إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الصراع في جنوبي السودان





موقع منطقة إبيي
المناطق الحدودية المختلف حولها

مناطق النفط جنوب السودان
أماكن معسكرات الفصائل
الموقع الجغرافي للسودان
التوزيع القبلي
التقسيم الإداري للسودان
التقسيم الإداري لجنوب السودان
تضاريس السودان
قناة جونجلي



المبحث الحادي عشر

المبحث الثاني والعشرون

الدور الإقليمي والدولي في الصراع

أولاً: الموقف الإقليمي

كان للبيئة الإقليمية والدولية دورها المؤثر في مشكلة جنوب السودان، يتضح لنا هذا الدور في المستعمر الإنجليزي، الذي يعد السبب الأول لهذه المشكلة، من خلال السياسات التي فرضها على كل من شمال وجنوب السودان بقصد التفريق بين شطري السودان.

توضح الأدوار الدولية والإقليمية تجاه السودان في هذه المرحلة مسار تطبيق اتفاقيات السلام (اتفاقية السلام في جنوب السودان"9 يناير 2005") وطبيعة التفاعلات الدولية المحيطة بها بما يحدد في النهاية شكل الدولة السودانية وتحالفاتها في نطاقها الإقليمي أو تفاعلاتها الدولية.

1. الدور المصري

تمثل العلاقات المصرية السودانية أهمية خاصة لمصر والسودان، فبحكم الروابط الإنسانية والثقافية والاقتصادية التي ربطت بين البلدين على مدى التاريخ إضافة إلى الجانب الإستراتيجي الذي يجعل كلاً منهما يمثل عمقاً إستراتيجياً للأخر، فقد تولدت مجموعة من المصالح الحيوية المتشابكة بين البلدين، التي يمثل المساس بها تهديداً مباشراً للأمن القومي لكلا الجانبين.

سعت مصر إلى المساهمة في حل الأزمة السودانية بالجنوب من خلال المبادرات المشتركة، غير أن هذه المحاولات لم تنجح، وقد أثار توقيع بروتوكول ماشاكوس العديد من التحفظات المصرية؛ حيث رأى كثير من المراقبين في مصر أن حق تقرير المصير سيؤدى إلى الانفصال، وهو ما يتعارض مع موقف مصر الثابت تجاه مشكلة جنوب السودان وهو وحدة السودان.

 وجدت مصر أن الاكتفاء بمجرد إعلان التحفظ والامتناع عن المشاركة لن يغير الأوضاع، بل سوف يساعد على الإنفراد بالحكومة السودانية وأضعاف موقفها، فقررت السياسة المصرية التعامل مع الأمر الواقع، أن الاتفاق الإطاري قد وُقِّع، وأن طريق المفاوضات مازال طويلاً، وستكون مليئة بالصعوبات.

أعلنت مصر أنها سوف تساند الجهود السودانية من أجل جعل الوحدة الوطنية جاذبة، ومن أجل تذليل الصعاب أمامها، وأنها ستساعد على توفير أجواء ومناخات داخلية وإقليمية لمسارات أمنية أفضل للخروج من الأزمة الحالية وإنهاء المفاوضات بنجاح وبقدر من التوازن.

تجلى الموقف المصري أبان أزمة وثيقة "ناكورو" في (أغسطس 2003 ) والتي مثلت عقبة كادت تعرقل عملية المفاوضات بأكملها بسبب المقترحات التي قدمتها والتي تؤسس بوضوح لدولتين أحداهما في الشمال والثانية في الجنوب ولا تربط بينهما إلا خيوط وهمية، وقد رفضت الحكومة السودانية هذه الوثيقة في حينها.

كان لإصرار سكرتارية الإيقاد على التمسك بهذه الوثيقة أن سارعت الحركة الشعبية إلى إعلان قبولها والتهديد بالحرب الشاملة على عدة جبهات إذا رفضت الحكومة السودانية الوثيقة ولم تتفاوض على أساسها, فوجهت الحكومة السودانية نداء لمصر بالتدخل المباشر في الجولة التالية، وفي هذه الأجواء تحولت القاهرة إلى محور نشاط حيث زارها العديد من الشخصيات القيادية الجنوبية، واتجهت نحو تقوية موقف الحكومة السودانية ما أسهم في إضفاء مزيد من الثقة والصلابة على المفاوض السوداني الذي أدى إلى تجاوز أزمة "ناكورو" عن طريق غض النظر عنها والتفاوض طبقاً للأجندة التي يتفق عليها الطرفان المتفاوضان وليس انطلاقاً من الوثيقة.

استمرت المساندة المصرية للسودان ورعايتها للمفاوضات عن بعد إلى أن تكللت عملية المفاوضات بالنجاح مع توقيع الاتفاق النهائي للسلام في الجنوب في (9 يناير 2005) وكان الحضور المصري لتوقيع الاتفاق ممثلاً في وزير الخارجية "أحمد أبو الغيط" مجسدا للسياسة المصرية تجاه الاتفاق.

أ. المسار السياسي

شاركت القاهرة في توقيع اتفاق السلام النهائي الشامل في نيفاشا، يناير 2005، بوصفها شريكاً إقليمياً مع أطراف الإيجاد. استكملت الدبلوماسية المصرية دورها في تحقيق الوفاق والشراكة الوطنية في السودان، من خلال جولتين تفاوضيتين مع الحكومة السودانية والتحالف الوطني الديمقراطي في القاهرة، في يناير وأبريل 2005.

وعلى الرغم من تعثر الجولات التفاوضية، إلا أن القاهرة وصلت مع الأطراف إلى اتفاق تصالحي، أُطلق عليه "اتفاق القاهرة"، في 18 يونيه 2005، وحضر "جون قرنق" في 20 يونيه إلى القاهرة لتوقيع الاتفاق.

وتأتي أهمية الاتفاق في تمهيده لعودة أعضاء التحالف الوطني إلى الخرطوم، ومشاركتهم في العملية السياسية، ودعم موقف الحكومة السودانية لتحقيق المصالحة الوطنية، خاصة بعد تصاعد أزمة دارفور والضغوط الدولية التي تعرضت لها بشأن الأزمة.

وعلى الجانب الآخر، أعاد الاتفاق للموقف المصري في السودان بعض قدرته على الحركة والمساهمة الفاعلة في إحداث تحول سياسي في السودان ودفعه نحو مسار الوحدة.

بعد تصاعد الضغوط الدولية على الحكومة السودانية بشأن أزمة دارفور، تحولت الجهود الدبلوماسية المصرية إلى معالجة الموقف على المسار السوداني ومع المجتمع الدولي. وتحولت القاهرة إلى ملتقى لجميع الأطراف خلال عامَي 2005/2006. وكان أبرزها زيارة "خليل إبراهيم"، رئيس حركة العدل والمساواة المعارضة في دارفور للقاهرة في 25 نوفمبر 2006، وإجراء مباحثات ثلاثية بحضور "سلفاكير" رئيس حكومة جنوب السودان، لما له من علاقات قوية مع المعارضة في دارفور.

وخلال هذه الفترة استقبلت القاهرة عديداً من الزعماء والشخصيات البارزة السودانية من الشمال ومن الجنوب، للبحث والتشاور حول خلافات تطبيق اتفاق السلام أو إعادة الإعمار. ونشطت منظمات المجتمع المدني في دعم العلاقات المصرية والسودانية، وتعددت اللقاءات الثقافية في القاهرة والخرطوم بمعدل لقاءٍ سنوي وبمشاركة مسؤولين من الأحزاب السودانية ومن حكومة جنوب السودان. وكان الموضوع الأساسي هو تطور الأوضاع السياسية في السودان.

وكذلك شاركت مصر في قوة حفظ السلام بجنوب السودان بقوة قوامها 115 ضابطاً + 681 جندي + 860 معدة، تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 1590 لعام 2005.

على أثر انسحاب الحركة الشعبية من الحكومة المركزية، سارعت الحكومة المصرية بإرسال وزير الخارجية ومدير الاستخبارات المصرية في زيارة خاطفة إلى جوبا والخرطوم، في 17 أكتوبر 2007، لحل أزمة الخلاف بين شركاء الحكم ودفع جهود الحوار الإيجابي, وصرّح وزير الخارجية المصري بزيادة عدد العاملين المصريين في القنصلية المصرية بجوبا لتسريع الانتهاء من المشروعات المصرية في جنوب السودان، مثل المستشفى العام في جوبا، وإنشاء أربع محطات كهرباء في أربع مدن، واستكمال إنشاء ثلاث مدارس، ومشروعات أخرى في قطاع الكهرباء والتعليم والصحة والري والإعلام.

كما لعبت الدبلوماسية المصرية دوراً حيوياً لتخفيف الضغوط على الحكومة السودانية بشأن أزمة دارفور بتحركها على المستوى العربي لضمان الدعم العربي للحكومة السودانية، وعلى المستوى الدولي لإبراز المخاطر المحيطة بالسودان، وعلى استقرار المنطقة، وأن منهج الضغوط والعقوبات على الخرطوم يقوض استقرار السودان والمنطقة والمصالح الدولية بها.

ب. العلاقات الثنائية

حرصت مصر على دعم العلاقات الثنائية في السودان، واستمر الدور المصري المشارك في إعادة إعمار السودان وجنوبه من خلال المساعدات أو الشراكة، مع تنامي دور القطاع الخاص المصري للاستثمار في السودان، خاصة في مجال السياحة والنفط.

