إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع الهندي ـ الباكستاني





معارك لاهور وكاسور
معارك سيالكوت شاكارجارا
معركة بونش
معركة تشامب
معركة حسين والا
معركة راجستان
معركة سليمانكي
الفيلق الثاني الهندي
الفيلق الرابع الهندي
القتال في قطاع مج 101
القتال في قطاع الفيلق 33

انتشار الجبهة الشرقية
الحرب الهندية الباكستانية
الفتح على الجبهة الغربية
القتال على الجبهة الشرقية
القتال على الجبهة الغربية
باكستان والهندستان وحيدر أباد
قطاع عمل الطائرة TU-114
قضية كشمير ومشكلة الحدود



الصراع الهندي - الباكستاني

ثامناً: الحكومة الباكستانية تدعو المتسللين إلى إنهاء أزمة كشمير

وفي 9 يوليه 1999، دعت الحكومة الباكستانية للمرة الأولى العناصر المتسللة في كشمير الهندية إلى المساعدة على إنهاء الأزمة الراهنة مع نيودلهي التي أعلنت من جانبها إحرازها انتصارات عسكرية كبيرة أسفرت عن استعادة مرتفعات بتاليك ـ إحدى أصعب جبهات القتال ـ بالكامل.

إلا أن الحكومة الباكستانية لم تطالب المجاهدين في كشمير بشكل مباشر وصريح بالانسحاب من الأراضي الهندية.

وذكرت التقارير أن رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" أجرى اتصالات مع العديد من جماعات "المجاهدين" للوفاء بالتعهد الذي قدمه للرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" باتخاذ خطوات ملموسة لإنهاء القتال. وكان رد الفعل الأولي من عدد من الجماعات الانفصالية هو رفض النداء الذي وجهته لجنة الدفاع بمجلس الوزراء وهي أعلى هيئة مدنية وعسكرية في باكستان لحل الأزمة المستمرة منذ شهرين. وقد رفضت جماعة البدر المسلحة، إحدى الجماعات الداعية للانفصال في كشمير الاستجابة لنداء الانسحاب، الذي وجهه لها رئيس الوزراء الباكستاني في اجتماعه معهم أمس الأول. لكن لم يرد رد رسمي من مجلس الجهاد المتحدة وهو المنظمة التي تضم جماعات "المجاهدين" والذي انتقد تعهدات "نواز شريف" للولايات المتحدة بإنهاء حملتهم الرامية لوضع نهاية لحكم الهند في الإقليم المتنازع عليه.

وقالت صحيفة "ذانيوز" الباكستانية إن شريف اجتمع مع العديد من زعماء "المجاهدين"، في 9 يوليه، لدعم نداء لجنة الدفاع. ونسبت الصحيفة إلى هؤلاء الزعماء انهم لن يتخذوا أي خطوات من شأنها إلحاق الضرر بعملية السلام التي اختارت الحكومة انتهاجها.

تاسعاً: اجتماع القادة العسكريين

وفي يوم 11 يوليه 1999 عقد كبار القادة العسكريين الهنود والباكستانيين اجتماع، بالقرب من الحدود بين البلدين لبحث الأزمة. وأعلن "سارتاج عزيز" وزير خارجية باكستان أن القادة العسكريين قد اتفقوا على القيام بفصل بين القوات في كشمير لإنهاء الأزمة التي تفجرت هناك منذ حوالي شهرين بقيام المتسللين، الذين تصفهم باكستان بأنهم مقاتلون كشميريون مسلمون، باحتلال قمم الجبال من قطاعات كارجيل ودراس وباتاليك. وأوضح "سارتاج عزيز" أن الفصل بين القوات يستمر تدريجياً في جميع المرتفعات الإستراتيجية في المنطقة.

