إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / القدس (سياسياً... وتاريخياً... ودينياً)




وثيقة الأمان العمري
باب ستنا مريم
قبة الصخرة

مملكتي اليهودية وإسرائيل
إنشاء الوحدات السكنية في المستعمرات
مجسم لقبة الصخرة
مجسماً لمدينة إيليا كابيتولينا
الأطواق الاستيطانية حول القدس
الاستيطان اليهودي
الحفريات حول الحرم الشريف
القدس والنفق ـ الأزمة
القدس والانتداب البريطاني
القدس تحت الاحتلال البريطاني
القدس في الثمانينيات
القدس في التسعينيات
القدس في الخمسينيات
القدس في الستينيات
القدس في السبعينيات
خطة الأمم المتحدة للقدس
فلسطين في عهد سليمان وداود

الأوضاع النهائية في فلسطين
الأراضي المصادرة في القدس
القدس منذ عام 1967
القدس بين عامي 1949-1967
قرار تقسيم فلسطين



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الرابع

القضية وأبعادها الدينية

    قد يكون من الضروري تناول بعض القضايا الخلافية، التي تتعلق بموضوع القدس، والعرب، مسلمين ومسيحيين، لا يتناولون تلك المسائل من المنظور الديني البحت فقط. كما أنهم لا يتعالون على الشعوب الأخرى، ولا يرتبون لأنفسهم حقوقاً عليها، على أساس أنهم ساميون؛ فهُم من نسل إسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما السلام ـ الذي لم يكن هو أو أبناؤه (إسماعيل ـ إسحاق ـ يعقوب) وكذلك أبناؤهم يهوداً أو عبرانيين، والتسمية العبرية لهم خطأ، لأنهم مؤمنون موحِّدون مسلمون. غير أن اليهود يدينون بشيء آخر، تعود مواثيقه إلى كتب وأسفار، أثبت العديد من الدراسات الموثقـة تحريفهـا عبر العصـور، والمثـال على ذلك ما تحدث به ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion، في أوائل الخمسينيات، عن الصهيونية وفلسفتها، حين قال إنها: "تستمد وجودها وقوّتها من مصدر عميق عاطفي دائم، مستقل عن الزمان والمكان، وهو قديم قدم الشعب اليهودي نفسه"، وأشار إلى أن هذا المصدر، هو الوعد الإلهي وأمل العودة. ويرجع هذا الوعد إلى قصة اليهودي الأول، الذي أبلغته السماء أن: "سأعطيك، ولذريتك من بعدك، جميع أرض كنعان، ملكاً أبدياً لك". وهذا الوعد بوراثة الأرض، رأى اليهود فيه جزءاً من ميثاق دائم، تعاهدوا مع إلههم على تنفيذه وتحقيقه.

    هذا عن الوعد. أما عن الشعب المختار وعن الحق، من وجهة نظر اليهود، فهو ما يتفق وأهواءهم ومصالحهم. وأما ما سوى ذلك، فهو ليس بحق، بل هو زعم باطل.

    فالرب هو إله بني إسرائيل، وحدهم، الذي جعلهم شعباً مختاراً. أما بقية الشعوب، فقد قسم لها الرب، من وجهة نظر اليهود، آلهة أخرى تعبدها، وتتقرب إليها، حتى لا تشارك اليهود مجدهم. ذلك هو مفهوم الحق في العقيدة عند اليهود، كما تشير إليه أسفارهم: "وَلئَلاَّ ترفع عينيك إلى السماء، وتنظر الشمس والقمر والنجوم، كل جند السماء، التي قسمها الرب إلهك لجميع الشعوب، التي تحت كل السماء، فتغتر وتسجد لها وتعبدها. وأنتم قد أخذكم الرب وأخرجكم من كور الحديد من مصر، لكي تكونوا له شعب ميراث كما في هذا اليوم".

