إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الثامن

المبحث الثامن

العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية في المجال الأمني والعسكري

بعد أحداث سبتمبر 2001

مثلت أحداث 11 سبتمبر 2001، حداً فاصلاً للنظام العالمي الجديد، لأنها أصابت قلب الولايات المتحدة الأمريكية المهيمنة على هذا النظام، وأنزلت بها من الخسائر ما لم تكن تتوقعه عقب انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة. وانعكست الخسائر الأمريكية على كلّ العالم بدرجات متفاوتة، وأعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الحرب ضد الإرهاب، وطالبت العالم كله بالوقوف معها في معاركها السياسية والعسكرية والاقتصادية ضد المنظمات الإرهابية والدول التي تشجع الإرهاب، وما أطلقت عليه "الدول المارقة". وقد اغتنمت الولايات المتحدة الأمريكية الفرصة، لتحقق مزيداً من المكاسب بتوظيف العولمة لمصلحتها بدرجة أشد كثافة من قبل.

وربما كان انعكاس أحداث سبتمبر على المنطقة الشرق أوسطية يفوق مثيله في بعض المناطق الأخرى عدا منطقة شبه القارة الهندية التي شهدت أحداث أولى جولات الحرب ضد الإرهاب، والانعكاس يتحدد في النظرة الأمريكية للمنطقة العربية وإسرائيل فيما قبل وبعد سبتمبر 2001.

كان التغلغل الأمريكي في المنطقة العربية يستند إلى الأوضاع العربية الداخلية التي تتسم بالافتقار إلى الديموقراطية، ولكن بعد أحداث سبتمبر تأكد للولايات المتحدة الأمريكية أن حالة النظم العربية هي عامل رئيسي في التأثير في مصالحها ونفوذها في المنطقة وبالتالي تهديد للأمن القومي الأمريكي. في الوقت الذي استمرت فيه إسرائيل حليفاً إستراتيجياً موثوقاً في قدرته وكفاءته لتحقيق المصالح الأمريكية.

ومن هنا فإن محور السياسة الأمريكية الذي تركز عبر نصف قرن على حماية إسرائيل، وتأمين مصادر النفط، ومحاربة النفوذ الشيوعي، تعدل ليصبح حماية إسرائيل وتأمين مصادر النفط وتدعيم الوجود الأمريكي الجديد في المنطقة بمزيد من الضغط المباشر على الأنظمة العربية المعتدلة وغير المعتدلة.

وفي بداية تولي الرئيس بوش السلطة في يناير 2001، لم تكن قضية الشرق الأوسط ضمن أولويات الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي عاب فيه الرئيس بوش على إدارة سلفه الرئيس كلينتون الانغماس في قضية الشرق الأوسط، بينما لم يحقق فيها التأثير المطلوب، ثم جاءت أحداث سبتمبر، واتهام تنظيم القاعدة بتركيبته الشرق أوسطية إجباراً لإدارة بوش على الانغماس بدورها في القضية نفسها.

أولاً: الأهداف والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، بعد أحداث سبتمبر، ودور إسرائيل في تحقيقها

تتعدد وتتشابك المصالح الأمريكية في المنطقة، وقد أثبتت أحداث سبتمبر، ومن قبلها أحداث عاصفة الصحراء عام 1991، أن إسرائيل ليست الحليف الإستراتيجي المطلق للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ولكنْ هناك دور لإسرائيل، ودور آخر للدول العربية المعتدلة، ولا بدّ أن تبذل الولايات المتحدة الأمريكية جهداً للتنسيق المباشر مع كلّ الأطراف.

ووفقاً للرؤية الأمريكية، فإن التوازنات الإستراتيجية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تتطلب توثيق العلاقة بين الدفاع والأمن، حتى يمكنها أن تحافظ على مكانتها الدولية وزعامتها في قيادة العالم، ويكون هذا الأمن محققاً من خلال تحالف دولي يحقق تغييراً للخرائط السياسية في مناطق المصالح الأمريكية سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً. وكانت إسرائيل هي أول من تفهمت هذا الموقف لتستثمره لمصلحتها في المنطقة.

