إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث السابع

المبحث السابع

العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية في المجال الأمني والعسكري

وانعكاساتها على التوازن في المنطقة

تعددت أوجه التعاون الإستراتيجي والأمني بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وتطورت خلال عدة حقب زمنية تطوراً كبيراً، حيث بدأت منتصف الخمسينيات من خلال المساعدات المادية والمعنوية من أجل دعم دولة إسرائيل.

في بداية الستينيات تحولت إسرائيل إلى قاعدة للنفوذ والقوة في منطقة الشرق الأوسط، نتيجة لتطبيقها إستراتيجية الاعتماد على الذات عسكرياً والتي نفذتها لضمان استقرار قرارها ولعدم تكرار الضغوط عليها كما حدث عام 1956 للانسحاب من سيناء وذلك من خلال دعم قدرتها على الصناعات العسكرية، وتحقيق قدر مناسب من الاكتفاء الذاتي في المعدات والأسلحة، إلى جانب تطوير خططها في مجالات التعبئة والإنذار والاستخبارات وخفة الحركة. كذلك فإن التقارب بين بعض الدول العربية والاتحاد السوفيتي والذي أدى لتثبيت أقدامه في الشرق الأوسط ووصوله إلى المياه الدافئة، كـان يشكل تحدياً إستراتيجياً أجبر الولايات المتحدة الأمريكية لعى خلـق آليات للتصدي له، وكانـت إسرائيل وإيـران همـا الدولتَين الرئيسيتَين في هذا التصدي. واعتمدت عليهما لمحاولة إيقاف المد السوفيتي في المنطقة، ومحاولة حصاره من اتجاه الجنوب والتأثير على الدول العربية المتعاونة معه.

وبالتالي فقد تطور حجم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وبما مكن الأخيرة من الشروع في بناء قاعدة صناعات عسكرية ضخمة بمساعدات أمريكية وغربية. وقد بلغت العلاقات الإستراتيجية ما بين الدولتَين ذروتها في مرحلة الإعداد لحرب يونيه 1967 وما بعدها حيث وقعت أول مذكرة تفاهم في مجال البحث والتطوير العسكري وتسويق التسليح الإسرائيلي للولايات المتحدة الأمريكية، كما حصلت إسرائيل على صفقات ضخمة من طائرات السكاي هوك، والفانتوم، وصواريخ الهوك.

وقد ظهرت آثار التعاون العسكري الإسرائيلي ـ الأمريكي واضحة إبّان حرب أكتوبر 1973، حيث نالت إسرائيل مساعدات غير مسبوقة تمثلت في الجسر الجوي الأمريكي الذي حمل أسلحة حديثة تقدر قيمتها بنحو مليارَين و200 مليون دولار، إلى جانب ضمانات عسكرية أخرى، قدرت بنحو مليار و150 مليون دولار.

ومع بوادر السلام في المنطقة المتمثلة في معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، فقد تحولت المساعدات إلى تحالف إستراتيجي كامل، ومشاركة ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تتطور باستمرار على حساب دول المنطقة وقضاياها المختلفة.

أولاً: أسس التعاون العسكري الإسرائيلي ـ الأمريكي

تبنى أسس التعاون العسكري ما بين دولتَين على مفاهيم مختلفة، تلتقي في نطاق تحقيق المصالح والأهداف. كما تختلف تلك الأسس من منطلق وضع الدولتَين، فإسرائيل الدولة الصغيرة تبحث عن البقاء، والولايات المتحدة الأمريكية القوة الكبرى تقود النظام العالمي الجديد. وتتحدد أسس التعاون الأمني والعسكري في مجالات متعددة كالآتي:

1. مبدأ الأمن أساساً للتعاون العسكري

تتلاقى وجهت النظر الأمريكية والإسرائيلية في أن مبدأ الأمن هو الأساس لضمان بقاء إسرائيل، وتحقيق المصالح الأمريكية في وقت واحد. ووجهة النظر الإسرائيلية تتحدد من خلال نظرية الأمن الإسرائيلية الحديثة التي تعتمد على مبدأ " القوة تحقق جوهر البقاء" إدراكاً من إسرائيل أنها في وضع جيوإستراتيجي حرج، وأنها مطوقة بدول معادية، وبما يحتمل معه تعرضها للحرب في أيّ وقت، ولقد أخذ مفهوم الأمن لدى إسرائيل تفسيرات متعددة، استقرت حالياً على مبدأ " الحرب الوقائية وتوجيه الضربة المسبقة".

