إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الثاني

المبحث الثاني

اللوبي الصهيوني ودوره في دعم العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية

أولاً: اليهود الأمريكيون

يعيش في الولايات المتحدة الأمريكية حالياً ما يقرب من 6 ملايين يهودي، يؤلفون نحو 2.1% من مجموع السكان، وقد حدث تدفق للهجرات اليهودية إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة من عام 1881 – 1941، عندما هرب نحو 4 ملايين يهودي من الفظائع والفقر والأزمات السياسية في أوروبا الوسطى والشرقية. ولا يزال معظم اليهود الأمريكيين يتركزون في شمال وشرق أمريكا، يعيش في نيويورك مليون و100 ألف يهودي، من مهاجري القرن العشرين، الذين نجحوا في الاندماج بالمجتمع الأمريكي، وأخذ مفهوم الشعب اليهودي يجتذب أتباعاً إثر ظهور الصهيونية السياسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومنذ تأسيس إسرائيل أصبحت اليهودية أساساً لقومية حديثة.

ومنذ منتصف القرن العشرين، صارت إسرائيل تشكل بصورة متزايدة، مصدراً للانتماء العاطفي لدى اليهود الأمريكيين، سواء كانوا علمانيين أو متدينين أو أرثوذكساً أو محافظين، أغنياء أو فقراء، ديموقراطيين أو جمهوريين. وقد عزز انتصار إسرائيل في حرب عام 1967 هذه المشاعر. والواقع أن التطور الذي انتهي بالمؤسسة اليهودية الأمريكية وعدد هائل من اليهود الأمريكيين إلى إجماع حول تأييد إسرائيل، قد استغرق عشرات السنين. فالصهيونية السياسية في شكلها السابق لعام 1948، لم تكن ذات جاذبية خاصة بالنسبة لليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ اعتقدوا أنه إذا تصرف اليهود كصهيونيين، أي بوصفهم أصحاب هوية قومية منفصلة، فإن ذلك سوف يهدد ولاءهم للولايات المتحدة الأمريكية. والحقيقة هي أن الأيديولوجية السياسية التي استهوت اليهود الأمريكيين في تلك الفترة – أكثر من غيرها– هي الليبرالية.

وبحلول أربعينيات القرن العشرين، غَدَا الاندماج هدفاً غير بعيد بل حقيقة واقعة بالنسبة إلى كثرة من الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين من اليهود الأمريكيين الذين تزايد اهتمامهم بقضايا البقاء، بعد أن كشف النقاب عن الإبادة أو المحرقة الجماعية وفظائعها، وتحولت أكثرية اليهود الأمريكيين عن تعاليم الصهيونية الكلاسيكية إلى ولاء أكثر تعاطفاً مع إسرائيل، بوصفها رمزاً لبقاء اليهود وانتصارهم، ومحوراً للوجود اليهودي وللهوية اليهودية، ويذكر العالم السياسي تشارلز ليبمان " أن تأييد إسرائيل أصبح تأييداً لا لدولة أو لسكانها، بل لإسرائيل بوصفها رمزاً لهوية الشخص اليهودية".

ويحتوي الكتاب السنوي اليهودي الأمريكي على لائحة بمائتَي منظمة قومية يهودية، مما يجعل اليهود أكثر الأقليات الأمريكية تنظيماً على صعيد المؤسسات، فلديهم كنس - التي تمثل مؤسسات اجتماعية وتُشرف على سلسلة واسعة من البرامج الاجتماعية والثقافية والسياسية والعمل على تأييد إسرائيل- ومراكز للشباب ووكالات للعلاقات الطائفية واتحادات ومنظمات تمويل ومجموعات ثقافية وتعليمية ومحافل أخوية وتنظيمات تهتم بقضايا خاصة ومنها منظمات تضطلع بأنشطة اجتماعية وثقافية وخيرية، تخدم المجتمع الأوسع غير اليهودي بأساليب مفيدة، وأغلبية المنظمات علمانية في الأساس، وتستند عضويتها وأنشطتها إلى القومية اليهودية.

ومن الواضح أن تزايد اصطباغ المهاجرين اليهود بالصبغة الأمريكية لم يؤد إلى تخليهم عن هويتهم اليهودية، بل أدى إلى تأكيدهم إياها على نحو أكثر تجانساً مع المجتمع الأمريكي، وكانت النتيجة، هي تكاثر المؤسسات والمنظمات اليهودية التي أنشئت في النصف الأول من القرن العشرين، والمعني بالمؤسسة اليهودية الأمريكية هو المنظمات وقياداتها. وهذه التنظيمات هي التي تهيئ الإطار الهيكلي للتعبير عن الهوية العرقية، كما أن تأييد إسرائيل أصبح الشعار الأيديولوجي السائد، والذي يُعَدّ جزءاً من جداول أعمال جميع منظمات المؤسسات اليهودية، سواء كانت اجتماعية أو خيرية أو دينية أو تعليمية.

ثانياً: المنظمات الصهيونية

تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون يهودي أمريكي هم أعضاء في تشكيلة من المنظمات الصهيونية الرسمية، وهذه المجموعات تُعرف وتقدم نفسها بوصفها صهيونية، وتتمسك ببرنامج القدس الذي صدر عام 1968 عن المنظمة الصهيونية العالمية - والذي يدعو إلى وحدة الشعب اليهودي، وتجمع الشعب اليهودي في وطنه التاريخي، والمحافظة على هوية الشعب اليهودي – بتنمية التعليم اليهودي،علاوة على حماية الحقوق اليهودية في كلّ مكان. وتشجع المنظمات الصهيونية الأمريكية على الهجرة وتعليم العبرانية وترعى الأنشطة السياسية والثقافية المناصرة لإسرائيل وتساعد في بيع السندات الإسرائيلية، وتجميع المال لحملات اتحاد "النداء اليهودي" والإشراف على مشروعات الكيبوتس داخل إسرائيل.

