء. ولكن أريحا ذاتها تنعم بالجداول وتبدو وكأنها تعوم فوق بحيرة من الحشائش الخضراء. وهي نفس المدينة التي قامت فيها رحاب، بنت الهوى، بإخفاء جنود الاستطلاع الذين بعث بهم يوشع والتي حدثت فيها معجزة اليشع وتحولت المياه الآسنة إلى مياه عذبة - ومازال النبع يعرف باسم نبع اليشع. فمن هو الفاتح الذي لم تهف نفسه إلى هذه الواحة ؟ من الذي يعرف عدد المرات التي دمرت فيها المدينة ؟ ولكنها كانت دائما تعود إلى الحياة مرة أخرى. فقد ثبت أن جداول المياه العذبة أبقى على الدوام من قوى التدمير

[3] وقد أثبت بيليد كفاءته كضابط صغير في البالماخ أثناء حرب الاستقلال حيث قاتل بنجاح بمنطقة صفد وأصيب فيها بجرح بالغ وهو خريج مدرسة الحرب الفرنسية وأخيرا قاد لواء المشاة "الجولاني" وبعد استقالته من الجيش خدم كمدير عام بوزارة التعليم تحت قيادة إيجال آلون وزير التعليم والذي كان قائدا له في قوات البالماخ ثم دخل أخيرا الحياة السياسية وانتخب نائب عمدة القدس مع العمدة تيدى كولك