إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان




أحد مقاتلي حزب الله
مذبحة صابرا وشاتيلا


منطقة انتشار قوات الأمم المتحدة
مسار نهر الليطاني
انتهاكات إسرائيل في لبنان
الحزام الأمني وتمدد القوات الإسرائيلية



مقدمة:

ثالثاً: المقاومة الوطنية

1. تطوُّر الصراع المسلح

أسفرت الاعتداءات الإسرائيلية، عن تهجير نحو ثلاثمائة ألْف جنوبي، نحو صيدا وبيروت والجبل وحتى الشمال؛ واحتلال أكثر من نصف الجنوب اللبناني. وازدادت مساحة الاحتلال، بعد اجتياح عام 1982، والانسحابات الجزئية التي تلته، حتى تجاوزت 10% من الأراضي اللبنانية. كما دمِّر أكثر من اثنتَي عشرة قرية لبنانية.

حسبت إسرائيل مناطق احتلالها في جنوبي لبنان حزاماً أمنياً، ولكن خاب حسبانها؛ إذ أمسى ذلك الحزام بؤرة هجوم، وخاصة بعد اجتياح عام 1978 واجتياح عام 1982. فهو لم يوفر الحماية والأمن للمستعمرات الإسرائيلية في الشمال؛ بل إنه لم يكن دفاعياً، لأن إسرائيل لم تكن مهددة بأيّ هجوم من هذا الاتجاه؛ وما تزايد المقاومة إلا ردّ على استمرار الاحتلال.  وعلى الرغم من ذلك، فقد سدرت إسرائيل في رفض تنفيذ قرار مجلس الأمن، الرقم 425، الذي ينص على انتشار قوات الأمم المتحدة حتى الحدود الدولية، وتسليم قوى الدولة اللبنانية الشرعية مسؤولية حفظ الأمن والنظام، في المناطق الجنوبية الحدودية؛ لا، بل رفضت، بعد ذلك، اتفاق الطائف، الذي حظي باعتراف دولي كبير.

لم يكن حزب الله، ومعه بعض المنظمات الوطنية اللبنانية الأخرى، هو المسيطر على مقاليد التصعيد في جنوبي لبنان؛ بل كانت إسرائيل تمسك بها. وقد بادرت، في 16 أبريل 1996، إلى عملية "عناقيد الغضب"، التي تمثلت في سلسلة ضربات مكثفة ومتتابعة، سُميت "ضربات جراحية"، طاولت ضواحي بيروت. وأسفرت عن تهجير نحو 400 ألْف لاجئ لبناني إلى الشمال؛ فضلاًَ عن قتل أكثر من مائة مدني لبناني، في 19 أبريل، في معسكر قانا[1]، التابع للأمم المتحدة؛ ما أثار عاصفة من الانتقادات الدولية.

ظنت إسرائيل أن عملية "عناقيد الغضب"، سوف تجبر الحكومة اللبنانية على كبح جماح حزب الله. ولكن الحزب خيب ظنها، بل ازداد عزيمة وإصراراً على المقاومة؛ لا، بل أثبت قدرته على استمرار أنشطته العسكرية؛ كما لم تنجح في انتزع معاونة سورية على احتوائه. وبعد أسبوعَين من القتال، أمكن التوصل إلى اتفاق مكتوب، أصدرته الإدارة الأمريكية، ينص على تكوين لجنة مراقبة، تضم الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وسورية ولبنان وفرنسا، مهمتها اتخاذ الإجراءات في شأن انتهاك وقف إطلاق النار، في غضون 24 ساعة. ولقد أعلن حزب الله ارتياحه لهذا الاتفاق، لأنه ترك له حرية القتال في منطقة الحزام الأمني، حيث استمرت عملياته.

لئن أثرت عملية "عناقيد الغضب" في حزب الله، هدفها الرئيسي، فإن تأثيرها لم يبلغ حدّ هزيمته؛ فاستمر في صراعه، واستطاع أن يُبقي المدن الإسرائيلية الشمالية تحت الحصار، طوال الوقت الذي كانت فيه القرى اللبنانية الجنوبية محاصرة. ولقد ازداد الحزب تماسكاً، على الرغم مما انتقده عليه بعض اللبنانيين، معترضين على اتخاذه مواقف، سياسية وعسكرية، تؤثر في مصلحة البلاد؛ هي من اختصاص الحكومة اللبنانية وحدها.

2. عوامل نجاح المقاومة

حظيت المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني بإكبار المجتمع وتأييده، على ما يعتريه من تركيب طائفي وسياسي. وسعى إلى علاقة إيجابية بها، بعد أن أَنِس صِدقها وإصرارها على البذل، في سبيل قضيته. ولذلك، تحول الوضع في الجنوب من خيار حزبي إلى خيار وطني؛ ما طرح معادلة صعبة على السلطة اللبنانية، راوحت بين الإحراج والتحدي، واتسمت بالتجاذب والاستقرار؛ ولكنها انتهت إلى الخيار الوطني. وهكذا، أمسى وقوف السلطة والمجتمع إلى جانب المقاومة عاملاًَ من عوامل نجاحها. ولم يكمن موقف السلطة اللبنانية فيما قدمته من دعم، مادي أو معنوي؛ وإنما في عزوفها عن عرقلة المقاومة وإحجامها عن صراعات جانبية معها.

