إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









الفصل الرابع

الفصل الرابع

العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية في المجال الأمني والعسكري

في أواخر القرن التاسع عشر حدد تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية في كتابه "الدولة اليهودية"، وظيفة الكيان الصهيوني بقوله:" نبني من أجل أوروبا مخفراً أمامياً في فلسطين للوقوف ضد آسيا، وسيكون هذا المخفر طليعة العالم المتمدين ضد البربرية، وسيشكل جداراً فاصلاً بين السكان العرب في آسيا، والسكان العرب في شمال إفريقيا".

وعندما حدد هرتزل تلك المهمة الرئيسية لإسرائيل، فقد ساير مفهوم التوازن الدولي وقتها، حيث كانت القوى الرئيسية في العالم تتركز في أوروبا، ولم تكن الولايات المتحدة الأمريكية أو الاتحاد السوفيتي قد توصلا إلى القدرة التي جعلتهما فيما بعد على رأس النظام العالمي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبالتحديد عندما امتلكا القدرات النووية.

وقد كانت إسرائيل متفهمة للوضع العالمي تماماً، منذ أن وضع "بن جوريون" أول رئيس وزراء إسرائيلي نظرية الأمن، والتي تحدد في جزء منها ارتباط إسرائيل بحليف مضمون، حيث كانت بريطانيا ومعها أوروبا الشرقية، هي الحليف المضمون في عام 1948.

وفي حرب العدوان الثلاثي عام 1956، كانت فرنسا وبريطانيا، هما الحليفَين المضمونَين بصفتهما شريكَين رئيسيَّين في الحرب حيث حاربت إسرائيل بسلاح فرنسي، وكانت تلك الحرب هي بداية توجه الولايات المتحدة الأمريكية لفكرها تجاه إسرائيل، حيث أدركت واشنطن، أن إسرائيل أداة ممتازة لتنفيذ سياسات الغرب في المنطقة، خاصة أن المد الثوري الذي تقوده مصر يمثل خطراً على المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، وبما يمكنها من استخدام إسرائيل كأداة لمواجهة الموقف نيابة عنها، وأيضاً تستخدمها في ضرب الأنظمة المناوئة للسياسة الأمريكية. وقد حقق ذلك هدفاً إسرائيلياً كان يراودها باستمرار لبناء علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية كأحد قطبَي العالم في هذا الوقت. وكان لها ما أرادت.

وكانت حرب يونيه 1967 هي التطبيق المثالي لعلاقة دولة صغيرة بدولة كبرى، تعملان على تحقيق نصر تاريخي يحقق أهداف الطرفَين في وقت واحد. ومنذ عام 1967، فإن العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في المجال العسكري تسير بخطى ثابتة للأمام وبدعم أمريكي كامل.

ومن هذا المنطلق، فقد عدلت إسرائيل في صياغة نظريتها الأمنية من خلال إجراءاتها لتغيير ديموجرافية الأراضي التي احتلتها، وتبني نظريتها الأمنية المعدلة على أساس أن الحدود التي وصلت إليها في يونيه 1967، هي الحدود التي تحقق الأمن الشامل لإسرائيل، وإعادة صياغة نظرياتها للعمل العسكري التي كانت تعتمد على الهجوم أو الدفاع المتحرك، ليتحول إلى دفاع ثابت على الجبهات المختلفة، مع تعديلات أخرى في أنظمة التعبئة وإعداد مسرح العمليات وغيرها، وقد أمكن ذلك بتأييد ودعم أمريكيَّين، وإمداد إسرائيل بالأسلحة والمعدات التي تحقق إستراتيجيتها نحو المنطقة، إلى جانب ربط الأمن القومي الأمريكي بأمن إسرائيل من خلال اتفاقيات أمنية وإستراتيجية. ووقفت الولايات المتحدة الأمريكية تساند إسرائيل وتدعمها باستمرار لأنها توافق على مبدأ أن هزيمة الجيش الإسرائيلي في أيّ معركة، يعني تدمير إسرائيل وزوالها.

وكان بن جوريون قد أكد هذا المفهوم عندما قال:" إن إسرائيل لا تستطيع أن تخاطر بخوض "معركة أخيرة" لأنها لا تستطيع أن تنزل بعدوها ضربة قاصمة لن تكون بعدها بحاجة إلى مواجهة عسكرية، وبالمقابل فإن بمقدور العرب أن يضعوا بين خياراتهم المعركة الأخيرة التي يستطيعون خلالها أن ينزلوا بإسرائيل ضربة عسكرية حاسمة تقضي على وجودها، فإن لم يحققوا ذلك في المحاولة الأولى، فإنهم يستطيعون تطبيق هذا الخيار في المحاولات التالية".

ويذكر القادة الإسرائيليون، أن نظرية الأمن الإسرائيلية، عالجت في عقدَي الخمسينيات والستينيات الجوانب الأمنية فقط، وأهملت الجوانب السياسية والإستراتيجية. ولقد أسفرت حروب هذه الفترة عن انتصارات عسكرية تعبوية فقط، ولم تحظَ بتحديد أهداف سياسية وإستراتيجية وبالتالي ظل الأمن الإسرائيلي مهدداً باستمرار، حيث إن غاية الحرب – طبقاً لنظرية المفكر العسكري "ليدل هارت" Liddle Hart هي تحقيق السلم في ظروف أفضل، وإنه عندما يفكر القادة في الحرب، فعليهم أن يفكروا في الخطوة التالية وهي السلام.

وهذا لم يحدث في الجولات العربية ـ الإسرائيلية الثلاث الأولى والتي كانت إسرائيل هي البادئة بالحرب فيها، بينما حققت مصر تلك النظرية في حرب أكتوبر 1973، وأجبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون وسيطاً رئيسياً في تحقيق هدف مصر من الحرب، وهو السلام.

والعلاقات العسكرية الإسرائيلية ـ الأمريكية علاقات تنبع من الإستراتيجية الشاملة للدولتَين، والتي يُعرِّفُها الجنرال الإسرائيلي "إسرائيل تال "الإستراتيجية العليا" ، بأنها ضمان الوجود القومي وحماية المصالح الحيوية، وتتحدد وفقاً لعوامل مختلفة، مثل أهدافها وغاياتها، وأهداف وغايات شعوب أخرى من جهة وقوّتها النسبية من جهة أخرى.