إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث السادس

المبحث السادس

الدعم الأمريكي لإسرائيل في المجال الاقتصادي

(1985 – 2001)

أولاً: اتفاقية منظمة التجارة الحرة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عام 1985

في الحادي عشر من يونيه 1985، وقع الرئيس الأمريكي ريجان على اتفاقية التجارة الحرة مع إسرائيل وهي الأولى من نوعها التي تعقدها الولايات المتحدة الأمريكية مع دولة أجنبية، وبدأ تنفيذ الاتفاقية فور تبادل وثائقها الرسمية بين البلدَين، كما ألغيت الرسوم الجمركية على كلّ التجارة بينهما منذ الأول من سبتمبر 1985، وما إن جاء عام 1995 حتى كانت كل أصناف الصادرات وتجارة الخدمات المتبادلة بينهما معفاة بالكامل من التعريفة الجمركية، وأصبحت العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل مبنية على الأسس نفسها التي تبنى عليها التجارة بين ولايتَي كاليفورنيا وشيكاغو وهي أسس اندماجية ليس لها مثيل في التبادلات التجارية بين أيّ دولتَين في العالم.

هذا وقد أقر مجلس النواب الاتفاقية (422 صوتاً مقابل لا شيء)، وقال النائب سام جيبونز، رئيس اللجنة التجارية الفرعية في مجلس النواب :" إنها لحظة تاريخية لكلا البلدَين وخاصة إسرائيل"، كما أكدت لجنة المالية بمجلس الشيوخ ضرورة عدم تصنيفها سابقة تُلغى فيها الموانع التجارية مع المكسيك وكندا ودول أخرى، وهي إشارة تؤكد كون الاتفاقية متجاوزة للمفهوم التقليدي للمناطق التجارية الحرة، ومن ثم كان تأكيد المسؤولين الأمريكيين قبل توقيع الاتفاقية عدم فتح الباب أمام دول أجنبية أخرى لكي تطالب باتفاقيات مماثلة وبالمعاملة الأمريكية نفسها للتجارة الإسرائيلية.

على أية حال، فإن الاتفاقية بمضامينها وبنودها وبإطارها العام، تتجاوز الأشكال التقليدية للتجارة الحرة بين الدول، فضلاً عن اتفاقيات التجارة التفضيلية، وتصل في مراحلها النهائية إلى مرتبة التكامل الإنتاجي والتكنولوجي والتحرير التجاري المتبادل، فالاتفاقية وسيلة لجعل إسرائيل أكثر استقلالاً اقتصادياً، كما أنها التزام واضح سياسي واقتصادي بتحقيق أمن إسرائيل وإصلاح اقتصادها.

1. مبادئ الاتفاقية

أ. تنطبق الاتفاقية على كافة فئات التبادلات التجارية بين البلدَين أيْ كلّ السلع الصناعية والزراعية من دون استثناء.

ب. تنطبق الاتفاقية أيضاً على تجارة الخدمات والاستثمار وحقوق ملكية الإبداع الفكري، وتنهي أسرار الحماية الجمركية والدعم المادي بالنسبة للسلع الخاضعة لمثل هذَين الحماية والدعم، كما تزيل القيود المفروضة على موازين المدفوعات على إجراءات لترخيص بالإنتاج.

ج. إلغاء جميع الرسوم الجمركية والقيود غير الجمركية المفروضة على الاستيراد في الدولتَين وفق برنامج محدد في الاتفاقية بحيث لا يحل عام 1995، إلا وتكون السلع المتبادلة معفاة من الرسوم الجمركية وتختفي بالكامل كافة القيود غير الجمركية والحماية.

وتنقسم الاتفاقية إلى ثلاثة أقسام:

أ. القسم الأول: يضم الجزء الأكبر من الصادرات المعفاة من الرسوم الجمركية منذ الأول من سبتمبر 1985 وتضم من الجانب الأمريكي سبعة آلاف سلعة، حيث سيتم إعفاء الجزء المتبقي بعد خمس سنوات، والقلة الباقية تعفى تماماً بعد عشر سنوات أيْ مع حلول عام 1995، كما تجمد التعريفة الحالية على بعض السلع الحساسة لمدة خمس سنوات.

ب. القسم الثاني: يضم إنهاء القيود غير الجمركية مثل رفع الدعم والحماية وكيفية ضبط ميزان المدفوعات في هذه الحالة.

ج. القسم الثالث: يمثل الجانب الإداري في الاتفاقية، حيث شكلت لجنة مشتركة دائمة تتألف من ممثل الإدارة الأمريكية التجاري ووزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، ومهمة هذه اللجنة هي الإشراف على تنفيذ الاتفاقية وحل أية مشكلات أو خلافات تنشأ خلال التطبيق.

2. إطار الاتفاقية

تشمل الاتفاقية مقدمة وثلاثة وعشرين بنداً بالإضافة إلى أربعة ملاحق، تُعَدّ جزءاً لا يتجزأ من الاتفاق نفسه، وكذلك إعلاناً حول تجارة الخدمات.

