إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الثالث

المبحث الثالث

أسس العلاقات السياسية الإسرائيلية - الأمريكية

تتأسس العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية على العديد من الركائز الفريدة في عالم اليوم، حيث من المعروف، أنه لم تنشأ دولة في أيّ مكان في العالم مثل دولة إسرائيل، التي نشأت من خلال الاستيلاء على أرض، ونزوح مهاجرين متعصبين ليكوِّنوا دولتهم على تلك الأرض على مسمع ومرأى من العالم أجمع، وبمساعدة دول الاستعمار المهيمنة على المنطقة في ذلك الوقت.

ولقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي آخر دولة نشأت من نزوح مهاجرين يستوطنون في أراضي الغير، يُنْشِئوا دولتهم عليها، ويبيدوا الشعوب الأصلية التي تسكن تلك الأرض، فيما بين القرنَين 16، 18، ولتأتي إسرائيل في القرن 20 لتكرر ما فعله المهاجرون الأوروبيون إلى قارة الولايات المتحدة الأمريكية.

وركائز العلاقات السياسية الإسرائيلية ـ الأمريكية تعتمد على المصالح المتبادلة، فالشرق الأوسط يمثل للولايات المتحدة الأمريكية منطقة إستراتيجية هامة تؤثر على الأمن القومي الأمريكي، كذلك فإن إسرائيل- طبقاً لنظرية الأمن الإسرائيلي تَعُدّ الولايات المتحدة الأمريكية، هي الحليف الإستراتيجي الذي تعتمد عليه في صراعها مع العرب.

ومرت العلاقات السياسية الإسرائيلية – الأمريكية بعدة مراحل كالآتي:

1. مرحلة الدعم المستتر والتشجيع على الهجرة إلى فلسطين، وبدأت بعد قرارات مؤتمر بازل عام 1896 حتى عام 1922.

2. مرحلة الدعم لإنشاء الدولة، وبدأت بصدور قرار الكونجرس الأمريكي بدعم إنشاء الدولة اليهودية وحتى التصويت بالاعتراف بها في 15 مايو 1948.

3. مرحلة التعاطف والدعم المادي والمعنوي، من عام 1948 وحتى نهاية عام 1956.

4. مرحلة التحالف الإستراتيجي وبدأت في أعقاب حرب العدوان الثلاثي على مصر عام 56، واستمرت حتى الآن، مع تصاعدها باستمرار لمصلحة إسرائيل.

أولاً: التوجه السياسي الأمريكي تجاه إسرائيل

في ضوء دراسة تاريخ السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل، والموقف الأمريكي من الصراع العربي – الإسرائيلي، يمكن تحديد ثلاثة تصورات مميزة عن إسرائيل لدى أعضاء النخبة الأمريكية الحاكمة من الشخصيات الرئيسية صانعي القرار السياسي أو يعملون كحلقة وصل بين الإدارة الأمريكية ومراكز صنع القرار. وهذه التصورات تشير إلى السياق العام في توجهات السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل في المجالات المختلفة، وبما يحقق نتيجة واحدة هي مزيد من الترابط بين الدولتَين ودعم مطلق لإسرائيل. وهذه التصورات هي:

1. التصور الأول: إسرائيل تجسيد لدولة جديدة يجب دعمها

ترجع جذور هذا التصور، من الناحية التاريخية، إلى ما قبل نشوء دولة إسرائيل. كما أنه من الناحية الموضوعية، يعكس التطورات التي لحقت بالرؤية الأمريكية لليهود، وهي تطورات كلّها إيجابية كما أن هذه التطورات لا ترجع فقط إلى التعاطف الأمريكي إزاء الاضطهاد النازي لليهود، أو للنجاحات المتعددة التي أحرزها اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولكنها ترجع أساساً لذلك التشابه الكبير بين نشأة إسرائيل ونشأة الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، من ناحية الاعتماد على الاستعمار الاستيطاني لتكوين الدولة؛ ومن هنا كان الإعجاب الأمريكي الشديد بالجهود اليهودية من أجل نشوء دولة إسرائيل، ومن ثم كان التأييد والدعم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين لإنجاح الأمل المنشود في تكوين دولة إسرائيل.