والواقع أن أدوار المجموعات الصهيونية الأمريكية، كانت دائماً تختلف طبقاً لتعريف الحركة الصهيونية العالمية وتطورها، وأعلن البرنامج الرسمي لها والذي تبناه المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا  سنة 1897" وهو السعي لإقامة وطن للشعب اليهودي في فلسطين"، ومنذ ذلك الوقت، طرأت عدة تحولات على معنى الصهيونية ومحور اهتمامها، حيث بدأ الاهتمام بتطوير الاقتصاد وبناء المجتمع اليهودي في فلسطين، وتشجيع الهجرة اليهودية. ووجهت المنظمات الصهيونية الأمريكية طاقاتها للعمل داخل المجتمع اليهودي ودوائر السياسة الأمريكية، لقبول وتأييد إنشاء دولة يهودية في فلسطين، وشملت مسؤوليتها المجالات الرئيسية التالية: الشؤون السياسية، والتعليم اليهودي، وتعلم اللغة العبرية، وعملية التهجير، والتمويل.

1. المنظمات اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية (انظر ملحق المنظمات اليهودية والصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية)

في سنة 1951، أعاد المؤتمر الصهيوني الثاني والعشرون صياغة مهمة الصهيونية فجعلها "توطيد دولة إسرائيل، وتجميع المثقفين في أرض إسرائيل، وتعزيز وحدة الشعب اليهودي". وعندما وقعت حرب يونيه 1967، اجتاح التأييد لإسرائيل فئات المجتمع اليهودي الأمريكي، حيث اتجه جميع يهود المنظمات إلى العمل لدعم إسرائيل، وبدأت المؤسسات والوكالات اليهودية الجديدة التي سمي أتباعها الصهيونيين الجدد، تأخذ على عاتقها أعباء العلاقات العامة، وكسب التأييد وجمع المال نيابة عن إسرائيل، وهي المهام التي كانت المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، مسؤولة عنها بعد إنشاء دولة إسرائيل.

2. الاتحاد الصهيوني الأمريكي ودوره في دعم إسرائيل

الاتحاد الصهيوني الأمريكي مسجل في ولاية نيويورك كمنظمة ذات عضوية ومعفاة من الضرائب بموجب قانون ضريبة الدخل، ويتألف الاتحاد من ست عشرة منظمة صهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية وأهمها المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية والمنظمة الصهيونية النسائية في الولايات المتحدة الأمريكية "الهداسا" ، وعضوية الاتحاد الصهيوني مفتوحة أيضاً لمنظمات ومؤسسات يهودية قومية أخرى ليست، بالضرورة، صهيونية، وهذه تدخل ضمن مجموعتَين إضافيتَين من الأعضاء هما: المنظمات المنتسبة التي تقبل برنامج القدس لكن أعضاءها ليسوا بالضرورة من الصهيونيين العلنيين، والوكالات ذات الصلة بالاتحاد، وهي مؤسسات قومية برعاية صهيونية كانت دائماً على علاقة فعلية بالحركة الصهيونية، والمنظمات الثلاث المنتسبة إلى الاتحاد الصهيوني هي: الاتحاد السفاردي الأمريكي (اليهود الشرقيين)، ورابطة آباء الإسرائيليين الأمريكيين، وعصبة النساء من أجل إسرائيل، والوكالتان اللتان لهما صلة بالاتحاد هما، مؤسسة الشباب الصهيونية الأمريكية، والصندوق القومي اليهودي.

يتولَّى الاتحاد الصهيوني الأمريكي تنفيذ برنامج يستهدف إلى إيجاد استحسان أكبر للثقافة اليهودية في المجتمع اليهودي الأمريكي، وتعزيز استمرار الحياة اليهودية والمركزية الروحانية لإسرائيل بوصفها الوطن اليهودي.

كما يكافح من أجل الوصول إلى جمهورَيْن هما: المجتمع اليهودي الأمريكي، والمجتمع الأمريكي الأوسع، وهدفه داخل المجتمع اليهودي الأمريكي هو تعزيز التزامه بالأهداف الصهيونية المرتكزة على مبادئ مركزية إسرائيل وعلى كون اليهود شعباً.

يرى الاتحاد الصهيوني أن هدفه في المجتمع الأمريكي الأوسع هو : تعريف الشعب الأمريكي بإسرائيل "مشكلاتها وإنجازاتها وأفكارها الاجتماعية وصِلتها الوثيقة بالقِيم الديموقراطية الأمريكية، وتطابق المصالح الأمريكية والإسرائيلية".

من أجل ربط المجتمع اليهودي الأمريكي بإسرائيل، يساعد الاتحاد مؤسسة الشباب الصهيونية الأمريكية وبرنامج الباحثين المقيمين، وعن طريق هذا البرنامج ، يجيء الباحثون والصحفيون وموظفو الدولة الإسرائيليون إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة مدتها أسبوعان في ضيافة الجمعيات اليهودية. وخلال إقامتهم يشاركون في اجتماعات ومحاضرات وحلقات نقاش، تستخدم لنقل المعلومات عن إسرائيل.

