إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / القدس (سياسياً... وتاريخياً... ودينياً)




وثيقة الأمان العمري
باب ستنا مريم
قبة الصخرة

مملكتي اليهودية وإسرائيل
إنشاء الوحدات السكنية في المستعمرات
مجسم لقبة الصخرة
مجسماً لمدينة إيليا كابيتولينا
الأطواق الاستيطانية حول القدس
الاستيطان اليهودي
الحفريات حول الحرم الشريف
القدس والنفق ـ الأزمة
القدس والانتداب البريطاني
القدس تحت الاحتلال البريطاني
القدس في الثمانينيات
القدس في التسعينيات
القدس في الخمسينيات
القدس في الستينيات
القدس في السبعينيات
خطة الأمم المتحدة للقدس
فلسطين في عهد سليمان وداود

الأوضاع النهائية في فلسطين
الأراضي المصادرة في القدس
القدس منذ عام 1967
القدس بين عامي 1949-1967
قرار تقسيم فلسطين



بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الخامس

القضية وخلفياتها القانونية

    إن موضوع الحق القانوني، أو الملكية القانونية، أو ما يسميه رجال القانـون بالسيـادة على مدينـة القدس، كان، ولا يزال، مثار جدل وادعاء على مر العصور، بين العرب (مسلمين ومسيحيين)، والفرنجة (الصليبيين)، واليهود. مع أن الدراسات والأسانيد والوثائق التاريخية، ومن ثم، نتائج اللجان القانونية الدولية، التي شُكلت لدراسة الموضوع، أكدت جميعها أحقية العرب (مسلمين ومسيحيين)، في القدس، وملكيتهم غير المتنازع عليها في أماكنهم المقدسة في المدينة، وإِن كان ذلك لا يغفل أن لكل مواطني القدس حقوقهم الدينية فيها. والفرق هنا كبير بين الحقوق الدينية، وحقوق السيادة والملكية.

    إن الطابع الخاص للمدينة، وما تحويه من رموز دينية وأماكن عبادة للأديان الموحِّدة الثلاثة (الإسلام ـ المسيحية ـ اليهودية)، دفع الأمم المتحدة إلى تقديم توصية في مشروع التقسيم، تنادي بإعطاء القدس وضعاً دولياً خاصاً.

    ظلت القدس جزءاً من أرض فلسطين ما يزيد على أربعة قرون، تحت ولاية الإمبراطورية العثمانية. وخلال الثلاثين عاماً الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية، كان للقدس سنجق / إدارة مستقلة، وترتبط ارتباطاً مباشراً بوزارة الداخلية في الآستانة. وكان سكان القدس يتمتعون، بكامل حقوقهم المدنية والسياسية. وبسقوط الدولة العثمانية، سقطت فلسطين والقدس تحت حكم الانتداب البريطاني، وما تلا ذلك من تداعيات، ما برح العرب والفلسطينيون يعانونها حتى اليوم.

أولاً: مراحل تطور قضية القدس

1. المرحلة الأولى: فترة الانتداب

    في 6 يوليه 1921، أعلنت عصبة الأمم مشروعها للانتداب في الأراضي العربية، التي كانت تابعة للسلطنة العثمانية. وقد صُودِق على صك الانتداب المتعلق بفلسطين في 24 يوليه 1922، ووضع موضع التنفيذ في 29 سبتمبر 1922 (اُنظر ملحق صك الانتداب على فلسطين). وهو ينص، في مادته 13، على "اضطلاع الدولة المنتَدبة في فلسطين بجميع المسؤوليات، المتعلقة بالأماكن المقدسة والمباني أو المواقع الدينية، بما في ذلك المحافظة على الحقوق الموجودة، وضمان الوصول إلى الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية، وحرية العبادة، مع المحافظة على مقتضيات النظام والآداب العامة".

    وتنص المادة 14 على: " تأليف لجنة خاصة لدراسة وتحديد وتقرير الحقوق والادعاءات، المتعلقة بالأماكن المقدسة، وتلك المتعلقة بالطوائف الدينية المختلفة في فلسطين، ويتم عرض طريقة اختيار هذه اللجنة، وقوامها ووظائفها، على مجلس عصبة الأمم، لإقرارها. ولا تُعَيّن اللجنة، ولا تقوم بوظائفها إلا بموافقة المجلس المذكور".

    وبعد ثورة البراق التي اندلعت في أغسطس 1929، أصدرت اللجنة الخاصة حكماً شهيراً، بأن "حائط البراق يخص المسلمين وحدهم، ولا حق لليهود أو غيرهم في أي ملكية في الحائط، أو الطريق المتاخم له".

    بعد ذلك، صدر تقرير اللجنة الملكية البريطانية لفلسطين "لجنة بيل"، في 7 يوليه 1937، وهي اللجنة التي تشكلت في أغسطس 1936، "لبيان أسباب اضطرابات أبريل 1936" (أو الثورة الكبرى)، والتحقيق في كيفية تنفيذ صك الانتداب في فلسطين بالنسبة إلى التزامات بريطانيا نحو كل من العرب واليهود (اُنظر ملحق تقرير اللجنة الملكية لفلسطين).