وعُدَّ عام 1982 هو سنة الأساس للمفاوضات المشتركة، حيث بلغت قيمة الصادرات الأمريكية لإسرائيل ملياراً ونصف المليار دولار، بينما كانت قيمة الصادرات الإسرائيلية للولايات المتحدة ملياراً و200 مليون دولار في العام نفسه، وفي عام 1982 أيضاً كانت نسبة البضائع الأمريكية المصدرة لإسرائيل، المعفاة من الرسوم الجمركية بمعدل 18%، بينما كانت نسبة البضائع الإسرائيلية المصدرة للولايات المتحدة المعفاة من الرسوم الجمركية بمعدل 55%، وذلك طبقاً لاتفاقية نظام التفضيلات المعمم، التي منحتها الولايات المتحدة الأمريكية لأكثر من 140 دولة نامية من بينها إسرائيل، وهي الاتفاقية التي تنفَّذ في إطار مبادئ وأحكام الجات.

وقد تركزت بنود الاتفاقية بشكل أساسي على الجزء المتبقي من المبادلات التجارية بين البلدَين والتي كانت خاضعة للرسوم الجمركية والقيود غير الجمركية. وفي حالة الولايات المتحدة الأمريكية فإن الاتفاقية شملت أيضاً السلع الخاضعة لنظام التفضيلات المعمم، والتي تخضع بشكل مؤقت للإعفاءات الجمركية، أمّا بالنسبة لإسرائيل، فإن كلّ المنتجات التي تستوردها من الولايات المتحدة الأمريكية على أسس من الإعفاء الجمركي المؤقت تدخل ضمن مشتملات الاتفاقية. وتذكر الإحصائيات الأمريكية الرسمية أن قيمة المبادلات التجارية التي ستعفى من الجمارك بالنسبة للولايات المتحدة وعلى أساس عام 1985، تصل إلى 515 مليون دولار، بينما قيمة التجارة التي ستعفى من الجمارك بالنسبة لإسرائيل وعلى الأساس عينه تصل إلى 1278 مليون دولار.

3. مراحل إلغاء الرسوم

أ. المرحلة الأولى

تلغى الرسوم الجمركية على الجزء الأكبر من الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، منذ الأول من سبتمبر 1985، وتصل قيمتها 414.7 مليون دولار وتشكل 80.4% من الصادرات الإسرائيلية الكلية إلى أمريكا، بينما تصل قيمة الصادرات الأمريكية لإسرائيل المعفاة بالكامل من الرسوم الجمركية منذ التاريخ نفسه إلى نحو (670.8) مليون دولار تشكل 52.5% فقط من إجمالي الصادرات الأمريكية إلى إسرائيل.

ب. المرحلة الثانية

إلغاء الرسوم الجمركية عن بعض المنتجات المتبادلة بحيث يجري الإلغاء بثلاثة أشكال مختلفة من الرسوم منذ الأول من يناير 1989، وتصل قيمة المنتجات الإسرائيلية المصدرة للولايات المتحدة والخاضعة لهذه المرحلة 27.8 مليون دولار ونسبتها لا تتجاوز5.4% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تصل قيمة المنتجات الأمريكية المصدرة لإسرائيل والخاضعة لهذه المرحلة نحو (402.8) مليون دولار وتقدر نسبتها المئوية بـ31.5% من إجمالي الصادرات الأمريكية إلى إسرائيل.

ج. المرحلة الثالثة

إزالة الرسوم الجمركية على بعض المنتجات المتبادلة بين الطرفَين بحيث يجري الإلغاء بثمانية أشكال مختلفة من الرسوم المزالة وعلى مدى عشر سنوات تنتهي في الأول من يناير 1995، وتصل قيمة المنتجات المصدرة للولايات المتحدة الأمريكية والخاضعة لهذه المرحلة 4.7 ملايين دولار ونسبتها لا تتجاوز 0.9% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة الأمريكية. بينما تصل قيمة المنتجات الأمريكية المصدرة لإسرائيل والخاضعة أيضاً لهذه المرحلة نحو 39.5 مليون دولار وتقدر نسبتها المئوية بقيمة 3% من إجمالي الصادرات الأمريكية إلى إسرائيل.

د. المرحلة الرابعة

تجميد الرسوم الجمركية المفروضة على بعض المنتجات المتبادلة والتي تُعَدّ ذات طبيعة حساسة لمدة خمس سنوات، وتقدر قيمة المنتجات الإسرائيلية المصدرة للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة بنحو 67.9 مليون دولار ونسبتها المئوية تصل إلى 13.6% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية بينما تصل قيمة المنتجات الأمريكية المصدرة لإسرائيل والخاضعة أيضاً لهذه المرحلة نحو 164.4 مليون دولار، وتقدر نسبتها المئوية بنحو 12.8% من إجمالي الصادرات الأمريكية إلى إسرائيل (انظر ملحق مواد اتفاقية منظمة التجارة الحرة).

4. ميزات وفوائد الاتفاقية لإسرائيل

تحقق إسرائيل، بموجب هذه الاتفاقية، ثورة في الاقتصاد الإسرائيلي عامة وفي الصادرات خاصة. هذا وتُعَدّ التجارة الخارجية لإسرائيل من أهم عناصر الاقتصاد الإسرائيلي وتشكل نصف الإنتاج الصناعي تقريباً، كما رفعت قدرتها التصديرية في مجالات التكنولوجيا العالية مثل أنظمة الطاقة الشمسية وأجهزة الديزل والتصوير بالأشعة، بما وفر فرصاً جديدة للعمال المهرة منها، بالإضافة إلى ذلك فإن القوة الشرائية الأمريكية ذات الحجم الأسطوري والمقدرة بنحو ثلاثة آلاف بليون دولار أصبحت متاحة للمنتجات الإسرائيلية من دون رسوم جمركية وقيود غير جمركية مما سيحسن من قدرة هذه المنتجات على المنافسة.

