إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان




أحد مقاتلي حزب الله
مذبحة صابرا وشاتيلا


منطقة انتشار قوات الأمم المتحدة
مسار نهر الليطاني
انتهاكات إسرائيل في لبنان
الحزام الأمني وتمدد القوات الإسرائيلية



مقدمة:

رابعاً: الانسحاب الإسرائيلي

1. مناورات الانسحاب

أعلن نتانياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية، في أبريل 1998، موافقة الحكومة الإسرائيلية على تطبيق القرار الرقم 425؛ إلا أنها اشترطت مفاوضة الحكومة اللبنانية في الانسحاب؛ والتوصل إلى ترتيبات أمنية، تكفل حماية شمالي إسرائيل؛ وضرورة تفكيك فصائل حزب الله العسكرية؛ والبحث في مستقبل جيش لبنان الجنوبي. وانبرت إسرائيل تروج قرار الانسحاب، وفق هذه الشروط، مستهدفة:

أ. احتواء الغضب الداخلي في إسرائيل، الناجم عن الخسائر المتوالية، في الرجال أو المعدات.

ب. بلبلة الساحة السياسية اللبنانية، من خلال إقناع بعض قواها بالموافقة الشروط الإسرائيلية؛ فيختل الإجماع على المقاومة.

ج. فصم التحالف الإستراتيجي بين سورية ولبنان، واحتواء الموقف السوري وإفقاده أحد عوامل الضغط، ألا وهو المقاومة في جنوبي لبنان.

د. إجهاض أيّ مبادرة أوروبية، وتقليص الدور الأوروبي، تجاه المسارَين: السوري واللبناني، في إطار السعي الفرنسي إلى الاضطلاع بدور متميز في عملية التسوية السلمية.

أعلنت الحكومة اللبنانية رفضها شروط إسرائيل، وأكدت ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الشامل، والفوري، من كلّ الأراضي اللبنانية، من دون قيد أو شرط. وأبدت استعداد لبنان لحفظ الأمن في الجنوب، وضمان أمن الحدود مع إسرائيل، فور تحقيق الانسحاب، الذي يترتب عليه وقف المقاومة. ولقد استند الموقف اللبناني إلى تفسير القرار الرقم 425، الذي لا يتضمن شروطاً للانسحاب؛ ولذلك، رفض التفاوض في ترتيبات أمنية.

وأعلن حزب الله، أنه لن يكون بديلاً من الجيش اللبناني، في حال انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني؛ وأنه يرى انسحاب إسرائيل، من دون قيد أو شرط، انتصاراً معنوياً لمنطق المقاومة؛ وأن المقاومة هي الخيار الوحيد لتحرير الأرض. كما أعلن الحزب أنه لا يمثل سلطة أمنية، ولذلك، فهو يوافق على انتشار الجيش اللبناني في مناطق الجنوب، بل يَعُدّ ذلك التزاماً وطنياً. ولكنه يرفض أن يتخذ ذلك الجيش تدابير أمنية، تشترطها إسرائيل.

عمد حزب الله، خلال هذه المرحلة، إلى استراتيجية الإيلام المتبادل، لقصوره عن إستراتيجية التمييز؛ فبادر إلى استنزاف القوات الإسرائيلية، التي أصبحت مرشحة لمزيد من القتلى والجرحى، وبصورة تكاد يومية. وما لبثت أن عجزت عن مواجهته، وفشلت في العديد من عملياتها الانتقامية. وهكذا، عانت السياسة الإسرائيلية التحديات، على المستويَين: السياسي والعسكري، تمثلت في الفشل غير المسبوق في الحفاظ على الوجود الأمني: العسكري والسياسي، في مناطق جنوبي لبنان.

وكان لإستراتيجية المقاومة الإسلامية، أثرها في الجدل السياسي ـ الانتخابي في إسرائيل، الذي طاول وحدة الوجود الإسرائيلي الأمني وتماسكه في الجنوب اللبناني، ولم يقتصر أثرها على تردي معنويات الجنود الإسرائيليين في منطقة الحزام الأمني، بل تعداه إلى ازدياد حالات التمرد والفرار، التي انتابت جيش لبنان الجنوبي، الذي يتزعمه الجنرال أنطوان لَحْد، العميل السياسي ـ الأمني لإسرائيل؛ ولذلك، أصبحت الجبهة العسكرية الإسرائيلية، في الجنوب، أكثر انكشافاً، أمام المقاومة.