وكان آخر ما أُعلن عنه في 20 يوليه 2007، هو بدء تنفيذ مشروع استصلاح 50 ألف فدان شمالي الخرطوم لإنتاج المحاصيل الزراعية والتصنيع الزراعي، بالتنسيق مع اتحاد عمال مصر والسودان. وتمثل هذه المساحة جزءاً من مشروع أكبر يتضمن 1.6 مليون فدان شمالي الخرطوم وحتى الحدود مع مصر.

ولم تتوانَ الحكومة المصرية في مساندة الشعب السوداني، يوليه 2007، بعد تعرض (12) ولاية سودانية إلى أسوأ كارثة فيضان منذ عام 1946، بفتح جسر جوي عاجل يحمل عشرات الأطنان من المساعدات الطبية والغذائية ومولدات الكهرباء والخيام ومعدات كسح مياه وأغطية.

كما استمرت العلاقات المصرية مع حكومة جنوب السودان، لدعم علاقات التعاون حول المشروعات المصرية لإعادة إعمار جنوب السودان، وكان أخرها زيارة وفد من قطاع كهرباء جنوب السودان للقاهرة في أول يوليه 2007، وزيارة الأمين العام للحركة الشعبية للقاهرة في 8 يوليه 2007، الذي صرح أثناء الزيارة بتقديره للدور المصري في إعادة إعمار جنوب السودان، وإقامة العديد من مشروعات البنية التحتية ومحطات الكهرباء.

وأعلن وزير الموارد المائية والري المصري، في 16 يوليه 2007، عن إنجازات الشركة السودانية المصرية لمشروعات الري والإنشاءات ومشاركتها في إعادة إعمار جنوب السودان، ومن أبرز تلك المشروعات إنشاء خط أنابيب نفط وبدء تنفيذ مشاريع المياه الجوفية، ومشروعات زراعية وتطهير القنوات المائية وتأهيل مشروع الجزيرة، ومشروعات أخرى خاصة بمبادرة حوض النيل.

في إطار الجهود المصرية لتثبيت اختيار الوحدة عند إجراء التصويت للاختيار بين الوحدة أو الانفصال (عام 2011) قام الرئيس محمد حسنى مبارك بزيارة لجنوب السودان ( 10 نوفمبر 2008) أجتمع خلالها مع "سلفاكير" النائب الأول الرئيس السوداني ورئيس حكومة جنوب السودان كما تقوم مصر بتنفيذ العديد من مشروعات التنمية في الجنوب والتي تتضمن إقامة (4) محطات لتوليد الكهرباء وفرعاً لجامعة الإسكندرية بمدينة "نيمولى" ومشروعات أخرى في مجالات (المياه - الطرق - الصحة - الري – الزراعة - مشروعات أعادة التوطين للاجئين).

سعت الدبلوماسية المصرية إلى دعم العلاقات المصرية السودانية بآلية عقد اتفاقية الحريات الأربعة (التملك والتنقل والإقامة والعمل) مع العمل في الوقت نفسه على أن تكون علاقات مصر بكل من الشمال والجنوب السودانيين متوازنة وتنطوي على مساحة مقدرة للحركة الشعبية حرصاً على صيانة المصالح المصرية في حالة انفصال جنوب السودان.

رغم التحفظ المصري في السابق علي حق تقرير المصير في جنوب السودان، والجهود التي بذلتها مصر من أجل تحقيق وحدة أراضيه إلا أن ذلك لم يمنعها من العمل من أجل التطبيق الكامل لاتفاق السلام الشامل بشأن الجنوب، وحل المشكلات التي تعترض تطبيقه وقد قبلت مصر اتفاق السلام، لأنه الاتفاق الذي أوقف الحرب الأهلية، وكان يمكن أن يفتح طريقا لتحولات إيجابية كبيرة في السودان لو صدقت النوايا، وذلك رغم كل النواقص التي شابته وأبرزها قصره علي طرفين وكأنهما بمفردهما يمثلان الشعب السوداني.

وقد بذلت مصر جهودا كبيرة خلال الفترة التي أعقبت توقيع اتفاق السلام الشامل بشأن جنوب السودان من أجل تذليل العقبات التي تحول دون تنفيذ الاتفاق علي أرض الواقع عبر علاقتها الجيدة بحكومة الجنوب والحركة الشعبية لتحرير السودان، وشاركت بطريقة عملية في دفع عجله التنمية والمشروعات الخدمية ومشروعات البنية التحتية فأقامت عيادة طبية مصرية بجوبا ووضعت حجر الأساس لجامعة الإسكندرية بالجنوب ومنحت أبناء الجنوب 300 منحة سنويا للدراسة بالجامعات المصرية كما أقامت مصر محطات للكهرباء في عدة مدن بالجنوب وشاركت في عمليات تطهير النيل من أجل الملاحة والمشاريع المشتركة في مجال المياه والتعليم والتدريب وتبادل الخبرات.

وتدرك مصر حجم التحديات والإشكاليات الكبيرة التي يواجهها جنوب السودان في المرحلة الراهنة وهي تحديات سياسية واقتصادية وتنموية وأمنية واجتماعية وثقافية وتدرك أن هذه الإشكالات والتحديات وسبل مواجهتها ستكون عاملا مؤثرا وحاسما في صياغة خريطة السودان المقبلة عبر الاستفتاء المقرر لأبناء الجنوب عام 2011.

ومن أبرز التحديات التي يواجهها جنوب السودان في المجال السياسي هي قضية " ابيي " الغنية بالبترول والمتنازع عليها بين الشمال والجنوب، والتي حولت قضيتها إلى محكمة التحكيم الدائمة بلاهاي مؤخرا لتحديد حدودها، وقد رحبت مصر بالقرار الذي صدر عن المحكمة، ودعت الأطراف إلى الالتزام به.

ورغم أن موقف القاهرة كان ينطلق في السابق من مبدأ عدم المساس بوحدة السودان أرضا وشعبا، فإنها قد قبلت اتفاق الأطراف السودانية علي مبدأ حق تقرير المصير، وإقرارهم له عبر أكثر من اتفاق كان أخرها اتفاق السلام في نيفاشا وسعت مصر إلى تحقيق ما أجتمع عليه السودانيون وهو إتاحة فرصة للوحدة الطوعية أو الانفصال السلمي، علي أن يجري العمل خلال الفترة الانتقالية التي تسبق اتفاق تقرير المصير عام 2011 من أجل الوحدة إلا أن البيئة لم تكن مواتية تماما لذلك.

لقد تعثرت هذه الجهود بسبب فتح جبهة جديدة للحرب في دارفور، استقطبت كل الاهتمام السوداني والدولي، كما لم تكن كل الأطراف سوءا داخل السودان أو خارجه في الاتجاه ذاته من أجل إرساء دعائم وحدة السودان. فظهرت تيارات مناهضة لهذه الوحدة في الشمال ممثلة في "منبر السلام العادل". الذي يطالب علنا بالانفصال والذي تحول مؤخرا إلى حزب سياسي، كما أشتد عود التيار الانفصالي بالجنوب، بل أصبح الصوت الداعي للوحدة أكثر خفوتا من أي وقت مضي كما أن شبح انفصال جنوب السودان لم يعد كما في السابق يثير الخوف والشفقة علي مصير البلد لدي الأحزاب والقوي السياسية السودانية، ويبدو أنه لا يثير حماسا كبيرا بينها للعمل من أجل تلافي هذا المصير.

من ناحية أخري أكدت مصر دعمها لكافة الجهود التي من شأنها تجميد إجراءات محكمة الجنايات الدولية، التي أصدرت في مارس 2008 قرارها باعتقال الرئيسي السوداني عمر البشير بتهمة ارتكاب جرائم في دارفور، وبذلت جهود مع الدول العربية والأفريقية في مجلس الأمن لتنفيذ المادة 16 من القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لتوقف أي إجراء ضد السودان والرئيس البشير.

في السادس من نوفمبر 2010 في اجتماع لجنة الشئون العربية والخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى حذر السيد أحمد أبو الغيط من خطورة الوضع في السودان محذرا من خطورة الانفصال وتبعاته، كاشفا لأول مرة أن مصر طرحت خيار الكونفيدرالية علي السودان في حال اختيار الانفصال في استفتاء تقرير المصير المقرر خلال يناير المقبل.

الكونفيدرالية خيار رائع يمكن أن يسهم في حل الكثير من مشكلات المعضلة السودانية مع اقتراب لحظة الاستفتاء خاصة في ظل عدم حسم قضايا عديدة حتى الآن، مثل قضايا الحدود وتوزيع الثروة وحركة القبائل وعدم الفصل مشكلة "أبيي" الواقع بين الشمال والجنوب وما يحتويه من بترول وما يسكنه من قبائل تنتمي إلى الشمال والجنوب.

ج. متطلبات تطوير العلاقة

في ضوء الرعاية الغربية لإعادة صياغة هياكل السودان، فإن ذلك قد يسفر عن إقصاء مصر عن الساحة السودانية لحساب أطراف أخرى من خارج المنطقة، ومن ثَم، فإن مصالح مصر، خاصة المائية، لن تؤخذ في الاعتبار، بل سوف يُنظر إليها بوصفها تهديداً لمصالح الآخرين.