كما أتاحت الاتفاقية لإسرائيل الاشتراك في المشروعات المشتركة مع الولايات المتحدة الأمريكية في كافة المجالات المدنية والعسكرية بالإضافة إلى تجارة الخدمات، مما أدى إلى  تسهيل عملية نقل التكنولوجيا إلى إسرائيل وتوطينها فيها وإتاحة الفرصة لها لمواصلة التركيز على الصناعات ذات التقنية العالية التي لا تتطلب وفرة في العمالة مثل الصناعات الإلكترونية والكيماوية والتسليحية، كما صحب تنفيذ هذه المشروعات التكنولوجية المشتركة تدفقات استثمارية أمريكية كبيرة وتبادل كثيف في الخبرات التقنية والأبحاث.

تقدمت الصناعات الإسرائيلية بشكل كبير بسبب الاستثمارات الأمريكية، كما أدت زيادة حجم  الاستثمارات في إسرائيل إلى تشجيع رجال الأعمال في كلّ أنحاء العالم على تأسيس مشاريع مشتركة للاستفادة من ميزات اتفاقية التجارة الحرة من أجل وصول استثمارات أو بضائع أو خدمات إلى داخل السوق الأمريكية الضخمة، مما أعطى إسرائيل ثمرات جيدة في نقل التكنولوجيا وزيادة الكفاءة وزيادة فرص العمالة في الصناعات الإسرائيلية.

كما لعب الدور المركزي الذي أدته الولايات المتحدة الأمريكية في دعم إسرائيل إلى بروزها قوة تكنولوجية عالية، وأصبحت تستخدم مركبات رئيسية من التكنولوجيا الأمريكية المتقدمة ومن أجهزتها ومعداتها وأبحاثها التنموية والتسويقية، مما ساعدها على رفع مهارات قواها العاملة وتطوير بنيتها الصناعية.

ولا تقف هذه الاتفاقية عند مسائل توسيع التبادل التجاري بين الطرفَين، بل امتدت لتبادل تجارة الخدمات والتراخيص والصناعات المشتركة والأبحاث التنموية، كما منحت هذه الاتفاقية مجالات عديدة لدعم الأبحاث، ولم تعد العلاقات الخاصة بينهما محصورة في مشروعات بحثية تنموية محدودة الأفق تمويلاً وتقنية، ولكنها شملت المشورة والدراسات والتمويل لمئات من الشركات الإسرائيلية سواء في مجال الإنتاج أو الخدمات.

كما أن هذه العلاقات الخاصة، تجاوزت مسائل ضم مراكز البحث الإسرائيلية إلى الشبكة الوطنية الأمريكية للمعلومات العلمية التي تضم في ذاكرتها أخطر المعلومات العلمية، إلى التكامل التقني بما في ذلك تطوير مراكز البحث والمعلومات والتدريب وإنشاء مؤسسات وشركات تكنولوجية متقدمة مشتركة، مما حقق حلماً إسرائيلياً في تحويل اقتصادها إلى صناعات متطورة كثيفة التكنولوجيا، وهذا بطبيعة الحال وفَّر لإسرائيل عدة فوائد.

أ. السماح بتوطين التكنولوجيا بعد الحصول عليها بشكل شبه مجاني، مما جعل إسرائيل في مصاف الدول المتقدمة تكنولوجياً.

ب. سمح لعلمائها بالاطلاع المكثف على أحدث المعلومات التقنية الأمريكية سواء من خلال المنشآت المشتركة أو المختبرات ومراكز المعلومات والبحث الأمريكية، وكان كلّ ذلك ضمن التزام أمريكي ثابت وتقني، ومن ثم لم يصبح هناك داع أمام إسرائيل لسرقة أسرار علمية أمريكية أو أجهزة تقنية متقدمة مثل مفجرات القنبلة الذرية أو المواد الخام الحساسة كاليورانيوم أو تسريب معلومات أو سرقة تصميمات أجهزة إلكترونية أو عسكرية... إلخ.

ج. كما وفرت الصناعات التكنولوجية لإسرائيل فرصة، لزيادة حجم العمالة داخل الصناعات العسكرية، وتوفير جيل من العمال المهرة، بالإضافة إلى فتح أسواق جديدة لها في كلّ من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية لبيع منتجاتها ذات التكنولوجيا المتقدمة، كما أصبحت تسع شركات إسرائيلية – ذات تقنية عالية – تصدر إلى العالم الخارجي إلكترونيات مدنية وعسكرية بقيمة تصل إلى أكثر من الف مليون دولار سنوياً.

وعلى مستوي العمل الخاص أفرز مناخ اتفاقيات التعاون الإستراتيجي للتجارة الحرة العديد من الشركات والمؤسسات المشتركة، إمكانية تنمية وتطوير المشروعات المشتركة بين إسرائيل والعديد من دول أمريكا في مجالات الطاقة والمياه والتكنولوجيا، ولم يعد أمام إسرائيل ضرورة لاختلاس التكنولوجيا بل نقلها رسمياً وتوطينها بالدعم الأمريكي الغير محدود سواء بالأقوال أو ببرامج الأبحاث أو بالتعاون الفني أو بتبادل المهندسين والعلماء أو بكلّ ذلك معاً.