ولعل التدقيق في حقيقة احتياجات إسرائيل الأمنية تكشف أنه من أجل تجسيد هذا الأمن، فلا بدّ من تدمير الأمن المحيط حولها، دولاً ومجتمعات. ويوضح ذلك ما قدمته إسرائيل في مشروعاتها "السلمية" في أثناء المفاوضات من شروط وما طرحته من مشروعات تعتمد على السعي إلى الهيمنة، وجعل إسرائيل مركزاً إقليمياً مهيمناً على المنطقة، ويشكل محور الترتيبات السياسية والأمنية والعسكرية.

وبالتالي فقد صاغت إسرائيل نظرياتها الحديثة على أساس " ذريعة الحرب" أيْ تحويل أيّ عمل عربي تَعُدّه خطراً على أمنها إلى ذريعة لإشعال فتيل الحرب، حيث تسبق هي بتوجيه ضربات وقائية. وتضع إسرائيل تجربة أكتوبر في حسبانها باستمرار، على أساس أن جميع الأسانيد الأمنية – العسكرية لنظرية الأمن الإسرائيلي قد تحطمت في تلك الحرب.

ومن هنا يتبين أن مفهوم الأمن الإسرائيلي ليس مفهوماً جامداً، بل هو مفهوم متحرك يواكب السياسة التوسعية – الاستعمارية التي تنتهجها إسرائيل، ويتحقق على أساس ردعي، كما يعني أن أمن إسرائيل مطلق لا يتحقق إلا من خلال سيطرة فعلية على المنطقة.

وتعتمد إسرائيل في تحقيق الأمن على قدرات عسكرية متفوقة، وتستخدم نظرية الكيف التقني الإسرائيلي في مواجهة الكم العددي العربي، وربما كانت تلك الجزئية بالذات لتحقيق التفوق هي التي دفعت إسرائيل لبذل كلّ ما لديها لتحقيق أكبر تحالف وتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها الدولة الرئيسية في العالم التي تمتلك تكنولوجيات عسكرية متفوقة.

وتطالب إسرائيل الولايات المتحدة الأمريكية في مجال الأمن بالآتي:

أ . الالتزام السياسي والأدبي الأمريكي ببقاء إسرائيل والحفاظ على كيانها القومي، والارتباط معها بروابط عسكرية تحقق الطمأنينة للشعب اليهودي.

ب. الالتزام بالتفوق العسكري الإسرائيلي التقني على العرب وتزويدها بالأسلحة الحديثة ذات التقنيات العالية وبما ينعكس على الشعب اليهودي بالطمأنينة عندما تتحقق قدرته على الصد والردع لأيّ نيات عدوانية عربية بل إن هذا الالتزام يصل بإسرائيل إلى السيطرة على المنطقة، وضمان عدم إصابتها بأيّ هزيمة محتملة.

ج. ضمان تدفق هجرة اليهود من شتى بقاع الأرض إلى إسرائيل من أجل تعظيم قدرتها البشرية التي تعكس آثارها على القدرة العسكرية في الدفاع عن الدولة، ودعم استقرارهم داخلها من خلال تخصيص معونات تحددها إسرائيل، وتحققها الولايات المتحدة الأمريكية.

د . عدم بناء علاقات أمنية عسكرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية، يمكن أن تنعكس آثارها على العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية، والتي يجب أن تحظى بأسبقية أولى في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية.

