إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









الفصل الأول

3. المرحلة الثالثة : المتغيرات المترتبة على أحداث 11 سبتمبر 2001

في 11 سبتمبر 2001 المعروف باسم الثلاثاء الأسود تلقت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة في العالم والمتفردة على قمة النظام العالمي في العقد الأخير من القرن العشرين، واحدة من أقسى الضربات في تاريخها، مقارنة حتى بهزيمتها الشهيرة أمام اليابان في معركة "بيرل هاربر" إبان الحرب العالمية الثانية.

وقد أشار بعض المحللين إلى أن هذا الحادث الذي اتهمت عناصر إسلامية وعربية بتدبيره، يُعْزَى إلى السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، التي تنحاز إلى إسرائيل بشكل أعمى وتكيل بمكيالَين دون أيّ تقدير لردود الأفعال. "كذلك يشيرون إلى أن وجود إسرائيل وسلوكها العدواني ضد الشعب الفلسطيني هو السبب الأول الذي أطلق شرارة الإرهاب، وأن استهداف الإرهاب للولايات المتحدة الأمريكية يرتبط مباشرة بسياستها المتحيزة دوماً لإسرائيل".

وأحداث الحادي عشر من سبتمبر شكلت خط تقسيم رئيسياً في السياسة الدولية، والاعتماد على القدرة العسكرية بصفتها وسيلة رئيسية لتحقيق أهداف سياسية، بحيث إن القوة العسكرية أصبحت الأداة الأولى – من وجهة نظر زعيمة النظام العالمي الجديد "الولايات المتحدة الأمريكية" لتحقيق أهدافها وسبقت هذه القوة القدرة الدبلوماسية، التي تعتمد على تبادل المصالح والإقناع، والتحالف. وما يفعله الرئيس بوش الابن في توجيه سياسته الداخلية والخارجية، هو تطابق مع ما تنفذه إسرائيل في المنطقة.

فعلى المستوى الداخلي، جعل الرئيس بوش مسألة أمن المواطن الأمريكي ومسألة أمن الولايات المتحدة الأمريكية لها أهم معاركه السياسية، ومن خلال الأمن سوف يتحقق انتعاش الاقتصاد ورفاهية المجتمع الأمريكي. ومن هنا فقد صعدت إدارة بوش تصوير الحرب ضد الإرهاب على أنها رسالة وطنية يجب أن تلقى اهتماماً من كلّ مواطن أمريكي.

وعلى المستوى الخارجي، فإن الرئيس بوش أعلن في 13سبتمبر 2001، وبعد الأحداث مباشرة، "أنه من ليس معنا فهو مع الإرهاب". وبذلك حدد موقف الولايات المتحدة الأمريكية من التحالف الدولي الذي أرادت أن تشكله من أجل شن أول حروب القرن، وهي الحرب ضد الإرهاب.

ومن المفارقات، أن توجه الإدارة الأمريكية اليمينية المتشدد، تلاقى مع التطرف اليميني المتشدد أيضاً في إسرائيل، والذي تمثله حكومة الليكود بقيادة أريل شارون، حتى تكاد التطورات في البلدَين تسير في اتجاه واحد نحو سيادة قوى التطرف والعنف وعدم احترام الشرعية الدولية في كلّ من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية.

وعلى الرغم من العلاقات الخاصة بين الدولتَين، إلا أن أحداث سبتمبر عمقت تلك العلاقات بصورة متعاظمة كالآتي:

أ. فقد استغلت إسرائيل شعار" الحرب ضد الإرهاب" في إضفاء الشرعية على حربها ضد الفلسطينيين، على الرغم من التوازن المفقود، وعلى الرغم من الهدف من الحرب، وعلى الرغم من طبيعة الأطراف المتصارعة. وفي هذا المجال، فقد نجحت إسرائيل أن تنتزع من الإدارة الأمريكية قراراً بأن المنظمتَين الفلسطينيتَين حماس والجهاد، هما منظمتان إرهابيتان ينطبق عليهما ما ينطبق على المنظمات الإرهابية الأخرى من عقوبات.