وهذا الاعتقاد الأمريكي هو الذي جعل الرئيس "ترومان" يرفض، في 28 أكتوبر 1948، مطالبة الملك عبدالعزيز آل سعود بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والعمل على استيعابهم في دول العالم الأخرى. وكان رد الرئيس ترومان يحدد التصور الأمريكي لمستقبل إسرائيل، وتقول بعض فقرات الرسالة التي بعث بها ترومان إلى الملك عبدالعزيز: "إن وضع اليهود المفجع، وخاصة من بقوا بعد اضطهاد النازيين في أوروبا، يشكل قضية ذات أهمية وتأثير، لا يمكن أناساً ذوي نية طيبة وطبيعة إنسانية أن يتجاهلوها. إن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وسكانها عاصروا مفهوم الوطن القومي اليهودي في فلسطين، منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، التي أثمرت في تحرير الشرق الأدنى، ومن ضمنه فلسطين، وإنشاء عدد من الدول المستقلة، التي هي أعضاء في هيئة الأمم، اليوم. والولايات المتحدة الأمريكية هي التي ساهمت في الدفاع عن تحرير الشعوب، واتخذت الموقف الذي لا تزال ملتزمة به، في تهيئة هذه الشعوب للحكم الذاتي، ووجوب إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وقد كان من الطبيعي أن تشجع دخول عدد كبير من المشردين اليهود في أوروبا إلى فلسطين، لا ليجدوا هناك ملجأ، بل ليتمكنوا أيضاً من المساهمة بمواهبهم وجهودهم في سبيل تشييد الوطن القومي اليهودي".

وكما هو واضح، فإن الرسالة تحمل العديد من المغالطات التاريخية،وتحمل أيضاً تطلعات أمريكية تجاه المنطقة. فليس هناك أيّ أساس قانوني، يبيح انتهاك حرية دولة وغزوها بهجرة أجنبية ليس لها أي دخل فيها؛ ولكن بدعوى المسؤولية الدولية. ولكن حقيقة الأمر أن الولايات المتحدة الأمريكية، تظهر من خلال الرسالة التعاطف الحاد مع الدولة اليهودية، والإيمان بالقدرات الخلاقة للشخصيات اليهودية؛ وبذلك أصبحت إسرائيل تجسيداً لآمال وطموحات القومية اليهودية في الإحياء القومي اليهودي.

وربما كان هذا التصور الأمريكي يبدو أنه يمثل مرحلة تاريخية محددة، لم فقدت تأثيرها في المراحل التالية. ولكن الحقيقة تخالف ذلك، إذ إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة طورت من ارتباطاتها بإسرائيل، وربما كانت تصريحات المسؤولين الأمريكيين، على فترات متتالية، ذات دلالة خاصة على هذا المنظور:

أ. كشف وليام كوانت، في كتابه "عملية السلام بين الدبلوماسية الأمريكية والصراع العربي ـ الإسرائيلي"، أن هناك موقفاً ثابتاً للسياسة الأمريكية، منذ عام 1967، يلتزم به جميع الرؤساء الأمريكيين، وهو الدعم الكامل لإسرائيل، على أن ينفذه كلّ رئيس بطريقته الخاصة، ويستشهد كوانت على ذلك بمواقف محددة، منذ تولي الرئيس كيندي الحكم إلى أن انتهت رئاسة كلينتون للولايات المتحدة الأمريكية.

واللافت هو موقف الرئيس جونسون، الذي أصر على الدعم الشامل لإسرائيل، وخاصة الدعم العسكري. وفسر كوانت هذا الاندفاع المحموم من جانب جونسون في دعم إسرائيل، بما كان يحمله من مشاعر حارة ومملوءة بالإعجاب تجاه إسرائيل، وعرفاناً لها بأن اعتمد على أصوات اليهود في انتخابه. و ويُعَدّ تشجيع الرئيس جونسون لإسرائيل على شن عدوان يونيه 1967 نقطة تاريخية في الخلاف ما بين العرب وواشنطن. وقد أفقد التشجيع ثقة العرب بتوجه سياسة الولايات المتحدة الأمريكية نحو المنطقة، منذ هذا التاريخ ولفترة طويلة تالية.

ويزعم كوانت في كتابه، أن جونسون لم يكن مرتبطاً بالعداء للعرب بشكل خاص؛ ولكن هذا العداء كانت له أسباب عديدة منها دور الاتحاد السوفيتي في المنطقة، والذي استغل شعار القومية العربية ليتغلغل ويزيد من عداء العرب للولايات المتحدة الأمريكية، والغرب عموماً. وجرى التعبير عن ذلك في شكل توتر حاد للعلاقات المصرية ـ الأمريكية بين عامَي 1964 و1967، بسبب خلافات حول حرب اليمن ومطالب المساعدات الأمريكية.

والأكثر من ذلك أن كوانت لم يخفِ، أن جونسون كان يرى في جمال عبدالناصر خصماً رئيسياً للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن الرد الأمريكي على ذلك تمثل في تعزيز الوضع الإسرائيلي في المنطقة، وبما شجع إسرائيل على شن حربها عام 1967.