    وقد صدر التقرير في ثلاثة أبواب، تتضمن 23 فصلاً. ويتحدث الباب الثالث (الفصول 20 ـ 23) عن إمكان الوصول إلى تسوية دائمة. ويقترح التقسيم، كحل لتوطيد السلام. وفي الفصل 22 من التقرير، عرض مشروع التقسيم، الذي تتضمن فقرته الثانية رؤية اللجنة الملكية إلى ضرورة أن يكون تقسيم فلسطين " خاضعاً لشرط المحافظة على قداسة القدس وبقية الأماكن المقدسة للديانات الثلاث، بما في ذلك الناصرة وبيت لحم وبحر الجليل، بالنسبة إلى المسيحيين، وتأمين الوصول إليها. ويجب ألاّ تطبق السياسة، التي ينطوي عليها "تصريح بلفور"، بالنسبة لهذه الأماكن، وأن تعود إدارتها إلى الدولة المنتدبة، وتكون اللغة الرسمية لها هي لغة الدولة المنتدبة".

2. المرحلة الثانية: مشروع تقسيم فلسطين، وتدويل القدس

    أخذت فكرة التدويل صفة دولية رسمية، حين نُصّ عليها في قرار تقسيم فلسطين الشهير، الرقم 181 (اُنظر ملحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181) . ففي عام 1947، قررت بريطانيا التخلي عن انتدابها في فلسطين، ودعت الأمم المتحدة إلى بحث مستقبل البلاد. فعينت الهيئة الدولية لجنة خاصة United Nations Special Committee On Palestine (UNSCOP)، مهمتها تقديم اقتراحات حول القضية، فأوصت هذه اللجنة بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية وإسرائيلية، وبتدويل منطقة القدس، كجَيب دولي داخل الدولة العربية. وأعلنت التوصية ضرورة نزع السلاح في القدس، وأن توجد كقسم منفصل، بإشراف وإدارة مجلس وصاية خاص، من الأمم المتحدة، وأن تُضمن حرمة الأماكن المقدسة، وحق حرية المرور والعبادة للجميع، ودون فرض ضرائب أو رسوم، مع تأكيد الحقوق المشروعة لكل طرف في الأماكن المقدسة الخاصة به، وتعيين حاكم من الأمم المتحدة، يملك سلطة حل النزاعات، والتحكيم بين مختلف الطوائف الدينية في المدينة، ولا يكون هذا الحاكم عربياً ولا يهودياً. وفي 29 نوفمبر 1947، صدر القرار 181/12، عن الجمعية العامة، وهو يوافق على توصيات اللجنة الخاصة، وهو ما عرف باسم قرار التقسيم، الذي نص، أيضاً، على أن يتولى مجلس الوصاية وضع دستور للمدينة، وتعيين هيكل إداري للجَيب الدولي، وذلك لمدة عشر سنوات، يعاد بعدها النظر في الوضع من قبل المجلس، ويجرى استفتاء عام للمواطنين. وأشار القرار إلى حدود المدينة، وتشمل بلدية القدس الحالية، إضافة إلى القرى والمدن المحيطة بها، حيث تكون أبو ديس أقصاها شرقاً، وبيت لحم أقصاها جنوباً، وعين كارم أقصاها غرباً، (بما في ذلك أيضاً المنطقة المبنية من موتسا)، وتكون شعفاط أقصاها شمالاً.

    وإذا كان القرار قد أعطى الدولة اليهودية نحو 53% من إجمالي مساحة فلسطين الكلية، لكن القدس لم تُصبح من نصيب الدولة اليهودية، ولم يوفر شريط أرضي يصل بين إسرائيل والقدس. وكان الوضع داخل المدينة، من الناحيتين، السكانية والجغرافية، آنذاك في مصلحة العرب بنسبة 70%.

    ولم يكن هذا القرار سوى توصية لحل قضية فلسطين، وقد رفضته الدول العربية، لأنه "لا يمكن تنفيذ هذا الحل بالوسائل السلمية، وأن فرضه بالقوة، يهدد السلم والأمن في المنطقة". وبالفعل، اندلعت المعارك بين العرب واليهود، إثر قرار التقسيم، وخلال الفترة، التي أُطلق عليها "الحرب غير المعلنة"، وقد امتدت حتى 14 مايو 1948. وسارعت الأمم المتحدة إلى الاجتماع، معتبرة أن توصية التقسيم كانت خطأ، وأخذت تبحث عن مخرج للأزمة. وأعلنت الدول العربية مجتمعة قرار دخول جيوشها فلسطين، "نظراً إلى انتهاء الانتداب البريطاني، من غير أن تنشأ في فلسطين سلطة دستورية شرعية".

    وفي منتصف فبراير 1948، كان مجلس الأمن قد بدأ البحث في قضية فلسطين، خلال جلسات متوالية، إِثر اشتداد المعارك في فلسطين، وتعاظم حجم المجازر الإسرائيلية، وتصاعد موجة الإرهاب والرعب، التي أدت إلى نزوح وتشريد مئات الآلاف من العرب. وفي مطلع مارس، أعلنت كندا وبلجيكا معارضتهما قرار التقسيم، ورفض تنفيذه بالقوة. وفي 19 مارس، أعلنت الولايات المتحدة سحب تأييدها للتقسيم، لأنه لا يمكن تنفيذه إلا بالقوة، واقترحت وضع فلسطين تحت الوصاية، وإعادة القضية إلى الأمم المتحدة للنظر فيها على هذا الأساس، ودعوة العرب واليهود إلى عقد هدنة سياسية وعسكرية، انتظاراً لقرار الأمم المتحدة.