ب. حرص شارون على تقديم مذكرة متبادلة بينه وبين الرئيس بوش توضح رؤية جديدة بعد أحداث 11 سبتمبر، أشار فيها إلى ضرورة إحراز نقاط جديدة لحساب مصالحهما الخاصة بعد أن وصل الإرهاب إلى قلب الولايات المتحدة الأمريكية، وقد لاقت هذه المذكرة اهتماماً كبيراً من الإدارة الأمريكية لقناعة الولايات المتحدة الأمريكية أن إسرائيل حليف إستراتيجي، وأنها لا يمكن أن تعتمد على العرب لأن مواقفهم ليست ثابتة، كما أن هناك تقاطعات في المصالح العربية ـ الأمريكية بعكس ما هو حادث مع إسرائيل.

ج. أشار شارون في مذكرته إلى أنه في غضون عشرة أعوام قادمة فإن عدد المنظمات الإرهابية التي تستهدف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل سوف يناهز ستمائة منظمة رئيسية، وهذا يتطلب ضرورة الأخذ بمفهوم القوة في إطار "عولمة العلاقات الدولية"؛ ولا يكفي أن يكون هناك حديث دولي عن القوة الأمريكية.

وأشار شارون إلى أن المطلوب هو أن تكون هناك إرادة قوية تبرز بالفعل قدرة القوة العظمى في مواجهة الأعداء، حتى لو كانوا ضعفاء لا يملكون سلاحاً أو تكنولوجيا متقدمة، لأن هذه العمليات في حد ذاتها تعطي استعراضاً حقيقياً للقوى العسكرية الكبرى مع رسوخ فكرة التحالف الدولي وخضوعه لفكرة استخدام القوة للقضاء على الإرهاب.

د. بلغت زيارات أريل شارون منذ توليه السلطة في فبراير 2001، وحتى أكتوبر 2002 ست زيارات، يستخدمها جميعاً لمصلحة دعم الإدارة الأمريكية وتأييدها للأعمال الإجرامية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، ووصل الأمر في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية إلى أن يصف الرئيس بوش، رئيس الوزراء الإسرائيلي في تصريحاته خلال عرضه لخطته في الشرق الأوسط لإنهاء الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في 24 يونيه 2002، بأن شارون "رجل سلام".

هـ. حظيت إسرائيل بالتأييد الأكبر في بيان الرئيس بوش، الذي ألقاه في 24 يونيه 2002 عن الشرق الأوسط، والذي انتظرته شعوب المنطقة والعالم كثيراً. وأوضح في فقرات من هذا البيان:

(1) أنه أمر غير مقبول أن يعيش الشعب الإسرائيلي في خوف، كذلك فهو أمر غير مقبول أن يعيش الشعب الفلسطيني في ظل الفساد السياسي وفي ظل الاحتلال. والوضع الحالي لا يوفر أيّ احتمال بأن تتحسن الحياة لأيّ منهما، فالمواطنون الإسرائيليون سيستمرون في أن يكونوا ضحية إرهابية، وهكذا فإن إسرائيل ستستمر في الدفاع عن نفسها.

(2) تلتزم كلّ دولة محبة للسلام بمنع تدفق المال والمعدات والأسلحة والمجندين الجدد إلى الجماعات الإرهابية التي تسعى إلى دمار إسرائيل بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله.

(3) لإسرائيل أيضاً مساهمة كبيرة في إنجاح فلسطين الديموقراطية، فالاحتلال الدائم – يهدد هوية وديموقراطية إسرائيل، ووجود دولة مستقرة مسالمة ضروري لتحقيق الأمن الذي تتوق إليه إسرائيل. وأطالب إسرائيل باتخاذ خطوات ملموسة لدعم إقامة دولة فلسطينية ذات مصداقية قادرة على الاستمرار.

(4) أستطيع أن أتفهم مشاعر الغضب والألم العميقة للشعب الإسرائيلي، فقد عاشوا فترة طويلة جداً مع الخوف والجنازات، مضطرين إلى تجنب الأسواق ووسائل النقل العام، وأجبروا على وضع حراس مسلحين في صفوف حضانات الأطفال. وأنا أؤمن أن لكم الحق في حياة طبيعية، ولكم الحق في الأمن.

و. على الرغم من التأييد المطلق لإسرائيل من قبل إدارة الرئيس بوش، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول بقدر الإمكان موازنة الموقف فيما يخص مصالحها في المنطقة العربية، وبخاصة، تأمين وجودها في قواعد في دول الخليج، والتي تمثل نقلة إستراتيجية هائلة للمصالح الأمريكية. لذلك، فقد اتضحت صورة هذا التوازن في شكل تصريحات وقرارات ومبادرات من الإدارة الأمريكية، ولكن تنفيذها لم يتناسب مع قوة التصريح ذاته، وعلى سبيل المثال:

(1) كانت جولات " ميتشيل" و"تينيت" عام 2001 من أجل تأكيد الإدارة الأمريكية أنها مهتمة بأمن إسرائيل وترفض العنف الموجه إليها.

(2) أعلن الرئيس بوش في أكتوبر 2001، أن الدولة الفلسطينية كانت دائماً جزءاً من التصور الأمريكي لحل الصراع العربي – الإسرائيلي، وكان هذا تجاوباً مع المبادرة العربية للسلام في الشرق الأوسط.

(3) أعلن كولين باول وزير الخارجية الأمريكي في 19 نوفمبر 2001، معبراً عن رؤية بلاده للسلام في الشرق الأوسط: "بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام بدون الاعتراف القاطع والصريح بحق إسرائيل في الوجود بصفتها دولة يهودية داخل حدود آمنة".

(4) قدمت الولايات المتحدة الأمريكية القرار رقم 1397 في نهاية يوليه 2002، والذي وافق عليه مجلس الأمن بالإجماع في الثاني عشر من سبتمبر 2002، وفيه يقرر مجلس الأمن لأول مرة إمكان إنشاء دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيل، على أن يسود السلام بينهما. ويُعَدّ هذا القرار هو أول قرار يعترف بإمكانية نشوء دولة فلسطينية.

(5) ثم تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار 1402 في نهاية شهر سبتمبر والذي يدعو إسرائيل إلى إيقاف العنف في الأراضي الفلسطينية والانسحاب إلى أوضاع ما قبل 28 سبتمبر2000، والبدء في مفاوضات الحل السلمي.

(6) قدمت الولايات المتحدة الأمريكية "خطة الطريق" خلال شهر أكتوبر 2002 لإنشاء دولة فلسطينية بنهاية عام 2005.

ز. وتأتي المبادرات الأمريكية من منطلق الآتي:

(1) الإيمان بأن استمرار العنف في الشرق الأوسط في غير مصلحة إسرائيل على الإطلاق حيث:

(أ) إن إسرائيل تكبدت فيما بين 30 سبتمبر 2000، و31 أغسطس2002 نحو 336 قتيلاً، ونحو 3017 جريحاً من جراء نحو 60 عملية استشهادية ناجحة من أصل نحو 110 عمليات نفذها فدائيون فلسطينيون .

(ب)  إن معدل الركود الاقتصادي في إسرائيل بلغت نسبته خمسة في المائة، وإنه في نهاية عام 2002 سيكون هناك في إسرائيل مليون ونصف المليون من الفقراء من بينهم مائة وعشرة آلاف طفل.

(ج) إنه على الرغم من الإجراءات الأمنية الشديدة التي تتخذها إسرائيل، وعلى الرغم من أن بعض المدن الفلسطينية قد اقتحمت أكثر من خمسين مرة للبحث عن الاستشهاديين، إلا أن الجدار الأمني الإسرائيلي مخترق تماماً من قبل الفدائيين الفلسطينيين.

(2) الحفاظ على الحدّ الأدنى من التحالف الدولي ضد الإرهاب، والذي تشكل فيه الدول العربية الفاعلة عاملاً رئيسياً في التوازن لإنجاح هذا التحالف.

(3) تحقيق فرص مناسبة من أجل حشد الجهود نحو مسألة العراق، حيث تقف الدول العربية دون استثناء موقفاً يعارض ضرب العراق، ويطالب الولايات المتحدة الأمريكية بتثبيت سياستها تجاه المنطقة وعدم الكيل بمكيالَين في إدارة الصراع.

انعكاس نتائج المرحلة الثالثة على السياسة الإسرائيلية ـ الأمريكية

أ. انتقال القضايا التاريخية في الصراع العربي الإسرائيلي إلى مرحلة جديدة، أدى إلى تغيير المفاهيم، وتغيير القيم. وعلى سبيل المثال:

(1) فإن التوازن الإستراتيجي ما بين إسرائيل والدول العربية، يزداد اتساعاً بفضل الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل.