إن متطلبات المرحلة القادمة تتطلب إستراتيجية مصرية مرنة لتأمين مصالحها المائية، قادرة على التعامل مع الواقع القابل للتغير الشامل في السودان، سواء استمر جنوب السودان في وحدته مع الدولة أو انفصل عنها ليكون كياناً مستقلاً، وما يستتبع كل حالة من تداعيات مختلفة.

2. أثيوبيا

تقع شرق السودان وأطول حدود للسودان معها، حيث تغطي الحدود الشرقية لأربعة ولايات شمالية وثلاثة ولايات جنوبية، وهنالك قبائل مشتركة بين البلدين ومنها الانجواك، والمورلي والنوير، والقمز،وهي من أكثر الدول تأثيراً وتأثراً بمشكلة جنوب السودان، وكان لها دور مؤثر فى تسوية مشكلة جنوب السودان كالتالي:

أ. كان لها دور مباشر في اتفاقية أديس أبابا، حيث انعقدت المفاوضات بين الحكومة وحركة الأنانيا في عاصمتها، ولعبت دور الوسيط بين الجانبين، وشاركها هذا الدور مجلس الكنائس العالمي.

ب. عندما نشب التمرد الثاني في مايو (1983م) واتجه نحو إثيوبيا وجد الدعم والمساندة وفتحت له المعسكرات، وبمساندتها تلقت الحركة الشعبية من الدول الاشتراكية السلاح والتدريب لأفرادها خاصة كوبا، وبفضل هذه المساندة توسع نشاط الحركة وتعدى النقاط الحدودية لداخل الجنوب حتى وصل لمشارف المدن الكبرى بالجنوب.

ج. شهد عام (1991م) سقوط نظام (مانجستو هايلي مريام) في إثيوبيا، وفي نفس العام وقع انشقاق الحركة وخروجها من إثيوبيا، بعد أن فقدت حليفها الأول وتوثقت العلاقة بين السودان والنظام الجديد في إثيوبيا، وبذلك تأزم موقف الحركة الشعبية.

د. تدهورت العلاقات السودانية ـ الأثيوبية نتيجة عدم ترسيم الحدود بوضوح بين البلدين وشكوى الخرطوم الدائمة من استيلاء الأثيوبيين على مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية السودانية في الفشقة الكبرى والفشقة الصغرى بعد اشتباكات عنيفة وقعت عام (1994م)، وهي أراضٍ زراعية تمتاز بالخصوبة العالية، تقع على الشريط الحدودي بين نهري عطبرة والسلام، وأصبحت إثيوبيا تعتمد عليها اعتماداً كلياً في زراعة محاصيل الذرة والسمسم، وظلت تماطل في الانسحاب منها لأنها مهددة بالمجاعة في كل عام.

هـ. بلغ التوتر بين البلدين ذروته عام (1995م) عندما اتهمت "أديس أبابا" "الخرطوم" بتدبير الاعتداء الآثم على حياه الرئيس مبارك خلال حضوره القمة الأفريقية في العاصمة الأثيوبية وردت "الخرطوم" باتهام "أديس أبابا" بدعم المعارضة في شرق السودان.

و. تحسنت العلاقات عام( 1998م) عند اندلاع الحرب الأثيوبية ـ الإريترية حيث احتاجت أثيوبيا إلى ميناء بورسودان لتجارتها مع العالم بعد أن فقدت سواحلها على البحر الأحمر باستقلال إريتريا والحرب بينهما.

ز. تعددت مظاهر الأزمة في العلاقة بين الجانبين، خاصة من جانب الخرطوم إلى اتهمت الحكومة الأثيوبية في أكتوبر 2008 بتزويد الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي يسيطر على جنوب السودان بأسلحة ثقيلة تشمل دبابات تم نقلها جوا إلى جوبا عاصمة الجنوب، وهو ما دفع الخرطوم إلى طلب توضيحات من أديس أبابا فضلا عن استدعاء السفير الأثيوبي لإبلاغه بالأمر. وبعد ذلك بعدة أيام (21) أكتوبر اقتحمت قوة حكومية مقر سكن الملحق العسكري الإثيوبي في الخرطوم، وقامت بفض حفلة بسبب توزيع خمور فيها واقتياد بعض من حضورها إلى مركز للشرطة، متهمة إياهم بانتهاك قوانين البلاد. ولم تكن هذه الخلافات الأولي من نوعها ويبدوا أنها لن تكون الأخيرة، خاصة في ظل الحدود الكبيرة الواسعة بين البلدين، إذ سبق هذه الأزمات مناوشات بين القوات الحكومية في كلا الجانبين في يوليو 2008 مما أسفر عن مصرع 19 جنديا سودانيا هاجمتهم قوات أثيوبية داخل أحد المعسكرات. وبالرغم من أن أديس أبابا نفت الهجوم في بداية الأمر إلا أنها وصفته بعد ذلك بأنه مناوشات بسيطة وسيسعي الطرفان لاحتوائها.

ح. وفي المقابل، فإن إثيوبيا تتهم السودان بدعم متمردي بني شنقول الذين يدخلون عبر الحدود إلى ولاية النيل الأزرق كما اتهمت وزير الثقافة والشباب في بني شنقول وكذلك محافظ أصوصا بإبداء تعاونهما مع الجانب السوداني في قضايا حدودية لم ترض حكومتهما، الأمر الذي أدى إلى تعرض الوزير إلى الاعتقال ولجوء المحافظ إلى ولاية النيل الأزرق السودانية في يوليه 2007 ورفض السلطات السودانية تسليمه.

ي. ويمكن القول إن الاتهامات الإثيوبية للخرطوم تتمحور حول ثلاث نقاط هي:

(1) دعم الخرطوم للمعارضة الإثيوبية المسلحة "جبهة تحرير الاورومو" من جهة وبني شنقول من جهة أخرى.

(2) دعم وتعاطف الحكومة السودانية مع المقاومة الإسلامية الصومالية في مواجهة القوات الإثيوبية الداعمة للحكومة الانتقالية الصومالية.

(3) العلاقات الوطيدة بين السودان وإريتريا العدو اللدود لأثيوبيا.

ك. أما السودان، فيرى أن هناك نوعا من التحالف بين أثيوبيا والجيش الشعبي لتحرير السودان، وبعض قوى التمرد في دارفور. ويتمثل ذلك في تهريب الأسلحة وتدمير بعض المرافق الحكومية، وهو ما كشف عنه تقرير أحد المراكز الحكومية السودانية. حيث أشار إلى قيام القوات الإثيوبية بتهريب السلاح إلى الجيش الشعبي عبر الحدود إلى جنوب ولاية النيل الأزرق المحاذية لجنوب السودان، كما اتهم مركز إعلامي سوداني بأن هذا التهريب يتم من خلال أحدى دول الجوار في إشارة إلى إثيوبيا، ويستهدف ضرب خزان الروصيرص في شرق البلاد الذي يمد السودان بالري والكهرباء عبر تحالف عسكري بين الجيش الشعبي وقوات متمردي جبهة الخلاص في دارفور التي نشأت في إريتريا، وبدعم وتأييد من إسرائيل.

3. أوغندا

تقع في الاتجاه الجنوبي للسودان ويربطها به طريقان، طريق نمولي من الجنوب، وطريق كايا / ياي / جوبا من الجنوب الغربي، وهنالك قبائل مشتركة تقع في شمال أوغندا وجنوب السودان ويوجد عدة أسباب دفعت أوغندا إلى الاهتمام بالأزمة في جنوب السودان منذ اندلاعها أهمها الآتي:

أ. الضغط على حكومة السودان لوقف دعمها لقوات جيش الرب المعارضة بزعامة "جوزيف كونى" والتى أسهمت في تحقيق حالة من عدم الاستقرار في شمال أوغندا وتطالب بالإطاحة بنظام "موسيفينى" وإقامة دولة مسيحية وفق الوصايا العشر.

ب. رغبة أوغندا في الحصول على دعم مادي من الولايات المتحدة وإسرائيل لتحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية.

ج. توافق رغبة الرئيس الأوغندي "موسيفينى المنحدر أصوله من قبيلة التوتسي" مع الولايات المتحدة في إقامة دولة التوتسي الكبرى في المنطقة والتي تضم كلاً من (شرق الكونغو – روندا – بوروندى) خاصة وأن واشنطن تطمح في إقامة مشروع القرن الأفريقي الكبير الذي يضم إلى جانب دول القرن التقليدية (أثيوبيا – إريتريا – الصومال) كلاً من (أوغندا – الكونغو – رواندا – بورندى – جنوب السودان في حالة انفصاله).

د. العلاقات الشخصية العميقة التي كانت تجمع بين "موسيفينى" و"جون جارانج" حيث كانا زميلي دراسة جامعية في تنزانيا,و تزاملا أثناء رسالة الدكتوراه "لجون جارانج" بأمريكا.

هـ. يغلب على طبيعة الأراضي الأوغندية المرتفعات والجبال ولا توجد مساحات شاسعة لاستغلالها للزراعة، بينما جنوب السودان معظم مساحاته منبسطة وتمتاز سهوله بالخصوبة العالية والأمطار في معظم شهور السنة، الشيء الذي يجعل أوغندا تفكر في الاستفادة من أراضي السودان غير المستغلة وذلك عن طريق القبائل المشتركة بين القطرين، وهي قبائل حرفتها الرئيسة الرعي.