وأكدت الهند، في 11 يوليه 1999، وللمرة الأولى أنها تملك أدلة على أن المتسللين الذين يحتلون بعض المواقع الجبلية في شمال الجانب الهندي من كشمير بدأوا الانسحاب من مواقعهم، تنفيذاً للتعهد الذي قطعه رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" للرئيس الأمريكي "بيل كلينتون"، في 5 يوليه 1999.

وصرح "براجيش ميشرا" مستشار الأمن القومي الهندي بأن بلاده لديها أدلة على أن المتسللين المدعومين من باكستان ينسحبون من قطاعي كاكسار وموشكوه في منطقة كارجيل، وأن الجيش الهندي يتحقق الآن من صحة هذه الأدلة. وتوقع "براجيش ميشرا" أن ينتهي انسحاب المتسللين المتحصنين بالمرتفعات في قطاعات كارجيل ودراس وباتاليك خلال أسبوع.

وجاء الإعلان عن بدء انسحاب المتسللين، الذين تعتقد الهند أن من بينهم جنوداً حكوميين باكستانيين بعد وقت قصير من انتهاء أول اجتماع يعقده كبار القادة العسكريين الهنود والباكستانيين.

عاشراً: الهند تعطي باكستان مهلة

وفي يوم 13 يوليه 1999، أعطت الحكومة الهندية باكستان مهلة حتى يوم الجمعة 16 يوليه لسحب المتسللين الذين دخلوا من أراضيها إلى الجزء الهندي من كشمير، في الوقت الذي ساد الهدوء على طول جبهات القتال في كشمير للمرة الأولى منذ شهرين.

مصادر رسمية هندية أن نيودلهي لن تستجيب للطلب الباكستاني باستئناف الحوار بين البلدين إلاّ بعد انسحاب آخر متسلل وإعادة الوضع إلى خط السيطرة في كشمير إلى ما كان عليه. وأضافت المصادر أن الهند على استعداد لطرح جميع القضايا العالقة مع باكستان على مائدة المفاوضات بما فيها قضية كشمير، كما أن الهند حريصة على إقامة علاقات ودية مع جميع جيرانها.

وفي يوم 16 يوليه، أعلنت الهند أن العمليات العسكرية التي تواصلت لمدة شهرين لطرد العناصر الانفصالية من القطاع الخاضع لسيطرتها في كشمير انتهت تقريباً، حيث واصل مئات المتسللين انسحابهم من المنطقة.

وأعلنت نيودلهي أنها مددت المهلة الممنوحة للمتسللين لاستكمال انسحابهم يوماً آخر حتى أول ضوء يوم 17 يوليه 1999. وذكر مسؤولون هنود أنه بناء على طلب السلطات الباكستانية تم تمديد مهلة الانسحاب ـ التي انتهت يوم 16 يوليه ـ لأسباب فنية، وأكدوا استئناف القوات الهندية عملياتها بعد انتهاء المهلة، وستعتبر من بقى من المتسللين عدواً.

حادي عشر: لا تفكير في استئناف المفاوضات

وفيما يتعلق باستئناف المحادثات مع باكستان بهدف حل القضايا المعلقة بين البلدين، قال مستشار مجلس الأمن القومي الهندي "براجيش ميشرا" في تصريحات نشرتها الصحف الهندية، أنه لا تفكير إطلاقاً في استئناف المحادثات مع إسلام آباد إلا بعد التأكد من عودة جميع المتسللين إلى الجانب الباكستاني من خط السيطرة الفاصل بين شطري كشمير.

كما استبعد مستشار الأمن القومي الهندي إجراء محادثات بين البلدين على المستوى الوزاري قبل تشكيل الحكومة الهندية الجديدة في أكتوبر المقبل، مشيراً إلى إمكانية عقد هذه المحادثات على مستوى الخبراء أو وكيلي الخارجية.

ثاني عشر: القوات الهندية تحتل المرتفعات

وفي يوم 16 يوليه ذكر متحدث عسكري هندي أن قوات الجيش الهندي تقوم باحتلال المرتفعات التي انسحب منها المتسللون بقطاعات باتاليك ـ وكاكسار ودراس، وتستعد القوات الهندية للتقدم لاحتلال المواقع المتاخمة لخط السيطرة في وادي مشكوه.