ومن ناحية أخرى أعطت هذه الاتفاقية لإسرائيل مجالاً أوسع في إضافة إنتاج أو تطوير لصناعات أمريكية غير مكتملة وإعادة تصديرها على أنها منتجات إسرائيلية إلى أسواق خارجية مستفيدة مما تتيحه لها هذه الأسواق من ترتيبات تجارية وإعفاءات جمركية وغير جمركية وتبادل في البضائع والخدمات، في الوقت نفسه، أنعشت الصادرات الإسرائيلية كثيراً بتسربها عبر السوق والمنشأ الأمريكي في الإنتاج والخدمة إلى الأسواق العالمية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تحسناً ملموساً قد حدث في سمعة الاقتصاد الإسرائيلي في الأوساط الدولية، وخاصة بعد حدوث تقلص في حجم العجز التجاري إثر زيادة حجم القوة التصديرية الإسرائيلية وتطور قدرتها التنافسية، وفتح ذلك  أمام إسرائيل أسواقاً عالمية جديدة، وخاصة لمنتجاتها التقنية والزراعية، كما نجحت في إيجاد صيغ تعاون مع صناعات أمريكية ومزارعين أمريكيين لاكتساح أسواق جديدة مشتركة في العالم. كما تحركت إسرائيل في اتجاه توسيع منتجاتها الزراعية، وكذلك في اتجاه المشروعات الأمريكية المشتركة.

ومن الواضح أن ميزات وفوائد الاتفاقية لم تتوقف عند مظاهرها التجارية، بل استطاعت أن تفتح آفاقاً تكنولوجية جديدة أمام الاقتصاد الإسرائيلي وتطوير جهازه الإنتاجي وضخ الاستثمارات الأمريكية فيه، فهناك ميزات سياسية وإستراتيجية لا تقلّ أهمية عن الفوائد الاقتصادية والعلمية والتكاملية والتسويقية. كما أكدت الاتفاقية التزاماً أمريكياً بالحفاظ على تنمية قدرات الاقتصاد الإسرائيلي وعلى تفوقها النوعي العسكري، هذه المميزات مكنت إسرائيل بالطبع من مواصلة تثبيت احتلالها وهيمنتها على الأرض العربية المحتلة، كما أن المشاركة في المشاريع الأمريكية سواء في المجال المدني أو العسكري، أتاحت لإسرائيل فرصاً كبيرة للنفاذ إلى الأسواق العربية، فضلاً عن اكتساب مساحات واسعة جديدة من النفوذ والوجود الفني والاقتصادي والسياسي والأمني في دول العالم الثالث وأوروبا.

كما تعمد إسرائيل إلى تغيير وثائق منشأ بضاعتها وتحويلها إلى منشأ أوروبي عبر بعض الدول الأوروبية مثل هولندا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا، حيث تصدَّر إلى الدول العربية تحت اسم صناعات أوروبية ولكنها في واقع الأمر صناعة إسرائيلية وهذا يتيح لها بيع بضائع بنحو (500) مليون دولار سنوياً، كما تستطيع إسرائيل أن تصدر للولايات المتحدة الأمريكية منتجات غير مكتملة الصنع أيْ بحدود 65% من المنتج، فإذا ما أضيف الـ35% الباقية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فإن المنتجات تحمل علامة أمريكية الصنع، فيسهل عندئذ تصديرها إلى الوطن العربي لمصلحة إسرائيل.

ثانياً: العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية ـ الأمريكية (1985 – 1989)

حدث تغير منذ بداية عام 1985 في أن أصبحت كافة المساعدات العسكرية والاقتصادية تعطى في شكل منح وألغيت القروض وبلغ حجم المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال هذه الفترة 16169.4 مليون دولار، منها مساعدات عسكرية في شكل منح 8514.9 مليون دولار بنسبة 53% من إجمالي المساعدات، علاوة على منح اقتصادية (7448.4) مليون دولار تمثل نسبة 46% من إجمالي المساعدات.

كما يتضح أن المساعدات الأمريكية خلال هذه الفترة وصلت إلى 3 – 3.6 مليار دولارات سنوياً منها نحو 1800 مليون دولار سنوياً مساعدات عسكرية و1200 مليون دولار مساعدات اقتصادية كلّها في شكل منح، كما تضمنت المساعدات الأمريكية بنوداً أخرى مثل المنح لتوطين المهاجرين اليهود والمنح للمستشفيات والمدارس.

وفي عامَي 1985 و1986 دُعم الاقتصاد الإسرائيلي بنظام مستقر، جاء نتيجة وضع برنامج من أجل تطوير الاقتصاد الإسرائيلي والنهوض به.

ثالثاً: العلاقات الاقتصادية الإسرائيلية ـ الأمريكية (1990- 1993)

حدث تغير كبير في العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية خلال الفترة من 1990 إلى 1993 في ضوء ما طرأ من متغيرات على الساحتَين العالمية والإقليمية، مثل حرب الخليج الثانية وتفكك الاتحاد السوفيتي وعمليات التفاوض بين العرب وإسرائيل في ضوء مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وقد أدت هذه المتغيرات إلى حدوث انفراج أمريكي – روسي، وتعزيز عملية خفض السلاح، وتحرير الكويت وحصار العراق وبدء المفاوضات الأمريكية – الفلسطينية، والمفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية.