    وبالفعل، صدر قرار مجلس الأمن بإعادة القضية إلى الجمعية العامة، وقبول اقتراح الهدنة، وتعيين قناصل أمريكا وبلجيكا وفرنسا في القدس لجنة مشرفة على تنفيذه الهدنة، غير أن اللجنة فشلت في القيام بأي خطوة. وفي أبريل 1948، انعقدت الجمعية العامة، وتقرر تنفيذ الهدنة في القدس، وتعيين هارولد إيفانز (من جماعة الكويكرز Quakers) للإشراف على ذلك.

    وفي 13 مايو 1948، اقترحت أمريكا تعيين وسيط مفوض من هيئة الأمم، تشمل مهمته جميع فلسطين، نظراً إلى اقتراب موعد انتهاء الانتداب البريطاني (في 14 مايو 1948)، على أن يختار ممثلو الدول الخمس الكبرى الوسيط المفوض. وتضمن الاقتراح، أن تتوقف لجنة التقسيم عن ممارسة صلاحياتها، ووافقت الجمعية العامة على الاقتراح في 14 مايو.

3. المرحلة الثالثة: حرب عام 1948، والتقسيم الفعلي للقدس

    في مساء يوم 14 مايو 1948، أُعلنت دولة إسرائيل (اُنظر ملحق إعلان قيام دولة إسرائيل). وفي صباح 15 مايو، دخلت الجيوش العربية فلسطين. وفي 20 مايو، عُيِّن الكونت فولك برنادوت (Count) Folke Bernadotte وسيطاً دولياً. وفي 29 مايو، أصدر مجلس الأمن القرار الرقم 50، الذي يدعو إلى وقف القتال، دون إضرار بمركز أي من الفريقين وحقوقه ومطالبه، وضمان ألاّ يترتب على تنفيذ الهدنة أي امتياز عسكري. وفي 2 يونيه، قبلت الدول العربية الهدنة، التي استغلها الإسرائيليون لتوسيع سيطرتهم على بعض أحياء القدس، ولانتزاع اعتراف 20 دولة بهم، ولتدفق الأسلحة والمعدات والقوات والضباط والخبرات إلى مناطقهم. وقد كان العرب أصحاب المبادرة، قبل 11 يونيه 1948، (بدء مفعول الهدنة)، غير أن الموقف تبدل عند استئناف القتال، في 9 يوليه. وفي 27 يونيه، قدم الكونت برنادوت مقترحاته لحل قضية فلسطين، وهي تقوم على تأليف اتحاد في فلسطين، يشتمل على دولتين، إحداهما عربية، والأخرى يهودية. واقترحت اللجنة حدود الدولتين العضوين في هذا الاتحاد بمساعدة الوسيط الدولي (الكونت برنادوت). واقتُرح ضم مدينة القدس إلى الجزء العربي من الاتحاد، ومنح الطائفة اليهودية فيه استقلالاً ذاتياً لإدارة شؤونها، واتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأماكن المقدسة، والضمان التام لحرية الوصول إليها.

    وقد رفضت الدول العربية هذه المقترحات، وواصلت القتال. غير أن انسحاب الأردنيين والعراقيين من اللد والرملة، وتطويق المصريين، قلب موازين الحرب، وأدى إلى قبول العرب وقف إطلاق النار في القدس، في 17 يوليه، وفي سائر فلسطين، في 19 يوليه. ووافق العرب على تجريد القدس من السلاح، على الرغم من الاحتجاجات، التي رأت أن التجريد وسيلة لسيطرة هيئة الأمم المتحدة على المدينة، ومن ثم، تدويلها، وسلخها عن بقية فلسطين. كما رفض اليهود تجريد المدينة من السلاح، قائلين: "إِنها عاصمة دولتهم الخالدة".

    وكان الكونت برنادوت، قد صاغ مقترحات جديدة، نشرت بعد وفاته[1]، قدمها خلال اجتماعه مع الأمين العام بمقره الأوروبي في باريس، في 7 سبتمبر 1948. وفي مقترحاته الجديدة تعديلات لمشروع التقسيم، تشمل، ضمن مقترحات أخرى، وضع القدس تحت إشراف الأمم المتحدة، على أن يُعطى العرب واليهود فيها أكبر قدر من الإدارة المحلية، وأن تُضْمن حرية العبادة وزيارة الأماكن المقدسة لمن يرغب فيها من الفريقين.

    وفي 23 سبتمبر 1948، أُعلن عن تشكيل حكومة عموم فلسطين، برئاسة أحمد حلمي عبدالباقي. وفي الأول من أكتوبر، انعقد في غزة المجلس الوطني الفلسطيني، برئاسة الحاج محمد أمين الحسيني، وأعلن استقلال فلسطين كلها، والقدس عاصمة لها.

    وفي اليوم نفسه، انعقد في عَمّان مؤتمر، دعا إليه الملك عبدالله، أعلن رفضه لمؤتمر غزة وقراراته. ثم عُقِدَ في أريحا مؤتمرٌ تاريخي، برئاسة الشيخ محمد علي الجعبري، رئيس بلدية الخليل، وذلك في 1 ديسمبر 1948، أعلن فيه وحدة الأردن وفلسطين، وبايع عبدالله ملكاً على فلسطين.