أولاً: المرجعيات الدينية اليهودية

    جاء في دائرة المعارف الأمريكية: "إن العهد القديم، يتكون، حسب عقيدة البروتستانت، من 39 سِفراً، عدا ملحق، يعرف بالأبوكريفا Apocrypha، أي الأسفار المحذوفة. على حين تضيف الطوائف الأخرى، مثل الكاثوليك والإنجيليين والكنائس الأرثوذكسية، تلك الأسفار المحذوفة (وعددها 14 سفراً) إلى أسفار العهد القديم. وبذلك يصبح مجموع أسفاره 53 سفراً.

    والشائع بين اليهود، هو أن الأسفار الخمسة الأولى، بنتاتشو Pentateuch، المنسوبة إلى موسى ـ u تكوِّن الجزء الأول من الأسفار، وتعرف بالتوراة أو الناموس. على حين تكوَّن الكتب التاريخية الجزء الثاني، وتعرف بكتب النبوات أو الأنبياء. أما الجزء الثالث، فيعرف بالكتب. أي أن العهد القديم، يتكوِّن من الناموس والأنبياء والكتب".

1. كيف صارت كتب العهد القديم أسفاراً مقدسة

    كان هناك نشاط أدبي بين الإسرائيليين، منذ عهد مبكر. فسجلوا تقاليدهم القبلية، وقوانين الجماعة الإسرائيلية، إلى جانب الأغاني الشعبية وترانيم العبادة، وما يَنطق به الكهنة والأنبياء من كهانة ووحي. كما سجلوا حِكم شيوخهم وأقوالهم وسلوكهم والأحداث التاريخية المهمة. ومن الواضح، أن كل ما سجلوه، لم يكن مختصاً بالمسائل الدينية. ولكن بعد أن استقرت حياة الطائفة الإسرائيلية، بدأت تظهر ركائز لحياتها العقائدية. وبهذا، أُعطيت هذه العناصر وقاراً خاصاً، تفردت به، وتحولت، بذلك، إلى كتابات مقدسة. ولا شك أن الكُتّاب الأصليين لهذه الكتب، لم يدُر بخلدهم، أن ما كتبوه وسجلوه، سيكون له، في يوم من الأيام، مثل هذه القداسة في حياة الطائفة الإسرائيلية.

    كتُبت أسفار العهد القديم باللغة العبرية، عدا بعض الكلمات والتعبيرات والأسماء، كما جاء في إصحاحات الأسفار. فكل هذه الإصحاحات كتبت بالآرامية. وقد كانت اللغة العبرية هي لغة مملكتَي إسرائيل ويهوذا، حتى السبي البابلي. بينما كان يهود ما بعد السبي، وإن احتفظوا بالعبرية لغة مقدسة، يتكلمون الآرامية، وهي اللغة التي كانت سائدة، آنذاك، في غربي آسيا. ومن المعلوم أن كلاً من العبرية والآرامية تنتمي إلى عائلة واحدة، أو مجموعة متجانسة من اللغات، تعرف بمجموعة اللغات السامية. وتنقسم هذه المجموعة إلى:

أ. مجموعة شرقية: وهي الآشورية ـ البابلية، وتعرف بالأكدية.

ب. مجموعة جنوبية غربية: وهي العربية والأثيوبية.

ج. مجموعة شمالية غربية، وهي الفينيقية والمؤابية والعبرية والآرامية والسريانية.

    ولذلك، يعَدّ العهد القديم كتاباً غير متجانس، إذ إنه مجموعة من الوثائق، تكوَّنت خلال فترة تزيد على الألف عام، على يد رجال لهم تراث لغوي متعدد. ذلك أن اللغة العبرية، التي كُتبت بها أسفار العهد القديم، هي في الواقع لغة خليط في أصلها وتطورها، حيث لم تكن لغة نقية، وتلك هي النتيجة التي تخلُص إليها الدراسات اللغوية لكتب العهد القديم.