ز. انفصال جنوب السودان من مصلحة أوغندا اقتصادياً، لأن الجنوب سيصبح دولة حبيسة مثل أوغندا، وسيحتاج إلى عبور احتياجاته من كينيا عبر أوغندا بواسطة الطرق التي تربط السودان بأوغندا، وبالتالي تتحصل الحكومة الأوغندية الضرائب ورسوم المرور، وستسعى أوغندا على تشجيع الجنوب لتكرير النفط في الجنوب لكي تستفيد منه وتأخذ احتياجاتها منه بأقل تكلفة من ما تستورده حالياً.

ح. تعارض أوغندا بشدة عملية تطبيق الشريعة الإسلامية في جنوب السودان نظراً لكونها دول مسيحية تخشى الأقليات المسلمة بالدولة كما أنها تؤيد حق تقرير المصير للجنوب من أجل استمرار تدفق الدعم الأمريكي لها.

4. كينيا

تقع جنوب شرق السودان، تحتل مثلث اليمي الذي أصبح يتبع لكينيا لإدارته نيابة عن السودان منذ فترة الحكم البريطاني، ولم تعد تبعية هذا الإقليم للسودان حتى الآن بسبب سعي السودان لتحييد كينيا، وعدم الرغبة في الدخول في خلاف معها، ويربطها بالسودان طريق بري، وتعتبر أكبر داعم لوجستي للحركة الشعبية، كما قدمت الإيواء لقيادة الحركة الشعبية، وتوجد بها أكبر قاعدة لمنظمات الإغاثة التي تعمل في جنوب السودان، وهي مدينة لوكو شيكو. يوجد عدة أسباب دفعت كينيا لمحاولة لعب دور في الأزمة بجنوب السودان وهذه الأسباب كالآتي:

أ. ضعف الأداء السياسي والاقتصادي لحكومة الرئيس "دانيال أراب موي" دفعه دائماً إلى محاولة إحراز تقدم على الصعيد الخارجي في محاولة لتعزيز وضعه الداخلي.

ب. محاولة الحصول على مزيد من المساعدات الأمريكية في ظل اهتمام واشنطن بمنطقة شرق أفريقيا عموماً والسودان والصومال خصوصاً والذي ظهر بوضوح في سعى واشنطن مؤخراً لإرسال وحدات عسكرية دائمة في المنطقة لمراقبة فلول تنظيم القاعدة وتعد كينيا أحد أبرز الدول المرشحة لاستضافة القوات الأمريكية.

ج. التنافس المحموم بين دول المنطقة خاصة بين كينيا وكل من أوغندا وأثيوبيا لمحاولة إيجاد نوع من الهيمنة ولعل التنافس الكيني مع هاتين الدولتين يرجع إلى اهتمام هذه الدول بالملفين السوداني والصومالي بدرجات متفاوتة.

د. تشجيع الولايات المتحدة المستمر لكينيا للعب دور الشرطي في المنطقة، في ظل اهتمام واشنطن البالغ بالملفين السوداني والصومالي والاهتمام بشرق أفريقيا عامة.

هـ. تعد كينيا المنفذ الوحيد لجنوب السودان على المحيط الهادي عن طريق ميناء "ممبسا" وبالتالي لها مصلحة إستراتيجية لانفصال جنوب السودان، لأنها ستعتمد في كل صادراتها ووارداتها على كينيا، بجانب الاستفادة من بترول الجنوب الذي يسعى الجنوب لتصديره عن طريق كينيا منذ اكتشافه، وسيصبح ذلك أمراً واقعاً في حالة انفصال جنوب السودان.

و. كينيا مثل أوغندا ليس لديها أراضٍ شاسعة كافية للزراعة، وبالتالي سوف تسعى للاستفادة من جنوب السودان، بالإضافة إلى أنها ستعمل على ضم مثلث اليمي إليها بصفة نهائية، ولن تجد معارضة من حكومة جنوب السودان، لأن وصول كل احتياجاتها ستكون عن طريق كينيا مباشرة أو عبر أوغندا.

ز. دور كينيا في عملية التسوية لمشكلة جنوب السودان

تقوم كينيا بدعم متمردي جنوب السودان حتى ينالوا أكبر قدر من المكاسب خلال المفاوضات، ووفرت مقراً دائماً لمتمردي جنوب السودان في كينيا يتصلون من خلاله بالعالم الخارجي.

يمكن فهم التقارب الكيني ـ الأمريكي بشأن مبدأ فصل الدين عن الدولة، فهى دولة مسيحية علمانية تؤيد هذا المبدأ، كما تدفع واشنطن نحو هذا الاتجاه.

دعمت كينيا الحركة الشعبية سياسياً، واستضافت الكثير من المبادرات ومحادثات السلام في أراضيها، وتكللت مساعيها باتفاقية السلام الشامل التي جرت مفاوضاتها في معظم المدن الكينية وشهدت مدينة نيفاشا مراسم الحفل الرئيس لتوقيع الاتفاقية، وكان لدور الوسيط الكيني الجنرال سيمبويا الدور الأكبر في الوصول لتلك الاتفاقية.

أما دور كينيا في مشكلة دارفور فقد جاء معظمه في إطار الإتحاد الأفريقي.

ح. تفجرت الأزمة في العلاقة بين الجانبين بالتزامن تقريبا مع تفاقمها مع أثيوبيا، حيث اتهمت الحكومة السودانية كينيا بتمرير أسلحة إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان من خلال السفينة الأوكرانية التي اختطفها القراصنة أمام السواحل الصومالية في 25 سبتمبر 2008، وبالرغم من نفي كينيا لذلك، إلا أن الخرطوم ردت على هذه الخطوة بتجميد اتفاق تزويدها كينيا بالوقود بأسعار تشجيعية، والذي كان مقررا توقيعه في أكتوبر 2008 كما قررت الخرطوم عدم مشاركة الرئيس البشير في اجتماعات القمة غير العادية لمنظمة "الإيجاد الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا" والتي عقدت في العاصمة نيروبي في التاسع والعشرين من أكتوبر 2008 والتي خصصت لمناقشة الأزمة الصومالية حيث حضرها نيابة عنه نائبه الأول سيلفاكير.

5. إريتريا

على الرغم من استمرار تطور العلاقات السودانية الإريترية خلال عام 2005، كانت هناك محاولات لتقريب وجهات النظر بين الجانبين، قامت بها دول عربية مثل السعودية واليمن ومصر وليبيا، وأخرى دولية مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والنرويج، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل.

وكان "جون قرنق"، زعيم الحركة الشعبية، قد سعى بمساعدة مصر وليبيا إلى عقد قمة بين البشير وأفورقي على هامش قمة دارفور المصغرة، التي عُقدت في طرابلس مايو 2005، والتي هيأت الأجواء ـ إلى حد ما ـ لتحسين العلاقات مستقبلاً.

وقد بدأت بوادر هذا التحسن في ديسمبر 2005، بعد زيارة وفد سوداني ترأسه وزير الخارجية السوداني، وتوقيع الاتفاق المتبادل حول تطبيع العلاقات.

وكان لتطبيع العلاقات الإريترية السودانية أثره في تحمل إريتريا دور الوسيط الرئيسي بين الحكومة السودانية، وحركات المعارضة السودانية في شرق السودان. ووقع الطرفان اتفاقاً بشأن المسائل الإجرائية في 25 مايو 2006، وآخر بإعلان مبادئ بين الطرفين في 19 يونيه 2006، ثم الوصول إلى اتفاق سلام نهائي أُطلق عليه "اتفاق سلام شرق السودان" في أسمرة، 14 أكتوبر 2006.

ورحبت الحكومة السودانية والمعارضة في الشرق بتوقيع إريتريا على الاتفاق كشريك ضامن في عملية التسوية، بدلاً من الاحتكام إلى دول أخرى.

شهدت العلاقات السودانية مع إريتريا تحسنا كبيرا منذ أواخر عام 2005 خاصة بعد انعقاد اللجنة المشتركة ألأولى بينهما في 6، 7 ديسمبر 2005 والتي اتفق خلالها علي رفع التمثيل الدبلوماسي بينهما إلى مستوي السفراء فورا واستمرار التواصل الرسمي والشعبي بينهما علي كافة المستويات، وقد توطدت هذه العلاقة بعد ذلك خاصة بعد الدور الحيوي الذي لعبته استمرارا في التوصل لاتفاق شرق السودان (14 أكتوبر 2006) والذي أسهم في إغلاق إحدى الجبهات المهمة التي كان يتعين علي الحكومة المركزية في الخرطوم مواجهتها. كما لعبت اسمرا دورا في المفاوضات الخاصة بأزمة دارفور لما لها من روابط مع بعض قوي التمرد هناك، خاصة حركة العدل والمساواة التي تحتفظ بعلاقات وطيدة مع مؤتمر البجا، ومن ثم قدمت أسمرا نفسها على أنها وسيط نزيه في هذا الصراع، والأمر نفسه لعبه الرئيس أفورقي في استضافة بلاده للمحادثات السودانية التشادية في سبتمبر 2008، والتي أسفرت عن اتفاق الطرفين علي تشكيل دورية مشتركة لمراقبة الحدود بينهما، خاصة في ظل كون بلاده أحد بلدان مجموعة الاتصال المعنية بالأزمة والتي تشكلت وفق إعلان "داكار" للمصالحة بينهما في مارس 2008.