(2) إن قضايا رئيسية مثل إزالة أسلحة الدمار الشامل، تطبق بصورة عشوائية وتتوجه إلى "دول الشر"، من دون النظر إلى أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية في المنطقة.

(3) إن فكرة "حرب أكتوبر هي آخر الحروب بين إسرائيل والعرب" بدأت تتلاشى، بل إن الرأي العام العربي، بدأ بالمطالبة بخوض حرب لهزيمة إسرائيل وإيقاف عدوانها على الفلسطينيين.

ثالثاً: التنسيق السياسي الإسرائيلي ـ الأمريكي للتغلغل في أفريقيا

تعاملت كلّ من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مع الخبرات المترتبة على الإدارة السياسية العربية فيما بعد حرب يونيه 1967 وللإعداد لحرب أكتوبر 1973، والتي توجهت نحو استقطاب الدول الأفريقية للصف العربي باستغلال الثقل المصري والعربي في منظمة الوحدة الأفريقية، وتوجه الدول الأفريقية – ومعظمها مستقل حديثاً – لنبذ سياسات العدوان على إحدى الدول الأفريقية، وخصوصاً مصر التي كانت تمثل، ولا تزال رمزاً أفريقياً للتحرر والثورة ومقاومة العدوان.

في الوقت نفسه، فإن أفريقيا في التوجه الإسرائيلي ـ الأمريكي تمثل منطقة إستراتيجية هامة تحقق دعم سياساتها بالسيطرة عليها من خلال تنسيق المواقف بينها وتحددت تلك السياسات في:

1. تحجيم دور الاتحاد السوفيتي والذي بدأ يتغلغل في أفريقيا خلال عقد الستينيات، وعدم السماح لروسيا بوضع قدمها مرة أخرى في أفريقيا.

2. ملء الفراغ الناشئ عن زوال الاستعمار الأوروبي القديم والذي كان يتحكم في القارة الأفريقية.

3. محاولة حصار الدول العربية – وخاصة مصر – والتقليل من تأثيرها على الدول الأفريقية.

4. محاولة السيطرة على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، لعدم تكرار الحصار الذي مارسته مصر على إسرائيل خلال حرب أكتوبر 1973.

5. استغلال الأسواق الأفريقية في تصريف المنتجات الإسرائيلية والأمريكية، حيث كانت هذه الأسواق تستغل بواسطة أوروبا فقط، ثم جاء الاتحاد السوفيتي ليستولي على جزء من هذه السوق، وكان قد صدر عن مجلس الأمن القومي الأمريكي تقرير في مايو 1997 يقول: "إن 600 مليون أفريقي الذين يعيشون في جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى يمثلون أحد أكبر الأسواق البكر في العالم". وبناء على هذا التقرير طرحت الحكومة الأمريكية على الكونجرس مشروع قانون بتشجيع التجارة مع أفريقيا، أوضحت فيه أن هذه التجارة ستؤدي إلى خلق 100 ألف وظيفة للشباب.

6. يمثل البترول الأفريقي مصدراً للاهتمام الأمريكي الإسرائيلي بالقارة الأفريقية، التي يصل إنتاجها اليومي إلى 7 ملايين برميل تمثل 10% من استهلاك العالم يومياً، هذا بخلاف الاحتياطيات الكبيرة والتي لم تكتشف في الأرض الأفريقية.

7. تهجير يهود أفريقيا إلى إسرائيل "خاصة يهود الفلاشا".

وقد تصاعد التغلغل الإسرائيلي بدعم كامل من الولايات المتحدة الأمريكية، بدءاً بالتعاون والتنسيق مع الدول، التي تحكمها نظم ذات ميول غربية مثل جنوب أفريقيا والتي كانت إسرائيل تتحالف معها، حتى انتهاء الحكم العنصري، كذلك الدول ذات التأثير الإستراتيجي للسيطرة على البحر الأحمر، لذلك تركز التغلغل الإسرائيلي تجاه دول حوض النيل، وخصوصاً إثيوبيا والتي كانت أريتريا جزءاً منها في هذا الوقت، كذلك كينيا وتنزانيا. وقد وصل التغلغل وقتها إلى استقطاب إثيوبيا، بإنشاء مراكز ملاحظة إسرائيلية، وتسهيلات بحرية وبرية في بعض الجزر جنوب البحر الأحمر التابعة لإثيوبيا وأكبرها جزيرة فاطمة.