هـ. إن العمق الإستراتيجي لدولة إسرائيل محدود، وتحتاج لحدود آمنة، ونجدة سريعة، وتحقق ذلك من خلال قواها الذاتية والدعم الأمريكي.

ومن وجهة النظر الأمريكية: فإن أمن إسرائيل يُعَدّ التزاماً أدبياً وإستراتيجياً راسخاً في وجدان الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وفي أروقة الكونجرس بمجلسَيه. ويتأسس هذا الالتزام على الآتي:

أ. إن إسرائيل نشأت لتبقى، وإن الولايات المتحدة الأمريكية قد ورثت النفوذ في منطقة الشرق الأوسط من الاستعمار القديم، وإن مقولة هيرتزل إن "إسرائيل هي مخفر أمامي لأوروبا" تبدلت لأن تكون مخفراً أمامياً للولايات المتحدة الأمريكية، تستخدمه كأداة عسكرية في مواجهة الدول المناوئة.

ب. إن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية في إدارة النظام العالمي تتطلب حلفاء في كلّ المناطق الحساسة من العالم، ووجود إسرائيل، يمثل مطلباً إستراتيجياً وعسكرياً أمريكياً في منطقة الشرق الأوسط.

ج.  إن اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية يمثل أداة ضغط هائلة على الإدارة الأمريكية، وهذا اللوبي يَعُدّ إسرائيل مخزوناً إستراتيجياً لدعم يهود العالم، وملجأ لكلّ من تضطره ظروفه للهجرة إليها، وبالتالي يجب الحفاظ على كيانها واستقرار أمنها ودعم قدرتها عسكرياً على البقاء.

د. إن تجربة الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول العربية تتسم دائماً بالتشكك، وعدم السير طبقاً لوتيرة واحدة، وبالتالي فإن بقاء إسرائيل قوية عسكرياً، يحقق مجالاً للحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة.

ولا شك أن تلاقي وجهتَي النظر، قد كان بأسلوب علمي سليم، بحيث ارتبطت المصالح بين الدولتَين، وأصبح الشق الأمني جزءاً رئيسياً فاعلاً في التعاون العسكري بينهما.

2. الوضع الإستراتيجي والجيوبوليتيكي لإسرائيل أساساً للتعاون

تعتمد إسرائيل على موقعها الإستراتيجي في تحقيق ميزة أمنية وعسكرية تقايض بها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصفة عامة من أجل تحقيق ميزات عسكرية في نطاق إستراتيجية مرنة متعددة الجوانب لمواجهة التطورات غير المتوقعة في المنطقة والتي قد تؤثر على مصالح الغرب كما تهدف بالأساس إلى ضمان بقاء الوجود الإسرائيلي. ويتأسس الوضع الإستراتيجي لإسرائيل وتوجهاتها نحو الولايات المتحدة الأمريكية من منطلق الآتي:

أ . تحتل إسرائيل مكاناً إستراتيجياً في قلب الشرق الأوسط والعالم العربي، وتحقق تقسيم الوطن العربي إلى شرق وغرب، وتسيطر على شرق البحر المتوسط، وتشكل حلقة وصل ما بين أوروبا وآسيا وهذا يمنحها ميزة عسكرية كبيرة.

ب. تعني قوة إسرائيل ضمان الغرب لحليف إستراتيجي في المنطقة، يحقق المصالح والأهداف الغربية بصفة عامة والأمريكية بصفة خاصة.

ج. يرتبط بقاء إسرائيل إستراتيجياً ببقاء الجنس اليهودي بالكامل، وعدم إعادة تشتيته أو تعرضه للقهر والمحارق التي عاناها في فترات ما قبل الحرب العالمية الثانية، وأن دولة إسرائيل القوية هي ملجأ ليهود العالم.