 وكذلك، فإن المؤسسة السياحية للاتحاد الصهيوني، ترسل وفوداً خاصة إلى إسرائيل تضم أصحاب المهن والأكاديميين ورجال الدين ورجال الأعمال ومجموعات من المجتمع، كما يعمل الاتحاد الصهيوني على تشجيع الهجرة إلى إسرائيل بالسعي لعقد المؤتمرات والأسواق والمعارض التي تُعرف الجمهور بفرص العمل في إسرائيل.

ويحتفل الاتحاد الصهيوني ـ بواسطة مؤسساته الصهيونية الإقليمية ـ احتفالات سنوية بيوم إسرائيل عبر المواكب والرقص وحفلات الموسيقى، والدعوة للاعتراف الدولي بالقدس عاصمة لإسرائيل. وفي سنة 1980، احتفل بيوم القدس في ستة وثمانين تجمع للجماعات اليهودية في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، كما تزور القافلة الصهيونية ـ والتي تُعَدّ مركزاً لتدبير الرحلات تشارك في رعايته دائرة الإعلام بالمنظمة الصهيونية ـ نحو عشرين مدينة أمريكية، من أجل الدعاية لإسرائيل، كما أسس الاتحاد الصهيوني مجلساً أكاديمياً صهيونياً، يضطلع بتجنيد أساتذة الجامعات في جميع أنحاء الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل والدعاية لها ومناصرة الصهيونية، حيث يتولَّى المجلس نشر وتوزيع دليل لتدريس الصهيونية والتعريف بإسرائيل في الجامعة، على نطاق واسع، يشمل شرحاً لتاريخ الصهيونية وإسرائيل.

3. المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية

تأسست عام 1897 ومقرها نيويورك، وتنشط داخل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال شبكة من عشرين مكتباً منتشرة في عدة ولايات، كما يوجد للمنظمة مكتبان دائمان في إسرائيل. والمسؤول عن جمع الأموال لدعم أنشطة هذه المنظمة هو الصندوق الصهيوني الأمريكي.

وتتولَّى المنظمة الدعاية لإسرائيل وتؤكد مصداقية السياسة الإسرائيلية، وتشجع على الارتباط التام بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل حول محور الحرية والديموقراطية، كما ساعدت المنظمة في تأسيس دولة إسرائيل، وتغير دورها الآن ليكون "الدفاع عن إسرائيل"، من خلال إبراز أهمية صهيونيتها السياسية، فموقفها ليس مجرد تأييد لإسرائيل، ولكن العمل على دعم العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، ودعم التحالف اليهودي ـ الإنجيلي، ودعم العلاقات بين إسرائيل واليهود الأمريكيين، كما تمثل قاعدة الوحدة اليهودية الحقيقية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

وترصد المنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية أنشطة الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض، ومكاتب الحكومة في واشنطن، كما توزع المنظمة عبر وكالاتها الإخبارية على أعضائها الراعين لها، نشرة إخبارية أسبوعية تشمل موضوعات متعلقة بإسرائيل، وتوزعها على موظفي الدولة والصحافة، علاوة على إرشادات لأسلوب التحرك والعمل، وتتهم الدول العربية والفلسطينيين بالإرهاب وحث القارئ على الانضمام للمنظمة "لمحاربة الإرهاب"، وتقف المنظمة في تعصب تام إلى جانب إسرائيل وتجري اللقاءات مع القيادات الإسرائيلية لشرح الموقف الإسرائيلي والدعاية ضد الفلسطينيين ووصم المنظمات الفلسطينية بالإرهاب.

وتشمل برامج المنظمة للشباب ما تصفه بالثقافة العبرية والصهيونية، حيث تنظم حلقات دراسية حرة ومنابر في ساحات الجامعات لمكافحة ما تسميه "الدعاية العربية المعادية لإسرائيل"، كما ترعى المنظمة فرعاً مساعداً للشباب يدعى "المسادة" وهو اسم أطلق على قلعة قديمة فضل فيها المقاتلون اليهود الانتحار الجماعي على التسليم للرومان، وتعمل المسادة بتوجيه من دائرة الشباب في المنظمة الصهيونية بالولايات المتحدة الأمريكية، ولها فروع في المدارس الثانوية والجامعات في سائر أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية وتنشر مجلة دورية كلّ ثلاثة أشهر تحت عنوان " عين على صهيون" ويشارك شباب المسادة في "عرض يوم إسرائيل" وفي ذكرى" تبديل شعلة تشانوكا" أطلق هذا الاسم على عيد يهودي لإحياء ذكرى تكريس المعبد عام 165 ق.م بواسطة جوباس المكابي هذه الذكرى تشارك فيها مئات المجتمعات اليهودية بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي الأنشطة السياسية المؤيدة لإسرائيل ومن الأنشطة الرئيسية لدائرة الشباب في المنظمة الصهيونية، هو الزيارة الصيفية للفتيان والشبان من سن الثالثة عشرة إلى سن الثالثة والعشرين لإسرائيل لفترة زمنية تصل إلى أربعين يوماً، وخلال هذا البرنامج يُشَجَّع الشباب اليهودي على بلوغ الهدف النهائي للحركة الصهيونية، وهو الهجرة إلى إسرائيل.

والأنشطة الكبرى للمنظمة الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، ذات شقَّين: شق ثقافي ينظم الحلقات الدراسية وحلقات النقاش والمعارض والاحتفالات الهادفة إلى تنمية العلاقات الثقافية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وشق تعليمي لتعليم اللغة والدين.