وهناك اتفاق إسرائيلي ـ أمريكي غير معلن للقضايا التي تمس المصالح الأمريكية، والتي تمس الأمن الإسرائيلي، ودور كلّ منهما للعمل على تفعيل تلك القضايا لمصلحة الآخر. كذلك هناك العديد من المسائل الإستراتيجية التي يجب أن تبتعد عنها إسرائيل تماماً، من منطلق أن أيّ تدخل أو مشاركة إسرائيلية سوف تؤدي إلى معارضة عربية شديدة تضر بالمصالح الأمريكية نفسها، ويأتي في مقدمتها:

1. الأوضاع العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج

حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على التواجد العسكري في منطقة الخليج من منطلق تحقيق مصالحها الحيوية، واستجابة لرغبة بعض دول الخليج في تحقيق الأمن، وهذا الوجود تدعم في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، وخصوصاً الاستعداد لتوجيه ضربة عسكرية لتقليص قدرة العراق في امتلاك أسلحة تدمير شامل. وتحرص الولايات المتحدة الأمريكية أن لا تثير إسرائيل أيّ مطالب للمساهمة في ذلك الوجود، أو تبادل زيارات أو تدريب مشترك أو أيّ عنصر من عناصر التعاون مع القوات الأمريكية الموجودة في الخليج حتى لا تثير المشاعر العربية وهذا الوجود مر بثلاث مراحل منذ عام 1991 وحتى الآن.

المرحلة الأولى: الوجود من أجل تحقيق أمن الدول الخليجية مقابل أجر منذ عام 1991، وكان هذا الوجود بديلاً عن اتفاق دمشق الذي وقعته الدول الخليجية مع مصر وسورية عام1991، والذي أمسى غفلاً.

المرحلة الثانية: الوجود من خلال عقد اتفاقيات أمنية مع دول الخليج كلّ على حدة، وكان ذلك منذ عام 1993، من أجل إقرار الوجود وشرعيته.

المرحلة الثالثة: تكثيف التواجد من خلال اتفاقيات أمنية موسعة، بحيث انتقلت قيادة الأسطول الخامس إلى البحرين، وقيادة القوات الجوية المركزية الأمريكية إلى قطر، وتجهيز قاعدة إدارية في عمان مع استمرار الوجود في المملكة العربية السعودية والكويت.

ومن خلال ذلك، فإن الولايات المتحدة الأمريكية حققت وجودها في أهم منطقة في العالم تتوسط أهدافها الإستراتيجية في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وتقترب من مناطق المصالح الإستراتيجية القادمة في وسط آسيا وشبه القارة الهندية.

ولاشك أن أيّ تنسيق إسرائيلي ـ أمريكي بخصوص هذه القواعد، أو ربطها مع المخزون الإستراتيجي الأمريكي في إسرائيل، سوف يثير مشاعر الدول العربية، وبما يهدد المصالح الأمريكية نفسها.

2. أمن منابع البترول

وهي مسألة تتعلق بسابقتها، فعلى الرغم من أن أحد أهداف العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية هو لتأمين، والحفاظ على منابع البترول، إلا أنه منذ عام 1990، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، هي التي تتولى التأمين من خلال وجودها في الخليج، وتبعد إسرائيل تماماً لعدم إثارة الشعور العربي.

ثانياً: الحرب ضد الإرهاب

جاءت أحداث سبتمبر 2001 لتغيير مفهوم العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية تجاه النظام العالمي الجديد، ولتصبح إسرائيل، من خلاله، أداة فاعلة في منطقة الشرق الأوسط لدعم القرار الأمريكي في الحرب ضد الإرهاب، ولتطلق الولايات المتحدة الأمريكية يد إسرائيل لتحقق العديد من أهداف ومصالح إسرائيل نفسها، تحت ستار هذه الحرب. لذلك سمحت الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل بدور محدود في نطاق المشرق العربي (فلسطين – الجنوب اللبناني)، دون الانتشار أكثر من ذلك. حيث تتولى الولايات المتحدة الأمريكية بنفسها باقي المناطق من خلال سياسات مختلفة.