لقد حرصت المقاومة الإسلامية، حزب الله، في جنوبي لبنان، أن لا تشاركها في عملياتها أطراف أخرى؛ ليس رغبة في تمسكها بالتجانس العقائدي لرجالها؛ وإنما خشية اختراق الاستخبارات المعادية لصفوفها؛ إذ إن تتنوع الانتماءات والتوجهات: السياسية والعقائدية، يجعل مراقبتها والسيطرة عليها أمراً عسيراً. وكان ذلك أحد الدروس المستفادة، التي وَعَتْها من المقاومة الفلسطينية، التي طالما عرَّضتها الاختراقات للضربات والاغتيالات.

أُخذ على حزب الله استبعاده فصائل المقاومة من المشاركة في عملياته العسكرية وتنسيقها، وتسخيره المقاومة لأغراض سياسية، وإهماله جوانب التنمية الاجتماعية. وقد تدارك ذلك، فأباح مشاركة القوى الأخرى الراغبة في مقاومة الاحتلال، والتي ضمها تنظيم منفصل عن حزب الله، ولكنه يحظى بدعمه؛ عُرف باسم "السرايا اللبنانية".

اعتمدت عمليات المقاومة الوطنية في الجنوب، وخاصة تلك التي اضطلع بها مقاتلو حزب الله، أساليب حرب العصابات، التي تقضي بإغارة جماعات قليلة على العدوّ وتحصيناته، أو نصب المكامن له، أو زرع الألغام في طرق مواصلاته. بيد أن نجاح هذه الأساليب نجاحاً عريضاً، لم يحل دون مبادرة المقاومة إلى عمليات واسعة، متعددة، في وقت واحد، مستهدفة غير موقع من المواقع المعادية. وقد تمكنت من السيطرة الكاملة على تلك المواقع، فترات طويلة، وتدميرها، وأسْر منْ فيها.

تمكنت حركة المقاومة الوطنية في الجنوب، ولا سيما حزب الله، من تطوير قدراتها الاستخباراتية، التي مكنتها من رصد تحركات قوات الاحتلال وعملائه، وإيقاع الخسائر المباشرة به، من خلال المكامن وبث الألغام داخل الحزام الأمني وفي الحدود الشمالية لإسرائيل؛ ما زاد الشكوك في قدرة جيش الدفاع الإسرائيلي، ودفع إلى تأليف لجان، تتفحص قدرة حزب الله على اختراق هذه القوات الإسرائيلية وعملائها والعملاء[2].

ولم تغفل المقاومة الإسلامية الحرب: النفسية والمعنوية، الحديثة؛ للتأثير في الرأي العام الإسرائيلي، ومعنويات قوات جيش الدفاع. فلقد أنشأت جهازاً سريِّاً، أطلق عليه: "الإعلام الحربي"؛ اشترك رجاله في دورات تدريبية خاصة، سواء في المجال العسكري أو العقائدي أو الفني. واضطلع بالتصوير المباشر لمعظم العمليات العسكرية، التي أمست صوراً حية لعمليات الاقتحام وغرس الأعلام والرايات فوق التحصينات المعادية[3]. كما استخدمت المقاومة شبكة الإنترنت، لتبث أخبار عملياتها؛ واختص تليفزيون "المنار" وإذاعة "النور"[4] بأخبار المقاومة بنشرات خاصة، باللغتين: العربية والإنجليزية.

تجنبت المقاومة الإسلامية المصادمات والمعارك الجانبية، مع المنظمات والحركات: السياسية والعسكرية، التي كانت تعج بها الساحة اللبنانية، قبل الاجتياح الإسرائيلي، عام 1982، وبعده. كذلك تجنب حزب الله مواجهة السلطة اللبنانية، معتمداً على إستراتيجية العنف على جبهة المواجهة مع قوات الاحتلال، والتهدئة على الجبهة الداخلية؛ ومصداق ذلك أنه لم يتورط، في 13 سبتمبر 1993، في مصادمة مع قوات الجيش اللبناني، الذي أطلق النار على تظاهرة سلمية، شعبية، رعاها الحزب، خرجت تندد باتفاق أوسلو؛ وما لبثت العلاقة بينهما أن أضحت علاقة تعاون وتنسيق.

 



[1]  قانا: بلدة في الجنوب اللبناني، شهدت أكبر حادثة قتل جماعي، ارتكبتها القوات الإسرائيلية

[2] تم تشكيل لجنة تحقيق موسعة لتحديد مدى اختراق حزب الله لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي، خاصة بعد الفشل الذريع لمحاولة الإنزال الإسرائيلية في بلدة أنصارية المحاذية للشاطئ في جنوب لبنان، ولقد قضت المقاومة اللبنانية على جميع أفراد القوة المشاركة في عملية الإنزال وبلغ عددهم حوالي خمسة عشر جندياً إسرائيلياً.

[3] في 27 فبراير 1997، تم بث شريط مصور عن عملية اقتحام موقع بئر كلاب، إلا أن قائد وحدة الارتباط في جيش الدفاع الإسرائيلي ادعى أن المقاومة لم تدخل الموقع، فقام الجهاز الإعلامي للمقاومة ببث شريط آخر يتضمن تفاصيل كاملة عن اقتحام الموقع ودخول رجال المقاومة إليه ورفع الرايات فوق تحصيناته، وتكرر ذلك مع اقتحام موقع الدبشة في 12 مايو 1998، وموقع حداثا في 2 يوليه 1998.

[4] يعتبر تليفزيون المنار وإذاعة النور أحد وسائل إعلام المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان.