إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية عسكرية / الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان




أحد مقاتلي حزب الله
مذبحة صابرا وشاتيلا


منطقة انتشار قوات الأمم المتحدة
مسار نهر الليطاني
انتهاكات إسرائيل في لبنان
الحزام الأمني وتمدد القوات الإسرائيلية



مقدمة:

ثامناً: تقويم الانسحاب

قوضت عملية الانسحاب أهم ركائز العقيدة الإسرائيلية العسكرية ومبادئها. فقد اعترى الشك مبدأ إسرائيل، نقل الحرب إلى أراضي العدوّ، وخاصة في المناطق المأهولة بالسكان، حيث تحسمها في مصلحتها. كذلك سقطت مقولة التفوق الإسرائيلي الكاسح، بشقّيه: التقليدي وغير التقليدي، وردعه العرب عن المبادرة إلى شن حروب، محدودة أو شاملة، على إسرائيل. ناهيك من عجز القوات الإسرائيلية الجوية، على اقتدارها وتمكّنها، عن حسم الصراع في جنوبي لبنان، وردع المقاومة عن الهجوم على القوات الإسرائيلية.

وكان للروح المعنوية العالية لمقاتلي المقاومة الإسلامية، على الرغم من محدودية أسلحتهم، دور حاسم في ثباتهم لجيش الدفاع الإسرائيلي، على يملكه من أسلحة متطورة وقدرات تكنولوجية عالية.

انحط مستوى قوات جيش الدفاع الإسرائيلي، جنوداً و ضباطاً، فتفشتهم أعراض الخوف، ورفض الخدمة في جنوبي لبنان؛ وظهر العديد من حركات الاحتجاج، التي نظمتها الجمعيات النسائية في إسرائيل. وقد أضعف كلّ ذلك من استعداد الجيش للتضحية والدفاع عن مواقعه وأسلحته.

لم يكن الانسحاب الإسرائيلي انسحاباً، وإنما اندحار مضطرب، خلّف العديد من الأسلحة والمعدات والمستودعات، وتمازجت فيه فرحة الهروب من مواجهة المقاومة، وغصة التقهقر الشائن، الذي فرضت توقيته وأسلوبه بهجماتها المتزايدة.

احتاطت إسرائيل لِما بعد الانسحاب من جنوبي لبنان، فبادر رئيس وزرائها، باراك؛ ومعه رئيس الأركان العامة، موفاز، إلى تهديد سورية وتحذيرها من استمرار المقاومة، أو استغلال الفصائل الفلسطينية الموقف الجديد، ولجوئها إلى انتشار في الجنوب اللبناني، يمكنها من تنفيذ عملياتها العسكرية داخل إسرائيل.

وأكد تقرير الخبير العسكري الإسرائيلي، الدكتور م. هيبي، اندحار إسرائيل في جنوبي لبنان، وانهزامها هزيمة نكراء، لم تلحق بها طوال فترة الصراع العربي ـ الإسرائيلي. ولقد استند رأيه إلى الحقائق التالية:

1. إنذار رئيس الأركان العامة الإسرائيلية، شاؤول موفاز، في اجتماع مجلس الوزراء المصغر، الذي عُقد قبل الانسحاب مباشرة، بأنه سيستقيل، بسبب الشروع في إصدار قرار الانسحاب والتعجيل بتنفيذه؛ الأمر الذي سيُعدّ هروباً.

2. إشارة التقرير الصادر عن وحدة البحث النفسي، التي يشرف فيها ضابط الصحة الرئيسي، في جيش الدفاع الإسرائيلي، إلى الآثار المدمرة للانسحاب غير المنظم في معنويات القوات الإسرائيلية، التي ستسري إلى أي عمليات عسكرية في المستقبل، ولو كان التفوق للجانب الإسرائيلي؛ لأن كلّ عوامل الردع، قد سقطت.

3. انهيار جيش لبنان الجنوبي وفرار رجاله إلى إسرائيل، التي كانت قد أنشأته ليرسخ سيطرتها في مناطق الجنوب، ويوفر الحماية لمستعمراتها الشمالية،  فقد تخل ذلك الجيش عن أسلحته ومواقعه، في القطاع الأوسط ومنطقة بنت جبيل، ولم يصمد أمام اندفاع المقاومة الإسلامية؛ وبذلك، يكون قد تقوض ركن أساسي في الإستراتيجية الإسرائيلية الأمنية.

4. خشية كلّ من رئاسة الأركان والاستخبارات الإسرائيلية العسكرية، أن يؤثر انهيار الوجود العسكري في جنوبي لبنان في أوضاع الضفة الغربية[1] وقطاع غزة[2]، وكذلك في الوجود الفلسطيني في لبنان.

وأكد الجنرال عاموس مالكا، رئيس جناح الاستخبارات العسكرية "أمان"، أن زهاء ستة آلاف مقاتل فلسطيني، تتوزعهم منظمات، تدعمها سورية؛ وقد تؤازر تلك المنظمات المقاومة الإسلامية، خلال إستراتيجية هجومية، ربما لا تتوقف، حتى بعد اكتمال الانسحاب. كما لفت إلى تأثير طريقة الانسحاب في الحالة النفسية للجنود؛ فضلاً عن تأثيرها في المستوطنين اليهود في منطقة الجليل، الذين سيطر عليهم الرعب والخوف.