        وعلى مدى القرون الطويلة، التي كُتبت خلالها أسفار العهد القديم، نجد أن نصوصه، نسخت مراراً، وأعيدت كتابتها باليد. وقد حدثت أخطاء في عملية النسخ، إما بسبب عدم القدرة على قراءة النصوص قراءة صحيحة، أو العجز عن سماع النطق صحيحاً، حين كان يُمْلى على الكاتب، أو بسبب شعور الكاتب نفسه بالتعب، أو عجزه عن فهْم ما كان يكتبه، أو حتى بسبب إهماله. وكان يحدث، أحياناً، أن تضاف إلى النص بعض المواد، التي كتبت كهوامش له.

        كما تقول دائرة المعارف البريطانية " إن التقويم التاريخي لأحداث العهد القديم، قد صار، لاعتبارات كثيرة، أمراً غير موثوق به. فقبل قيام المملكة، لم تكن الظروف تسمح بعمل تقويم تاريخي يعتمد عليه. وفي واقع الأمر، فإن تاريخ الأحداث القديمة، قد أضيف بعد قرون عديدة من وقوعها، ودرجة الدقة فيها مظهرية فقط. وحتى بعد تكوين المملكة، فإن الأخطاء تسربت في الأرقام، بحيث صار الخطأ في تواريخ الأحداث نحو بضع عشرات من السنين".

        يرتكز الواقع اليهودي، منذ زمن طويل، وتحديداً من اللحظات الأولى، التي بدأ فيها "تيودور هرتزل Theodor Herzl" التفكير في إنشاء دولة إسرائيل، على أسانيد ومرتكزات عدة، تدّعي بها اليهودية (بل الصهيونية) حقها في ما ترتكبه من آثام وتجاوزات. وللوقوف على حقيقتَي الصهيونية وإسرائيل، لا بد من معرفة ما تحتويه أسانيدهما، التي تتمثل في التوراة والتلمود والبروتوكولات الماسونية.

2. العهد القديم

    يعُدّ الإسلامُ اليهودَ هم أصحاب التوراة، التي هي كتاب سماوي، نزل على نبيهم ـ موسى ـ عليه السلام ـ وقد وصف القرآن هذا الكتاب بأنه هدى ورحمة ونور. قال تعالى: ]إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوْا النَّاسَ وَاخْشَوْنِي وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُون[ (سورة المائدة: الآية 44). 

   ولكن أين الآن تلك التوراة، التي أنزلها الله على موسى؟ وأين هي التوراة، التي تحمل هذه الأوصاف؟ لا أحد يعرف أين توجد تلك التوراة. والذي يُعْرف الآن هو العهد القديم. ويضم هذا العهد تسعة وثلاثين سفراً، قسمت إلى ثلاثة أقسام: التوراة (أي الناموس)، والأنبياء والكتب.

    القسم الأول، التوراة: وهي أسفار موسى الخمسة (وهي التكوين، والخروج، واللاويون، والعدد، والتثنية).

    القسم الثاني، الأنبياء: قسمان: الأوائل والأواخر.

    القسم الثالث، الكتب: وهي المزامير والأمثال وأيوب، وما ذكر بعدها.

    أ. القسم الأول: التوراة/ الناموس/ أسفار موسى الخمسة

    تُعرف باسم "التوراة" أو "شريعة موسى". وهي تحتوي على الشرائع والقوانين والطقوس والوصايا، التي أوصى الله بها موسى. كما تضم أخباراً تاريخية عن بني إسرائيل. وتتألف التوراة من خمسة أسفار، هي:

(1) سفر التكوين Genesis: الذي يهتم بوصف الخليقة وأصل الشعب الإسرائيلي، كما يتناول وصفاً لحياة إبراهيم وإسحاق ويعقوب.

(2) سفر الخروج Exodus: ويروي تاريخ العبرانيين في مصر، وخروجهم منها، ووصولهم جبل سيناء.