1. خسائر الجانبين

هذا وقد أوضح المتحدث العسكري الهندي أن عدد الخسائر في الأرواح في الجانب الهندي ارتفع ليصل إلى 407 قتلى من بينهم 24 ضابطاً و584 جريحاً وستة مفقودين. بينما بلغت الخسائر في الأرواح بالجانب الباكستاني 696 قتيلاً من بينهم 41 ضابطاً.

2. الهدوء يسود كشمير

وفي يوم 17 يوليه ساد الهدوء كشمير مع انتهاء المهلة الإضافية التي حددتها الهند للانفصاليين الذين تسللوا من باكستان للانسحاب من الشطر الهندي من الإقليم الذي كان مسرحاً لمعارك استمرت شهرين.

وأعلن الجيش الهندي أن انسحاب المتسللين من الجانب الهندي من خط وقف إطلاق النار في كشمير قد اكتمل بالفعل. وقال مسؤول كبير بالجيش إن "الانسحاب الكامل تم من قطاعات دراس وكاكيار وباتاليك"، وأكد الجيش الهندي أنه يقف عند خط المراقبة الفاصل بين شطري كشمير بعد طرد المتسللين نحو الحدود الباكستانية. وحذر الجيش الهندي من أنه سيتعامل مع المتسللين الباقين في كشمير الهندية بعد الآن كعناصر عدائية وأنه لن يتم منحهم مهلة جديدة للانسحاب.

وفي يوم 18 يوليه أعلن وزير الدفاع الهندي "جورج فرنانديز" أن جميع المقاتلين الذين تسللوا من باكستان إلى القطاع الهندي من إقليم كشمير قد انسحبوا من المنطقة وأن آخر الجنود الباكستانيين غادروا الإقليم.

وأكد أحد الضباط الهنود، في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، أن الجيش الهندي وصل إلى الحدود الباكستانية عند خط المراقبة الفصل بين القطاع الهندي والباكستاني من الإقليم، وأنه توغل في كل مناطق القتال في الأسابيع الأخيرة باستثناء بعض النقاط المعزولة. وأضاف أن الهند تبني ملاجئ محضة جديدة لمنع تكرار عمليات التسلل، خاصة بعد أن أصبح العدو يعرف المواقع السابقة، مشيراً إلى أن الجانب الباكستاني قد اتخذ نفس الإجراء على الشطر الآخر من خط المراقبة الفاصل.

وذكرت صحيفة "بايونير" الهندية أن نيودلهي ستنفق نحو 100 مليون روبية يومياً (203 مليون دولار) لتغطية نفقات خطة جديدة لمراقبة الخط الفاصل بين شطري كشمير لمنع أي عمليات تسلل أخرى قد تقع مستقبلاً. ونقلت الصحيفة عن وزير الدفاع الهندي أن الخطة تشمل نشر 10 آلاف جندي، واستخدام نظام مراقبة مزود بتكنولوجيا عالية على الحدود الهندية الباكستانية في كشمير البالغ طولها 140 كم ونفى وزير الدفاع الهندي أن تكون عملية التسلل الأخيرة في كارجيل قد وقعت بسبب فشل أجهزة الاستطلاع والمخابرات الهندية في رصدها. مشيراً إلى أنه يتعذر إقامة مواقع حراسة دائمة على طول الخط الفاصل بين شطري كشمير.

ثالث عشر: الهند وباكستان تتبادلان القصف المدفعي

في تهديد لاتفاق الهدنة القائم منذ 10 أيام بين الهند وباكستان. تبادل الجانبان يوم 21 يوليه 1999 القصف المدفعي العنيف في كشمير، في الوقت الذي ردت فيه إسلام آباد بفتور على دعوة نيودلهي لاستئناف الحوار بين الجانبين.

