إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان




أحد مقاتلي حزب الله
مذبحة صابرا وشاتيلا


منطقة انتشار قوات الأمم المتحدة
مسار نهر الليطاني
انتهاكات إسرائيل في لبنان
الحزام الأمني وتمدد القوات الإسرائيلية



مقدمة:

ثانياً: السياسة الإسرائيلية الأمنية

1. مفهوم إسرائيل للأمن وفرضياته

يشير مفهوم الأمن إلى المبادئ الرئيسية والمعتقدات الجوهرية، التي تستند إليها الدولة في التعامل مع قضاياها الأمنية؛ ومن ثَم، فهو يتميز عن مصطلحات أخرى، قد تختلط به، أحياناً، ومنها العقيدة العسكرية أو سياسة الأمن القومي، التي يخالفها بكونه أكثر ثباتاً. وينطبق ذلك على إسرائيل، التي يعتمد مفهومها للأمن على ثلاث فرضيات أساسية، هي:الجليل"/ "حات الإسرائيلية للجمهرية اللبنانية الشريط الحدودي")لى هذه الحقيقة.لوقوع في حسابات "حماقة أو غطرسة القوة"، والتي لالسياسة الأمنية ا

أ.  أنها تواجه تهديداً، يمس جوهر الدولة ووجودها، وخاصة أن صراعها مع العرب، يأخذ طابع المباراة الصفرية.

ب. أنها لا تستطيع حسم هذا الصراع مع العرب، بالوسائل العسكرية؛ إذ إن  جيش الدفاع، مكلَّف الحفاظ على وجودها، وليس القضاء على أعدائها.

ج. أنها لا تستطيع الاعتماد على قوى خارجية، للحفاظ على وجودها؛ ولذلك فعليها بناء أمنها على أساس قدرتها الذاتية.

يتضح من الفرضيات السابقة مدى الجمود، الذي يتسم به مفهوم الأمن الإسرائيلي. ويدعم هذا الجمود التراث اليهودي، الذي يسوده الشعور الدائم بعدم الأمن؛ ما يؤدي إلى النتائج الآتية:

أ. للقدرة العسكرية الأسبقية الأولى، في تحديد متطلبات الأمن الإسرائيلي وتحدياته.

ب. الحرص على المعطيات الملموسة للأمن، وفي مقدمتها الأرض.

ج. لا تخلِّي عن مبدأ الحدود الآمنة، التي يجب أن ترتكز على عمق إقليمي وموانع طبيعية، حتى يمكن استغلالها، سواء في الإنذار أو المبادرة إلى الهجوم المضاد.

2. محددات السياسة الإسرائيلية الأمنية

تركز السياسة الإسرائيلية الأمنية على أن الجنوب اللبناني جزء مهم من المجال الحيوي لإسرائيل، ومنطقة مهمّة، يمثل التوسع خلالها أحد المرتكزات الأساسية. والأطماع الصهيونية في لبنان، ليست وليدة المتغيرات الدولية، ولا التوترات الإقليمية الناجمة عن انقسام العرب وتمزقهم، ولا هي نتيجة للحرب الأهلية اللبنانية وما انتهت إليه؛ وإنما انبثقت تلك الأطماع منذ أن سعت الحركة الصهيونية إلى تحقيق هدف هرتزل، الذي طالب في كتابه "الأرض الجديدة ـ الأرض القديمة"، بضم الأراضي اللبنانية الغنية بالمياه إلى المنطقة، التي يطمح إلى الاستيلاء عليها، لإنشاء الوطن اليهودي، وتأمين المجال الحيوي للنشاط الاستعماري.

بدأت الصهيونية أولى خطواتها العملية لتنفيذ أهدافها، بتقديم المنظمة الصهيونية العالمية مذكرة إلى المجلس الأعلى لمؤتمر السلام، المنعقد في باريس، عام 1919؛ مطالبة بأن تكون الحدود الشمالية للدولة العبرية المزمع إنشاؤها، هي الخط الواصل ما بين نقطة، تقع جنوب صيدا، وسفوح جبل الشيخ، عند بيت جن. ولم يكن مصادفة، أن يشمل الاحتلال الإسرائيلي للجنوب اللبناني، عام 1978، معظم هذه المناطق، التي تخطاها غزو عام 1982. وبذلك تكون هذه المذكرة قد أظهرت بوضوح الأطماع الصهيونية في الأراضي اللبنانية، منذ عام 1919، والتي تحددت باحتلال الأراضي اللبنانية الواقعة جنوب خط صيدا ـ القرعون ـ البيرة ـ بيت جن؛ وكذلك الاستيلاء على أكبر نسبة ممكنة من مياه نهر الليطاني. ولم تقتصر جهود الحركة الصهيونية على مذكرة عام 1919؛ بل كانت قد سعت إلى تعديل الحدود، التي رسمتها، عام 1916، اتفاقية سايكس ـ بيكو[1].