ووجهة النظر الإسرائيلية ـ الأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط أنها منطقة يتغلغل فيها الإرهاب والذي ينتشر في أرجاء العالم ويمس المصالح الإسرائيلية ـ الأمريكية. وعندما حددت الولايات المتحدة الأمريكية الدول المارقة، فإنها اختارت أربع دول عربية من هذه الدول (سورية ـ العراق ـ ليبيا ـ السودان)، إلى جانب وجود عناصر من القاعدة في كلّ من اليمن والمملكة العربية السعودية والصومال، والكويت، والإمارات وكلّها دول تتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. كذلك فإن إسرائيل أضافت الفلسطينيين وحزب الله اللبناني إلى لائحة الإرهاب.

ومن هنا، فإن إسرائيل يجب أن تبتعد عن المشاركة في أيّ عمليات تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإرهاب في المناطق وبالأساليب التالية:

1. العراق: حيث إن مشاركة إسرائيل في أيّ عمليات عسكرية، سوف تؤدي إلى انهيار التحالف مع الدول العربية الفاعلة، وتخسر الولايات المتحدة الأمريكية الكثير نتيجة مشاركة إسرائيل.

2. أمن البحر الأحمر: حيث إن الدول العربية الفاعلة مصر والمملكة العربية السعودية تَعُدّان أمن البحر الأحمر مسؤولية عربية خالصة، وأن أيّ وجود إسرائيلي في هذا البحر يؤثر على الأمن القومي العربي. كذلك فإن للولايات المتحدة الأمريكية قدراتها العسكرية المنتشرة جنوب البحر الأحمر، دون الحاجة إلى مشاركة إسرائيلية.

3. محاولة الالتفاف لمساعدة أيّ دولة لشن أعمال عدوانية ضد دول عربية: مثل مبادرة تركيا إلى تأكيد وجودها في المنطقة الكردية، أو العدوان على الحدود السورية.

4. شن إسرائيل عمليات عسكرية باستغلال الهجوم الأمريكي المحتمل ضد العراق: مثل أن تهجم على لبنان أو سورية، أو الحدود المصرية، وبما يمثل إحراجاً لموقف الولايات المتحدة الأمريكية، وفض التحالف العربي من حولها.

في الوقت عينه، أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لإسرائيل للتصرف تجاه الفلسطينيين، إضافة إلى التعرض لحزب الله في الجنوب اللبناني. ويأتي ذلك بذريعة حرص الولايات المتحدة الأمريكية على أمن إسرائيل، إلى جانب إطلاق يدها لتقليص قدرة الفلسطينيين، وبما يحقق إذعانهم لشروط السلام في مرحلة مقبلة، والقبول بالمشروع الإسرائيلي ـ الأمريكي لإنشاء الدولة الفلسطينية وفي هذا:

1. مارست إسرائيل إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين، وتغاضت الولايات المتحدة الأمريكية عما تقترفه إسرائيل بل عطلت العديد من القرارات الدولية التي تدين الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

2. رأت الولايات المتحدة الأمريكية أن ما تفعله إسرائيل يأتي في نطاق الحرب ضد الإرهاب، والذي يشمل مسرح العالم، وأن إسرائيل تضطلع بدورها في الشرق الأوسط لتدمير البنية التحتية للإرهاب في فلسطين.

3. نسقت إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية تسجيل المنظمات الفلسطينية حماس – الجهاد التي تكافح وتقاوم الأعمال العسكرية الإسرائيلية، لتكون على لائحة المنظمات الإرهابية التي يجب التصدي لها وينطبق عليها شروط الحرب ضد الإرهاب عسكرياً واقتصادياً ومعنوياً، من دون أن تفصل الإدارة الأمريكية ما بين مفهوم الإرهاب والتصدي للاستعمار، أو أن تحدد ميدان المعركة، هل هو كلّ أرض فلسطين أم الأماكن المحدودة التي توجد بها هذه المنظمات.