وعلى الرغم من هذه المتغيرات إلا أن واشنطن استمرت في مواصلة التعاون الإستراتيجي مع إسرائيل، على الرغم من انتهاء الحرب الباردة والاتجاه نحو خفض التسلح العالمي، كما اتجهت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تفعيل التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية للبدء في إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية، وقد وافق ذلك اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية نحو الضغط على الدول العربية لإنهاء المقاطعة مع إسرائيل.

1. عملية السلام والضغط الأمريكي لإنهاء المقاطعة العربية لإسرائيل:

أوجدت المتغيرات الإقليمية والدولية وبدء عملية التفاوض العربي ـ الإسرائيلي، ومن ثم اتفاق أوسلو، أوضاعاً أكثر ملاءمة لتنشيط اقتصاد إسرائيل وتحفيزها على الاهتمام بعلاقاتها بمحيطها الإقليمي ومن هنا يمكن ملاحظة أن الخطة الاقتصادية الإسرائيلية، أخذت في الحسبان توفير الشروط الأفضل لبدء اندماج الدولة العبرية في محيطها اقتصادياً، وهي شروط لا تخرج كثيراً عن نطاق تحفيز اقتصادها ليكون أقدر على التنافس في الأسواق العالمية، وذلك عبْر استخدام جملة من الوسائل المالية والنقدية، مثل ضبط ارتفاع الأسعار، تقليص العجز في الميزانية الحكومية، خفض الضرائب على بعض الأنشطة، الحفاظ على مستوى فائدة منخفض، علاوة على استثمار حصة أكبر من المصروفات الحكومية في البنية التحتية البشرية والمادية وعبْر مواصلة عملية الخصخصة، بما في ذلك خصخصة المصارف، وتشديد الرقابة على الاحتكارات، وتشجيع المنافسة في عدد من المنتجات الزراعية لخفض أسعارها، وتخفيض تكلفة السياحة لإسرائيل، وإعادة النظر في بنية الصناعات العسكرية. ومع أن الخطة الإسرائيلية لا تطرح تغييرات جوهرية في سياسة الحكومة الاقتصادية، فإنها تنطلق من تقدير يستند إلى أن نجاح عملية السلام، سيقود إلى رفع وتأثر النمو الاقتصادي في إسرائيل، ذلك لأنه سيؤدي إلى زيادة الاستثمارات في البنية التحتية وذلك من خلال ربط البنية التحتية الإسرائيلية بالبنية التحتية للدول المجاورة والشروع في مشاريع بنى تحتية مشتركة، والتصدير إلى أسواق جديدة في المنطقة وخارجها بفعل وقف إجراءات المقاطعة العربية، وتدفق الاستثمارات من الخارج، واعتماد الشركات متعددة الجنسية على إسرائيل بصفتها مركزاً إقليمياً لها بسبب وجود عامل الاستقرار السياسي وتطور البنية التحتية الإسرائيلية مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة.

وفيما يتعلق بالاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، فقد أدى هذا المتغير الجديد إلى وجود معايير في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، حيث تجسد ذلك في رفع وتيرة الضغط على الدول العربية للإسراع في عملية إنهاء مقاطعتها الاقتصادية لإسرائيل من جانب، ورفع شعار "التعاون الاقتصادي" العربي – الإسرائيلي من أجل إرساء وتوطيد السلام في المنطقة من جانب آخر. كما بدأت فكرة تأسيس مجموعة اقتصادية شرق أوسطية (أو سوق شرق أوسطية تجد استقبالاً دافئاً لدي أوساط الاتحاد الأوروبي، فبعد أسبوع من توقيع اتفاق إعلان المبادئ الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعقد مؤتمراً عالمياً لدعم سلام الشرق الأوسط، موضحاً أن هدف المؤتمر سيكون تعبئة الموارد اللازمة لإنجاح الاتفاق، وشدد على ضرورة أن يمارس البنك الدولي دوراً كبيراً في تنسيق وتوفير المساعدات المالية لإنجاح الاتفاق. ورأى الوزير الأمريكي، أن المقاطعة العربية من مخلفات الماضي، وأنه بعد أن اتفق الإسرائيليون والفلسطينيون على العمل معاً لتعزيز رفاهيتهم الاقتصادية، فقد أصبح من غير المنطقي أن تواصل الدول العربية مقاطعتها لإسرائيل، وارتأى أنه لا مناص كذلك من اتخاذ إجراءات لإزالة مخلفات أخري لعصر مضى تعرقل المصالح العربية – الإسرائيلية، أيْ إبطال تلك القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة والتي تتحدى حق إسرائيل في الوجود، والموافقة بالإجماع على أوراق اعتماد إسرائيل في دورة عام 1993 للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وأشار وزير الخارجية الأمريكي وارين كريستوفر إلى أن تطبيق الاتفاق الإسرائيلي – الفلسطيني، يمثل جزءاً فقط من مهمة الولايات المتحدة الأمريكية الكبرى في الشرق الأوسط ، إذ عليها أن ترعى تسوية شاملة بين شعب إسرائيل وشعوب كلّ من الأردن وسورية ولبنان. ووصف الشرق الأوسط بأنه ملتقى الطرق التاريخية والإستراتيجية، موضحاً أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية مصالح دائمة في ملتقى هذه الطرق، ومصالح دائمة في منطقة طالما هَّدد النزاع فيها السلام العالمي، ومصالح دائمة في أمن ورفاهية إسرائيل، وفي علاقات التعاون مع العالم العربي، ومصالح دائمة في الموارد النفطية التي تمثل شريان الحياة لجزء كبير من الاقتصاد العالمي.