(3) سفر اللاويين Leviticus: لاوي (ليفي) أحد أسباط إسرائيل الاثنى عشر. واللاويون خلفاؤه الذين نصّبهم موسى، ليخدموا في خيمة الاجتماع، مكافأة لهم على رفضهم الاشتراك في عبادة العجل الذهبي. وقد وُكلت كل عائلة من سبط لاوي بمهام وواجبات محددة، تتصل بنقل وجمع أجزاء خيمة الاجتماع إلى البرية.

(4) سفر العدد Numbers: وفيه تعداد رؤساء الشعب وحاملي السلاح. ويروي قصة ترحال الشعب مع موسى أربعين سنة، بداية من جبل سيناء إلى أن وصلوا بالقرب من أرض كنعان.

(5) سفر التثنية Deuteronomy: أو تثنية التشريع (الاشتراع)، أي إعادة الشريعة، وتكرارها على بني إسرائيل مع التأكيد على تطبيقها.

ب. القسم الثاني: الأنبياء، وينقسم إلى جزءين

(1) الأنبياء السابقون، ويتكون من أسفار: يشوع، القضاة، صموئيل (الأول والثاني)، الملوك (الأول والثاني).

(2) الأنبياء المتأخرون، ويتكون من أسفار: إِشعياء، وإِرميا، وحِزَقِيَال، والاثني عشر نبياً الأصاغر (هوشع ـ يؤئيل ـ عاموس ـ عوبديا ـ يونان ـ ميخا ـ ناحوم ـ حبقوق ـ صفنيا ـ حجي ـ زكريا ـ ملاخي).

ج. القسم الثالث: الكتب، وهي تتكون من

(1) المزامير، والأمثال، وأيوب.

(2) راعوث، ونشيد الأنشاد، والجامعة، ومراثي إِرميا، وأستِير.

(3) دانيال، وعزرا، ونحميا، وأخبار الأيام (الأول والثاني).

    وقد اكتسب كل من الأجزاء الثلاثة الرئيسية للعهد القديم صبغته القانونية (مصداقيتها) على مدى قرون طويلة، بيانها كالآتي: (اكتمل للناموس شرعيته حوالي عام 400 ق. م، والأنبياء حوالي عام 200 ق . م. وأما الكتب فكانت حوالي عام 90 ميلادية).

    وإذا كانت تواريخ تلقّي موسى ـ عليه السلام ـ التوراة تراوح بين 1290 و1250 ق.م، كما يقدر المؤرخون، صار من الواضح أن أسفار (الناموس) التي وصلتنا، استغرقت أكثر من ثمانية قرون، حتى اكتمل بناؤها، وأخذت صورتها القانونية (مصداقيتها). ولا يختلف الحال كثيراً بالنسبة إلى (الأنبياء) و(الكتب)، فكلاهما استغرق قروناً عدة ليكتسب قانونيته (مصداقيته).  

3. التلمود

أ. تعود جذور اليهود وينابيعهم إلى عهود سابقة. فإذا شئنا أن نفهم حقائق اليهود في القرن العشرين، فعلينا أن نفهم حقائقهم منذ كانوا، ومنذ كانت التوراة، قبل عشرات القرون. وأن نفهم التلمود الذي وضع نهائياً بعد انتهاء أسفار التوراة بعدة قرون، والقبالة من التلمود وحكماء صهيون وبروتوكولاتهم. وهذا يرجع بجذوره إلى التلمود.

ب. ماهية التلمود: كتاب (ديانة اليهود وتعاليمهم وآدابهم). وهو كتاب مقدس لدى اليهود الربانيين. ولا يؤيده القراءون ولا السامرة. وقد كتب بعد موسى بقرون عدة. أما التوراة، فقد كتبت بعد موسى بثمانمائة سنة على الأقل.

ج. مصادر التلمود

(1) تلمود أورشليم، وهو الذي كان موجوداً في فلسطين سنة 230م.

(2) تلمود بابل، وهو الذي كان موجوداً فيها سنة 500 بعد المسيح.