وتتطابق وجهة النظر الأمريكية مع وجهة النظر الإسرائيلية فيما يتعلق بالوضع الجيوإستراتيجي لإسرائيل، وخاصة أنها تقع بالقرب من منابع البترول التي تشكل جزءاً من الأمن القومي الأمريكي، لذلك فقد تأسست الإستراتيجية الأمريكية في هذا المجال الأمني والعسكري على الآتي:

(1) إن إسرائيل هي قاعدة متقدمة يمكن استخدامها لتحقيق مهام معينة في الشرق الأوسط، سواء من خلال إطلاق يدها لتحقيق هدف محدد، أو جعلها منطقة ارتكاز رئيسية للقوات الأمريكية. وبالتالي فلا بدّ من ضمان الأمن للقوات الأمريكية التي ستوجد فيها.

(2) على الرغم من الأعباء التي تشكلها إسرائيل للولايات المتحدة الأمريكية على المستويات المختلفة في مواجهة العلاقات العربية ـ الأمريكية، إلا أن مجرد وجود إسرائيل يشكل عامل ردع يجبر الدول العربية على الاتجاه نحو الولايات المتحدة الأمريكية في المسائل الإستراتيجية والأمنية. وبالتالي فإن السلام المنقوص هو في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية.

(3) إن الالتزام الأمريكي الأدبي تجاه بقاء إسرائيل ودعمها، يتحول تدريجياً إلى التزام إستراتيجي من خلال تبادل المعلومات والتسهيلات العسكرية، والتقنيات العسكرية وخلافه.

(4) إن الولايات المتحدة الأمريكية تثق في قدرة العلماء العسكريين الإسرائيليين، وبالتالي فإن المشاركة في البحث العلمي العسكري بين الدولَتَين يشكل قوة دافعة، لتطور النظم القتالية.

ثانياً: ركائز ومجالات التعاون الإستراتيجي التي تتمسك إسرائيل بتحقيقها

تتمسك إسرائيل باستمرار في مجال تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية، بركائز محددة لتلبية مجموعة الاحتياجات التي تؤثر على تفوقها، وتحقق أمنها المطلق ومن هذه الركائز:

1. التعاون في مجال المعلومات، وربط شبكات الإنذار المبكر الإسرائيلي بالشبكة الرئيسية الأمريكية وتبادل المعلومات من خلال أجهزة الاستخبارات والطوارئ.

2. انضمام إسرائيل لشبكة مخازن الطوارئ الأمريكية، مع السماح لإسرائيل باستخدام المخزون الأمريكي من الأسلحة المخزنة داخل إسرائيل في أوقات الحاجة، مع استغلال الصناعات الحربية الإسرائيلية في تصنيع بعض المعدات التي يحتاجها الجيش الأمريكي، وتخزينها في مخازن الطوارئ داخل إسرائيل.

3. استجابة الإدارة الأمريكية لتزويد إسرائيل بأحدث أنظمة التسليح، مع مشاركتها في التطوير لهذه الأسلحة طبقاً لاتفاقيات التعاون الإستراتيجي، ويحظى سلاح الطيران الإسرائيلي بإمكانيات تطوير هائلة بفعل التكنولوجيات الأمريكية.

4. إجراء التدريبات والمناورات المشتركة دورياً وعند الحاجة بهدف تبادل الخبرات من الجانبَين.

5. دعم الولايات المتحدة الأمريكية للصناعات الحربية الإسرائيلية من خلال الدعم المادي والتكنولوجي، وشراء فائض الإنتاج لضمان استمرارية هذه الصناعات.

6. ضمان الولايات المتحدة الأمريكية أمن الأهداف الحيوية الإسرائيلية من خلال إمدادها ببطاريات الصواريخ المضادة للصواريخ "باتريوت" عند اشتعال الأزمات في المنطقة كما حدث عام1991، وكما يحدث في عام 2003 لوقاية إسرائيل من احتمال مبادرة العراق إلى قصفها بالصواريخ.