4. اللوبي اليهودي الموالي لإسرائيل

إن ما يعرف عادة باللوبي اليهودي أو الإسرائيلي أو المناصرة لإسرائيل، يتمثل في الهيكل العام لقوى الضغط اليهودي داخل الولايات المتحدة الأمريكية والتي تتولَّى الدعاية لدعم إسرائيل، باسم الطائفة اليهودية الأمريكية، علاوة على لجان العمل السياسي المناصرة لإسرائيل التي من خلالها تُوْضَع السياسات التي تتفق مع أهدافها، علاوة على توجيه المساهمات المالية للمرشحين السياسيين ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى التي تمثل الصوت الرسمي ليهود الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص إسرائيل في كلا الميدانَين القومي والدولي، إضافة إلى المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي الذي يستهدف البنتاجون والمؤسسة العسكرية.

ويمكن نشاط اللوبي أن يتخذ أشكالاً مختلفة من التدخل السياسي مثل: المناقشات مع زعماء الكونجرس وسواهم من الزعماء، إعداد المختصرات والمذكرات والخطب والتحاليل التشريعية، وحتى وضع مشاريع قوانين من أجل اللجان والنواب في مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين، وإيجاد علاقات بالمعاونين التشريعيين الرئيسيين وسواهم من الشخصيات الفاعلة، وترويج المعلومات والمواقف وتحريك المراسلات والمخابرات الهاتفية بشأن القضايا التي يطرحها الناخبون، بالإضافة إلى تنظيم مواعيد إلقاء المحاضرات للسياسيين المؤيدين، وسواها من أشكال التأييد الأخرى.

ومسألة قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية مسألة متعددة، بل اتهمت أحياناً بالتآمر على الحياة السياسية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وتُعَدّ القوى الموالية لإسرائيل مسؤولة عن دفع الحكومة الأمريكية إلى انتهاج سياسة متعاطفة ومدعمة لإسرائيل والتي يمكن أن تتعارض أحياناً مع المصالح الأمريكية، كما أن أيّ حديث مناهض للوبي اليهودي أو بكونه مصدر تهديد محتمل للولايات المتحدة الأمريكية، يؤخذ من جانب المنظمات اليهودية الأمريكية على أنه معاد للسامية، وتكمن قوة هذا اللوبي في أنه يتمشى مع أحد مقومات الإستراتيجية الأمريكية ويتمشى مع التيار السياسي الأمريكي سواء في الكونجرس أو لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة.

ولما كان اليهود الأمريكيون يؤلفون مجموعة غنية نسبياً، فالاحتمال أنهم يتبرعون بأكثر من نصف الهبات الكبرى للحملات الديموقراطية القومية، ومبالغ متزايدة للحملات الجمهورية أيضاً، وقد أصبح تأثير هذه الأموال أكبر من أيّ وقت مضى. ومن الدلالات على نفوذ اللوبي قدرته على الوصول إلى القيادات الأمريكية المختلفة، ومن ثم التأثير التام في العملية السياسية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.

5. منظمة لجنة الشؤون العامة الإسرائيلية ـ الأمريكية American Israel Public Affairs Committee AIPAC

هذه المنظمة هي أضخم أجهزة اللوبي الصهيوني، وتمتلك خبرة احترافية في التعامل مع أعضاء الكونجرس والتلاعب بالنظام السياسي الأمريكي، وذلك من خلال إستراتيجية غرس الرعب واتباع أسلوب الابتزاز، ويمكن تبيُّن ذلك من خلال الحضور السياسي الأمريكي البارز لمؤتمرات الإيباك السنوية والذي يشمل نسبة كبيرة من أعضاء الكونجرس بمجلسَيه وعدداً من أبرز الشخصيات في البيت الأبيض الذي يستغلون هذه الفرصة للتباري في تأييد إسرائيل.

وبدأت هذه اللجنة في ممارسة دورها بشكل كبير منذ عام 1959، بعد أن تشكل لها مجلس قومي من ممثلين عن قادة المنظمات المحليين والقوميين الذين كانوا على استعداد للانخراط في سلك العاملين على دعم إسرائيل، وكان في استطاعتهم جباية الأموال للجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية. وقد جرى توسيع اللجنة التنفيذية بغية بلوغ الهدف ذاته، وهو المزيد من اندماج المجموعات اليهودية الأمريكية.

ويجمع مؤتمر السياسة السنوي الأعضاء العاملين وقادة الطائفة وممثلين عن المجموعات المستهدفة أو المشاركين المخلصين، وعشرات السياسيين والوجهاء من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، وهو المنبر الذي تعرض من فوقه اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية مواقفها السياسية وأولوياتها الضاغطة الراهنة، وتتبنى المقترحات السياسية، وتحث الأعضاء وتحفز الساسة على التعهد العلني بدعم إسرائيل.

إن المنصب الرئيسي داخل هذه المنظمة هو رئاسة اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية، يتولاه رجل ثري ويتمتع باحترام المؤسسة اليهودية الأمريكية وينتمي إليها. ومنذ أواخر الستينيات بدأت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية تجند وتوظف شباباً ناشطين وكان معظمهم على صلة بالمنظمات المحلية أو المؤسسات اليهودية، وتضم اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية لجان عمل سياسي تؤيد إسرائيل. وتُمَوَّل اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية عن طريق الرسوم والهبات التي يدفعها الأعضاء والمنظمات وتصل ميزانيتها إلى عدة ملايين من الدولارات، كما تحصل على الهبات من أغنياء الولايات المتحدة الأمريكية ومن أعضاء النوادي مثل "نادي الكابتول" و "نادي واشنطن" وغيرهما.