    وفي دورة خريف 1948 لهيئة الأمم المتحدة، التي انعقدت بدءاً من 20 سبتمبر، قُدِّمَ مشروع بريطاني، يدعو إلى تأليف "لجنة توفيق"، تتولى مهام الوسيط الدولي، وتتخذ الخطوات والتدابير، اللازمة لوضع جميع الأماكن المقدسة والمباني الدينية تحت إشراف هيئة الأمم المتحدة وحمايتها، على أن تخضع منطقة القدس لنظام دولي دائم. وقد صدر القرار بذلك في 11 ديسمبر 1948، وهو يحمل الرقم 194 (اُنظر ملحق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 194). وفيه وُضع نظامٌ للإدارة، بموجب قرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 29 نوفمبر 1947، وبمقتضى قرارين لاحقين، صدرا في 11 ديسمبر 1948، وفي 9 ديسمبر 1949، وضع نظام للإدارة الدولية لمدينة القدس، نظراً إلى احتوائها على الأماكن المقدسة للمسلمين والمسيحيين واليهود. ويشمل النظام الدولي بلدية القدس، أي مدينة القدس كلها، بما فيها من أحياء قديمة وحديثة، والقرى المحيطة بها، والتي تشكل معها وحدة إدارية واحدة. وحددت مشتملاتها في خريطة، ألحقت بقرار التقسيم، الصادر في 29 نوفمبر 1947.

    وقد تقرر في هذا التقسيم، "أن القدس تحت السيادة الجماعية للأمم المتحدة. ويكون مجلس الوصاية مسؤولاً عن إدارتها. ويُعَين مجلس الأمن حاكماً للمدينة المقدسة، يعاونه مجلس تشريعي، يتكون من أربعين عضواً. وتوضع القدس في حالة حياد دائم. ويكون لسكانها وضع خاص.

    ولكن النظام الدولي للقدس، لم يرَ الحياة. وكان مجلس الوصاية، قد كُلّف بوضع مشروع لهذا النظام، تمهيداً لعقد اتفاق دولي في شأنه، لكن هذا المشروع تعذر إقراره بواسطة الجمعية العامة، نتيجة لمعارضة كل من البلاد العربية وإسرائيل لتدويل القدس.

    وظل القسم القديم من القدس تحت سيطرة الأردن، وهو الجزء الذي يحتوي على الأماكن المقدسة. أما القسم الحديث، فقد احتلته إسرائيل، منذ نشأتها، سنة 1948.

    عقدت مصر[2] والدول العربية مفاوضات الهدنة في رودس. ووقعت اتفاقية الهدنة بين الأردن وإسرائيل، في 3 أبريل 1949 (اُنظر ملحق اتفاقية الهدنة العامة المصرية ـ الإسرائيلية) و(ملحق اتفاقية الهدنة العامة بين لبنان وإسرائيل) و(ملحق اتفاقية الهدنة العامة بين المملكة الأردنية الهاشمية وإسرائيل) و(ملحق النص الرسمي لاتفاقية الهدنة العسكرية الدائمة بين سورية وإسرائيل). وقد حددت الاتفاقية حدود الهدنة في قطاع القدس، بأنها "الحدود المخططة في اتفاقية وقف إطلاق النار، في 30 نوفمبر 1948، الخاص بمنطقة القدس". أي بعبارة أخرى، هي حدود تقسيم القدس بين قسم شرقي، تحت سلطة الأردن، وقسم غربي، تحت سلطة إسرائيل. وهي الحدود التي استمرت من عام 1949 حتى حرب يونيه 1967، حين احتلت إسرائيل القدس برمّتها مع الضفة الغربية.

4. المرحلة الرابعة: حرب عام 1967، والاستيلاء على القدس الشرقية

    في 7 يونيه 1967 أتمت القوات المسلحة الإسرائيلية، ضمن عدوانها الشامل، احتلال القدس الشرقية. وقد أعلن الجنرال موشى ديان Moshe Dayan، وزير الدفاع الإسرائيلي، أثناء وجوده في القدس، حينذاك: "لقد حررت قوات الدفاع الإسرائيلية القدس، وأعدنا توحيد هذه المدينة الممزقة، عاصمة إسرائيل، وعدنا إلى أقدس الأماكن ولن نرحل عنها مرة أخرى أبداً". وبعد ثلاثة أسابيع، وبالتحديد في 28 يونيه 1967، أعلن حاييم موشي شابيرو، وزير داخلية إسرائيل، ضم الأحياء العربية في القدس الشرقية، قسراً، وتوحيد المدينة. وفي رده على رسالة الأمين العام للأمم المتحدة، قال أبا إيبان Abba Eban، وزير خارجية إسرائيل: "إِن صفة القدس، كعاصمة لإسرائيل، غير قابلة للنقاش".

    لقد كانت القدس الشرقية هدفاً أساسياً سعت إسرائيل دوماً لتحقيقه منذ حرب 1948، وكانت حرب الأيام الستة الفرصة التي مكنت إسرائيل من تحقيق هدفها، خاصة وأن تطورات الأحداث والتقديرات الإسرائيلية، تضمنت اشتراك الأردن بشكل مباشر في هذه الحرب، كما أن أهمية الضفة الغربية وما تشكله من أهمية إستراتيجية لإسرائيل جعلت الاستيلاء على القدس أمراً حتمياً وأساسياً من وجهة النظر الإسرائيلية.