6. تشاد

لم يكن لها دور في مشكلة الجنوب ولكن دورها المؤثر في مشكلة دارفور وترجع أسباب الخلاف إلى الآتي:

تعود جذور الأزمة بين تشاد والسودان إلى اتهام الخرطوم قيادات عسكرية وسياسية في تشاد بدعم متمردي دارفور بالأسلحة والعتاد وتمرير دعم خارجي عبر أراضيها.

تصاعد الأزمة بين البلدين بصورة كبيرة عام (2005م) عقب قيام تشاد بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها السودان بالتدخل في شؤونها الداخلية.

حكومة الرئيس التشادي "إدريس ديبى" الحالية تنتمي لقبيلة "الزغاوة" وهم الذين يقودون التمرد بدارفور الأمر الذي دفع الحكومة التشادية إلى الانحياز للقبيلة التي تنتمي إليها.

تشاد تؤوى نحو 200 ألف لاجئ من دارفور فروا منذ فبراير 2003 من الحرب الأهلية الدائرة في الإقليم ولجوء تشاد إلى مساندة إحدى حركات التمرد الكبرى بالدعم العسكري، من أجل إحداث انقلاب ضد نظام الحكم بالخرطوم في مايو 2008.

7. إسرائيل

تأتي إستراتيجية إسرائيل في السودان في إطار إستراتيجيتها في القارة الأفريقية، وتنظر إلى منطقة البحيرات العظمى ودول شرق أفريقيا بوصفها الأكثر أهمية، مثل السودان وإريتريا وإثيوبيا وكينيا وأوغندا والكونغو الديموقراطية ورواندا ونيجيريا، إضافة إلى دول جنوب الصحراء مثل جنوب أفريقيا وأنجولا.

وتتركز أهداف الإستراتيجية الإسرائيلية في الحصول على حلفاء سياسيين واقتصاديين، وتعزيز وضعها الإستراتيجي داخل القارة الأفريقية، واستخدام علاقاتها الأفريقية أداة ضغط على الدول العربية.

يعود الدور الإسرائيلي في السودان إلى عقد الخمسينيات من القرن العشرين، حيث ركزت على تقديم المساعدات الإنسانية للجنوبيين والعمل على تأجيج الخلافات القبلية بين الجنوب والشمال.

وفي عقد الستينيات بدأ وصول أول شحنة سلاح عام 1962 إلى جنوب السودان عبر أوغندا، كما درَّبت إسرائيل الميليشيات الجنوبية ونظمت لهم معسكرات تدريب في أوغندا وإثيوبيا وكينيا بخبراء إسرائيليين؛ إضافة إلى إرسال عناصر قوات خاصة إسرائيلية لتدريب الجنوبيين في بعض مناطق جنوب السودان.

أما في عقد السبعينيات، فاستمر تدفق الأسلحة الإسرائيلية إلى جنوب السودان، وأسقطت طائرات شحن إسرائيلية الأسلحة على المعسكر الرئيسي للجنوبيين في "أورنج كي بول". وأنشأت مدرسة لضباط المشاة في منطقة "ونجي كابول"، كما اشتركت عناصر عسكرية إسرائيلية في بعض المعارك إلى جانب الجنوبيين.

وفي عقد الثمانينيات زودت إسرائيل الحركات الجنوبية بأسلحة متقدمة، ودربت عشرة طيارين جنوبيين على قيادة المقاتلات الخفيفة، ووفرت لهم صوراً جوية للمواقع الحكومية، وشاركت بخبرائها في التخطيط لعمليات الحرب، واستمرت القوات الخاصة الإسرائيلية في المشاركة في الحرب وقُتل منهم خمسة ضباط في معارك دارت عام 1988، في مدن يامبيو، وأنذارا، وطمبره.

ومنذ بداية التسعينيات وصل الدعم الإسرائيلي إلى ذروته، وأصبحت كينيا هي الجسر الرئيسي مع الجنوبيين بدلاً من إثيوبيا، حيث قدمت الأموال والسلاح للجنوبيين؛ وتقدر المعونات بنحو 500 مليون دولار، دفعتها الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل.

واستمرت إسرائيل في دعمها للجنوبيين، وبات للجنوبيين حصة سنوية لتدريب كوادرهم العسكرية في إسرائيل تشمل من 40 – 50 عنصراً، وهم من قبيلة الدينكا فقط التابعة للحركة الشعبية، ما أدى إلى احتجاج القبائل الأخرى.

وخلال عام 2004، نسقت إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية عقد لقاء بواشنطن يجمع بين "جون قرنق" زعيم الحركة الشعبية وزعماء حركات التمرد بدارفور، لتنسيق التوجهات السياسية والأمنية.

ومنذ العام 2004 استغلت إسرائيل وجودها في إريتريا، واتخذت منها مركزاً لدعم حركات المعارضة في جنوب السودان ودارفور، واتخذت من سفارتها في أسمرا مركزاً لعقد الاجتماعات معهم، كما عقدت اجتماعاً في بداية عام 2004، جمع مسؤول ملف القرن الأفريقي في الموساد الجنرال "بنيامين يوشع"، مع "جون قرنق" وقادة حركات التمرد في دارفور، بهدف توفير الدعم الإسرائيلي لهم.

استخدمت إسرائيل العديد من الشبكات المتخصصة في تجارة السلاح وتهريبه إلى جنوب السودان ودارفور، وكان من أبرزها شبكة يتزعمها "داني ياتوم" نجل رئيس جهاز الموساد السابق، وقد كشفتها السلطات الأردنية في ديسمبر 2004، بعد القبض على أعضائها في عمان. وكانت مهمة الشبكة تتركز في تهريب الأسلحة الإسرائيلية إلى جنوب السودان ودارفور، وتنظيم تدريب أفراد حركات التمرد السودانية في إسرائيل.

خلال عام 2006/2007 تردد الحديث عن دور إسرائيلي في تطوير الجيش الشعبي، من حيث التنظيم والتسليح والتدريب بتمويل أمريكي أوروبي، مع وجود عدد من الشركات الاستثمارية الإسرائيلية التي تعمل في جنوب السودان، خاصة في المجال الزراعي.

وخلال عام 2006/2007، لاحت مشكلة جديدة على الساحة العربية حول اللاجئين السودانيين في إسرائيل، الذين تسللوا عبر الحدود المصرية، ووصل عددهم إلى 200 لاجئ سوداني طبقاً لتقرير المفوضية العليا للاجئين في إسرائيل عام 2007، ومعظمهم من جنوب السودان ودارفور. وقد اعتقلتهم السلطات الإسرائيلية بوصفهم سجناء أمنيين، إلا أن الخارجية الإسرائيلية أضافت بعداً إنسانياً على القضية وعَدّت الأراضي الإسرائيلية ملاذاً آمناً للاجئين الأجانب.

كشفت صحيفة اللوموند الفرنسية في 5 أغسطس 2007، عن تحركات إسرائيلية لاستيعاب لاجئين سودانيين، حيث وصل إلى إسرائيل خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى حوالي 1300 لاجئ سوداني من طريق التسلل الحدودي، أو عن طريق جمعيات إسرائيلية ويهودية أمريكية.

وأشار تقرير أمريكي صادر في أغسطس 2007، إلى وجود 3700 سوداني في إسرائيل، 61% منهم من جنوب السودان. وعلقت المصادر السودانية عن وجود شبكة مافيا إسرائيلية مسؤولة عن تنظيم عمليات التسلل للسودانيين والأفارقة لاستخدامهم استخداماً غير شرعي داخل إسرائيل عمالة رخيصة وبديلة عن عرب 48.

وظلت السلطات المصرية تعاني من عمليات التسلل إلى إسرائيل، وتعددت قضايا القبض على متسللين سودانيين، أغلبهم من جنوب السودان ودارفور، وكان آخرها القبض على 32 متسللاً من جنسيات أفريقية، منهم سودانيين في (5) عمليات تسلل، خلال الفترة من ديسمبر 2006 حتى فبراير 2007. وكذلك عملية أخرى خلال شهر يونيه 2007، قُبِض فيها على 12 سودانياً، وآخرها خلال شهر يوليه 2007، تم القبض فيها على 20 سودانياً منهم عائلة من أم وولديها، وعملية أخرى خلال الشهر نفسه، قبض فيها على (27) متسللاً أفريقياً من بينهم عددٌ من السودانيين؛ إضافة إلى القبض على 3 متسللين سودانيين خلال الشهر نفسه.

ثانياً: دور المنظمات الإقليمية

كان دورها متمثلا في( جامعة الدول العربية ,الاتحاد الأفريقي) العمل على وحدة واستقرار السودان لكنه تأثر بالمتغيرات الدولية في حرب الخليج الثانية، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتدخل الدول الغربية (الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا) والأمم المتحدة.