دور المنظمة لدعم إسرائيل

تتفوق اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية على أية منظمة أمريكية أخرى في اتخاذ مواقف وقيادة حملات تعكس مواقف الحكومة الإسرائيلية المسؤولة في أيّ وقت، ومثال ذلك تأييد توماس داين لخطة الرئيس الأمريكي ريجان من أجل السلام في الأول من سبتمبر 1982، وفي أثر رفض الحكومة الإسرائيلية القوي لهذه الخطة، أخذت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية تمارس الضغوط على إسرائيل.

وخلال السنوات الأولى للجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية، كانت أولويتها في اللوبي تتمثل في مجرد زيادة المساعدات الأمريكية لإسرائيل، غير أن دورها اتسع فيما بعد فأخذ يشمل تبني حملة ضد تسليح بعض الدول العربية، ابتداء "بمصر فالسعودية فالأردن" وفي الثمانينيات كانت الأولوية الأخرى هي تحويل القروض الأمريكية إلى هبات وهو مطلب تحقق إلى حدّ بعيد سنة 1983، وقد احتفظت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية أيديولوجياً ببعض القضايا العريضة: "من ذلك أن من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تؤيد إسرائيل – إسرائيل كالولايات المتحدة الأمريكية دولة ديموقراطية ومن ثم فهي موضع ثقة- إسرائيل الحليف الإستراتيجي الوحيد في المنطقة القادر على حماية المصالح الأمريكية...".

ونشطت اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية إلى تحركات وضغوط بشأن عدد من القضايا المختلفة، مثل حملة الدفاع عن الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982، والحملات ضد المقاطعة العربية لإسرائيل، وتخطيط حملة ضد أسطورة اللاجئين الفلسطينيين على حدّ تعبيرها، أو الحملة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 لإقناع العالم والشعب الأمريكي بأن المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية ويجب إعلان الحرب عليها، وأن إسرائيل دولة تدافع عن أمنها ومن ثم تحاول الإقناع بمشروعية الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وكذلك الحملة أيضاً لضرب العراق لكونها دولة تهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل معاً.

والتعاون الإستراتيجي يُعَدّ من أولويات اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية، والحجة السياسية الرئيسية هي قدرة إسرائيل على حماية المصالح الأمريكية في المنطقة. كما تؤكد الدور الإسرائيلي في مواجهة الإرهاب الدولي، وأن إسرائيل من خلال اضطلاعها بهذا الدور تكون في خندق واحد مع الولايات المتحدة الأمريكية. وتسرد اللجنة المنافع التي ستجنيها الولايات المتحدة الأمريكية من تبني اتفاقيات التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل من استخدام الموانئ والمطارات الإسرائيلية وتخزين المعدات الأمريكية في إسرائيل لسرعة الفتح الإستراتيجي لقواتها بمنطقة الشرق الأوسط.

كما تدعو اللجنة، الكونجرس الأمريكي إلى تأييد الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهو ما نجحت فيه من خلال إعلان الكونجرس لهذا القرار في سبتمبر 2002، وتدعو إلى زيادة فرص التصدير إلى الولايات المتحدة الأمريكية وزيادة مشتريات الحكومة الأمريكية من إسرائيل لا سيما العسكرية منها، بالإضافة إلى الحصول على المساعدة الأمريكية والتحرك من أجل زيادة حجم مشتريات حلف شمال الأطلسي للمنتجات الإسرائيلية العسكرية.

كما تدعو وسائل الإعلام الأمريكية إلى مناصرة إسرائيل وتقديم النقد الجماعي ضد أعداء إسرائيل، وتؤكد في تقاريرها أن احتلال الضفة الغربية وغزة أمر شرعي فهما جزء من إسرائيل الكبرى والدعوة إلى تمويل الهجرات اليهودية إلى إسرائيل، من أجل بناء إسرائيل القوية التي تساند الولايات المتحدة الأمريكية. وتستخدم اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية وسائل حديثة وناجحة في التأثير من خلال: "التودد إلى الأشخاص الرئيسيين في وسائل الإعلام الأمريكي ـ التشاور والتنسيق الوثيقَين مع المؤيدين ـ استخدام ناخبين محليين لسياسيين لممارسة الضغط، ومن الواجبات الموكولة إليهم مراسلة الناخبين وإعداد وكتابة الخطب والانضمام إلى شتى اللجان وإعداد الدراسات حول القضايا المطلوبة وحضور الاجتماعات مع الناخبين".

إن سر نجاح هذه اللجنة لا يكمن في مجرد تعاون السياسيين المؤيدين لإسرائيل أو حشد يهود الولايات المتحدة الأمريكية، بل في قدرة تلك اللجنة على استخدام النخبة وشبكات الناخبين لمصلحتها، والذي يمكن أن يؤدي ـ في معظم الأحيان ـ إلى تشكيل الضغط على مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين وتستفيد تلك اللجنة كثيراً من أصدقائها من النخبة الأمريكية، خاصة في مجال التشريع والمساعدات المتزايدة لإسرائيل.