7. ضمان الولايات المتحدة الأمريكية لامتلاك إسرائيل لأسلحة ردع لا يمتلكها غيرها من الدول في منطقة الشرق الأوسط، وهي في ذلك تتغاضى عن امتلاك إسرائيل للأسلحة الذرية بينما تعاقب أيّ دول أخرى لها برامج نووية.

8. تشجيع العديد من الدول على التعامل العسكري مع إسرائيل سواء لعقد صفقات تسليح معها، أو لتولي إسرائيل تطوير أسلحة تلك الدول بتكنولوجيات متقدمة، أو بعقد اتفاقيات عسكرية أو تدريبات مشتركة.

9. تتحمل الولايات المتحدة الأمريكية نفقات إمداد إسرائيل بتكنولوجيات متقدمة، كذلك نفقات التطوير لنظم أسلحة جديدة، مثل "حيتس، ونيوتيلس".

10. تفتح الولايات المتحدة الأمريكية جميع معاهدها العلمية العسكرية أمام المتدربين الإسرائيليين من خلال بعثات تدريبية منتظمة لمختلف التخصصات.

وتستخدم إسرائيل آلياتها المختلفة لتحقيق التعاون العسكري من خلال المجالات التالية:

1. في المجال الإستراتيجي

أ. ربط التعاون الإسرائيلي ـ الأمريكي من خلال اتفاقيات عسكرية تشمل جميع مجالات نظم التسلح الحديثة.

ب. يرتبط استخدام القوة العسكرية من قبل إسرائيل بموافقة مسبقة من الولايات المتحدة الأمريكية حتى تضمن التأييد والدعم التام مع تطورات الأحداث.

ج. استغلال قدرة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة وفي المنظمات العالمية للدفاع عن استخدام إسرائيل للقوة العسكرية ولحجب أيّ قرارات تدين عدوان إسرائيل، وإزالة آثار أيّ قرارات تصدر في غير مصلحتها.

د. تأكيد أن ما تبادر إليه إسرائيل من عدوان عسكري على الفلسطينيين هو داخل نطاق الحرب ضد الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية.

هـ. تأكيد أمن إسرائيل بربط شبكات الإنذار والمعلومات العسكرية الإسرائيلية بالشبكات الأمريكية بما فيها الأقمار الصناعية.

و. إن السلام الإسرائيلي الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية تحقيقه لا بدّ أن يضمن بسط سيطرتها العسكرية التامة بصفتها دولة رئيسية فاعلة في المنطقة، إلى جانب تعويض إسرائيل عسكرياً بقدرات إضافية من أجل ضمان الأمن.

2. في المجال العسكري

أ. الانتماء إلى المدرسة العسكرية الأمريكية فيما يتعلق بالعقيدة القتالية، ونظم التسليح وأساليب القتال، وتستغل تعدد العمليات العسكرية الأمريكية في مختلف أنحاء العالم في اكتساب الخبرة الميدانية وتطبيقها في إسرائيل.

ب. الحفاظ على التفوق العسكري المطلق على كافة الجيوش العربية المجاورة، من خلال الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية في ثلاثة مجالات محددة:

(1) الأول: هو تطبيق التقنيات العسكرية المتقدمة التي توصلت إليها الولايات المتحدة الأمريكية في مختلف أوجه النشاطات العسكرية الإسرائيلية، سواء من خلال الشراء أو المشاركة أو التبادل، وأحياناً بالحصول عليها بطرق ملتوية وغير شرعية. وقد أدى ذلك إلى أن تملك إسرائيل أنظمة تسليح متقدمة، لا تمتلكها إلا الولايات المتحدة الأمريكية وأقرب حلفائها.

(2) الثاني: تحقيق اكتفاء ذاتي يتناسب مع إمكانياتها، ويتفوق على كلّ الدول العربية المجاورة لها؛ وذلك من خلال صناعات حربية متقدمة تعتمد على تكنولوجيات أمريكية أيضاً إلى جانب تسويق فائض الإنتاج إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حتى يمكن أن تحافظ على القوة الدافعة لتلك الصناعات.