وينتقل كوانت بعد ذلك إلى مرحلة نيكسون ـ كيسنجر، حيث كان هنري كيسنجر هو صانع السياسة الخارجية الأمريكية طوال فترة حكم نيكسون، وأرسى سياسة الخطوة ـ خطوة، والتخلي عن سياسة الحل الشامل دفعة واحدة، والتي كانت تحكم أدبيات الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

ب. في 12 يونيه 1978، صرح وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، أمام مجلس النواب، بأن "التزامنا بأمن وقوة ورخاء إسرائيل لا رجعة فيه. ولقد أعادت تأكيد ذلك كلّ حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، منذ نشأة إسرائيل قبل 30 عاماً حتى الآن؛ وهذا مظهر من مظاهر السياسة الخارجية الأمريكية. وفي هذا العقد، توسع هذا الالتزام وقوي مع الزمن، ومع التطور الثابت بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل".

ج. صرح بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر، "بأن العرب يجب أن يفهموا أن العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، لا يمكن أن تكون متوازنة مع العلاقات العربية – الأمريكية؛ لأن ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل علاقات حميمة، مبنية على التراث التاريخي، والفاعلية التي تتعزز باستمرار من خلال النشاط السياسي لليهود الأمريكيين؛ بينما العلاقات الأمريكية – العربية، لا تحتوي على أيّ عامل من هذه العوامل".

د. واستمرت التصريحات على هذا النهج، حتى إن الرئيس كلينتون ذكر في خطابه، في مؤتمر صانعي السلام في شرم الشيخ في 13 مارس 1996، " أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية التزاماً أدبياً نحو تحقيق أمن إسرائيل، وبقدر ما تسعي الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، فإنها تضمن أمن إسرائيل بالدرجة الأولى".

هـ. لا تفتأ إدارة الرئيس بوش "الابن" تعلن تأييد ما تتخذه إسرائيل بحجة الدفاع عن النفس، من دون أن توجه لها أيّ نقد لإيقاف ممارسات إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين.

2. التصور الثاني: إسرائيل أداة لتحقيق إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط

يصور وزير الطيران الأمريكي، في الفترة ما بين عامَي 1947 و1950، "ستيوارت سيمنجتون"، إسرائيل بأنها "حاملة الطائرات الأمريكية التي لا تغرق". وهذا الوصف يوضح الدور الذي تؤديه إسرائيل في الإستراتيجية الأمريكية، وبالتالي الالتزامات المفروضة على الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إسرائيل، لكونها موقعاً متقدماً للدفاع عن المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

ولقد تعدد الدور الإسرائيلي في الدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة، كالآتي:

أ. مع بداية تصاعد الحرب الباردة، ومحاولات الاتحاد السوفيتي للتغلغل في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة لأخطاء السياسة الأمريكية والغربية تجاه دول المنطقة، كانت إسرائيل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، واستغلت ذلك في ممارسة العدوان على الدول العربية الصديقة للاتحاد السوفيتي. ولم تَجْنِ الولايات المتحدة الأمريكية من هذا التحالف إلا زيادة الكراهية من شعوب المنطقة. ولم تتمكن إسرائيل من إيقاف المد الشيوعي في الشرق الأوسط، بل إنه بعدوانها المستمر ساعدت على استمرار تغلغله، ولم يوقفه إلا قرار مصر، عام 1975، إجراء توازن في علاقاتها مع القوتَين العظميَين، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية؛ واستثمارها لنصر أكتوبر، ورغبتها في تحقيق السلام الذي كانت الولايات المتحدة الأمريكية تدير خطواته، وتتمسك بأن تكون مبادرات السلام أمريكية. وعلى الجانب الآخر، اتخذ الاتحاد السوفيتي موقفاً مضاداً للتوجه المصري نحو السلام. وشجع سورية على معارضة هذا التوجه، لأنه كان يعلم أن تحقيق السلام يعني تقليص وجوده في المنطقة، كما حدث في تجربة سابقة، عندما قرر الرئيس السادات الاستغناء عن المستشارين السوفيت، في 17 يوليه 1972.