6. لجان العمل السياسي الإسرائيلية ـ الأمريكية

برزت لجان العمل السياسي كقوة سياسية مهمة في أعقاب إصلاحات قانون الانتخاب الفيدرالي عامي 1974
و1976، الذي حدد مبلغ التبرعات الفردية للمرشحين السياسيين بألف دولار، وتستطيع مجموعات الأفراد، الذين يؤلفون مجتمعين لجنة عمل سياسي، أن تتبرع بمبلغ يصل إلى 5 آلاف دولار لكلّ مرشح وفي انتخابات واحدة.

ومنذ عام 1982، كان مجموع لجان العمل السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية يصل إلى 3300 لجنة، يمثل نصفها تقريباً المصالح التجارية، والترشيح لمنصب فيدرالي يُعَدّ عملية باهظة التكاليف، لذا أصبحت لجان العمل السياسي مصدراً حاسماً من مصادر التمويل والتي تصل إلى نسبة تصل بين 25-35% من إجمالي مصادر التمويل.

وقد أدركت الشبكة المؤيدة لإسرائيل أهمية لجان العمل السياسي وإمكاناتها، ومن ثم بادر أعضاء اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية وأنصارها إلى تأسيس عدد من أكبر لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل، الأمر الذي أمدَّ اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية بما يساعدها في تقرير كيفية صرف الأموال، ومن الأسباب الهامة لفعالية لجان العمل السياسي المؤيدة لإسرائيل، استعمالها المتسم بالحرص والمنهجية للمال.

وكما هو الحال عموماً بالنسبة للوبي المؤيد لإسرائيل، فإن السبب الرئيسي لقوة لجان العمل السياسي، هو تركيزها على قضية واحدة من قضايا السياسة الخارجية، وهذه الإستراتيجية تمكنها من استخدام المال على أشد الوجوه فعالية، فهي تستهدف السياسيين الذين لهم علاقة بالمساعدة الأمريكية للشرق الأوسط، سواء الاقتصادية أو العسكرية أو الخاصة بتقرير السياسة الخارجية الأمريكية. وفي مجلس الشيوخ يشمل هؤلاء السياسيون أعضاء لجنة العلاقات الخارجية ولجنتها الفرعية لشؤون الشرق الأدنى وشؤون جنوب آسيا أو لجنة مجلس الشيوخ للمخصصات، ولا سيما اللجنة الفرعية للعمليات الخارجية، أمّا في مجلس النواب، فهي تستهدف أيضاً أعضاء لجنتَي الشؤون الخارجية والمخصصات واللجان الفرعية ذات الصلة، وما من شك أن لجان العمل السياسي أصبحت مصدراً أساسياً ومهماً لأنشطة الطائفة اليهودية واللوبي المؤيد لإسرائيل.

7. مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى

بدأت الجهود الرامية إلى إنشاء مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى، الذي يشار إليه باسم "مؤتمر الرؤساء" أو "نادي الرؤساء"، سنة 1955. ولكنه لم يزاول عمله رسمياً إلا في عام 1959، ويضم مؤتمر الرؤساء أكثر من سبع وثلاثين منظمة منتمية إليه، مثل "الاتحاد الصهيوني الأمريكي ـ المؤتمر المركزي للحاخامين الأمريكيين ـ صهيونية حيروت ـ الصندوق القومي اليهودي ـ الاتحاد الصهيوني للعمال ـ المجلس القومي للنساء اليهوديات ـ مجلس الشباب اليهودي الأمريكي الشمالي ـ المنظمة الصهيونية العالمية ـ اللجنة اليهودية الأمريكية وغيرها".

وفي حين أن اللجنة الإسرائيلية ـ الأمريكية هي قوة الضغط الخاصة بالجماعة المناصرة لإسرائيل والمعروفة ببأسها وقدرتها على المناورة السياسية، فإنه يمكن وصف مؤتمر الرؤساء بأنه الذراع الدبلوماسية لها، ويرتكز نفوذه على الادعاء بأنه يمثل إجماع المنظمات التي يتركب منها، بشأن المسائل التي تعني إسرائيل وسواها من القضايا الدولية، والواقع أن مؤتمر الرؤساء يعكس موقف الطائفة اليهودية الأمريكية جمعاء.

لقد كانت مهمة مؤتمر الرؤساء الأصلية توفير منبر داخلي لمعالجة القضايا المتعلقة بإسرائيل، والعمل أيضاً كصوت خارجي يعكس إجماع الزعماء اليهود الأمريكيين، وقد انبثقت من هذا التوجه الأساسي عدة مهام  كبرى متداخلة، مثل: تأويل وتبليغ موقف اليهود الأمريكيين إلى الحكومة الأمريكية وصانعي السياسة ووسائل الإعلام والحكومة الإسرائيلية والدول والهيئات الدولية الأخرى، علاوة على تأويل وتبليغ موقف الحكومة والجمهور الأمريكيَّين إلى الحكومة الإسرائيلية والطائفة اليهودية الأمريكية، بالإضافة إلى عرض الموقف الإسرائيلي على الحكومة الأمريكية والطائفة اليهودية الأمريكية والجمهور عامة.

وهكذا كثيراً ما يوصف مؤتمر الرؤساء، بمعنى حقيقي جداً، بأنه رابطة السياسة الخارجية للمؤسسة اليهودية الأمريكية الرسمية، وهو ليس بلوبي من الناحيتَين القانونية والعملية، لكنه أكثر من مجرد معبر عن الإجماع، فهو يضطلع بدور أساسي في إنشاء علاقات وثيقة وشرعية مع أولئك الذين يقبضون على زمام السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.