    كانت معركة القدس دموية ورهيبة إلى أقصى حد وأبعد مدى، حيث بدأت ظهر الاثنين 5 يونيه 1967، وشاركت فيها قوات إسرائيلية ميكانيكية وكتيبة مظلات وبمعاونة القوات الجوية، وعلى الرغم من الدفاع المستميت للقوات الأردنية بقيادة الفريق عبدالمنعم رياض عن مدينة القدس لمدة يومين إلا أنها سقطت ظهر يوم الأربعاء 7 يونيه 1967، وبعد خمسة أسابيع فقط من سقوط القدس، هدم الإسرائيليون السور الذي كان يفصل بين المدينة القديمة والجديدة. وبعد أيام معدودة من توقف القتال، هدمت القوات الإسرائيلية الحي العربي للقدس القديمة بالكامل، وشردت 135 عائلة عربية،  وصادرت حوالي 142 دونماً مما تبقى من الأراضي العربية في منطقة القدس القديمة وما حولها من القرى المحيطة. كذلك بدأت الحفريات حول الحائطين الغربي والجنوبي للحرم والمسجد الأقصى، وبذلك تكون إسرائيل قد استغلت الفرصة، فسرعان ما بدأت في تطبيق إستراتيجيتها المعلنة تجاه القدس، مستهدفة المحورين الأساسيين، الأراضي العربية والإنسان العربي.

5. المرحلة الخامسة: حرب أكتوبر 1973 والقدس

    على الرغم من أن إسرائيل حققت العديد من المكاسب خلال حرب 1967، كان أهمها التوسع الهائل الذي حقق لها عمقاً إستراتيجياً، إلا أن هذا التوسع كان له انعكاسات سلبية تمثلت في زعزعة الأمن الإسرائيلي وعدم قدرتها على الهيمنة على هذه المساحة بشكل فعال، الأمر الذي أدى إلى زيادة حركة المقاومة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، وكذلك زيادة الاستنزاف العسكري على خطوط المواجهة.

    ولقد كانت حالة الصمود العربية مفاجئة وغير متوقعة لإسرائيل، ولذلك انتهجت أسساً إستراتيجية تتلاءم مع الوضع الجديد الذي لم تعتده من قبل، وخلال هذه المرحلة خاض العرب حرب استنزاف، استمرت طويلاً، تكبد خلالها كل من العرب وإسرائيل خسائر فادحة، إلا أنها في الوقت ذاته مثلت تفاعلاً إيجابياً، حيث لمس كل جانب تدريجياً قدرة الطرف الآخر وإمكاناته، الأمر الذي دعم عزيمة العرب، وباندلاع حرب أكتوبر تقوضت ركائز نظرية الأمن الإسرائيلية.

    ثم كان قرار السادات التاريخي لزيارة مدينة القدس وإعلانه استعداده للصلح مع إسرائيل، ولقد تمت زيارة القدس فعلاً في نوفمبر 1977. ولقد ترتب على هذه الزيارة توقيع اتفاقيتي كامب ديفيد عام 1978، والتي وقعهما كل من السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي ووافق عليها كل من مجلس الشعب المصري والكنيست الإسرائيلي. ولقد تضمنت الوثيقة الأولى إطار سلام في الشرق الأوسط، بينما تضمنت الوثيقة الثانية إطار الاتفاق لإبرام معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل. ولقد أكدت الوثيقة الأولى على الأسس التي تقوم عليها تسوية المشكلة الفلسطينية، وعلى الرغم من أن هذه الاتفاقية كانت تحت عنوان "الضفة الغربية وغزة"، إلا أنها لم تشر إلى وضع القدس أو أسلوب حل هذه القضية، حيث إن الوضع النهائي لكلٍ من الضفة الغربية وقطاع غزة لم يُحدد خلال هذه الاتفاقية.

    نتج من اتفاقية كامب ديفيد، التي وُقعت في مارس 1979، واقعاً جديداً. فقد قررت الجامعة العربية إيقاف عضوية مصر. وكان ذلك وسيلة لتثبيت المواقف، وأدى إلى زيادة الفرقة بين الدول العربية. وعلى الجانب الآخر، كانت اتفاقية كامب ديفيد، التي وُقعت في مارس 1979 منطلقاً ودفعة نفسية ومعنوية للإسرائيليين. ولذلك اتجهت إسرائيل إلى زيادة بناء المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما قرر الكنيست، في عام 1980، ضم القدس الشرقية، وجعلها عاصمة إسرائيل الموحدة. وكانت هذه التداعيات حتمية ومؤكدة، طالما أن العرب لم يرفعوا راية الدين في مواجهة المخطط الصهيوني اليهودي، الذي حدد أهدافه تجاه القدس، بدقة، منذ نهاية القرن التاسع عشر.

    وفي فترة ما بعد كامب ديفيد، تقدمت حكومة إسرائيل بمبادرة السلام الإسرائيلية، التي طرحت في 14 مايو 1989، والتي خلالها أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق شامير استبعاد القدس الشرقية من إطار الحكم الذاتي، والذي كان قد طُرح كحل للمشكلة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أكد أن القدس لن تكون جزءاً من مبادرة السلام. وبذلك كانت اتفاقية كامب ديفيد منعطفاً أساسياً في شكل وطبيعة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث أدت إلى تنامي حدة التطرف والعداوة بين الدول العربية الإسلامية بعضها بعضاً، إلا أن مردوده على الجانب الإسرائيلي كان هائلاً، حيث تنامى دور الجماعات الدينية المتطرفة، كذلك كان هناك مردوده على الجانب المسيحي الأصولي، وخاصة البروتستانتي، حيث تزايدت مؤازرتهم للصهيونية، ووضح ذلك من خلال تنامي تأييد المنظمات المسيحية لإسرائيل، وفقاً للادعاءات الصهيونية الخاصة بقيام مملكة إسرائيل الكبرى لشعب الله المختار.

6. المرحلة السادسة: حرب الخليج الثانية وانعكاساتها على قضية القدس

    وضح من التطورات الإقليمية والدولية، بعد حرب الخليج الثانية، وجود نوع من الخلل في موازين القوى بين الأطراف العربية والإسرائيلية. حيث تزايدت المطالبة العربية بالصلح مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته زادت العداوة بين بعض الدول العربية وبعضها بعضاً، وخلال هذه التطورات ركزت الولايات المتحدة الأمريكية على مبدأ إقرار السلام كضرورة أساسية في الشرق الأوسط، وفي المقابل رفع العرب مبدأ "الأرض مقابل السلام"، إلا أن إسرائيل طالبت بالمؤتمر الإقليمي كأساس مقبول للتسوية.

    وكان من الواضح أن فكرة المؤتمر الإقليمي لا تستلزم ضرورة موافقة الأمم المتحدة، كذلك لا تتطلب الالتزام بقراراتها الدولية السابقة أو قوانينها كأساس قانوني لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وذلك الوضع قد أتاح الفرصة الكاملة للتنصل الإسرائيلي من قرارات الأمم المتحدة السابقة، خاصة قراري مجلس الأمن أرقام 242، 238.

    وبموافقة العرب على فكرة المؤتمر الإقليمي، يكون قد استبعد مبدأ مبادلة الأرض بالسلام، كأساس للتسوية المأمولة. كما أدى إلى مفاوضات مباشرة أجرتها كل دولة عربية منفردة، الأمر الذي أثر على موازين القوى وأضر بالمصالح العربية، وأصبح طبيعة التحدي الإسرائيلي، الذي يواجهه العرب، هو تحدٍ لا يستطيع ببنيانه الداخلي فكراً وتطبيقاً، أن يقبل منطق التسوية. فهو بالدرجة الأولى عقيدة دينية لا تقبل الحلول الوسط، كذلك جوهره مشروع استيطاني لا يملك إلا إنكار الآخر، وهو ما انعكس بشكل مباشر على القدس.

7. المرحلة السابعة: القدس بعد إعلان المبادئ

    اتفق في إعلان المبادئ الموقع في 13 سبتمبر 1993، على مرحلة انتقالية من المفترض أن تمر بها المنطقة الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، خلال عملية التفاوض وحتى الوصول إلى تسوية دائمة على أساس قراري مجلس الأمن أرقام 242 و338. ولقد بدأت هذه الفترة فور انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة وأريحا، واستمرت لمدة خمسة أعوام. وبموجب اتفاقية المرحلة الانتقالية التي وقعت في 28 سبتمبر 1995، تحدد يوم 4 مايو 1996 لبدء مفاوضات المرحلة النهائية. ولقد أقرت المادة الثالثة من إعلان المبادئ إجراء انتخابات حرة ومباشرة لإقامة سلطة حكومية ذاتية انتقالية، على أنه سيكون لفلسطينيّ القدس حق المشاركة في عملية الانتخابات بموجب الاتفاق بين الجانبين.

    وإذا كان هذا الاتفاق يمكن عده مكسباً فلسطينياً، إلا أن إسرائيل نجحت في تقييد هذا الحق، حيث منعت الدعاية الانتخابية للمرشحين. وعلى الرغم من مشاركة سكان القدس في الانتخابات يوم 20 يناير 1996، حيث انتخب مجلس الحكم الذاتي المكون من 88 عضواً، إلا أن إسرائيل قامت بحصر صناديق الاقتراع في خمسة فروع بريد فقط، واشترطت فرز الأصوات خارج حدود مدينة القدس الموسعة، وفي داخل منطقة الحكم الذاتي. ونتيجة لهذه القيود، وضح إصرار إسرائيل على استمرار سيادتها الكاملة على مدينة القدس.

    استمرت إسرائيل في تبني سياسة تثبيت وتأكيد سيطرتها على القدس، حيث صادرت العديد من الأراضي العربية، وبنت المستوطنات اليهودية، وفصلت القدس عن المناطق الفلسطينية، ولم تسمح بدخولها إلا بتصريح. ومما لا شك فيه، أن هذه الممارسات الإسرائيلية تجاهلت حقوق سكان القدس من الفلسطينيين، وتعارضت مع حقهم في إنهاء الاحتلال وفي تقرير المصير. لذلك لم يراعِ إعلان المبادئ قرارات مجلس الأمن أو قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والخاصة بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في يونيه 1967. أما الاتفاقيات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، التي وقعت بعد إعلان المبادئ، فكانت تهدف إلى تفريغ الاتفاقيات بين الجانبين من مضمونها، وعدم الوصول إلى مرحلة مفاوضات المرحلة النهائية، وعدم التنازل عن السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مدينة القدس الموسعة.