د. ويوجد في نسخ كثيرة من التلمود، المطبوع في المائة سنة الأخيرة، مساحة بيضاء أو رسم دائرة، بدلاً من ألفاظ السباب في حق المسيح والعذراء والرسل. وهي ألفاظ كانت مكتوبة في النسخ الأصلية. ومع هذا، فإن النسخ المشار إليها من التلمود، لم تخلُ من طعن في المسيحيين. إن كل ما جاء في التلمود في خصوص باقي الأمم غير اليهود، كذكر أجانب أو وثنيين، فالمراد به المسيحيون. ولما اطلّع المسيحيون على ألفاظ السباب تلك، هالهم الأمر وتذمروا من اليهود، فقرر المجمع الديني لليهود، وقتئذِ، أن تترك مساحة بيضاء مكان هذه الألفاظ، أو تُعلّم بدائرة، وهذه التعاليم تدرّس في مدارسهم فقط.

4. الوصايا العشر/ الكلمات العشر

    عقب خروج بني إسرائيل من مصر، تلقّى موسى الوصايا العشر. وكان ذلك هو العهد الإلهي لموسى وبني إسرائيل، وميثاقه الذي واثقهم به.

    فانصرف موسى، ونزل من الجبل، ولوحا الشهادة في يده. لوحان مكتوبان على جانبيهما من هنا، ومن هنا كانا مكتوبين، واللوحان هما صنعة الله، والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين. وكان عندما اقترب إلى المحَلةِ أنه أبصر العجل والرقص. فحمي غَضبُ موسى وطرح اللوحين من يديه، وكسرهما في أسفل الجبل، وأحرق العِجل. ثم طلب الله من موسى نحت لوحين آخرين: "ثم قال الرب لموسى، انحت لك لوحين من حجر، مثل الأولين. فأكتب أنا على اللوحين الكلمات، التي كانت على اللوحين الأولين، اللذين كسرتهما". ويؤيد القرآن الكريم ما جاء في التوراة في شأن الألواح، فيقول الله تعالى: ]وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الألْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ[ (سورة الأعراف: الآية 154).

    صعد موسى إلى الجبل، وكتب عهد الرب، معه ومع بني إسرائيل. فكتب على اللوحين كلمات العهد، الكلمات العشر (الوصايا العشر). ويذكر القرآن الكريم ما كتب في الألواح في قوله تعالى: ]وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 145)، ويعدد لنا ابن خلدون هذه الكلمات العشر في "كلمة التوحيد، والمحافظة على السبت بترك الأعمال فيه، وبر الوالدين ليطول العمر، والنهي عن القتل والزنا والسرقة وشهادة الزور، ولا تمتد عين (أحدكم) إلى بيت صاحبه أو امرأته أو لشيء من متاعه، هذه الكلمات العشر تضمنتها الألواح".

    "قال الرب لموسى، اكتب لنفسك هذه الكلمات. لأنني بحسب هذه الكلمات، قطعت عهداً معك ومع إسرائيل. وكان هناك عند الرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة، لم يأكل خبزاً، ولم يشرب ماء. فكتب على اللوحين كلمات العهد: الكلمات العشر (الوصايا العشر)، وهي:

           ثم تكلم الله بجميع هذه الكلمات قائلاً:

1.      "أنا الرب إلهك، الذي أخرجك من أرض مصر، من بيت العبودية، لا يكن لك آلهة أخرى أمامي.

2.   لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً، ولا صورة ما، مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك، إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء، في الجيل الثالث والرابع من مُبغضي، وأصنع إحساناً إلى ألوف من محبي وحافظي وصاياي.

3.      لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً، لأن الرب لا يُبرئ من نطق باسمه باطلاً.

4.   اذكر يوم السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك. لا تصنع عملاً ما أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي دخل أبوابك. لأن في ستة أيام صنع الرب السماء والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع. لذلك بارك الرب يوم السبت وقدسه.