هذا وقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية، الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي في سياق سياسة تركز على:

أ. تعزيز مكانة إسرائيل الدولية في إطار الأمم المتحدة، والأهم في إطار علاقاتها بالدول التي أحجمت سابقاً عن إقامة علاقات دبلوماسية أو اقتصادية مع إسرائيل بسبب الصراع العربي – الإسرائيلي.

ب. الضغط على الدول العربية لإنهاء المقاطعة الاقتصادية لإسرائيل في مختلف مستوياتها قبل التوصل إلى تسوية مع جميع الأطراف العربية، وقبل التوصل إلى اتفاق بشأن الوضع النهائي للمناطق الفلسطينية المحتلة.

ج. ستخدام دورها في عملية جمع المساعدات والقروض للكيان الفلسطيني البازغ، ليكون ورقة ضغط على منظمة التحرير لتسريع توصلها إلى اتفاقات بشأن تنفيذ "إعلان المبادئ"، وبالمضمون الذي تريده إسرائيل، وإعطاء البنك الدولي موقعاً مؤثراً في توجيه تلك المساعدات.

د. تشجيع الشركات الأمريكية على استغلال الفرص المتوقع أن تنتج من تطبيق الاتفاق الفلسطيني – الإسرائيلي، وذلك لتعزيز موقع رأس المال الأمريكي في اقتصاد المنطقة في المرحلة المقبلة.

2. إنشاء سوق شرق أوسطية

استغلالاً لعملية السلام، بين الفلسطينيين وإسرائيل، عمدت الولايات المتحدة الأمريكية إلى التشجيع على إنشاء شبكة من العلاقات الاقتصادية بين دول المنطقة ومنها إسرائيل، أيْ تطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية بين إسرائيل ودول المنطقة، بما في ذلك تأسيس سوق شرق أوسطية مشتركة، وهي بذلك تشجع إنشاء سوق شرق أوسطية مشتركة أو نظام إقليمي من منطلق أن مثل هذا الترتيب، سينعكس إيجابياً على استقرار مصالحها بما في ذلك تسهيل توسيع دور رأس المال ذي القاعدة الأمريكية في المنطقة.

وتؤكد الولايات المتحدة الأمريكية أن الشرق الأوسط شريك تجاري لها، وتشير إلى أن المملكة العربية السعودية هي الشريك السابع للولايات المتحدة من حيث الأهمية التجارية، وأن الشركات الأمريكية تبيع لدول الخليج العربي منتجات صناعية واستهلاكية تعادل تكلفة وارداتها النفطية من تلك الدول، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة الأمريكية والعالم العربي سنة 1992 قرابة 32 مليار دولار، في حين تجاوزت قيمة صادرات الشركات الأمريكية إلى دول الخليج ومصر في السنة نفسها ما قيمته 15 مليار دولار، وتشير إلى الدور الذي يمكن أن تنهض به إسرائيل، انطلاقاً من العلاقات التجارية المتميزة التي تربطها الولايات المتحدة الأمريكية.

وتشجع الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل على استغلال اتفاق التجارة الحرة المبرم بينهما، والاستفادة من ميزات بنيتها التحتية وتقدمها التكنولوجي للتحول إلى مركز تجاري إقليمي ذي شأن. فالاتفاق المذكور يمنح إسرائيل امتيازات غير متاحة لعضوية النافتا وهو اتفاق التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية-  تؤهلها لأن تصبح مركزاً للتجميع الصناعي الأمريكي، حيث يمنح اتفاق التجارة الحرة الحق لإسرائيل في تصدير أية سلعة أدخل عليها ما لا يقلّ عن 35% من قيمتها المضافة.

ولا ترى الولايات المتحدة الأمريكية أساساً للمخاوف العربية إزاء نشوء سوق شرق أوسطية ولا إزاء قوة إسرائيل الاقتصادية، حيث تميل إلى رؤية " أن أيّ اتفاق سلام في المنطقة سيأتي من نظام عالمي اقتصادي ليكون للسوق الشرق أوسطي بكلّ دوله دور فيه.

3. المؤسسات الأكاديمية الأمريكية والعلاقات الاقتصادية الشرق أوسطية

في أواخر الثمانينيات، أخذ بعض المؤسسات الأكاديمية الأمريكية تولي اهتمامها العلاقات الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. وكان معهد السياسة الاجتماعية والاقتصادية في الشرق الأوسط في جامعة هارفرد، هو المؤسسة الأكاديمية البارزة في بلورة ما أطلق عليه اقتصاد السلام في الشرق الأوسط. وفي يونيه 1993، أصدر المعهد وثيقة تضمنت مشروعاً لتنظيم العلاقة الاقتصادية "الإسرائيلية – الفلسطينية – الأردنية"؛ ووزعها توزيعاً سياسياً شمل مختلف المؤسسات الدولية المتخصصة، منها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والإدارة الأمريكية والمفوضية الأوروبية والأطراف السياسية المعنية في المنطقة. وأعطت الوثيقة أهمية خاصة لسيادة ترتيبات التجارة الحرة في العلاقات بين إسرائيل والأردن والكيان الفلسطيني، كما اقترحت الوثيقة تأسيس مصرف إقليمي للتنمية الاقتصادية ودعت إلى إحداث مواءمة جزئية فيما يتعلق بضرائب القيمة المضافة والضرائب الأخرى على السلع، والتعريفة الجمركية بصورة محددة، بين الكيان الفلسطيني وإسرائيل، وأوصت بأن يصبح الدينار بالإضافة إلى الشيكل عملة قانونية في قطاع غزة.

وما يلفت الانتباه في هذه الوثيقة الأمريكية، هو تطابق مقترحاتها إلى حدّ بعيد، مع مقترحات الحكومة الإسرائيلية لمستقبل علاقات إسرائيل الاقتصادية بالعالم العربي عامة، وشكل العلاقة الإسرائيلية – الفلسطينية ـ الأردنية خاصة. ويبرز ذلك التطابق في استيعاب اتفاق أوسلو والمعاهدة الأردنية – الإسرائيلية لمعظم مقترحات الوثيقة. ولم يأتِ هذا التطابق شبه الكامل من اعتماد كلا الطرفَين المفاهيم الليبرالية الاقتصادية الجديدة فحسب، بل يأتي أيضاً من تبني الوثيقة الإطار العام للمقترحات والآليات الاقتصادية المطروحة إسرائيلياً. وبالطبع فإن المرتكزات الأساسية للمشروع الإقليمي الإسرائيلي تبلورت في المعاهد والمؤسسات الإسرائيلية طوال الثمانينيات. ومن الواضح أن المشروع، انتقل عبر المؤسسات الأكاديمية والبحثية الإسرائيلية إلى المؤسسات الأمريكية المماثلة، ومنها أعيد تصديره إلى المنطقة بصفته مشروعاً أكاديمياً أمريكياً.

ومن الواضح أن الترتيبات الاقتصادية التي حاولت الولايات المتحدة الأمريكية الدفع بها لتنفيذ مشروعات اقتصادية مشتركة هي رغبة أمريكية لإدماج إسرائيل في الكيان الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط، وبما يضمن لها دوراً قائداً فيه. والخطر في هذه المشروعات الاقتصادية هو محاولة واشنطن الإخلال بموازين القوى في المنطقة لمصلحة إسرائيل، وكذا في إعطاء إسرائيل الدور الريادي فيها، الأمر الذي له انعكاساته السلبية على الاقتصاديات العربية.

4. ضمانات القروض الأمريكية لإسرائيل

منذ عام 1992، مُنحت إسرائيل 80 مليون دولار لهذا الغرض، كما أن البرنامج الذي خطط بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تمثل في أن تدفع واشنطن مصاريف انتقال المهاجرين إلى إسرائيل، كما شمل أيضاً تقديم المنح لتأمين الإقامة من خلال إنشاء القرى السكانية للمهاجرين وكذلك برامج تدريب اليهود وتوفير العمل لهم بمجرد وصولهم إلى إسرائيل.

وبعد أن فتح الاتحاد السوفيتي الباب للمهاجرين اليهود، بدأ تدفق اليهود السوفيت عليها، حيث وصل عددهم عام 1989 إلى نحو 13 ألف مهاجر، ثم ازداد عددهم إلى 185 ألف مهاجر في عام 1990، ومن ثم طالبت إسرائيل بأنواع مختلفة من المساعدات، وهكذا قدمت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل (400) مليون دولار، هي قرض ذو ضمانات من أجل مساعدة إسرائيل على توطين اليهود المهاجرين وبناء المستعمرات الجديدة. كما قدمت الولايات المتحدة الأمريكية ضمانات للقروض الإسرائيلية لدى البنوك الأمريكية لتحقيق الثقة لتوفير الموارد المالية لإسرائيل، من خلال تسهيلات طويلة الأجل وعلى فترات سماح طويلة تصل إلى 30 عاماً بدلاً من 5 – 7 أعوام. وبالطبع فإن هذه الضمانات للقروض لا تؤثر على برامج القروض العادية لإسرائيل، كذلك ألغت الولايات المتحدة الأمريكية الضرائب المفروضة على مثل هذه القروض، وهو أمر لم يحدث من قبل.

ومع زيادة عدد المهاجرين وتدفقهم بمئات الآلاف شهرياً إلى إسرائيل، طالبت بمزيد من المساعدات من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تصل إلى نحو 10 مليارات من الدولارات، هي قروض بالضمانات الأمريكية.

وفي عام 1992،أصدر الكونجرس الأمريكي قراراً بإعطاء السلطات للرئيس الأمريكي لتقديم القروض المطلوبة لإسرائيل بالضمانات اللازمة، وذلك كنتيجة مباشرة لتزايد تعداد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل ومن أجل المساعدة لتوفير إمكانيات استيعابهم في المجتمع الجديد. ومن ثم أصبحت هذه القروض أمراً واقعاً من خلال تقديم مليارَين من الدولارات سنوياً على مدى خمس سنوات. كما طالبت إسرائيل الإدارة الأمريكية بتقديم مساعدات لها  بمئات الملايين من الدولارات للمساعدة في عملية نقل المهاجرين وتوفير الإقامة لهم.