رفع إيهود باراك، في انتخابات 17 مايو 1996، شعار الانسحاب الإسرائيلي من المستنقع اللبناني، خلال عام فقط من وصوله إلى السلطة، و أكد، إثر توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية، رغبته في تنشيط عملية السلام، على المسار السوري ـ اللبناني، والانسحاب من جنوبي لبنان. وشجّعه على ذلك، أنه كان قد وافق، في 3 يونيه 1999، على انسحاب ميليشيا جيش لبنان الجنوبي من محيط مدينة جزين، من جانب واحد؛ ما مثّل اختباراً لسيطرة، الجيش اللبناني، ومدى التزام المقاومة بإيقاف عملياتها.

ألّف كلّ من لبنان وإسرائيل، في بداية أغسطس 1999، فِرق عمل؛ لمتابعة المفاوضات المرتقبة بين الجانبَين، بعد اقتناع حكومة باراك، والرأي العام الإسرائيلي، بضرورة المسارعة إلى التسوية السلمية، وتحقيق الانسحاب من الجنوب اللبناني، حيث تكبدت إسرائيل خسائر فادحة، مادياً وبشرياً؛ وعجزت عن تحقيق الأهداف: الأمنية والسياسية، لوجودها العسكري فيه؛ لا، بل أصبحت منطقتها الشمالية رهينة حزب الله؛ ناهيك من انهيار المليشيا الجنوبية العميلة، وفشل خطة إسرائيل للانسحاب من جنوبي لبنان، من جانب واحد؛ فضلاً عن فشل مشروع "لبنان أولاً".

وتباين الجانبان في مفهوم تنفيذ القرار الرقم 425، الصادر عن مجلس الأمن. فرأت إسرائيل، وأيدتها الولايات المتحدة الأمريكية، أن قبولها إياه، في يناير 1998، لا يعني أنه ملزم لها؛ ومن ثَم، يكون الانسحاب من الجنوب اللبناني قابلاً للتفاوض فيه، ومشروطاً بإجراءات أمنية محددة، يحققها اتفاق بين الجانبَين. ورأى لبنان أن ذلك القرار وقرارات أخرى لاحقة، ولا سيما القرارات الأرقام: 426 و508 و509 و520، هي مرجعية قانونية، ملزمة لإسرائيل؛ ومن ثَم لا تفاوض في الانسحاب؛ وإنما التفاوض في آلية تنفيذ القرار الرقم 425، ومدة التنفيذ وظروفه، وفق جدول زمني.

واعترى مفاوضات السلام، منذ بدايتها إلى أن توقفت، في أبريل 1994، اختلاف طرفَيها في مدى الانسحاب الإسرائيلي. إذ رأى لبنان أنه لا بدّ أن يكون وفق القرار الرقم 425، حتى الحدود الدولية المعترف بها أثناء الانتداب البريطاني. ولكن إسرائيل رأت أنه سيكون وفقاً لمفهومها هي للحدود الآمنة، التي تعني تعديل خط الحدود بما يتيح لها ضم بعض القرى اللبنانية، خاصة تلك التي تحتلها منذ عام 1967، مثل: شبعا، والهبارية، وكفر شوبا[1]، وكفرحمام، وراشيا الفخار؛ إضافة إلى 1571 مزرعة، غيرت إسرائيل تضاريسها، وجعلتها مستعمرات لليهود الفلاشا؛ فضلاً عن تعديل مجرى نهرَي الحاصباني والوزاني، ليمرّا في داخل إسرائيل. ويَعُدّ لبنان هذه التعديلات باطلة، ويرفض مفهوم الحدود الآمنة؛ ناهيك من أنه يرى، أن تنفيذ القرار الرقم 425 غير مقترن بعملية تسوية شاملة، ولا يلزمه بالتوصل إلى معاهدة سلام مع إسرائيل.