1. جامعة الدول العربية

صدور قرار في قمة بيروت في مارس (2002م) بإدراج الشأن السوداني موضوعاً رئيسياً للاهتمام العربي ووضعه بنداً دائماً في اجتماعات القمة واجتماعات مجلس الجامعة.

إنشاء صندوق لإعمار جنوب السودان تسهم فيه الدول العربية بخمسين مليون دولار، إضافة لقيام الصندوق بمشاريع تنموية محددة تمولها صناديق التمويل العربي.

إدراك عدد من المشروعات التي تمولها صناديق التمويل في كل من الكويت ودولة الامارات والسعودية ومن هذه المشروعات اثنين وعشرون نقطة للرعاية الصحية وإنشاء طريق ملكال الرنك إضافة إلى تنقية مياه الشرب وإدخال الكهرباء للقرى في جنوب السودان.

عقد المؤتمر العربي الأول للاستثمار والتنمية في جنوب السودان( ) تحت رعاية الأمين العام لجامعة الدول العربية وبمشاركة وفد من الحكومة السودانية يوم العشرين من فبراير عام (2004م) في مقر الأمانة العامة وبحضور أكثر من مائتي رجل أعمال ومستثمر عربي، وممثلين عن الغرف التجارية العربية وصناديق التمويل العربية والمنظمات العربية المختصة.

تابعت الجامعة العربية أزمة دارفور منذ تفجرها، وأوفد الأمين العام بعثة رسمية للوقوف على الأوضاع في دارفور، كما شملت مهمة البعثة زيارة أثيوبيا وعقد لقاء في أديس أبابا مع رئاسة الإتحاد الأفريقي، وعلى ضوء تقرير هذه البعثة قرر مجلس الجامعة تقديم الدعم الكامل للإتحاد الأفريقي في قيادة الجهود الرامية إلى حل الأزمة ومشاركة الدول العربية الأعضاء في الإتحاد الأفريقي في دعم بعثة مراقبي وقف إطلاق النار وقوات حمايتها في دارفور.

شاركت الجامعة العربية بفعالية في جهود الوساطة تحت رعاية الإتحاد الأفريقي ومشاركة المجتمع الدولي خلال كافة جولات المفاوضات، حتى الوصول إلى اتفاق دارفور للسلام , كما طالبت جامعة الدول العربية مجلس الأمن بتعليق قرار إتهام الرئيس البشير، وبتحمل مجلس الأمن لمسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

خلال اجتماعات جامعة الدول العربية، عام 2005/2006/2007، رحبت قرارات الجامعة بالاتفاق والخطوات التي اتُخذت لتنفيذ الاتفاق، وتكليف اللجنة الوزارية للسودان بمتابعة تقديم إسهامات الدول العربية الحالية إلى الصندوق العربي لدعم السودان وجنوبه.

وطالبت جامعة الدول العربية الصناديق ومؤسسات التمويل العربية مواصلة الجهود والمشاركة في الاجتماعات التنسيقيه للتنمية والاستثمار في جنوب السودان. وكان آخرها الاجتماع الرابع عام 2007.

ودعت الأمانة العامة إلى افتتاح مكتب لجامعة الدول العربية في جوبا بجنوب السودان، لتنسيق العون العربي والإسهام في تنفيذ اتفاق السلام.

والمتابع لنشاط جامعة الدول العربية خلال هذه الفترة، يُلاحظ تحول جهودها السياسية نحو أزمة دارفور مقابل تراجعها عن متابعة تنفيذ الاتفاق في الجنوب.

وللسبب نفسه كذلك، تراجعت جهود جامعة الدول العربية في إعادة إعمار السودان وجنوبه، كما تراجعت بعض الدول عن استكمال دورها في السودان نتيجة خلافات بينية بين بعض الدول العربية، وحافظت بعض الدول الأخرى على تعهداتها المالية لاستكمال المشاريع التنموية في السودان.

ونشير هنا إلى إشراف الجامعة العربية بمشاركة مصرية، على برنامج تأهيل أبناء جنوب السودان في مصر على المهن والتخصصات المطلوبة لإعادة الإعمار، بعد تدريبهم في المعاهد والمراكز الفنية المصرية، في إطار إعادة المهجرين واللاجئين إلى ديارهم.

2. دور الإتحاد الأفريقي

اسهمت منظمة الوحدة الأفريقية من قبل، والاتحاد الأفريقي من بعد، في الجهود المبذولة لوضع حد للحرب الأهلية في جنوب السودان لأحداث تسوية سلمية للصراع بين القوى المتصارعة كما تابع الجهود المبذولة من جانب منظمة الأيجاد وتشجيع الوصول إلى التسوية من خلال المفاوضات التي ظلت ترعاها حتى التوقيع على اتفاقية السلام(نيفاشا).

بدأت جهود التسوية السياسية لأزمة دارفور من اتفاقية "أبشى" لكي تصل إلى محطتها الرئيسية في أبوجا تحت إشراف الإتحاد الأفريقي مروراً بمحطات أخرى في نجامينا وطرابلس وأديس أبابا.

نجحت الجهود المصرية بالتعاون مع نيجيريا وجنوب أفريقيا في تولية الإتحاد الأفريقي الدور الأكبر في جهود تسوية الأزمة في دارفور، اعتبارا من مارس 2004 وهو ما أكده قرار مجلس الأمن 1556 الصادر في هذا الصدد.

كثف الإتحاد الأفريقي جهوده بمجلس الأمن لإبطال تهم المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس "البشير" وقد أجرى مفوض السلم والأمن بالإتحاد الأفريقي اتصالات مع الأمين العام للأمم المتحدة والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن لتعليق قرار اتهام الرئيس "البشير".

ثالثاً: دور القوى الدولية في مشكلة جنوب السودان

1. الصين

ترتكز الصين على إستراتيجية "القوة الناعمة" في السودان، حيث تعتمد على الشراكة الاقتصادية واحترام سيادة السودان، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية، دون فرض شروط سياسية أو إصلاحات اقتصادية.

وتقع السودان في المرتبة الثالثة في نظام الشراكة الصيني الأفريقي، بعد جنوب أفريقيا وأنجولا، في مقابل أن يتمتع السودان بدعم سياسي واقتصادي وعسكري صيني.

وقد ظلت الصين تقدم دعماً سياسياً للنظام السوداني في المحافل الدولية وترفض فرض عقوبات على السودان. ومنذ عام 2006 امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن على أي قرار طبقاً للفصل السابع بشأن دارفور، كما أنها شاركت في قوة حفظ السلام في جنوب السودان، بقوة قوامها 400 عنصر عام 2005.

وتعرضت الصين إلى ضغوط وتهديدات أمريكية رسمية ومن منظمات مدنية بشأن دعمها للنظام السوداني وعرقلتها عمل مجلس الأمن، وأن هذا الموقف ناجم عن مصالح الصين النفطية في السودان.

وقد صدر قرار من الكونجرس الأمريكي في 31 يوليه 2007، بفرض حظر على الشركات العاملة في السودان، ومنع وإيقاف الجمعيات الأمريكية من استثمار أموال صناديق التقاعد في هذه الشركات. ويستهدف هذا القانون الشركة الوطنية الصينية للنفط العاملة في السودان.

كما زار الرئيس الصيني "هو جينتاو" الخرطوم في فبراير 2007، ولم يطلب من الخرطوم أي تنازلات سياسية، واكتفى بحثها على التعاون مع الأمم المتحدة. وفي الوقت نفسه عقد الرئيس الصيني عدة اتفاقيات تعاون لتدعيم العلاقة الاقتصادية مع السودان، وخفض الرسوم الجمركية على واردتها من السودان، بل وقدم قروضاً ومنحاً مالية عديدة للسودان.

أما على مسار العلاقات الاقتصادية، فقد تنامت بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة. فاحتكرت الصين 40% من مشاريع النفط في السودان، وأصبح لها انتشار واسع في مجال الاستكشاف وحفر الآبار وإنشاء مصافي التكرير الرئيسية وإمداد خطوط النفط. وتحصل الصين على ثلثي النفط السوداني.

ومنذ العام 2001، أنجزت الصين العديد من المشروعات في السودان، مثل محطة توليد كهرباء، وخط كهرباء دائري للخرطوم، ومصنع أدوية للجيش السوداني، ومشروع التنقيب عن الذهب في ولايتي الشمالية والنيل الأزرق، وجسر النيل الأبيض، ومشروع طريق نيالا/ الفاشر، وطريق النهود/ الأبيض، ومشروعات متعددة لمياه الشرب في دارفور وحوض البقارة ومدينة نيالا، وطريق عطبرة/ هيا. كما يوجد من العمالة الصينية في السودان حوالي (10) آلاف فرد.

وكل هذه المشاريع كان تمويلها بقروض طويلة الأجل أو منح لا ترد. وقد أشاد السودانيون بالمشروعات الصينية، وأن نجاحها يعود إلى النظام الصيني الذي يعتمد على تسليم المساعدات الاقتصادية في شكل مشاريع جاهزة، واهتمام الصين بمشروعات البنية التحتية، مثل الطرق والمصانع والزراعة والقطاع الصحي، وتمثل نسبة 53.35% من إجمالي المشاريع الصينية في السودان. كما أن القروض الصينية تتمتع بفترة سداد تصل إلى 15 سنة، وتُسدد القروض بعد عشر سنوات من إكمال المشروع بصادرات سودانية، وتتحمل الصين نفقات دراسة الجدوى للمشروعات.

كما أن التكنولوجيا الصينية المستخدمة في المشروعات رخيصة وبسيطة وفعّالة، إضافة إلى أن معاملة الصين المالية لخبرائها ومهندسيها هي المعاملة نفسها للسودانيين، مع حرص الصين على نقل خبراتهما للسودانيين.

وخلاصة القول، إن الدور الاقتصادي للصين في السودان أحدث نقلة نوعية للاقتصاد السوداني، ما انعكس أثره على دعم الدور السياسي والعسكري للحكومة السودانية في تعاملها مع الشأن الداخلي.

2. الولايات المتحدة الأمريكية

أكد اتفاق السلام الشامل، يناير 2005، الرؤية الأمريكية التي طرحتها عام 2002 بشأن "دولة واحدة بنظامين"، ومدى إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تجزئة السودان، بعد وضع الحكومة السودانية تحت ضغوط دولية وأمريكية بقبول هذا الوضع.

وعلى الرغم من توقيع الحكومة السودانية على اتفاق السلام، استمرت الضغوط الأمريكية على الحكومة، بل ازدادت قوة عن ذي قبل، حيث تحولت الجهود الأمريكية من الجنوب إلى أزمة دارفور غرب السودان.

وكشفت مجريات الأحداث أن قضية الديموقراطية وحقوق الإنسان والحرب ضد الإرهاب في السودان، ليست هي كل الأهداف الأمريكية، حيث تفُوق المصالح الأمريكية أهداف الديموقراطية وحقوق الإنسان.

وتتركز المصالح الأمريكية حول تغير النظام السوداني الحاكم، أو تعديل سلوكه ليكون حليفاً وجزءاً من المشروع إلى في المنطقة، ومن ثَم، يتحقق الوجود الأمريكي في السودان حتى ولو كان رمزياً.

كما أن الاحتياطيات النفطية السودانية باتت هدفاً للمشروع الأمريكي؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لها استثمارات نفطية في دول غرب أفريقيا وخليج غينيا، واستثمرت شركة "شيفرون تكساكو" للنفط ـ التي كانت وزيرة الخارجية الأمريكية "رايس" مديرة لها ـ 20 مليار دولار في المنطقة عام 2007.

كما يوجد خط أنابيب "تشاد/ الكاميرون"، والذي يضخ 250 ألف برميل نفط يومياً في اتجاه الأطلسي. وتأمل الإدارة الأمريكية في مد خط أنابيب من محافظة الوحدة بالسودان حتى تشاد، لتكامل الشبكة وزيادة الطاقة.

والمثير في الأمر هو تعرض الحكومة السودانية لضغوط أمريكية وأوروبية بعد توقيع اتفاق السلام، لإعطاء امتياز الاستكشاف النفطي لشركة "لوندين" السويدية، التي بدأت نشاطها في ديسمبر 2005، في منطقة الوحدة، بمساحة 20 ألف كم2. كما أعلنت شركة "توتال" الفرنسية عن احتفاظها بحقها القانوني في مناطق الامتياز التابعة لها، ونيتها العودة واستئناف العمل.

مارست الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطاً على الحكومة السودانية، وخلطت أوراق جنوب السودان بأزمة دارفور. تطالب حكومة الشمال بحل خلافاتها مع حكومة الجنوب في قضايا السلطة والثروة والمناطق المتنازع عليها. ولا يكاد يمر شهر واحد إلا وهناك مبعوث أمريكي أو أوروبي أو أممي في زيارة للخرطوم.

وباتت أزمة السودان جزءاً من الحملات الانتخابية الرئاسية، التي بدأت عام 2006، لجذب أصوات الأمريكيين السود واليمين المسيحي. فزارت "هيلاري كلينتون" السودان وطالبت بالتدخل العسكري الأمريكي، وزار "باراك أوباما" دول الجوار السوداني ولم يزر السودان بسبب رفض الحكومة السودانية استقباله، فزار تشاد فقط. كما زار الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" الخرطوم في فبراير 2007، إضافة إلى زيارة العديد من الوفود الرسمية وغير الرسمية للسودان.

نجحت الضغوط الأمريكية في تحريك مجلس الأمن، بشكل مباشر أو غير مباشر، فأصدر ستة قرارات أممية تدين السودان في الفترة من 2005 حتى 2007.

إن التصعيد في الموقف الأمريكي تجاه السودان حركته إلى، حد بعيد، قوى الضغط الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن تركيزها في جماعة "الأفروأمريكان" وهم الأمريكيون السود ذوو أصول عرقية أفريقية، وتصل نسبتهم إلى 12.9% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، ولهم تأثير في الانتخابات الأمريكية.

كما توجد منظمات "اليمين المسيحي" التي تطالب بفصل "الشمال العربي المسلم" عن "الجنوب الأفريقي المسيحي"، والتي تضم في عضويتها حوالي 50 مليون عضو، إضافة إلى الحزب الديمقراطي الذي يتخذ من قضية السودان قضية انتخابية إعلامية لإظهار ضعف إدارة الرئيس "بوش"، في مواجهة الأزمات الإنسانية.

ويضاف إلى ذلك تكتلات نيابية داخل الكونجرس كانت خلف قانون سلام السودان لفرض عقوبات على السودان، وقرار الإبادة الجماعية في دارفور. وتتضمن تلك الجماعات "مؤتمر أعضاء الكونجرس السود (CBC)، والأقلية الديموقراطية بالكونجرس، واليمين المحافظ".

وتدعم الإدارة الأمريكية مطالب حكومة جنوب السودان في تعديل الحدود والسيطرة على مصادر النفط. وهناك رؤية أمريكية بشأن حل الخلاف حول منطقة أبيي الغنية بالنفط، ترى أن تتولى الولايات المتحدة الأمريكية إدارة إبيي، وهو أمر عبّر عنه الأمين العام للحركة الشعبية في أبريل 2007.

لم تقدم الولايات المتحدة الأمريكية أي مساعدات للسودان، أو حتى جنوب السودان، بموجب قانون أمريكي يحظر تمويل السودان. ويحصل جنوب السودان على قدر من المساعدات من المنظمات المدنية الأمريكية، وأقر المجتمع الدولي 4.5 مليار دولار مساعدات مالية لجنوب السودان، بشرط الانتهاء من أزمة دارفور.

3. بريطانيا

استعمرت السودان في الفترة من 1898 حتى 1956م، وخلال تلك الفترة لعبت بريطانيا دوراً أساسياً في مشكلة جنوب السودان من خلال السياسات التي اتبعتها، وأبرزها سياسة المناطق المقفولة، وبذر الكراهية للشماليين ومحاربة اللغة العربية في الجنوب، وإطلاق العنان للجمعيات التبشيرية والكنائس لتقوم بدور سلبي لخلق الفتنة بين الجنوب والشمال، وعملت على عقد مؤتمر جوبا، الذي أوصى بمنح الجنوب الحكم الفيدرالي.

نتج عن سياسة التحريض ضد الشماليين التي كانت تمارس في المدارس والكنائس، والتعبئة ضد كل ما هو شمالي، بداية التمرد في جنوب السودان قبل خروج بريطانيا من السودان تاركة وراءها فتنة بين شطري الوطن، كما اقتطعت جزءاً من جنوب السودان وأتبعته إلى كينيا، وهو مثلث اليمي مازال حتى اليوم تحت إدارتها.

اقتصر الدور البريطاني في عملية سلام الجنوب السوداني على مؤازرة الموقف الأمريكي حتى الوصول إلى توقيع إطار ماشاكوس في 20 يوليه 2002 والذي حضر توقيعه ممثل للحكومة البريطانية، كما نص الاتفاق على تشكيل هيئة التقييم من ممثلين إثنين من بعض الدول والمنظمات منهم ممثلين من المملكة المتحدة كما كان هناك حضور بريطاني أثناء توقيع الاتفاق النهائي للسلام في الجنوب في 9 يناير 2005 في العاصمة الكينية نيروبي.

4. فرنسا

أقتصر الدور الفرنسي في عملية سلام الجنوب السوداني على دور المراقبة كما كان هناك حضور فرنسي محدود أثناء توقيع الاتفاق النهائي للسلام في الجنوب في 9 يناير 2005 في العاصمة الكينية نيروبي أثناء انعقاد مجلس الأمن الدولي.

5. روسيا الاتحادية

أن روسيا الاتحادية لا تضع مشكلة السودان في أولوياتها وإن كانت تشارك في المناقشات التي تحدث داخل مجلس الأمن، وقد امتنعت عن التصديق على القرار (1706) بإرسال قوات دولية وهذا الموقف ينسجم مع انحسار الاهتمام الروسي بالشؤون الأفريقية بعد انهيار الإتحاد السوفيتي الذي كان يولى أفريقيا اهتماما كبيراً.