ومن ثم يمكن القول إن برنامج القروض الأمريكية لإسرائيل، قد حقق نجاحاً كبيراً خلال عقد التسعينيات. وقد وجهت إسرائيل جزءاً كبيراً من هذه القروض والمساعدات نحو دعم قطاع الأعمال الإسرائيلي ولمشاريع البنية التحتية مثل الطرق والجسور والكهرباء وغيرها. كما أسهمت هذه القروض في مساعدة إسرائيل على بناء المساكن والمستعمرات لليهود الوافدين من الاتحاد السوفيتي السابق، وكذلك قدمت لهم فرص العمل في المجالات المختلفة؛ ومن ثم استطاعت أن توفر العمل لمعظم المهاجرين الجدد وبنفس نسبة المواطنين العاديين. كما أدت القروض الأمريكية إلى دعم الاقتصاد الإسرائيلي أمام الأسواق العالمية من خلال الثقة التي منحتها الولايات المتحدة الأمريكية للاقتصاد الإسرائيلي ليصبح اقتصاداً عابراً للحدود.

رابعاً: المساعدات الأمريكية لإسرائيل (1994 – 2001)

بلغت المساعدات الأمريكية لإسرائيل خلال الفترة من 1994 إلى  1999 نحو 3.1 مليارات دولار سنوياً منها 1800 مليون دولار مساعدات عسكرية بنسبة نحو 60%، و1200مليون دولار مساعدات اقتصادية بنسبة نحو 20%، هذا بالإضافة إلى منح لتوطين المهاجرين اليهود والتي بلغت نحو 80 مليون دولار سنوي. وفي عام 1996، قُدِّم دعم لإسرائيل لمواجهة الإرهاب، بلغت قيمته 100 مليون دولار مقسمة على عامَي 1996 و1997.

ولا تشمل المساعدات العسكرية المشروعات العسكرية التي تسهم فيها الولايات المتحدة الأمريكية لدعم إسرائيل مثل مشروع إنتاج الصاروخ المضاد للصواريخ نظام "أرو" والذي حصلت منه إسرائيل على منح قدرها 628 مليون دولار منذ عام 1996، من أجل دعم القدرات الدفاعية الإسرائيلية. وفي عام 1998، قدمت إسرائيل مقترحات للإدارة الأمريكية لتقليل اعتماد اقتصادها على المساعدات الاقتصادية الأمريكية من خلال اتفاقية وقعت مع حكومة الإدارة الأمريكية، والتي تنص على تخفيض المساعدات الاقتصادية التي تصل إلى  مليار و200 مليون دولار بنسبة 120 مليون دولار كلّ عام، بحيث يمكن أن تتقلص تماماً خلال عشر سنوات، بالإضافة إلى تحويل نصف هذا المبلغ السنوي (60 مليون دولار)، من أصل (120) مليون دولار إلى المساعدات العسكرية من أجل تأمين المطالب العسكرية لتوفير الأمن الإسرائيلي.

وفي نهاية عام 1998، طلبت إسرائيل ملياراً و200 مليون دولار، دعماً إضافياً من أجل بناء معسكرات لقواتها العسكرية التي أعيد تمركزها خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، طبقاً للاتفاقية التي وقعت بهذا الشأن في 23 أكتوبر 1998 والتي أطلق عليها اسم "واي بلانتيشن".

وتطبيقاً لاتفاق عام 1998، حصلت إسرائيل، في عام 1999، على مليار و80 ألف دولار مساعدات اقتصادية ومليار و860مليون دولار، هي مساعدات عسكرية. والواقع أن 26% من المساعدات العسكرية الأمريكية تتسلمها إسرائيل لدعم قدراتها العسكرية في مجال صناعاتها العسكرية وتطويرها؛ أمّا النسبة الباقية وقدرها 74% فتنفق داخل الولايات المتحدة الأمريكية للتعاون المشترك من أجل دعم الآلة العسكرية الإسرائيلية. والأمر الآخر هو أن إسرائيل حصلت على مدار العقود الماضية على أكبر نسبة مساعدات أمريكية تحصل عليها دولة في العالم، وعلى سبيل المثال فإن المساعدات الاقتصادية تمنح مباشرة للحكومة الإسرائيلية، حيث لا تخضع لنظم المساعدات الأمريكية لباقي الدول. كما تحصل إسرائيل منذ بداية العام المالي على كلّ مخصصاتها ولا تجزأ على أربع مرات كما يحدث مع باقي الدول.

وخلال عام 2000، حصلت إسرائيل على مساعدات عسكرية قدرها مليار و940 ألف دولار قسمت على مرحلتَين خلال العام: مليار  و370 ألف دولار مع بداية العام، و550 مليون دولار خلال منتصف العام. كما بلغت المساعدات الاقتصادية 949.1 مليون دولار. كما حصلت إسرائيل على منحة إضافية خلال عام 2000 بإجمالي مليار و200 مليون دولار ليصبح إجمالي المساعدات العسكرية و 4129.1 مليون دولار.

وخلال عام 2001، وصل حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل إلى مليار و981 مليون دولار علاوة على 840 مليون دولار مساعدات اقتصادية.

وبسبب الانتفاضة الفلسطينية بالأراضي المحتلة وما سببته من خسائر كبيرة للاقتصاد الإسرائيلي، فقد طالبت إسرائيل في ديسمبر 2002، الإدارة الأمريكية بمنحها 4 مليارات دولار منحة لا ترد لدعم الاقتصاد الإسرائيلي، علاوة على قرض تضمنه الإدارة الأمريكية تصل قيمته إلى نحو 12 مليار دولار. وهذا بالطبع سيؤدي إلى استعاضة إسرائيل من خسائرها ويدعم من اقتصادها.