5.      أكرم أباك وأمك. لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك.

6.      لا تقتل.

7.      لا تزن.

8.      لا تسرق.

9.      لا تشهد على جارك شهادة زور.

10. لا تشته بيت قريبك لا تشته امرأة قريبك، ولا عبده، ولا أمَته، ولا ثوره، ولا حماره، ولا شيئاً مما لقريبك".

    وتبين التوراة، بما لا يدع مجالاً للشك أو التأويل، أن تحقيق عهد الله لبني إسرائيل، متوقف فقط على تحقيق عهدهم معه ـ سبحانه. أما في حالة نقضهم العهد، ونكثهم الميثاق، فإنهم يتعرضون لأشد الضربات، ومن بينها اقتلاعهم من أرض كنعان، وتشريدهم بين الأمم، أذلة صاغرين، بل تحميل الذرية الإسرائيلية خطايا آبائهم السابقين، ومعاقبتهم عليها، من دون أدنى اعتبار لكونهم ذرية إبراهيم. ويؤيد ما ورد في سفر اللاويين ذلك، كما يلي:

    "إذا سلكتم في فرائضي، وحَفظِتمُ وصايايَ، وعمِلتم بها: أُعطي مطركم في حينه، وتُعطي الأرض غلتها وتعطي أشجار الحقل ثمارها. ويلحق دراسكم بالقطاف ويلحق القطاف بالزرع فتأكلون خبزكم للشبع، وتسكنون في أرضكم آمنين. وأجعل سلاماً في الأرض، فتنامون وليس من يزعجكم. وأبيد الوحوش الرديئة من الأرض ولا يعبر سيف في أرضكم وتطردون أعداءكم فيسقطون أمامكم بالسيف. يطرد خمسة منكم مائة ومائة منكم يطردون ربوة ويسقط أعداؤكم أمامكم بالسيف وألتفت إليكم وأثمركم، وأكثركم وأفي ميثاقي معكم فتأكلون العتيق المعتق وتخرجون العتيق من وجه الجديد وأجعل مسكني في وسطكم ولا ترذلكم نفسي، وأسيرُ بينكم وأكونُ لكم إلهاً وأنتم تكونونَ لي شعباً.

    لكن إن لم تسمعوا لي، ولم تعملوا كل هذه الوصايا. وإن رفضتم فرائضي، وكرهت أنفسكم أحكامي، فما عملتم كل وصايايَ، بل نكثتم ميثاقي، فإني أعمل هذه بكم:

    أسلط عليكم رعباً وَسِلاً وحمى تفني العينين وتتلف النفس. وتزرعون باطلاً زرعكم فيأكله أعداؤكم وأجعل وجهي ضدكم فتنهِزمون أمَامَ أعدائِكم ويتسلطُ عليكم مبغِضُوكم وتَهربونَ وليس من يطرُدُكم. وإن كنتم مع ذلك لا تسمعون لي أزيد على تأديبكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. فأحطم فخار عزكم وأُصيّر سماءكم كالحديد، وأرضكم كالنحاس، فتفرغ باطلاً قوتكم وأرضكم لا تعطي غلتها وأشجار الأرض لا تعطي أثمارها. وإن سلكتم معي بالخلاف ولم تشاءوا أن تسمعوا لي أزيد عليكم ضربات سبعة أضعاف حسب خطاياكم. أُطلقُ عليكم وحوش البرية فَتُعدِمُكُمُ الأولاد وتقرِض بهائِمكُم وتُقللكم فتوحش طرقكم. وإن لم تتأدبوا مني بذلك بل سلكتم معي بالخلاف فإني أنا أسلك معكم بالخلاف وأضربكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. أجلب عليكم سيفاً ينتقم نقمة الميثاق فتجتمعون إلى مدنكم وأرسل  في وسطكم الوَبَاء فتدفعون بيد العدو بكسري لكم عصا الخبز تخبز عَشَرُ نساء خبزكم في تنور واحد ويرددن خبزكم بالوزن فتأكلون ولا تشبعون. وإن كنتم بذلك لا تسمعون لي بل سلكتم معي بالخلاف فأنا أسلك معكم بالخلاف ساخطا وَأُوَدِ بكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم. فتأكلون لحم بَنِيكُم ولحم بناتكم تأكلون. وأخرب مرتفعاتكم وأقطع شمساتكم وألقي جثثكم على جثث أصنامكم وترذلكم نفسي. وأصير مدنكم خربة ومقادسكم موحشة ولا أشتم رائحة سروركم. وأوحش الأرض فيستوحش منها أعداؤكم الساكنون فيها. أذريكم بين الأمم، وأجرد وراءكم السيف فتصير أرضكم موحشة ومدنكم تصير خربة. حينئذ تسبت الأرض وتستوفي سبوتها. كل أيام وحشتها تسبت ما لم تسبته من سبوتكم في سكنكم عليها. والباقون منكم أُلقي الجبانة في قلوبهم في أراضي أعدائهم فيهزمهم صوت ورقة مندفعة فيهربون كالهرب من السيف ويسقطون وليس طارد. ويعثر بعضهم ببعض كما من أمام السيف وليس طارد ولا يكون لكم قيام أمام أعدائكم. فتهلكون بين الشعوب وتأكلكم أرض أعدائكم. والباقون منكم يفنون بذنوبهم في أراضي أعدائكم. وأيضاً بذنوب آبائهم معهم يفنون".

5. تابوت العهد

    تحددت مع موسى، في أرض سيناء، النواة الأولى لتابوت العهد، الذي سيحوي الألواح. ويقدّر بنو إسرائيل قدسيته، فيحملونه أينما ذهبوا، ويحافظون عليه داخل هيكلهم، ذلك الهيكل الذي وضحت معالمه الأولى في سيناء أيضاً. فقد أعطى الله موسى لوحَي العهد، وطلب منه صناعة تابوت، توضع فيه هذه الشهادة. وقد أوردت التوراة وصفاً دقيقاً لهذا التابوت، وبعض الملحقات الأخرى، مثل المائدة والمنارة، والمسكن، والمذبح، ليكون كل ذلك في خيمة الاجتماع، التي أمر الله موسى بإقامتها في سيناء، لعبادته.

6. هيكل سليمان

    الهيكـل هو بيت الرب، وهو المعبد والمكان الذي يتعبد فيه اليهود. وكان الهيكل الأول هو هيكل موسى ـ عليه السلام ـ على شكل خيمة الاجتماع، أقامها كبيت للرب ولعبادته. وقد أقام سليمان ـ u هيكله على شكل خيمة موسى ـ عليه السلام ـ وان كانت مساحته ضعف مساحتها. وقد بدأ بناءه في السنة الرابعة من ملكه (عام 968 ق . م) وهي السنة الأربعمائة والثمانون لخروج بني إسرائيل من مصر، واستغرق بناؤه سبع سنين، لينتهي في السنة الحادية عشرة من ملكه.

    كان طوله ستين ذراعاً وعرضه عشرين ذراعاً. وأمامه رواق طوله عشرون ذراعاً وعرضه عشرة أذرع. وأنشأ سليمان في وسط البيت، من الداخل، محراباً، أي قدس الأقداس، ليضع فيه تابوت العهد، وغشّى البيت، من الداخل، بالذهب الخالص. وقد أقيم عمودان من النحاس في رواق الهيكل (الأيمن سمى ياكين، والأيسر سمي بوعز).

    كما أقيمت عشر قواعد من النحاس، خمس إلى يمين البيت، وخمس إلى يساره، لتوضع عليها تماثيل الأسود والثيران. وقد وضع في المحراب/ قدس الأقداس: تابوت عهد الرب، الذي به الوصايا العشر، المائدة التي خبز عليها الوجوه (صنعها من الذهب)، عشر منائر أمام المحراب (خمس إلى اليمين، وخمس إلى اليسار)، مذبح للبخور مغشي بالذهب.