أمّا الدكتور مناحم تسوكير، الذي يُعد من أبرز الخبراء الإسرائيليين في الشؤون: العسكرية والإستراتيجية، فقد رأى الآتي:

1. أن الانسحاب من جنوبي لبنان، كان عملية هروب مهينة، سيكون لها تأثيرها في الروح المعنوية وإرادة القتال لدى القوات الإسرائيلية.

2. أن الجيش الإسرائيلي، كان يرغب في الانسحاب من جنوبي لبنان، منذ نهاية الثمانينيات؛ إلا أن تعنّت القيادات السياسية، وتمسّكها باستبعاده، أسفر عن ذلك الهروب المزري.

3. أن الجيش الإسرائيلي، الذي كان يُعَدّ من أفضل جيوش العالم، تنظيماً وتسليحاً، قد هزمه مقاتلو حزب الله، الذين طالما تجنب مواجهتهم؛ وبذلك، يكون قد فشل في تجسيد قدرته على الحسم.

4. أن عجز قوات جيش الدفاع الإسرائيلي عن توصيل الإمدادات والاحتياجات إلى قواته في الجنوب، تجنّباً لمخاطر ذلك ـ سيزداد في حروب المستقبل، سواء كانت ضد قوات نظامية أو غير نظامية. كما أن الثغرات، التي كشفتها عملية الهروب، والتي تمثلت في انسحاب غير منظم، وترك الأسلحة والعتاد، وحسبان النجاة من المقاومة فوزاً ـ تؤكد تردي القوات الإسرائيلية، على المستويات كافة.

1. المكاسب والخسائر الإسرائيلية

انطوى قرار إسرائيل الانسحاب من جنوبي لبنان، على العديد من المكاسب والخسائر، تمثلت في الآتي:

أ. إنهاء حالة الحرب في شمال إسرائيل، والتي كانت دائرة منذ عام 1985، والحدّ من حالة التوتر التي سادت الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية.

ب. حرمان سورية الضغط على إسرائيل، باستخدام الورقة اللبنانية، وفق مبدأ تلازم المسارَين: السوري واللبناني.

ج. اكتساب إسرائيل قدراً من تأييد المجتمع الدولي، وخاصة أنها انسحبت طواعية من الجنوب اللبناني.

د. الخسارة الأكثر فداحة لإسرائيل، هي إقرارها بالهزيمة في حرب الجنوب، حيث فرت قواتها من ساحة المواجهة.

هـ. معاناة إسرائيل غموض الموقف الأمني ـ العسكري في الجنوب اللبناني.

و. اضطرار إسرائيل، في سياق انسحابها من الجنوب اللبناني، إلى التخلي عن حلفائها التابعين لجيش لبنان الجنوبي، وقصر اهتمامها على كبار قادته.

2. ترتيبات الأمن الإسرائيلية، فترة ما بعد الانسحاب

جهدت إسرائيل في البحث عن آليات جديدة، تؤمّن حدودها، وتحدّ من آثار العمليات العسكرية في مستعمراتها الشمالية، في فترة ما بعد الانسحاب من الجنوب اللبناني. فعمدت إلى نشر قواتها، بكثافة عالية، في مناطق الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية. وحرصت على أن تكون حدودها هي تلك التي تضمنها خطاب أمين عام الأمم المتحدة، كورت فالدهايم، المعروفة بالخط البنفسجي؛ مستهدفة تعزيز وسائل الحماية والدفاع عن الحدود الإسرائيلية والمستوطنات الشمالية.

دمرت القوات الإسرائيلية جميع المواقع والتحصينات العسكرية، التي كانت تستخدمها في منطقة الحزام الأمني المحتل في الجنوب اللبناني؛ لتحرم أيّ قوات لبنانية الاستفادة منها في تنفيذ عمليات هجومية على القوات الإسرائيلية. فلم تبقِ على أيّ مبنى أو تحصين، ودمرت معدات مواقعها وأجهزتها، عد تلك الحديثة المتطورة، التي أخلتها منها.

انتهجت إسرائيل خطة لإعادة الانتشار العسكري، وتعزيز المواقع الدفاعية، خلال مرحلتَين:

أ.  المرحلة الأولى: مواجهة التهديدات الفورية المحتملة، في فترة ما بعد الانسحاب. وانتهت هذه المرحلة في يوليه 2000. واستهدفت نقل خط الدفاع من جنوبي لبنان إلى خط الحدود الإسرائيلية ـ اللبنانية نفسه. وخُصِّصت هذه المرحلة بنحو 300 مليون شيكل.

ب. المرحلة الثانية: تعزيز المواقع الدفاعية، ببناء عشرات المواقع المحصنة الجديدة، غير المكشوفة.

هكذا، تمثلت ترتيبات إسرائيل الأمنية الجديدة، في مناطقها الشمالية، في توفير أقصى درجات الحماية، من خلال بناء خطوط دفاعية ثابتة في مناطق الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية، تكونت من تحصينات ومواقع عسكرية مجهزة بأحدث الأسلحة والمعدات القتالية؛ يقيناً منها بأنها أنها الوسيلة الأكثر فاعلية للحماية من العمليات العسكرية، في المستقبل.

 



[1]  الضفة الغربية : إحدى المناطق الفلسطينية، التي سقطت في أيدي القوات الإسرائيلية، عقب حرب 1967، وكانت من قبل تحت الإدارة الأردنية.

[2]  قطاع غزة: قطاع فلسطيني، كان يقع تحت الإدارة المصرية إلى أن سقط في يد القوات الإسرائيلية، عقب حرب 1967، فأصبح ضمن المناطق الفلسطينية المحتلة.