8. الموقف السياسي لمؤتمر الرؤساء

يرتكز دور مؤتمر الرؤساء، كناطق باسم الطائفة اليهودية الأمريكية وممثل سياسي لها، على دعواه، أنه يعبر عن الموقف الموحد أو الإجماع لدائرتها المتنوعة التي تضم فئات تختلف سياسياً وأيديولوجياً أو تختلف تنظيمياً. ويساعد على نجاح المؤتمر في تحقيق الإجماع، أنه لا يجب عليه أكثر من معالجة القضايا المتعلقة بإسرائيل والشؤون الدولية. كذلك، يتمسك مؤتمر الرؤساء بالموقف الذي تتبناه عملياً جميع المنظمات اليهودية المنتمية إلى المؤسسة اليهودية، فكلّ رأي أو انتقاد مناهض يجب أن يُعبر عنه بصورة خصوصية وليس بشكل علني.

كما أن مؤتمر الرؤساء يتميز بميزة خاصة وهو إمكانية الوصول إلى البيت الأبيض أو وزارة الخارجية الأمريكية، لسبب واضح وهو أن المؤسسة اليهودية التقليدية، اتخذت من هذا المؤتمر ممثلاً رسمياً لها وذلك لعدة أسباب، أولاً ثمة إجماع بشأن إسرائيل أكبر منه بشأن أية قضية أخرى ومن مصلحة الجميع المحافظة على ذلك، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، على أساس أن إسرائيل لها دوراً أساسي في الإستراتيجية الأمريكية، بل هي من أهم حلفائها. ثانياً: أن المؤتمر لا يهدد أحداً لأن سلطته ليست نابعة منه وإنما من الشرعية التي تمنحه إياها المجموعات المعنية الأخرى، وهو لا يمارس أيّ سلطة على المنظمات التي ينبثق منها، وإنما خطط لها برامجها وتحركاتها السياسية.

ومن جهة أخرى فبالإضافة للدور الأساسي الذي يضطلع به المؤتمر، وهو دور الناطق الرسمي العام، إلا أنه أيضاً ينفذ أعمالاً تطبيقية أخرى على غرار المنظمات المختلفة المؤيدة لإسرائيل، حيث يقود أحياناً حملات قومية وإعلامية بشأن موضوعات أو قضايا محددة تصب أساساً في مصلحة إسرائيل.

9. المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي

تأسس المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي سنة 1977، كي يؤلف مركزاً لرصد البنتاجون، وليؤثر في سياسة الأمن القومي، ومنذ أن تأسس هذا المعهد، كان يتولَّى – بالدرجة الأولي – دور صلة الوصل بين الطائفة اليهودية والمؤسسة الدفاعية في واشنطن، ويمثل زاوية المثلث التي تربط فئة مختارة من المحللين الدفاعيين في واشنطن بالمؤسسة الدفاعية الإسرائيلية.

وتساعد الأنشطة التي يمهد لها المعهد في إيجاد جو من التعارف والاتصال المستمر بين موظفي الدفاع الأمريكيين والزعامة اليهودية الأمريكية وموظفي الدفاع الإسرائيليين، ومع أن المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي هو المنظمة اليهودية الوحيدة التي تعالج شؤون الأمن بوجه خاص، فهو ينجز أعماله في إطار اهتمام متعاظم بالشؤون العسكرية في أوساط منظمات المؤسسة اليهودية.

كما يضطلع بدور رئيسي في الترويج للأولويات بالنسبة للأمن الإسرائيلي ويشرح في نظرته الإستراتيجية أهمية إسرائيل بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فيقول: "إن مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية مرتبط بمجموعة دولية تتمثل في أوروبا الغربية واليابان وإسرائيل وكندا وأستراليا ونيوزلندا"، ومن ثم يضع إسرائيل جنباً إلى جنب مع دول حلف الناتو واليابان.

ويذكر جوزيف شوربا عضو هذا المعهد في كتابه بعنوان " سياسات الهزيمة"، في الجزء التمهيدي، "أن هدف هذا الكتاب هو التدليل على أن حيوية إسرائيل حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، وأن على الأخيرة أن تلتزم بصورة قاطعة بالدفاع عن ذلك البلد والمحافظة عليه، لأن إسرائيل ستبقي ذات أهمية إستراتيجية كبرى بالنسبة للأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية".

ويذكر جوزيف شوربا في كتابه الثاني "التراجع عن الحرية"، "أن الأنظمة العربية غير المستقرة لا يمكنها أبداً أن تكون بديلاً عن الدور الإسرائيلي الهام لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها".

ثالثاً: بعض الأدوار التي اضطلعت بها المنظمات الأمريكية اليهودية لمصلحة إسرائيل

لا شك أن التأثير السياسي للمنظمات الأمريكية اليهودية كان واضحاً في الولايات المتحدة الأمريكية لمصلحة إسرائيل ومن أمثلة ذلك:

1. تعيين وزير خارجية يهودي هو هنري كيسنجر، الذي كان يتمتع بثقة الرئيس الأمريكي نيكسون، ومن ثم استطاع أن يؤدي دوراً مهماً في مصلحة إسرائيل خلال حرب أكتوبر1973، من خلال إمدادها خلال الفترة الحرجة من الحرب بجسر جوي وبحري من الأسلحة الحديثة أدى إلى التأثير على التوازن العسكري وقت الحرب علاوة على تأديته دوراً مهماً في تحقيق السلام بين إسرائيل ومصر، من أجل إبعاد مصر عن معادلة الصراع في المنطقة.