تركز اهتمام إسرائيل، منذ عام 1948، في إنشاء المستعمرات على حدودها الشمالية. وسرعان ما أعلنت تنكرها لاتفاقية الهدنة بينها وبين لبنان، على تمسكه بها، طامعة في التوسع في أراضيه. فدأبت في الاعتداء عليه، وخاصة بعد أن وافق مجلس النواب اللبناني على دخول قوات عربية إلى الأراضي اللبنانية، لحماية عملية تحويل مجرى نهر الحاصباني، حتى لا تستفيد إسرائيل من مياهه؛ ما حملها، في 29 أكتوبر 1965، على التوغل في أراضي لبنان، حيث عمدت إلى أعمال التدمير والتخريب.

وتوالت الاعتداءات الإسرائيلية، فكان العدوان على مطار بيروت، عام 1968؛ وكذلك الاعتداءات المتكررة، خلال عامَي 1969 و1970، والتي كان أعنفها الاعتداء على منطقة العرقوب. وبعد حرب 1973، تفاقم العدوان الإسرائيلي، وخاصة على المناطق السكانية والمنشآت الاقتصادية، حيث كان غزو 1978، ثم غزو 1982.

3. أهداف الهيمنة الإسرائيلية

استهدفت المخططات الإسرائيلية كافة، السابقة والحالية، بسط هيمنة إسرائيل على مناطق الجنوب اللبناني، وتحقيق أطماعها التقليدية؛ مع الإبقاء على حالة عدم الاستقرار داخل لبنان، وإفقاده القدرة على مواجهة التهديدات: الخارجية والداخلية، لتتمكن من هيمنتها، من خلال التصعيد المستمر لأعمالها العدوانية والمتكررة. ويغريها بذلك:

أ.  وجود منابع نهر الأردن، ومجرى نهر الليطاني ومصبه، في منطقة الجنوب؛ وتوافر الموانع الطبيعية في المنطقة؛ ما يسهل الدفاع عن الحدود الشمالية لإسرائيل.

ب. الأهمية: العسكرية والإستراتيجية، لمنطقة الجنوب اللبناني، والتي تمكن إسرائيل من السيطرة، من جميع الجهات والحدود، على المناطق التي قد تشكل مصدراً للتهديد.

ج. التوسع السكاني الإسرائيلي، وخصوبة الأراضي اللبنانية، وحيازة مساحات جغرافية صالحة للتوسع.

يُعَدّ الجنوب اللبناني إحدى القوى الأكثر فاعلية في الإستراتيجية الأمنية، لكلٍّ من العرب وإسرائيل؛ إذ تتميز هذه المنطقة بجودتها الزراعية؛ فضلاً عن أنها أحد مقومات البقاء والاستمرار للكيان الإسرائيلي. ولقد أكد الجنرال الإسرائيلي، أهرون ياريف، أن المشكلة الأساسية، التي تواجه إسرائيل، في الشمال، ليست مشكلة أرض، بل مشكلة حضور ووجود؛ ولذلك فإن مهمة السياسة الخارجية، هي إيجاد أفضل السبل من أجل تحديد مدة هذا الحضور وطابعه وحجمه.

ومن ثَم، يتضح أن أرض الجنوب اللبناني مضمونة النتائج، في الفكر الإسرائيلي؛ ولا تمثل أي مشكلة. ولذلك، أصبحت السياسة الإسرائيلية تجاه الجنوب اللبناني واضحة الأطماع. وترتكز الدوافع الرئيسية لهذه الأطماع على الدعائم الإستراتيجية التالية:

أ. الهجرة اليهودية.

ب. التأييد الأمريكي الدائم والمستمر للسياسات الإسرائيلية العدوانية.

ج. رفض إسرائيل، منذ إنشائها، ترسيم حدودها؛ بل هي الدولة الوحيدة في العالم، التي لا يوجد لها دستور، ولا وحدود معينه تعييناً دقيقاً؛ وذلك حتى يمكنها التوسع المستمر، في أراضٍ، ستحسن من وضعها: الاقتصادي والسياسي.

د. تحقيق التفوق: النوعي والكمي، لجيش الدفاع الإسرائيلي، الذي يمثل أهم عوامل تحقيق أمن إسرائيل وفرض سياستها الخارجية.

لقد رأى زعماء دولة إسرائيل، ومنهم ديفد بن جوريون، أن هجرة اليهود إلى إسرائيل، هي من الدعائم الرئيسية للمفاهيم الأمنية، في إستراتيجية الحركة الصهيونية؛ إذ أكد أن تعزيز الطاقة البشرية عامل أساسي في حل المشكلة الأمنية، ويساعد على عمليات التوسع. والهجرة تتطلب الاستيطان، الذي يُعَدّ ركناً أساسياً وحيوياً من أركان الأمن الإسرائيلي وتقترن عملية السيطرة الإسرائيلية على جنوبي لبنان ومياهه اقتراناً وثيقاً بعملية الهجرة اليهودية، وكذلك تهجير سكان الجنوب اللبناني، من خلال استنزاف قدراته: الاقتصادية والبشرية، وخاصة أن أكثر من 90% منهم يعملون في الزراعة، التي تعتمد على المياه، ولا سيما نهر الليطاني.

تستند فكرة الأمن الإسرائيلي إلى رسم خريطة جديدة لإسرائيل، تحقق أقصى متطلبات الأمن، مع أقلّ عدد ممكن من السكان؛     ولذلك، فهي، تتشبث بمبدأ الحدود الآمنة، وترفض العودة إلى حدود عام 1949؛ وتطالب بتعديلات واسعة لحدوده، توافق سعيها الدائم إلى تحقيق أمن إستراتيجي ملموس، وواضح ، لا أمن تكتيكي محدود.

وتتمثل المفاهيم الإستراتيجية للأمن الإسرائيلي في الآتي:

أ. الحرص على استمرار التفوق العسكري.

ب. الحرص الدائم على العمق الجغرافي.

ج. الحدود الآمنة.

في إطار المعطيات والمفاهيم الإستراتيجية السابقة، يكون للجنوب اللبناني بعد أمني وأهمية حيوية قصوى في الفكر الإسرائيلي؛ إذ إن السيطرة عليه، تتيح لإسرائيل استقدام المزيد من المستوطنين الجدد؛ ودعم قدرتها: الاقتصادية والبشرية، بثروته المائية. وبذلك، تلتقي معايير أمنها القومي، و الرؤية الأيديولوجية للحركة الصهيونية. ومن ثَم، لم يكن بين القوى السياسية في إسرائيل، أو على مستوى الرأي العام الإسرائيلي، خلاف في الأهداف المعلنة للسيطرة على الجنوب اللبناني والوجود فيه؛ إلا أن ذلك الإجماع بدأ يشهد عديداً من أوجُه المعارضة، على مستويات عديدة.

4. سياسة إسرائيل الأمنية

اقترنت السياسة الإسرائيلية الأمنية، تجاه جنوبي لبنان، بمجمل التهديدات التي يمكن أن تتعرض لها المستعمرات الموجودة في شمالي إسرائيل، بعمليات المقاومة الموجهة ضد القوات الإسرائيلية في مناطق الجنوب، والقوات الموالية لها، والمتمثلة في جيش لبنان الجنوبي. استهدفت تلك السياسية إحباط عمليات المقاومة، والحد من عمليات التسلل إلى الحدود الشمالية الإسرائيلية؛ فارتكزت على ركيزتين أساسيتَين، تمثلتا في:

أ.  وجود محدود لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي في الشريط الأمني، الذي فرضته إسرائيل، والموجود شمال الحدود الإسرائيلية.

ب. تنسيق أمني دائم، بين جيش الدفاع الإسرائيلي وجيش لبنان الجنوبي.

 



[1] اتفاق سايكس ـ بيكو، تم توقيعه في 16 مايو 1916 من الدبلوماسي الإنجليزي مارك سايكس والدبلوماسي الفرنسي جورج بيكو، وخلال هذا الاتفاق تم وضع المخططات السرية لتقسيم الإمبراطورية العثمانية بين بريطانيا وفرنسا عقب الحرب العالمية الأولى.