(3) الثالث: هو امتلاك أسلحة ردع - متفوقة على كلّ دول المنطقة والمنطقة المحيطة- وبما يكفل ردع جيرانها وعدم اللجوء إلى القوة ضدها، وفي هذا المجال، فإن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية، وصواريخ بعيدة المدى.

3. في مجال تحقيق السلام في المنطقة

السلام في المفهوم الإسرائيلي هو إجبار العرب على قبول الشروط الإسرائيلية، من منطلق تفوق عسكري حاسم، إلى جانب فرض وجود إسرائيل على العرب من منطلق قوة لا يمكن مواجهتها. وهذا المفهوم كان قد أكده بن جوريون في مرحلة بناء الدولة حين قال: "إن الطريقة الوحيدة لإقناع العرب لصنع السلام، هي رؤية إسرائيل قوية". ويعني ذلك أن السلام من وجهة نظر إسرائيل هو تفوق عسكري وقدرة على الردع والسيطرة على الخصم أكثر منه مفهوم تعايش سلمي. وتبني إستراتيجيتها لتحقيق السلام من منطلق الآتي:

أ. تتولى الولايات المتحدة الأمريكية تعويض إسرائيل – عسكرياً – عن أيّ خسائر تتحملها نتيجة توقيع اتفاقية السلام وتقدر هذه التعويضات في كلّ مرة بمليارات الدولارات، حتى إن مطالبها مقابل توقيع الاتفاق مع سورية نحو 18 مليار دولار ومع الفلسطينيين في مباحثات كامب ديفيد عام 2000، 35 مليار دولار.

ب. تؤكد إسرائيل مفهوم الحدود الآمنة في مباحثات السلام، وبما يحقق الأمن داخل إسرائيل نظر لمحدودية الدولة وتتفق مع الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك.

ج. حدد أبا إيبان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق مفهوم الحدود الآمنة بأنها "حدود يمكن الدفاع عنها من دون إجراءات عسكرية مسبقة"، بمعنى أن الحدود تكون مستقرة ويكفي الدفاع عنها بمجهود محدود لكي تصبح آمنة. كذلك فإن ليفي أشكول رئيس الوزراء الأسبق، قال: "لا يمكن التوصل إلى حل سياسي إلا بعد الاتفاق على حدود آمنة ودائمة". لذلك فهناك خلاف في تحديد الحدود السورية – الإسرائيلية طبقاً لهذا المفهوم.

د. وفيما يتعلق بتحديد الحدود الفلسطينية ـ الإسرائيلية:

(1) ترى إسرائيل أن آخر موقع بنيت عليه مستعمرة إسرائيلية هو خط الحدود الإسرائيلية مع الدول المجاورة، ومن هنا تنشأ اختلافات في وجهات النظر الفلسطينية – الإسرائيلية.

(2) شرعت إسرائيل في بناء "السور الواقي" ليفصل ما بين الأراضي الإسرائيلية طبقاً لحدود حددتها هي وبين الأراضي الفلسطينية، تحت ستار الحدّ من الهجمات الفدائية الفلسطينية داخل الأراضي الإسرائيلية. ولكن الحقيقة تكمن في شروع إسرائيل في تقليص معظم الأراضي التي تخضع للسلطة الفلسطينية وضمها إلى الأراضي الإسرائيلية، ولكي يصبح هذا السور ذريعة تطرحها إسرائيل في مواجهة مفاوضات الحل النهائي.

(3) على الرغم من كلّ ذلك فإن الحكومات العسكرية ما بعد رابين لم تدرك ما أكده "إسحاق رابين" رئيس الوزراء الأسبق، نفسه، من "أنه على الرغم من التفوق العسكري، لن تستطيع إسرائيل تحقيق حسم في الموقف يؤدي إلى فرض شروط إسرائيلية للتسوية في الشرق الأوسط، أو لاتفاقية سلام في أعقاب المفاوضات".