2. تأثير الإيباك (Aipac) سلباً أو إيجاباً في إمكانية إعادة انتخاب أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين، مما جعل أغلبهم يصوت دائماً لمصلحتهم، وقد أدى ذلك إلى موافقة الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون"، في أبريل 1995 على حضور المؤتمر السنوي للمنظمة في أول سابقة من نوعها على المستوى الرئاسي، وذلك من أجل دعمه خلال الترشح لفترة ولاية ثانية، بل تحرك الرئيس كلينتون أيضاً من أجل دعم أيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما فشل مؤتمر كامب ديفيد  الثاني خلال المباحثات بين إسرائيل والفلسطينيين.

3. حصول إسرائيل وبضغط من المنظمات اليهودية ومن الموالين لإسرائيل داخل مجلسَي النواب والشيوخ الأمريكيَّين، على ضمانات استثنائية من الحكومة الأمريكية لقروض تبلغ عشرة مليارات من الدولارات لدعم خطط ومشروعات توطين المهاجرين السوفيت، مع تعهد إسرائيلي ـ لم يحترم كثيراً ـ بعدم تقديم دعم حكومي للاستيطان خارج حدود إسرائيل في 4 يونيه 1967، هذا بالإضافة إلى ما حققه اتفاق التجارة الحرة بين البلدَين والذي بدأ سريانه منذ يناير 1995 من دخول للسلع الإسرائيلية إلى الأسواق الأمريكية، بينما يشكل أول سابقة في تاريخ التجارة الخارجية الأمريكية، فضلاً عن اتفاق التعاون الإستراتيجي في المجال العسكري، والذي أثار عندما عقد حفيظة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في حلف شمال الأطلسي، حيث يتيح هذا الاتفاق انفتاح أسرار وبرامج الحلف أمام طرف خارجي عن الحلف وهو إسرائيل.

4. وفي عهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، سيطر اليهود على أكثر المناصب حساسية في الإدارة الأمريكية، ومن ثم المنظمات أن تتحرك لمساندة إسرائيل في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية إذ كان كل من نائب مستشار الأمن القومي "صموئيل برجر" ومستشار الرئيس للأمن القومي "ليون بيرن"، من اليهود المتشددين ويُعَدّ منصباهما من أشد المناصب حساسية بالنسبة للسياسة الأمريكية، ومن صلاحياتهما حضور جلسة الموجز الرئاسي اليومي مع الرئيس ونائبه ومستشار الأمن القومي "أنتوني ريج"، ويُناقَش خلال هذه الجلسة أكثر التقارير خصوصية في واشنطن وأكثر المعلومات حساسية والمتعلقة بالتطورات العالمية، كما أن المجلس القومي الأمريكي خلال فترة الرئيس كلينتون كان يضم سبعة أعضاء من اليهود من مجموع أعضاء المجلس الأحد عشر ويشغلون أشد الوظائف حساسية من الأمن والخارجية، حيث يشغل "ساندي برجر" منصب نائب رئيس المجلس، ومارتن أنديك ـ الذي عين سفيراً فيما بعد للولايات المتحدة في إسرائيل ونقل إليها أخباراً سرية ـ كان يشغل منصب المدير المسؤول عن شؤون الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وشغل "دان شيفتر" منصب المستشار الرئيسي للرئيس لشؤون غربي أوروبا، وشغل "دونا ستاينبرج" منصب مستشار الرئيس لشؤون أفريقيا، كما شغل ريتشارد فنبرج منصب مستشار الرئيس لشؤون أمريكا اللاتينية، وشغل "ستانلي روس" منصب المستشار لشؤون آسيا، هذا بالإضافة إلى تولي وظائف على درجة هامة لقضايا الشرق الأوسط ولمصلحة إسرائيل ومن أمثلة ذلك:

أ. تولى "دينيس روس" فريق السلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى كلّ من "دان كورتزر" و "أهارون ميللر" المسؤولَين عن قضايا الشرق الأوسط، وكلّها أسماء معروفة تماماً في إسرائيل بسبب وقوفهم دائماً لنصرتها في كافة القضايا السياسية.

ب. تولى "أينرمكيف" مسؤولية إعداد برامج الرئيس الأمريكي وتنظيم مواعيده، و"فيل ليديا" منصب المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي، و"روبرت روبن" منصب مدير الدعاية للرئيس و"ميكي كاتور" مسؤولية الاتفاقيات التجارية الدولية وكلّهم من الموالين تماماً لإسرائيل ويخضعون للمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم كان لهم تأثير كبير في توجيه السياسة الأمريكية لخدمة القضايا الإسرائيلية السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها.

5. تحرك المنظمات اليهودية الأمريكية، وبإيعاز من إسرائيل، بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لتأكيد أن المنظمات الفلسطينية منظمات إرهابية، بل استطاعت أن تقنع الشعب الأمريكي من خلال وسائل الإعلام بذلك، مما أثر سلباً على القضية الفلسطينية لمصلحة إسرائيل، بل جُمِّدَت بقرار من الكونجرس أيّ أموال للجماعات التي يرى أنها جماعات إرهابية، بل أكثر من ذلك يطالب أعضاء الكونجرس بدعم إسرائيل مادياً واقتصادياً من أجل الوقوف في مواجهة الإرهاب الفلسطيني الذي يُهدد أمن إسرائيل.