تمثلت الترتيبات الأمنية، التي تمسكت بها إسرائيل، في إنشاء محطات للمراقبة والإنذار المبكر على الحدود مع لبنان وداخل أراضيه، وحرية عمل الطيران الإسرائيلي العسكري داخل الأجواء اللبنانية، وإنشاء مناطق عازلة منزوعة السلاح داخل الأراضي اللبنانية وعلى الحدود مع إسرائيل؛ فضلاً عن تخويل الأخيرة ملاحقة الأشخاص والجماعات، الذين يهددون أمنها، في ما يسمى "حق الملاحقة الحارة"؛ إضافة إلى نشر قوة دولية متعددة الجنسيات، تكون مهمتها ملء الفراغ الأمني في المناطق، التي تنسحب منها إسرائيل؛ على أن تستمر تلك القوة سنتَين، على أبعد تقدير، يكون الجيش اللبناني خلالهما قد أكمل انتشاره في تلك المناطق. ولقد رفض لبنان هذه الترتيبات الأمنية؛ إذ رأى أنها خارج إطار القرار الرقم 425؛ كما أنها تعني تجاوز اتفاقية الهدنة الموقعة بين الجانبَين عام 1949، والتي يتمسك بها لبنان؛ ناهيك بأنها تُعَدّ انتقاصاً لسيادته واستقلاله.

يتضح مما سبق شرعية الموقف اللبناني، في رفضه أيّ ترتيبات أمنية، تعقد مع إسرائيل؛ ولذلك، لم تدخل القوات اللبنانية إلى جزين، عقب الانسحاب منها، خشية أن يُفسَّر دخولها إليها بقبول لبنان التوصل إلى نوع من الترتيبات الأمنية مع إسرائيل, ومن ثَم، واجه لبنان العديد من المشكلات أثناء المفاوضات. ولقد حرص لبنان على تجنّب أيّ مناظرات أو تصريحات، توحي بأنه حائر. ورفض الاشتراك في المفاوضات متعددة الأطراف، قبل تنفيذ القرار الرقم 425، إضافة إلى رفضه التطبيع مع إسرائيل، بمفهومه الواسع؛ لمعايير: قومية وداخلية.

في أعقاب تأجيل الجولة الثالثة من المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية، وتنفيذ المقاومة الإسلامية كثيراً من العمليات الناجحة، ضد قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، الذي قدِّرت خسائره بسبعة قتلى، وأكثر من 20 مصاباً، في الفترة من الأول من يناير وحتى 6 فبراير 2000، عمدت إسرائيل، في 7 فبراير 2000، وطيلة أسبوعَين متتاليَين، إلى غارات جديدة ضد البنى التحتية اللبنانية. أسفرت عن إصابة 18 مدنياً، وتدمير ثلاث محطات لتوليد الكهرباء، ناهزت خسائرها 100 مليون دولار. ولقد أدى تنامي عمليات المقاومة اللبنانية في الجنوب إلى اتخاذ باراك قرار بضرب البنى التحتية اللبنانية، بصفته حلاً وسطاً بين النهج السياسي، الذي يتمسك بضبط النفس، والنهج العسكري، الذي جمح إلى ضربة عسكرية للبنان. وتمثل ذلك في عملية "الشعلة الصامدة"، التي أعلن من خلالها عزمه على إحراق لبنان؛ مستهدفاً تغطية الهزيمة: المعنوية والسياسية، التي لحقت بقواته؛ فضلاً من ابتغائه الفتنة، بين الحكومة اللبنانية والشعب من جانب، والمقاومة الإسلامية من جانب آخر. وأكد نيته هذه بتأليف وزارة حرب ثلاثية، في 16 فبراير 2000. وكان الرد العربي من خلال الدعم: المادي والفني، للبنان؛ إضافة إلى إصدار مجلس وزراء الخارجية العرب قراراً، يدين إسرائيل، ويعلن تأييده الكامل للحكومة اللبنانية.

بعد الفشل الإسرائيلي في التوصل إلى صيغة للانسحاب، من خلال اتفاق مع لبنان، في إطار مشروع "لبنان أولاً"، أو من خلال اتفاق سوري ـ لبناني ـ إسرائيلي؛ وإثر الدعم العربي لفكرة تلازم المسارَين: السوري واللبناني؛ وتوقف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية، بسبب مسألة حدود يونيه 1967؛ قرر باراك، في 5 مارس 2000، انسحاباً أحادي الجانب؛ أيدته الولايات المتحدة الأمريكية، بل مولته بنحو 300 مليون دولار. وفي 17 أبريل 2000 أبلغت الحكومة الإسرائيلية قرارها إلى الأمم المتحدة، وحددته بالأول من أول يوليه 2000.