في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الإتحاد السوفيتي وتصاعد المتغيرات على المستوى الإقليمي والدولي فقد زاد التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، ثم كان التوجه الأمريكي الشامل نحو أفريقيا، والذي توج بزيارة الرئيس كلينتون إلى العديد من دول القارة عام1998، كذلك زيارات وزيرَي الخارجية الأمريكية وارين كريستوفر عام 1996 – ومادلين أولبرايت عام 1999 لدول أفريقية من أجل دعم العلاقات واستقطاب دول القارة، وربط مصالحها بكلّ من الولايات المتحدة وإسرائيل، وتقليص الدور الأوروبي والعربي في أفريقيا. وتنسق السياسة الإسرائيلية ـ الأمريكية جهودها في الوقت الحالي تجاه أفريقيا من خلال: لجان التنسيق الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأمريكي، والذي توزَّع من خلاله الأدوار السياسية لخدمة الأهداف والمصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة والعالم، وتحصل إسرائيل على دور مناسب لتفعيله لمصلحة تحقيق الأهداف الأمريكية بصفة رئيسية وتستغله لتحقيق أقصى استفادة لدعم إستراتيجيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية.

وتحقق كتا الدولتَين من خلال التنسيق أهدافاً سياسية بعيدة المدى، أهمها:

1. تأكيد فاعلية النظام العالمي الجديد، الذي تقف الولايات المتحدة الأمريكية على قمته، ودعم موقف إسرائيل على أساس أنها دولة فاعلة وذات تأثير في منطقة الشرق الأوسط.

2. تقليص حجم الدور العربي في دعم السياسة الأفريقية، وإشاعة الفرقة ما بين الأفارقة والعرب، منعاً لأيّ توجه سياسي أفريقي لمساندة العرب في صراعهم مع إسرائيل.

3. دعم الصناعات الإسرائيلية بإيجاد أسواق كبيرة لها في أفريقيا، سواء لتصريف المنتجات الصناعية، أو العسكرية، كذلك الحصول على احتياجات إسرائيل من الخامات من مصادرها الأصلية دون وسائط.

4. تحقيق أمن لمنطقة جنوب البحر الأحمر، من وجهة نظر إسرائيلية، وتأكيد سيطرة الولايات المتحدة على هذه المنطقة، إلى جانب السيطرة على الشواطئ الأفريقية المطلة على المحيط الهندي.

5. استقطاب دول حوض النيل، من أجل تحقيق إستراتيجية مستقبلية لتخصيص حصة من المياه تصل إلى إسرائيل في أعقاب تحقيق السلام في المنطقة، وإنشاء مشروعات كبرى في أعالي النيل تضمن توفير هذه الحصة وتشارك فيها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بالتمويل والتكنولوجيا.

تنسق السياسة الإسرائيلية ـ الأمريكية جهودها باستخدام العديد من الوسائل لدعم النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في القارة الأفريقية: بأسلوب توزيع الأدوار بينهما، وتساعد الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل في التغلغل من خلال الآتي:

1. تهيئ الولايات المتحدة المناخ السياسي لإسرائيل لكي تقدم المساعدات بصورة مباشرة – وخصوصاً المساعدات العسكرية – إلى الدول الناشئ لديها نزاع حدودي مع دولة أفريقية أخرى، وقد تدعم إسرائيل الدولتَين في الوقت نفسه، وبيع أو منح أسلحة قديمة لهما من أجل استقطاب الطرفَين في آن واحد، وذلك كما فعلت مع كلّ من أثيوبيا وأريتريا في نزاعهما المسلح الذي استمر عدة سنوات وانتهى باتفاقية عام 2002.