رابعاً: دور المنظمات الدولية

1. مجلس الكنائس العالمي

مجلس الكنائس العالمي هو تجمع مسيحي عالمي يهدف إلى توحيد الكنائس الشرقية الأرثوذكسية والكنائس والبروتستانتية التي لا تؤمن بسلطة بابا الفاتيكان الكاثوليكية. وتأسس المجلس في أمستردام بهولندا عام 1948 واتخذ من جنيف في ما بعد مقرا له، ويرأسه حاليا "كونارد رايزر" من الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية الألمانية، ويضم المجلس قرابة ألف كنيسة من مائة بلد في العالم تعمل -كما يعلن عن نفسه- لأهداف ثلاثة:

أ. تنظيم العلاقات بين الكنائس المنضوية تحته

ب. الدراسات الكنسية.

ج. تقديم المعونات الإنسانية للاجئين على اختلاف أديانهم.

يعد المجلس من الجهات التي كانت سبباً مباشراً في ظهور مشكلة جنوب السودان، من خلال دور المنظمات التبشيرية منذ العهد التركي، وتحريضها للجنوبيين وغرس الحقد والكراهية في نفوسهم ضد الشماليين، واتهامهم بأنهم تجار رقيق، استمر دور الكنائس ضد كل ما هو شمالي في المدارس المنتشرة في جنوب السودان، ومعظمها مدارس كنسية، ولعبت دوراً كبيراً في تهيئة المناخ لبداية التمرد الأول في عام 1955م في توريت، الذي عم سائر أنحاء الجنوب.

لعب مجلس الكنائس دوراً محورياً في إقناع حركة الأنانيا في الجلوس للمفاوضات مع الحكومة السودانية، وشاركت بجهود الوساطة التي أثمرت في الوصول لاتفاق أديس أبابا عام 1972م، ويتعاظم دور الكنائس في جنوب السودان، وحتى الكنائس الموجودة في شمال السودان بقيادة حملة لإقناع الجنوبيين للتصويت لصالح الانفصال في نهاية الفترة الانتقالية، وتجد هذه الكنائس دعماً كبيراً من دول الاتحاد الأوربي، التي تؤيد انفصال الجنوب عن الشمال.

2. الأمم المتحدة

أشرفت الأمم المتحدة على توقيع اتفاق السلام الشامل، يناير 2005، وشارك في التوقيع عليه "جان برونك" ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في السودان.

أصدرت الأمم المتحدة القرار الرقم 1590 في 24 مارس 2005، بشأن تشكيل بعثة الأمم المتحدة في السودان، من قوة قوامها (10) آلاف عنصر (UNMIS)، ويتركز نشاط البعثة في أربعة مجالات رئيسية:

تقديم المساعي السياسية والدعم السياسي لعملية السلام، وتقديم المشورة السياسية. أما النواحي الأمنية فيتناولها العنصر العسكري للمراقبة والتحقق من وقف إطلاق النار وحماية المدنيين، ونزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج.

أما مسألة الحكم فتتناولها الشرطة المدنية (715) شرطياً مدنياً لمراقبة حكم القانون وحقوق الإنسان والشؤون المدنية والمساعدة الانتخابية، وتطوير خدمة الشرطة المحلية، ودعم المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية لحكومة الوحدة الوطنية وحكومة جنوب السودان. إضافة إلى المساعدة الإنسانية والتنموية بواسطة عناصر نزع السلام والتسريح وإعادة الإدماج والتنسيق الإنساني والحماية وإزالة الألغام.

واتخذت البعثة من الخرطوم مقراً رئيسياً لها، ومن رومبيك، العاصمة المؤقتة لجنوب السودان، مقراً آخر في جنوب السودان.

ورصدت البعثة عدة حالات لخرق وقف إطلاق النار، ولكنها لم تعدها خرقاً لاتفاق السلام الشامل.

كشفت مصادر إعلامية في يناير 2007، عن قضية اغتصاب فتيات قاصرات ارتكبها (4) جنود من قوة حفظ السلام في جنوب السودان، وتم استبعادهم بعد التحقيق معهم، على الرغم من تكتم البعثة على هذه القضية. وأشارت المصادر إلى أن تقرير منظمة الطفولة "اليونيسيف" لعام 2005 أشار إلى انتهاكات جنسية ضد الأطفال في الجنوب. واتهم التقرير، أيضاً، الجيش السوداني بارتكاب هذه الجرائم، وهو أمر نفته الحكومة السودانية.

وتواجه بعثة الأمم المتحدة في السودان مشاكل متعددة، حيث وصل عدد اللاجئين العائدين إلى ديارهم عام 2006 إلى 100 ألف لاجئ، ويُنتظر عودة 100 ألف آخرين بنهاية عام 2007، طبقاً لتقرير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين.

وتعاني الأمم المتحدة من قلة الموارد لحل قضايا الألغام في جنوب السودان، التي تبلغ اثنين مليون لغم، وانتشار الأمراض والأوبئة، مثل حالة انتشار وباء الكوليرا في جوبا عام 2006، ما يتطلب توفير مياه نظيفة وصالحة للشرب، وخدمات طبية وصحية.

وأشار التقرير السنوي لمنظمة "اليونيسيف"، التابعة للأمم المتحدة، أن مفوضية جنوب السودان لنزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج، تمكنت من تسريح 211 طفلاً أعمارهم (10 – 18) سنة، من جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان وإعادتهم إلى أسرهم في جبال النوبة وجنوب كردفان. وكان هؤلاء الأطفال قد خدموا في جيش الحركة الشعبية لمدد 3 – 5 سنوات، وبذلك يصل عدد الأطفال الذين تم تسريحهم من جنوب السودان 22 ألف طفل، منذ عام 2001 حتى عام 2007.

شاركت مفوضية الأمم المتحدة في محادثات السلام في جوبا بحضور حكومة جنوب السودان، وبعض الفصائل الجنوبية، وممثلين من جيش الرب الأوغندي. وأثمرت المحادثات عن موافقة جيش الرب إعادة انتشار ميليشياته في المناطق الحدودية مع أوغندا. وبعد إعادة انتشاره سلّمت الميليشيات السودانية في شرق الاستوائية، في يوليه 2007، أسلحتها طبقاً للاتفاق.

كما تم الاتفاق على تشكيل آلية مشتركة من الأمم المتحدة وحكومة جنوب السودان لمتابعة تنفيذ اتفاق السلام، والمساعدة في نزع سلاح الميليشيات وإعادة دمجها في الجيش الشعبي وإزالة الألغام.

في 4 سبتمبر 2007، زار الأمين العام للأمم المتحدة الخرطوم وجوبا، في إطار مساعي الأمم المتحدة لتنفيذ اتفاق السلام الشامل وحل مشكلة دارفور.

وفي أول أكتوبر 2007، زارت لجنة حكماء دولية ترأسها القس "ديزموند توتو" من جنوب أفريقيا الخرطوم وجوبا، في إطار الجهود الدولية لحل المشاكل العالقة في جنوب السودان ودارفور.

3. دور الإتحاد الأوروبي

أوقف الاتحاد الأوروبي التعاون مع السودان أثناء حرب الجنوب في التسعينات و استأنف الاتحاد الأوروبي الحوار السياسي مع الخرطوم في عام (1999م) لكنه لم يستأنف التعاون.

استأنف الاتحاد الأوروبي العلاقات مع السودان في (26 يناير2005م) بعد توقيع اتفاقية السلام وعرض تقديم (50) مليون يورو مساعدات للمساهمة في دعم اتفاقية السلام.

وقع مسؤولون من الاتحاد الأوروبي والسودان اتفاقية تعاون قالت المفوضية الأوروبية أنها سترسل بموجبها مساعدات فورية قيمتها 25 مليون يورو إلى المنطقة الشمالية و25 مليون يورو إلى جنوب البلاد.

يعد الإتحاد الأوروبي أحد المنظمات الدولية المهتمة بمشكلة دارفور وإن جاء هذا الاهتمام متأخراً بعض الشئ وكان مدفوعاً بضغوط من منظمات المجتمع المدني التي تشكلت في أنحاء كثيرة من العالم خاصة في أوروبا والتي تطلق على نفسها: "المدافعون عن حقوق سكان دارفور" على أساس أنها قضية عرقية تقوم فيها القبائل العربية بإبادة القبائل الأفريقية بدوافع عنصرية.

قام الإتحاد الأوروبي بدور في مسألة دارفور حيث عين ممثلاً دائماً له (وزير فنلندى سابق له مستشارون سياسيون وعسكريون وإعلاميون).

أصبح الإتحاد الأوروبي من أكبر الممولين لعمليات القوات الأفريقية في دارفور كما قام ممثلو الإتحاد ومسؤولون أوروبيون بالضغط على الدول الأفريقية في قمة أديس أبابا الأخيرة لعدم تولى السودان رئاسة القمة.

طالب أعضاء في البرلمان الأوروبي منظمة الأمم المتحدة بإرسال قواتها إلى دارفور، حتى دون موافقة الحكومة السودانية من أجل إنشاء ما سمى بالممر الإنساني لضمان وصول المساعدات الإنسانية لأهالي دارفور ووصفوا ما يحدث هناك بأنه يمثل أكبر كارثة إنسانية خلال السنوات العشر الأخيرة.

لا يزال موقف الإتحاد الأوروبي بصفة عامة أقل حدة من موقف الولايات المتحدة وإن كان يلاحظ زيادة دور منظمات المجتمع المدني في أوروبا في إدانة سوء الأوضاع الإنسانية في دارفور، وكذلك طرد السلطات السودانية لعدد من الجمعيات الأوروبية للإغاثة الإنسانية.