2. عوامل الانسحاب الأحادي

أ.  إسقاط المقاومة الإسلامية نظرية الأمن الإسرائيلية، وإحباطها المخطط الإسرائيلي لحماية شمالي إسرائيل، واحتلال جنوبي لبنان وإنشاء حزام أمني فيه.

ب. سخط الرأي العام الإسرائيلي، لقتلاه في الجنوب اللبناني؛ وإلحاحه على القيادة: السياسية والعسكرية، بالانسحاب؛ ما اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي، إلى الاستجابة للرأي العام؛ تداركاً لشعبيته المتناقصة، وإنقاذاً لمستقبله السياسي، بصدق وعده الانتخابي بتحقيق الانسحاب.

ج. امتعاض الرأي العام: العربي والدولي، من ممارسات إسرائيل، وخاصة اعتداءاتها المتكررة على البنى التحتية اللبنانية.

د. اشتداد الجدل: السياسي والعسكري والإعلامي، في المأزق الصعب لجيش الدفاع الإسرائيلي في جنوبي لبنان. وقد تعددت الاقتراحات للخروج منه، إلا أن معظمها، سواء كانت لسياسيين أو عسكريين، إضافة إلى الرأي العام الداخلي في إسرائيل، ارتأت فكرة الانسحاب أحادي الجانب مما يُسمى منطقة الحزام الأمني، حلاً واقعياً وعملياً لمشكلة تزايد خسائر القوات الإسرائيلية في مناطق الجنوب اللبناني، وخاصة بعد أن ثبت فشل جيش لبنان الجنوبي، الموالي لإسرائيل، في توفير الحماية المطلوبة لمناطقها الشمالية.

هـ. الخسائر الإسرائيلية القاصمة، التي ناهزت 1580 قتيلاً و6485 جريحاً، على مدى 22 عاماً؛ وهو ما يفوق ما تكبدته في حرب الاستنزاف، بين عامي 1967 و1973 والتي أسفرت عن 650 قتيلاً؛ بل إنه يزيد على خسائرها في حرب 1967، والتي كانت 777 قتيلاً و2811 جريحاً على جبهات القتال المختلفة.

3. تسارع الأحداث والتعجيل بالانسحاب

لم تطمئن المقاومة بقرار إسرائيل الانسحاب من جنوبي لبنان في الأول من يوليه 2000، وإنما أمعنت في عملياتها؛ وتزايدت كذلك الضغوط الداخلية في إسرائيل؛ فعجلت به حكومتها، واستقدمته 6 أسابيع، ليكون في 24 مايو 2000. ومهدت له بإنشاء التحصينات الميدانية الواقية من القذائف الصاروخية، وتمديد كبول الاتصال على امتداد حدودها الشمالية، وإخلاء بعض المواقع العسكرية في الجنوب. أما جيش لبنان الجنوبي، فتُرك لمصيره.

قُبيل الانسحاب، ازدادت الاشتباكات حدة، بين المقاومة الإسلامية وجيش الدفاع الإسرائيلي، فقدِّرت خلال أبريل 2000 وحده، بنحو 598 اعتداء جوياً وبرياً. استهدف ذلك الحفاظ على تماسك القوات الإسرائيلية الموجودة في مناطق الجنوب اللبناني؛ والإيحاء بأن الانسحاب أُحادي الجانب، لم يكن نتيجة لهزيمة عسكرية إسرائيلية؛ والتوعد بعنف الرد الإسرائيلي على عمليات المقاومة، التي توجه إلى شمالي إسرائيل.