2. تستغل إسرائيل النفوذ الأمريكي في القارة، وتسعى بنفسها أو بدعم أمريكي لتوقيع اتفاقيات تعاون أو لتقديم المساعدات الاقتصادية والعلمية والفنية للدول الأفريقية الفقيرة ذات الموقع الإستراتيجي الذي تحتاج إليه إسرائيل لإحكام حصارها للدول العربية. وتُعَدّ زيارة الرئيس الأوغندي" موسوفيني" خلال الفترة من 17-22 يناير 2003 بهدف دعم العلاقات الأوغندية – الإسرائيلية، وخصص منها 3 أيام لزيارته للمصانع الحربية الإسرائيلية دليلاً على اهتمام إسرائيل بتأكيد التعاون مع دول حوض النيل الرئيسية من أجل التأثير على الأمن القومي المصري المباشر والذي يتمثل في مياه النيل. وهي من خلال وجودها في أوغندا حيث هضبة البحيرات تستكمل الحصار الذي بدأته في أثيوبيا حيث هضبة الحبشة ومنبع النيل الأزرق؛ وقد تصل لهدفها في إقناع هذه الدول لإمدادها بمياه النيل.

3. تمارس الولايات المتحدة الضغوط على الدول الأفريقية للتعامل مع إسرائيل، كذلك تصور إسرائيل بأنها الدولة المتحضرة الساعية إلى معاونة الأفارقة، والتي تمتلك التكنولوجيا، والقدرة العلمية للارتقاء بمستوى تلك الدول، في الوقت نفسه، فإن إسرائيل تعمل على دعم هذا التوجه الأمريكي بتحسين صورتها في الدول لأفريقية بأسلوب علمي يحقق استمرارية الربط بينها وبين الدول التي تحددها السياسية الأمريكية للتغلغل فيها.

4. تكلف الولايات المتحدة إسرائيل تنفيذ بعض الصفقات أو تقديم مساعدات إلى دول أفريقية – حسماً من المساعدات الأمريكية لإسرائيل، والتي تستعيضها في مراحل قادمة. إلى جانب ذلك تشجع الولايات المتحدة الأمريكية دولاً أفريقية على التعامل المباشر مع إسرائيل، على أن تسدد قيمة هذا التعامل من مساعدات أمريكية لهذه الدول.

5. تضع الولايات المتحدة شرطاً في تعاملاتها مع بعض الدول الأفريقية، بأن تنشئ هذه الدول علاقات مع إسرائيل على المستويات المختلفة، وتستفيد إسرائيل من ذلك تماماً. في الوقت نفسه، فإن إسرائيل تستفيد من العلاقات الأمريكية ببعض الدول الأفريقية، في تصدير رؤوس الأموال وإنشاء مشروعات اقتصادية، وفتح مجالات التدريب لأبناء هذه الدول في داخل إسرائيل، وإرسال خبراء إسرائيليين في كافة المجالات للنهوض بمستوى هذه الدول اقتصادياً وعسكرياً، حيث تُدْعَم العلاقات الإسرائيلية مع دول أفريقية من خلال هذه الأساليب. وربما كان حادث الهجوم على فندق يمتلكه أحد الإسرائيليين في كينيا خلال شهر نوفمبر2002، دلالة على حجم التعامل الإسرائيلي مع إحدى الدول الأفريقية، ومدى تكفل الولايات المتحدة الأمريكية بالحفاظ على أمن إسرائيل حتى خارج حدودها الإقليمية.

رابعاً: التنسيق السياسي الإسرائيلي ـ الأمريكي للتغلغل في آسيا

في حقبة الحرب الباردة، عانت إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية الدعم الآسيوي للدول العربية، والذي ظهرت آثاره في دعم مطلق من الصين للقضايا العربية، وخاصة قضية الصراع العربي – الإسرائيلي، كذلك انضمام العديد من الدول الفاعلة في قارة آسيا إلى حركة عدم الانحياز التي قادتها مصر والهند ويوغسلافيا، إلى جانب ارتباط المصالح الآسيوية بالمصالح العربية، وابتعادها عن إسرائيل.