8. المرحلة الثامنة: اتفاقيات السلام الإسرائيلية ـ الفلسطينية والأردنية

    تتحدث المادة الخامسة من اتفاقية أوسلو، في سبتمبر 1993، عن إجراءات التفاوض، والفترة الانتقالية، والانتخابات وغير ذلك. ومن المفهوم أن المفاوضات، سوف تغطي القضايا المتبقية، بما فيها القدس، واللاجئين، والمستوطنات، والترتيبات الأمنية، والحدود، والعلاقات والتعاون مع الجيران، إلى آخر ما هناك من قضايا متعددة. وهذا يعني أنه، وفقاً لأحكام اتفاقية أوسلو، بين الفلسطينيين وإسرائيل، فإن قضية القدس مؤجلة إلى مرحلة لاحقة من التفاوض. وهذا يعني، من وجهة نظر القانون، أن هناك تعهداً من إسرائيل، ينتج أثراً مانعاً نحو إسرائيل، بألاّ تتخذ أي إجراء منفرد، منذ لحظة توقيع هذا الاتفاق. ويطلق على هذا الأثر، في القانون، "الأثر الواقف"، أي أن هناك فترة لتجميد وضع القدس على ما كان عليه، منذ لحظة توقيع الاتفاق حتى الانتهاء إلى الوضع النهائي، المتفق عليه في التفاوض. إذاً، فأي تغيير في هذا الوضع، بالمصادرة أو غيرها، يعدّ، فضلاً عن مخالفته للقرارات الشرعية الدولية، مخالفاً أيضاً لالتزام إسرائيل، وفقاً لهذا الاتفاق (اتفاق أوسلو). وهو، في كل الأحوال، إجراء باطل، ولا يترتب عليه أي أثر قانوني. ولذلك، فان الولايات المتحدة الأمريكية، تستخدم الفيتو الأمريكي ضد أي قرار، يصدر في خصوص القدس.

    لقد وّقع الأردن وإسرائيل معاهدة سلام بينهما في 24 أكتوبر 1994، ولقد أكدت هذه المعاهدة على منح كل طرف لمواطني الطرف الآخر حرية الدخول للأماكن المقدسة ذات الأهمية الدينية والتاريخية. كما أن إسرائيل سوف تحترم الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة، في مدينة القدس. ولقد اعترض الجانب الفلسطيني على هذه المادة من المعاهدة، وخاصة فيما يتعلق بمدينة القدس، ورفض قيام إسرائيل بأن تقدم تعهدات بشأن مدينة القدس، قبل بدء مفاوضات المرحلة النهائية. حيث إن هذا الموقف الإسرائيلي يشكل انتهاكاً واضحاً للاتفاق الفلسطيني ـ الإسرائيلي، الذي يقضي بالبحث في الوضع النهائي لمدينة القدس ومقدساتها في المرحلة النهائية على المسار الفلسطيني ـ الإسرائيلي.

    إزاء الاعتراض الفلسطيني، اضطرت الحكومة الأردنية إلى إعلان موقفها حيال مدينة القدس، وعدم تعارض توجهاتها من حيث استرجاع السيادة السياسية على القدس العربية من خلال المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وبين توجهاتها حيال استمرار الأردن في اضطلاعه بدوره في ممارسة ولايته الدينية على المقدسات الإسلامية في القدس. كما أكدت الحكومة الأردنية استمرار دعمها منظمة التحرير الفلسطينية، في جهودها الرامية إلى حصولها على السيادة السياسية والجغرافية على جميع الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة بما فيها مدينة القدس.

ثانياً: القانون الدولي وقضية القدس

بطلان ضم القدس الشرقية من طرف واحد

    ادّعت إسرائيل أنها دخلت حرب 1967، مرغمة ودفاعاً عن النفس أمام دول عربية اعتدت عليها، ولذلك فإن احتلالها قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، يعطيها الحق في استمرار سيطرتها على هذه المناطق. وإذا كان هناك اقتناع بالادعاء الإسرائيلي، فإن حق الدفاع عن النفس يسمح لها باستعمال القوة لصد الاعتداء، إلا أنه لا يجيز لها استمرار سيطرتها على المناطق التي احتلتها. حيث إن القانون الدولي يلزم الدولة المحتلة بالانسحاب بعد دفاعها عن نفسها وصدها الاعتداء الخارجي. كذلك فإنه بموجب ميثاق الأمم المتحدة، لا يجوز قانوناً ضم الأراضي التي احتلتها، حتى ولو كانت الدولة ذات العلاقة قد تصرفت بموجب حق الدفاع عن النفس.

    فالقانون الدولي لا يعترف بالاجتياح الإسرائيلي للحدود، والاستيلاء على الأراضي خلال الغزو المسلح، تأسيساً على حق الفتح، ووفقاً لميثاق بريان ـ كيلوج الذي عُقد في 27 أغسطس. فقد حرم الحروب كوسيلة لتسوية المنازعات الدولية بين الدول. وعلى الرغم من أن القانون الدولي يدين كل حرب دولية، بقصد تحقيق مصالح قومية أو مكاسب إقليمية على حساب الدول والشعوب الأخرى، إلا أنه أيضاً حدد طبيعة سلطة الاحتلال في ضوء الوضع المؤقت لحالة غير طبيعية، تنتهي وتزول معها آثارها بعد انتهاء حالة الحرب، وعقد الصلح أو ردع المعتدي.

    وفي إطار القانون الدولي، يجب ألا تجري دولة الاحتلال أي تغييرات في حالة الإقليم المحتل، سواء في النواحي الاقتصادية أو التشريعية أو غيرها من جوانب الحياة العامة الاجتماعية أو التعليمية للإقليم. كما أنه لا يجوز للإدارة المؤقتة أن تستحوذ على اختصاصات السيادة في إصدار التشريعات الخاصة بالإقليم.ولكن يجوز لها أن تصدر أوامر سلطة مؤقتة تقتضيها ظروف وجودها الفعلي على الإقليم، وحجب اختصاصات دولة السيادة عنه بصفة مؤقتة نتيجة الاحتلال.