4. حقيقة الانسحاب

واجه لبنان، في مستوياته: الرسمية والحزبية والشعبية، إشكالات شتى، نجمت عن إعلان إسرائيل عزمها على انسحاب أحادي الجانب من مناطقه الجنوبية، اكتنفه كثير من الغموض. فإسرائيل ما ابتغت بانسحابها الأحادي الجانب إلا زيادة الموقف تعقيداً؛ ولبنان لا يمكن رفض التزامها تنفيذ قرار مجلس الأمن، الرقم 425. وقد طرح إشكالاته الآنفة في الآتي:

أ.  اقتران الانسحاب الإسرائيلي من جنوبي لبنان بإيجاد حل للمشكلة الأساسية للصراع اللبناني ـ الإسرائيلي، وهي مسألة اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية. وقد أبدى لبنان عجزه عن المحافظة على سلامة الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية وهدوئها، ما دامت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بلا حل، ولمّا تزل مؤثرة في مجريات الأحداث؛ إذ لا يمكنه التصدي للاجئين الفلسطينيين، عسكرياً، وخاصة الموجودين في مناطقه الجنوبية. ولذلك، بادر إلى مطالبة الأمم المتحدة بحماية تلك المناطق، قبل الانسحاب الإسرائيلي. وقرن إشكالية الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي برفضه القاطع للوجود الفلسطيني، بصورته الراهنة، في الأراضي اللبنانية؛ معلناً أنه لا بدّ من تهجير الفلسطينيين منها، حفاظاً على سلامته الداخلية، وتوازنه الطائفي الدقيق.

ب. احتلال إسرائيل الأراضي اللبنانية، لم يكن بتفويض دولي؛ ومن ثَم، فإن انسحابها منها، لا يتطلب إعمال قرار مجلس الأمن، الرقم 425. إضافة إلى أن لبنان لن يستطيع المحافظة على أمن إسرائيل، الذي لم تقوَ عليه هي نفسها؛ فآثرت الانسحاب، لتجنب الخسائر البشرية، الناجمة عن وجودها في الجنوب اللبناني.

ج. نقض إسرائيل، بانسحابها أحادي الجانب من جنوبي لبنان، ما عاهدت عليه سورية، منذ بدء محادثات السلام بينهما، أنها لن تسعى إلى فصل المسار السوري عن المسار اللبناني؛ مستهدفة فرض الأمر الواقع، وتجزئة المسارَين الآنفَين؛ ما يعارض رغبة لبنان عن الانفراد بمفاوضة الجانب الإسرائيلي، ورغبته في وجود سورية إلى جانبه، خلال المفاوضات.

كان اعتزام إسرائيل الانسحاب أحادي الجانب، وتطبيقها القرار الرقم 425، أثره في المواقف اللبنانية الداخلية، التي تمثلت في الآتي:

أ. انقسام الموقف اللبناني واتسامه بالصراحة الكاملة، وليس بالتزام مسؤول؛ لاعتقاد معظم اللبنانيين أن ذلك الانسحاب إنما هو مكر إسرائيلي، فتعاملوا معه بصفته سيناريو، يحتمل التنظير المطلق.

ب. تحرّج الموقف اللبناني: السياسي والإعلامي، وكذلك الموقف الشعبي؛ إذ لا يمكن رفض انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية؛ كما لا يمكن الاستجابة لبعض الآراء المطالبة بضرورة نشر الجيش اللبناني في الجنوب، إذا انسحبت إسرائيل فعلاً.

ج. استئناس لبنان إلى واقعة بكر في تاريخ إسرائيل، ألا وهي تعجُّلها انسحاباً أحادي الجانب، وتنفيذ قرار ضدها صادر عن مجلس الأمن؛ ما عُدَّ انتصاراً أمنياً للبنان، وفلاحاً للمقاومة الإسلامية.

رعى الانسحاب الإسرائيلي اتفاق غير مباشر، سعى فيه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، وطبقاً لقرار مجلس الأمن، الرقم 425؛ متمخضاً لإسرائيل بأول هزيمة عسكرية تكتيكية، ونجم عنها أن لبنان أصبح البلد الوحيد من دول الطوق، الذي طابقت حدوده العسكرية حدوده السياسية والإدارية؛ فضلاً عن أنه أصبح البلد الوحيد بين تلك الدول، الذي تمكن من تحرير أرضه، من دون اتفاق مباشر مع إسرائيل.

 



[1]  كفرشوبا: تقع في الجنوب اللبناني، وتمثل أحد الأماكن التي ما زالت تسيطر عليها إسرائيل.