فقد قصفت القوات الهندية فلول الانفصاليين الذين يسيطرون على مئات الأمطار فوق ثلاثة مرتفعات في القطاع الهندي من كشمير، وقد ردت القوات الباكستانية بقصف عنيف للمواقع الهندية، مما آثار مخاوف من انهيار اتفاق فك الاشتباك بين الجانبين في كشمير، القائم منذ 10 أيام والذي انسحب بناء عليه الانفصاليون الذين تسللوا إلى القطاع الهندي من الوادي، في مايو.

رابع عشر: الحوار الهندي ـ الباكستاني

أعلنت الهند التزامها بإجراء حوار مباشر مع باكستان، مشددة في الوقت نفسه على أن النزاع بين الجانبين مسألة ثنائية يتعين على الدولتين الجارتين حلها بمفردهما، في حين دعا "نواز شريف" نيودلهي إلى الدخول فوراً في محادثات مع بلاده بدون شروط.

وفي المقابل، دعا رئيس الوزراء الباكستاني "نواز شريف" الهند للدخول فوراً في حوار مع بلاده لتسوية القضايا الخلافية بينهما بدون شروط.

خامس عشر: أسباب داخلية وراء التصعيد

ومن الجدير بالذكر بعد أن تناولنا مسيرة الأحداث في التصعيد بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير وهو النزاع الخامس في مسيرة الصراع بين الدولتين، أن نوضح هذ1 التصعيد لم يكن بعيداً عما يحدث في داخل كل منهما، حيث يرى المراقبون أن الدوافع والأوضاع الداخلية في كلا البلدين كانت الأسباب المباشرة وراء هذا التصعيد الأخير الذي بدأ في9 مايو 1999 بين البلدين، والذي راح ضحيته العشرات من الجانبين.

1. الجانب الهندي:

أ. ففي الجانب الهندي نجد أن هناك حكومة هندوسية متطرفة، هي حكومة حزب بهاراتيا جناتا، والتي يرأسها "ايتاال بيهاري فاجباي"، وهي لا تحظى بأغلبية كبيرة في البرلمان، كما أنها حكومة متشددة لا تلقي استحساناً أو قبولاً من جانب القوى الدولية الكبرى، إذ أنها تبدي تشدداً وتعنتاً في القضايا الهامة مثل قضية الانضمام إلى معاهدتي حظر انتشار الأسلحة النووية، ومنع إجراء التجارب النووية، فضلاً عن قضية كشمير التي لا تقبل أن يتم تسويتها وفقاً لأحكام الأمم المتحدة، ووفقاً لما تم الاتفاق عليه من قبل. كما ترفض أي وساطة دولية، وتدعي أنها حكومة انتقالية لا يحق لها اتخاذ قرار مصيري وحاسم في مثل هذه القضايا الحيوية التي تمس أمن البلاد.

ب. يرى بعض المراقبين أنه كانت هناك محاولات من جانب الحكومة الهندية قبل وصول حزب بهارايتا جاناتا المتشدد للسلطة في الهند لتسوية قضية كشمير بشكل سلمي. ولكن هذه المساعي تجمدت عقب وصول هذه الحكومة المتشددة إلى السلطة.

ج. تعاني الحكومة الهندية الحالية من بعض المشكلات الاقتصادية في الداخل خاصة من جراء العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على الهند بعد إجرائها للتجارب النووية في مايو 1998، مما أثر على اقتصاد البلاد، ومن ثم على الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الحكومة للمواطنين الهنود، الذين لا يزال الملايين منهم يفتقدون للخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة والمسكن، ثم فرص العمل. ولاشك أن هذا الوضع المتردي يشكل ضغوطاً كبيرة على الحكومة الهندية الحالية.

د. هناك مشاكل سياسية معقدة، إذ أن حزب المؤتمر العريق يعاني من أزمة تمزق داخلي بعد انشقاق ثلاثة من أبرز قياداته وعزمهم على تأسيس حزب جديد، فضلاً عما أثير من جدل واسع حول استقالة "سونيا غاندي" من رئاسة الحزب بسبب جذورها الإيطالية.

هكذا نجد أن تردي الأوضاع الاقتصادية في الهند، بالإضافة إلى وجود توترات سياسية حادة سوف يؤدي إلى تحريك قوى معينة وقاعدة عريضة من المجتمع قد تنادي بحقوق اقتصادية وسياسية تعجز حكومة حزب بهاراتيا جاناتا عن الوفاء بها. وهو ما دفع تلك الأخيرة إلى إثارة موضوع كشمير مرة أخرى، تلك القضية وبهذه الدرجة من التصعيد من أجل صرف أنظار المواطنين في الداخل عن القضايا الداخلية وحشد التأييد الشعبي باتجاه قضية كشمير التي تعد قضية أمن وطني، خاصة مع احتمال التهديد بالحرب التي يمكن أن تستخدم فيها الأسلحة النووية والصواريخ متوسطة المدى. ومن ثم تسعى حكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومية المتشددة إلى الحصول على أكبر قدر من التأييد الشعبي حول أزمتها الراهنة مع باكستان، حتى يتسنى لها كسب اكبر عدد ممكن من الأصوات في الانتخابات القادمة في سبتمبر 1999.

2. الجانب الباكستاني

أ. تواجه حكومة "نواز شريف" تحديات سياسية واقتصادية قوية، فعلى الصعيد الاقتصادي هناك تراجع في الأداء الاقتصادي الباكستاني، بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والدول الكبرى، بالإضافة إلى سباق التسلح مع الهند، خاصة في مجال الأسلحة النووية، والصواريخ البالستية متوسطة المدى وطويلة المدى، والتي تستنزف مواردها. ورغم ذلك فهي تعتبر أن إلحاق بالتفوق النوعي الهندي في مجال التسلح أمر مهم ويحتل أولوية قصوى مهما كلفها ذلك من أعباء، وأمام هذا التردي الاقتصادي، شرع رجال الأعمال الباكستانيون في تحويل وتهريب أموالهم إلى الخارج تحسباً لحدوث كساد أو أزمة اقتصادية طاحنة في البلاد، خاصة بعدما وصل احتياطي باكستان من العملات الأجنبية إلى بليون دولار فقط، مع توقع انخفاضه.

ب. على الصعيد السياسي، هناك معارضة سياسية قوية لحكومة "نواز شريف" تتمثل في الحركات الأصولية الإسلامية من جهة، وحزب الشعب الباكستاني بزعامة بينظير بوتو من ناحية أخرى.

وهكذا يتضح أن هناك عوامل داخلية لدى كل من الحكومتين الهندية والباكستانية تدفعهما نحو التصعيد في قضية كشمير، وتتمثل هذه العوامل في مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية، ولكن يضاف إلى ذلك إصرار مواطني كشمير أنفسهم على عدم التفريط في حقهم في تقرير مصيرهم الذي ظلوا يجاهدون من أجله 54 عاماً مضت، وهو ما يتضح من تمسكهم بما استولوا عليه من أراضي في كشمير الهندية، رغم الغارات الجوية الهندية الكثيفة، والوجود العسكري الهندي الضخم.

ويبقى تساؤل مهم، هو إذا كان التصعيد الأخير الذي حدث في كشمير بين الهند وباكستان يرتبط ـ في الأساس ـ بعوامل داخلية، فهل يعني استمرار هذه العوامل بقاء الوضع في كشمير على ما هو عليه؟ خاصة وأن تحركات القيادتين في البلدين قد لاقت رواجاً كبيراً في الداخل، حيث طالبت المعارضة الباكستانية بتوجيه رد مناسب على الانتهاكات الهندية ضد الأبرياء في الشطر الباكستاني من كشمير. كما طالب كل من حزب الشعب الباكستاني وحزب الجماعة الإسلامية بإجراءات حاسمة اقتصادية ودبلوماسية وعسكرية ضد الهند. ولم يختلف الوضع كثيراً داخل الهند التي يجتمع الرأي العام فيها حول أهمية كشمير من الناحية الإستراتيجية بالنسبة للهند، ومن ثمن لا يمانع في دفع ثمن الاحتفاظ بهذا الإقليم المهم.

سادس عشر: مستقبل الصراع حول كشمير

إن المتأمل للصراع بين الهند وباكستان حول إقليم كشمير يلاحظ أنه يأخذ شكل بندول الساعة، أو ثورات البراكين، فهو يثور بعنف، ثم يخمد لفترة لكي يستأنف ثورته مرة أخرى بدرجة أكبر، وهكذا. وفي النزاع الأخير والتصعيد الذي أخذ شكل مرتفع حتى كاد أن يصل للحرب الشاملة بين البلدين، نجد أن الطرفين الهندي والباكستاني يتبعان إستراتيجية افتعال الأزمات الخارجية واستثارة الصراعات الخارجية هرباً من المشكلات الداخلية، كما يحرص كل منهما على التمسك بموقفه، وعدم التراجع عنه، فضلاً عن استعداده لتعبئة قواته واستخدام أعتى ما لديه من أسلحة في سبيل حسم الصراع لصالحه. لكنه مع ذلك يحرص على عدم تصعيد التوتر نحو مواجهة عسكرية شاملة، قد تقود الطرفين إلى مواجهة نووية، وذلك إدراكاً منهما لخطورة الموقف. كذلك فإن الطرفين يبديان استعدادهما لحل الصراع سلمياً، وان لم يتخذ الإجراءات الفعلية لتحقيق ذلك.

ويبدو من خلال هذا التصعيد، أن كلا الطرفين لا يرغب في تقديم أي تنازلات قد تساعد على تسوية الصراع بشكل سلمي، وعندما كان هذا التوتر الأخير يعود إلى أسباب داخلية بالأساس، فإن استمرار وبقاء هذه الأسباب قد يؤدي من شأنه إلى استمرار هذا التوتر، بل وتصاعده أيضاً.

ومن هنا، تأتي أهمية وجود طرف ثالث (الهند لا توافق على هذا الطرف) يلعب دور الوسيط النزيه، خاصة وأن طرفي الصراع قد لا يستطيعان مواصلة سياسة ضبط النفس، والتراجع في الوقت المناسب، ومع امتلاكهما للسلاح النووي، وغياب نظم فعالة للسيطرة على السلاح النووي لدى كل منهما، حيث تبرز أهمية وجود طرف ثالث أكثر قدرة على إدارة المواقف بحكمة وموضوعية، ويستطيع إقناع الطرفين الأول بتقديم تنازلات مناسبة تساعد على تسوية الصراع بشكل سلمي، وأن يكون لدى هذا الطرف أيضاً، القدرة على تغطية تنازلات الطرفين وتوظيفها بشكل رشيد. وهنا يتعين على الطرف الهندي الانصياع أمام إرادة المجتمع الدولي، والقبول بوجود دور لطرف ثالث يتسم بالرشادة والموضوعية حتى يتم تسوية الصراع حول كشمير بشكل سلمي، ولاشك أن الأمم المتحدة تعد من أفضل المرشحين للقيام بهذا الدور، خاصة إذا ما نجحت في فرض نظام دقيق للسيطرة على الأسلحة النووية، والصواريخ الإستراتيجية لدى الدولتين، فضلاً عن قدرتها على طرح حلول ومبادرات يمكن أن تؤدي إلى حل الصراع بين الهند وباكستان حول كشمير بشكل سلمي ونهائي لتجنيب منطقة جنوب آسيا، بل والعالم أجمع مخاطر كارثة إنسانية محققة.


 



[1] من المعروف أن لإقليم كشمير الهندي عاصمتين واحدة صيفية هي "مدينة سريناجار" والأخرى شتوية هي "مدينة جامو".