وفي عقد الثمانينيات، بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية، بدأت إسرائيل تغير من توجهاتها السياسية للتغلغل في آسيا وطورت هذا التوجه فأدى إلى اتساع نشاطاتها في المجالات المختلفة وخصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة. وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية هي الداعم لإسرائيل في ذلك، لأنه يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في آن واحد. وقد استهدف التنسيق السياسي الإسرائيلي ـ الأمريكي:

1. تحقيق الإستراتيجية الأمريكية تجاه آسيا والتي تطورت باستمرار، وأصبحت في عهد الرئيس كلينتون تركز على تطوير مبادئ الديموقراطية وتحرير الأسواق وخاصة في الدول التي كانت تنضم إلى الاتحاد السوفيتي السابق.

2. استقطاب الدول الآسيوية الفاعلة نحو التوجه الغربي، وربط توجهها السياسي بالغرب.

3. تصنيف إسرائيل مقدمة للوجود الأمريكي في هذه الدول يعقبها خطوات تتولاها الولايات المتحدة الأمريكية.

4. استغلال حاجة الدول الآسيوية إلى التكنولوجيا وتطوير اقتصادها الصناعي والزراعي في تنفيذ التغلغل الإسرائيلي الذي يبدأ بتقديم المشورة الفنية والخدمات والخبراء ليتطور إلى وجود رسمي في هذه الدول.

5. تصنيف إسرائيل وسيطاً مضموناً في تحرير المنتجات الأمريكية المحظور توريدها إلى العديد من الدول الآسيوية كالأسلحة والمعدات العسكرية.

6. تحقيق المصالح الأمريكية في آسيا، والتي تتعدد في المصالح الأمنية لضمان استقرار وأمن المحيط الهادي، وتحقيق المصالح الاقتصادية من خلال توسيع قاعدة التعامل التجاري والاستثماري في دول آسيا. ولا شك أن الولايات المتحدة تنظر لإسرائيل، على أن من حقها الاستفادة من تلك الإستراتيجية بصفتها دولة آسيوية إلى جانب أنها الحليف الإستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية.

7. في الوقت نفسه، تدرك إسرائيل أن تحقيق مصالحها لا يكون على حساب المصالح الأمريكية، ويعكس ذلك مقال جريدة هاآرتس الإسرائيلية في مايو 2000 والذي تتعرض فيه للعلاقات الإسرائيلية – الصينية وتقول :" مطلوب الآن من إسرائيل أن تهجر الصين لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، وليس السبب هو العدل أو الأخلاق، بل حسابات موضوعية للاحتياجات القومية". فإسرائيل في حاجة إلى أسواق الصين لتصريف منتجاتها العسكرية، ولكنها محتاجة أكثر لعلاقاتها السياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وإسرائيل لا تحتاج إلى صدام معها.

والتغلغل الإسرائيلي في آسيا بدأ بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء علاقات إسرائيلية وطيدة مع دول آسيا الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية أولاً، مثل اليابان والفيليبين، وكوريا الجنوبية، وتايوان. ثم امتد بعد ذلك ليشمل الدول الآسيوية الرئيسية ذات الكثافة السكانية العالية، مثل الهند والصين، والدول التي وصلت إلى درجة عالية من التقدم مثل سنغافورة وماليزيا، والدول ذات التأثير السياسي مثل إندونيسيا وغيرها.

وقد تبنت إسرائيل، بتشجيع ودعم من واشنطن، إستراتيجية خاصة بكل دولة أو عدة دول متشابهة، تبدأ ببناء قاعدة من الثقة من خلال تقديمها لمعونات فنية في مجال التكنولوجيا الزراعية، ثم تطور العلاقة بعد ذلك إلى التكنولوجيا المتقدمة في مجال التسليح، والنظم الحديثة التي تحصل عليها إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية. وتتوسع إسرائيل في تجارة السلاح والإمداد بتكنولوجيا التسليح لدول آسيا، وتحرص على إنشاء معرض لأسلحتها في دول شرق آسيا سنوياً، وبطبيعة الحال فإن صفقات الأسلحة لا تُعقد إلا مع دول تستقر فيها العلاقات السياسية.

وعلى الرغم من نقاط الاتفاق الكثيرة بين الدولتَين، إلا أن هناك حادثَين أثارا خلافاً أمريكياً – إسرائيليا

ً.

الأول: تعاقد إسرائيل مع كلّ من الصين والهند لتقديم صفقة طائرات استطلاع متقدمة ومزودة بتكنولوجيات عالية سبق أن سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل باستخدامها، من دون تسريب أسرارها لطرف ثالث، وهذه الطائرات من طراز "فالكون" لذلك اعترضت الولايات المتحدة الأمريكية على تنفيذ هذه الصفقة في أبريل 2000.