ب. إن شرق البحر المتوسط، يمثل منطقة إستراتيجية مهمة للولايات المتحدة الأمريكية؛ لتكمل من خلاله حلقة السيطرة على هذا البحر. وقد أثبتت أحداث لبنان، عام 1957، والأحداث في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية منذ عام 1976، أهمية وجود قاعدة أمريكية في المنطقة. وقد عبّر النائب الأمريكي الجمهوري "جاكوب جافيتشن"، عن أهمية إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية، " بأنها قاعدة يمكن الاعتماد عليها من قبل العالم الحر في الأمور العسكرية والإستراتيجية في الشرق الأوسط والبحر المتوسط"

. ولم ينسَ أحد أن إسرائيل زرعت في هذا المكان من أجل تقسيم العالم العربي في الأساس، والتأثير على كلّ الدول العربية سواء شرق المتوسط، أو جنوب شرقه. وفي هذا المجال، فإن النائب الديموقراطي جوزيف ماركوماك، قال: "إن على الكونجرس أن يدرك، أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط، التي نستطيع الاعتماد عليها، ولا نستطيع الاعتماد على غيرها". ولقد سيطرت تلك الفرضية على أعضاء الكونجرس باستمرار، وحتى الآن، وكان يثار ذلك عندما تطلب إسرائيل مساعدات سواء في مجال الاقتصاد أو في مجال المساعدات العسكرية.

ج. استخدمت إسرائيل في العديد من المرات كذراع طويلة تحقق أهداف أمريكية أو غربية في المنطقة:

(1) كان الاستخدام الأول من قبل إنجلترا وفرنسا في حرب العدوان الثلاثي على مصر، لتصبح مقدمة وذريعة للعدوان. وقد أثبت نجاح دور إسرائيل في هذا الوقت للولايات المتحدة الأمريكية، أنها أداة يمكن الاعتماد عليها في مثل هذه الأمور؛ لذلك، فإن التقارب الإسرائيلي ـ الأمريكي تصاعد منذ هذا التوقيت ليبلغ ذروته عام 1967، لتحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على المد الثوري المصري من خلال إيقاع هزيمة بمصر تجعلها تقبع داخل حدودها. وكان هذا هو أحد أهداف إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية في الجولة العربية ـ الإسرائيلية الثالثة (يونيه 1967).

(2) تعددت الاستخدامات بعد ذلك في قصف المفاعل النووي العراقي" أوزيراك"، في 7 يونيه 1981، وفي قصف أهداف سورية، في أعقاب نسف مبنى البحرية الأمريكية والسفارة الأمريكية في لبنان عام 1983، وفي التهديد المباشر لإيران لكونها دولة تبني قوة غير تقليدية تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة.

(3) تستخدم إسرائيل من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في أداء دور رئيسي في الحرب ضد الإرهاب، بتصفية العديد من المنظمات الفلسطينية، التي تدعي الولايات المتحدة الأمريكية أنها منظمات إرهابية، من دون التفرقة ما بين حرب التحرير والإرهاب. وتستغل إسرائيل ذلك في محاولة للقضاء على الكيان الفلسطيني وتدمير بنيته الأساسية من أجل إجباره على الرحيل أوترك الأرض الفلسطينية، على غرار ما ارتكبته إسرائيل من المجازر والإرهاب ضد القرى الفلسطينية في عامَي 1947 و1948.

د. أصبح من المتعارف عليه منذ فترة طويلة، أن للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط مصلحتَين رئيسيتَين:

(1) تأمين منابع البترول في الخليج العربي، وطرق نقله.

(2) ضمان أمن إسرائيل بصفتها الحليف الإستراتيجي الأول للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.

ومن هنا، فإن ما يربط الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة ليس متطلبات مصالحها فقط، ولكن أمنها بالدرجة الأولى. فمع نهاية الحرب الباردة، واختفاء تهديد العدو التقليدي " الاتحاد السوفيتي"، برزت تهديدات غير تقليدية لتحتل صدارة الاهتمامات الأمنية الأمريكية. وبالتالي فقد تطورت نظرة الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة أمنياً. ويأتي في مقدمة هذه الاهتمامات الأمنية، ما يطلق عليه "أمن الموارد الحيوية". وعلى ذلك فإن الرؤية الإستراتيجية الأمريكية الراهنة، تنظر إلى أيّ تهديد لمنابع البترول في الخليج العربي بصفته تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي ذاته. وأيضاً تنظر لأيّ تهديد لتخطي التفوق العسكري الإسرائيلي في المنطقة، على أنه تهديد للمصالح الأمريكية، وبالتالي تحاول الحفاظ على تفوق الحليف الإستراتيجي الأول في الشرق الأوسط.

هـ. إن خبرة السياسة الأمريكية في المنطقة، طوال النصف قرن الأخير، تشير إلى أن فصل قضايا البترول في الخليج عن مشكلات الصراع العربي – الإسرائيلي، يحقق مصلحة أمريكية أكيدة. لذلك، فهي تتمسك بهذا المبدأ.