    وقد توفي سليمان ـ عليه السلام ـ في عام (695 ق . م). ونتيجة لانقسام أبنائه من بعده، احتل "شيشنق الأول"، ملك مصر، (الأسرة 22 من 950 ـ 730 ق.م)، أورشليم/ القدس، حوالي عام (920 ق . م)، وقام ودمر الهيكل الذي بناه سليمان، فكان أول تدمير لهذا الهيكل.

7. البراق/ حائط البراق/ حائط المبكى

    وهي تسميات لمسمى واحد. فبينما يسميه المسلمون "البراق" أو "حائط البراق"، يسميه اليهود "حائط المبكى"، وهو المكان الذي وصل إليه الخليفة عمر بن الخطاب، عند فتحه القدس سنة 636م، وكان طوله نحو 30 متراً. ومع أنه وقف إسلامي، لم يحاول المسلمون منع اليهود أداء شعائرهم الدينية عنده. وخلال فترة الانتداب البريطاني، كان اليهود يحضرون المقاعد والحصر والمصابيح والستائر إلى الساحة الواقعة أمام حائط المبكى. وقد ادّعوا، أخيراً، ملكية هذا الوقف الإسلامي. وعمل المسلمون على منعهم، ونشبت معارك شديدة بين الطرفين سنة 1929. وكان أول ما فعله اليهود عند دخولهم القدس، سنة 1967، أن هدموا (حي المغاربة) بالجرافات، وهدموا الكثير من المباني التابعة للوقف الإسلامي، بغية توسيع ساحة حائط البراق (حائط المبكى)، مدعين أن حائط البراق هو بقايا من سور الهيكل، ومن ثم، يطلقون عليه حائط المبكى.

    وتأتي التسمية الإسلامية (البراق) للحائط، لأن الرسول ـ e لمّا أُسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ربط الدابة (تسمى البراق) التي حملته في رحلته عنده.

    ويُمثل حائط البراق الجزء الجنوبي من جدار الحرم الشريف. ويبلغ طوله الحالي 50 متراً، وارتفاعه 20 متراً. ويُعد من الأملاك الإسلامية، لأنه يشكل جزءاً من الحرم القدسي الشريف، وله علاقة وطيدة بإسراء النبي ـ e.

    وقد أيّد المِلْكيةَ الإسلامية لهذا الجدار تقرير هيئة عالمية، شُكلت خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، وقدمت تقريراً بذلك، سنة 1930.

8. أزمة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس

أ.   وقعت الحكومة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، عقد إيجار، يعطي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، حق تملك عقار في تل أبيب، وحق "استئجار" عقار في "مدينة القدس"، لكي تقيم عليهما الولايات المتحدة الأمريكية، مبنيين، يكونا مقرين لبعثتين أمريكيتين في إسرائيل.

ب. مدة العقد 99 عاماً، وبأجر رمزي سنوي، مقداره "دولار واحد".

ج. اتخذ الكونجرس الأمريكي، في ولاية الرئيس بيل كلينتون Bill Clinton، قراراً بالبدء في إنشاء مبنى السفارة الأمريكية في القدس عام 1999.

د.  ويُلاحظ أن العقار المؤجر للسفارة الأمريكية، ليس من الأملاك الإسرائيلية، لأنه وقف ورثة الشيخ محمد الخليلى (فلسطيني مقدسي). وهو وقفٌ عمره 270 عاماً، وكان مؤجراً لحكومة الانتداب البريطاني، التي كانت تدفع الإيجار سنوياً إلى ورثة آل خليلي.




[1] بيت عنيا: قرية في ضواحي القدس.

[2] بيلاطس: القائد الروماني الذي استحثه اليهود، قتل المسيح ـ u ـ، ثم ما لبثوا أن تنصلوا من التخطيط للجريمة، وحملوه المسؤولية كاملة.