    ومما سبق يتضح أن استمرار إسرائيل في الاحتفاظ بالمناطق التي احتلتها عام 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية، لا يمكن تبريره بناءً على حق الدفاع عن النفس. وكذلك تبرير ادعاء إسرائيل بأن استمرار فرض سيطرتها على الأراضي التي احتلتها ضروري وملائم لحاجات إسرائيل الأمنية، وأن هذه الضرورة الأمنية لم تنته فوراً بعد انتهاء الحرب، ولذلك فهي ملزمة بالانسحاب، إلا أنه يوجد حالياً بعض الادعاءات التي تؤكد أن إسرائيل تستطيع استمرار فرض سيطرتها على المناطق التي احتلتها، بما فيها القدس الشرقية، حتى يتم توقيع معاهدة سلام بينها وبين الدول العربية.

    أعلن بعض الخبراء الإسرائيليين ومنهم يهودا بلوم (شغل منصب ممثل إسرائيل لدى الأمم المتحدة)، أن إسرائيل تستطيع الاحتفاظ بالضفة الغربية والقدس بشكل دائم، لأن لها أفضلية على الأردن بشأن مسألة السيادة عليها. حيث إنه لم تكن للأردن صفة قانونية أو شرعية في تلك المناطق. وبذلك ادعى بلوم فراغ السيادة في الضفة الغربية، وعدم وجود دولة ذات سيادة حتى تُعاد إليها المنطقة التي احتلتها إسرائيل في حرب خاضتها دفاعاً عن النفس.

    إن ادعاء غياب السيادة على الضفة الغربية والقدس الشرقية، يتجاهل حق الشعب الفلسطيني الموجود في هذه المناطق في تقرير مصيره. وهو الأمر الذي تعترف به وتقره كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وهو حق شرعي لهذا الشعب، بغض النظر عن الطريقة والظروف التي أدت للاحتلال. وإذا كان الأردن قد ضم الضفة الغربية والقدس الشرقية بصورة غير شرعية، إلا أنه كان يعد وصياً على هذه المناطق حتى يحل القضية الفلسطينية. كما أن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في نهاية عام 1987 في قطاع غزة والضفة الغربية، والتي امتدت آثارها حتى مدينة القدس، وما تبعه من قرار الأردن بفك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة، وكذلك إعلان الاستقلال الفلسطيني في 15 نوفمبر 1988، والذي حظى بتأييد واعتراف حوالي مائة دولة، ما يؤكد ضعف الادعاءات الإسرائيلية بفراغ السيادة في المناطق التي احتلتها عام 1967.

    واجهت إسرائيل، في شأن مدينة القدس وضمها إلى حدود سيطرتها، المجتمع الدولي كله. حيث اتخذت إسرائيل قرارها بضم القدس الشرقية إلى القدس المحتلة، تحت ستار إعادة توحيد القدس، أثناء تداول قضية العدوان الإسرائيلي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وفي هذا الإطار اتخذت إسرائيل العديد من الإجراءات الإدارية، لتنفيذ عملية الضم، منها طرد العديد من السكان العرب ومصادرة مساحات كبيرة من الأراضي. كما لجأت إلى إصدار بطاقات هوية إسرائيلية للسكان العرب، وربط المدينة العربية بشبكة المواصلات الإسرائيلية. كما بدأت عملية توطين العديد من الأسر الإسرائيلية في المناطق المحيطة بالقدس، كما أعلنت إسرائيل عن تغيير اسم القدس إلى أورشليم مع توحيدها وضمها كلها إلى إسرائيل.

    واجهت إسرائيل، في شأن القدس وضمها إلى نطاق سيطرتها، المجتمع الدولي، الذي رفض سلوك إسرائيل وقرارها بسريان قانونها وقضائها وإدارتها على القدس الشرقية. ولذلك أصدر العديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تعد القدس الشرقية منطقة محتلة أسوة بالضفة الغربية وقطاع غزة، وكذلك رفضت الخطوات الإدارية، التي اتخذتها إسرائيل حيال مدينة القدس، وعُدّت غير شرعية.

    يُستفاد مما سبق، أن الأمم المتحدة، حين تقرر عدم شرعية التغييرات الإقليمية، الناجمة عن العدوان الإسرائيلي عام 1967، وبطلان التصرفات، التي اتخذتها إسرائيل، في مناسبة احتلالها لأراضي الغير، فإنها تعتنق، بذلك، نظرية بطلان التصرفات، التي تصدر مخالفة لقواعد القانون الدولي. وتسعى الأمم المتحدة، من خلال جمعيتها العامة، ومجلس الأمن، إلى تأكيد مبدأ الشرعية، القائمة على فكرة سيادة القانون الدولي، لكي يحل محل مبدأ آخر، هو مبدأ الفاعلية، القائم على الأمر الواقع، الذي يصحح التصرفات الباطلة. والفقه والقضاء الدوليان، يلتزمان بعدم الاعتراف بأي أوضاع إقليمية غير مشروعة، استناداً إلى مبدأ مسلّم به في القانون، وهو أن الخطأ لا يولّد الحق، على أساس أن هذا المبدأ، يعدّ من المبادئ العامة للقانون الدولي. فإذا كان نوع الخطأ المرتكب، بسبب التغير الإقليمي أو في مناسبته، نصبح أمام انتهاك إحدى القواعد القانونية الدولية، المتعلقة بالنظام الدولي العام، وهي ليست قاعدة عادية، وإنما هي قاعدة من القواعد الآمرة، التي تشكل صلب النظام الدولي العام، وقد نصت عليها مواد عديدة في ميثاق الأمم المتحدة.



[1] اغتيل برنادوت على يد الصهاينة في 17 سبتمبر 1948.

[2] وقعت مصر اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، في 24 فبراير 1949.