الثاني: تحفظ الولايات المتحدة الأمريكية من إمداد إسرائيل لدول مثل الصين بأسلحة ذات تكنولوجيا أمريكية متقدمة، وقد نشأ خلاف في أبريل 2001 ما بين الدولتَين حين اكتشفت الولايات المتحدة أن الطائرات المقاتلة التي اعترضت طائرة التجسس الأمريكية كانت مسلحة بصواريخ إسرائيلية من طراز "بيتون – 3" المستخدم فيها تكنولوجيا أمريكية.

انعكاس التغلغل الإسرائيلي في آسيا على السياسة العربية

هناك العديد من الانعكاسات التي أضرت بالمصالح العربية في آسيا، أهمها تقلص التأييد الآسيوي بما فيه التأييد الصيني والهندي للقضايا العربية، وتبني دول آسيا لسياسة هي أقرب للتوازن في قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وفى هذا المجال يقول وزير الخارجية الهندي جواسوانت سينج: "إن تطبيع الهند لعلاقاتها مع إسرائيل جاء متأخراً عام 1992، وبعد إنشاء علاقات طبيعية للهند مع كلّ الدول العربية. وإن علاقات الهند بإسرائيل لن تكون على حساب الدول العربية، ولكنها علاقات لتحقيق مصالح متبادلة".

ولكن يبقى أن العالم العربي لا يخلو من المسؤولية عن هذا التقلص، نظراً لعدم تحقيق إستراتيجية يمكن من خلالها الحدّ من الانتشار الإسرائيلي في دول آسيا، وافتقاره إلى الآليات التي استخدمتها إسرائيل لدعم سياستها في الدول الآسيوية المختلفة.

خامساً: التنسيق السياسي الإسرائيلي ـ الأمريكي تجاه أوروبا

برغم أن أوروبا هي التي زرعت إسرائيل في الشرق الأوسط، وعلى الرغم من أنها الحليفة الرئيسية لواشنطن، إلا أن قضية السلام في الشرق الأوسط هي إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية كالآتي:

1. منذ عام 1967، وتحقيق إسرائيل نصراً على العرب بفضل الدعم الأمريكي المطلق، فقد عدت الولايات المتحدة الأمريكية أن أيّ حل لقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي لا بدّ أن يكون أمريكياً، ويحقق المصالح الأمريكية في إحدى أهم مناطق العالم، كذلك يحقق أمن إسرائيل المطلق، كذلك فإنها ترفض أيّ مبادرات أو وساطات تلجأ إليها الدول الأوروبية، سواء برفض مباشر، أو من خلال رفض إسرائيلي لهذه المبادرات.

2. في النظام العالمي الجديد، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول فرض سيادة القرار السياسي على جميع دول العالم بما فيها الدول الأوروبية، والتي تَعُدّها إحدى القوى التي قد تنافسها في المستقبل وهي تعلم أن هناك مصالح أوروبية عديدة في منطقة الشرق الأوسط، لذلك فهي تريد أن تتحكم في تلك المصالح وتسيطر عليها لتجبر دول أوروبا على اللجوء إليها باستمرار.

3. من منطلق الدعم السياسي الأمريكي لإسرائيل، فإنها تتصرف بأسلوب متعنت مع الدول الأوروبية الأمر الذي وصل إلى حدّ إهانة مسؤولين أوروبيين كبار زاروا المنطقة خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، مثل ماري روبنسون المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة والأيرلندية الأصل، وخافيير سولانا المنسق العام للسياسة الأوروبية، كذلك وزير خارجية بريطانيا. وغيرهم ويدعم اللوبي الصهيوني سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا وجهة النظر الإسرائيلية في العدوان على هؤلاء المسؤولين.

وعموماً فإن السياسة الأوروبية تجاه إسرائيل تتسم بالضعف، وعدم الجدية في الرد الإيجابي على الإستراتيجية السياسية الإسرائيلية تجاه أوروبا، وذلك خوفاً من حدوث خلاف أمريكي ـ أوروبي بهذا الخصوص.