و. إن السياسة الأمريكية أثبتت مراراً أنها في سبيل الاستمرار في حماية البترول العربي، والحليف الإستراتيجي، ويمكنها التغاضي عن مبادئ وشعارات يمكن أن ترفعها وتضغط في سبيلها على دول أخرى في المنطقة أو العالم. ومن هنا، يمكن إدراك تغاضي الولايات المتحدة الأمريكية عن حقوق الإنسان الفلسطيني وعن ديموقراطيتها في سبيل دعم إسرائيل سياسياً.

3. التصور الثالث: إسرائيل لكونها حضارة غربية، تحقق مصالح رئيسية في منطقة الشرق الأوسط، تستفيد منها الولايات المتحدة الأمريكية

كانت بدايات طرح هذا التصور قائمة على أساس المشابهة الحضارية بين إسرائيل والمجتمعات الغربية، وقد دفع هذا التصور النخبة الأمريكية إلى المطالبة بدعم إسرائيل والحفاظ على أمنها وتحقيق رفاهيتها. وقد أصبح هذا التصور فيما بعد تجسيداً لوحدة المصالح والأهداف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى درجة يصعب فيها التمييز بين ما هو صالح لإسرائيل وغير صالح للولايات المتحدة الأمريكية.

والجانب الأول من هذا التصور القائم على أساس المشابهة الحضارية لعب دوراً بارز في تشكيل الإدراك الأمريكي لإسرائيل كقوة غربية في منطقة الشرق الأوسط، تنتمي حضارياً إلى العالم الغربي بأنظمته وقيمه السياسية والاجتماعية؛ وبالتالي لقيت تعاطفاً شديداً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، التي أدركت " أن انتصار إسرائيل يحقق تميزاً للعالم الحر ضد القوى الاشتراكية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أثارها النظام الإسرائيلي بديموقراطيته النادرة وسط مجموعة الأقطار العربية، كما أثار إعجابها القيم السائدة في المجتمع الإسرائيلي والتي تحددها الولايات المتحدة الأمريكية في قيم الإنجاز والروح الوثابة والمغامرة الجريئة، وكلّها قيم تعيد ذكرى شباب الولايات المتحدة الأمريكية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.

ويرى كثير من الأمريكيين أن وجود إسرائيل يمثل مصلحة أمريكية، ويرى أكثر مؤيدي إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية، أنها بكونها المجتمع الديموقراطي الوحيد في المنطقة، تمثل نموذجاً للتقدم والتنمية تحتاج إليه الأقطار العربية نفسها؛ وعلى ذلك فإنهم أبدوا اقتراحاً أن تكون إسرائيل حجر الزاوية والإدارة المختارة للسياسة الأمريكية للتعامل مع الأقطار العربية.

وربما يفسر ذلك ما أعلنه شيمون بيريز Shimon Peres وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، في المؤتمر الاقتصادي لدول الشرق الأوسط ودول شمال أفريقيا الذي عقد في الدار البيضاء عام 1994: "أن مصر قادت العرب لمدة خمسين عاماً، ولم تحقق التقدم المطلوب، وليجرب العرب قيادة إسرائيل للمنطقة، لتعرُّف الفارق، والوصول بأسرع ما يمكن لتحقيق التقدم المنشود".

وعموماً فإن رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية باستمرار كانوا يتعاملون مع إسرائيل على أساس أنها مصلحة أمريكية؛ ومن ثم كان حرصهم الدائم هو أمن إسرائيل. وتأكد هذا في عهد الرئيس جونسون، الذي مثَّل مرحلة تحول رئيسية لمصلحة إسرائيل، وهو الذي استخدم تعبير " أن الولايات المتحدة الأمريكية ملتزمة بأمن إسرائيل"، ومن ثم فقد تكرر استخدامه من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة سواء الرئيس نيكسون أو كارتر، أو ريجان أو بوش، أو كلينتون، حتى الرئيس الحالي جورج بوش "الابن".

وبهذا المعنى، لم تعد إسرائيل مجرد أداة للحفاظ على المصالح الأمريكية وحسب، ولكنها تفوق ذلك كلّه، حيث أصبحت قوة غربية تمثلمن ناحية الحضارة الغربية القيم والرموز، كما أنها تمثل من ناحية أخرى امتداداً للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط التي قد تكون إسرائيل نفسها جزءاً منها. وبالتالي فإن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هي في الأساس علاقة التزام أمني وحضاري وسياسي تجاه إسرائيل.