4. دعمت الإدارة الأمريكية الموقف الأدبي لرئيس الوزراء الإسرائيلي "أريل شارون" في ممارساته الإرهابية ضد الفلسطينيين ووصفه الرئيس الأمريكي بوش بأنه "رجل سلام"، متغاضياً عن شعور الرأي العام العالمي ضد ممارساته.

5. حرصت الإدارة الأمريكية على تحقيق مطالب إسرائيل الاقتصادية والعسكرية من أجل الاستمرار في مقاومة الانتفاضة.

6. حرصت الولايات المتحدة الأمريكية على دفع بعض حلفائها لتأييد ما تفعله إسرائيل في المنطقة، ويثير الرأي العام العالمي، وجاء ذلك عن طريق توقيع إسرائيل لاتفاقيات مع العديد من الدول لمقاومة الإرهاب بشكل عام ومن دون أن يذكر الفلسطينيون مباشرة. وقد شملت هذه الاتفاقيات دولاً في المنطقة مثل تركيا ، ودولاً أخرى، مثل أستراليا وغيرها.

ثالثاً: تصاعد الدور الإسرائيلي تجاه الفلسطينيين نتيجة للدعم الأمريكي

منذ تولي شارون السلطة في إسرائيل في فبراير 2001، فقد كان برنامجه الانتخابي، هو تحقيق أقصى قدر من الأمن للإسرائيليين، وعلى ذلك فقد تعلقت به آمال الشعب الإسرائيلي في إخماد الانتفاضة الفلسطينية التي تسبب هو نفسه في إشعالها حين دخل المسجد الأقصى في 28 سبتمبر 2000.

وقد كانت الانتفاضة تشكل عاملاً سلبياً، محدوداً، في هذا الوقت على الأمن الإسرائيلي، وبالتالي تنعكس آثارها على الأمن القومي الأمريكي، حيث حدثت في توقيت متزامن معها ومن دون تنسيق مسبق ما بين الانتفاضة وبعض الأعمال المضادة للوجود الأمريكي في المنطقة، مثل الهجوم على المدمرة كول، ثم أعقبها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

بدأ شارون في تصديه للانتفاضة الفلسطينية باتفاق إسرائيلي ـ أمريكي من خلال مشروع "المائة يوم" والذي يستهدف مواجهة الانتفاضة بأقصى عنف لإخمادها، وقد نسق تلك الخطة مع الإدارة الأمريكية، التي كانت تستهدف التهدئة في منطقة الشرق الأوسط، حتى تتفرغ لتنفيذ أولويات اهتمامها في العالم، من دون ضغوط حيث لم يكن الشرق الأوسط ضمن هذه الأولويات وفشلت المائة يوم الأولى، ثم المائة الثانية، وأخل شارون بتعهداته للإدارة الأمريكية.

وبعد أحداث سبتمبر 2001 تطور الفكر العسكري الإسرائيلي في مواجهة الانتفاضة، بدءاً بخطة "بكل الألوان" والتي تستهدف اقتحام بعض مناطق السلطة الفلسطينية، وقتل الفدائيين الفلسطينيين، وفشلت أيضاً هذه الخطة، لتتطور إلى خطة "جهنم"، التي تركزت على اقتحام مناطق السلطة الفلسطينية بالكامل وإعادة الحصار وتدمير البنية التحتية الفلسطينية.

وتحمل الفلسطينيون كلّ إجراءات القمع الإسرائيلية، وازدادت عملياتهم الاستشهادية داخل إسرائيل، ثم تطورت الخطة إلى "حقل الأشواك" بإنشاء مناطق عازلة بين المدن والقرى الفلسطينية لمنع الفلسطينيين من الانتقال الآمن، وتلتها خطة "السور الواقي" ببناء أسوار عالية على نمط "حائط برلين"، للفصل ما بين المناطق الفلسطينية وإسرائيل، مستقطعة أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية. وخلال عمليات القمع ضد الفلسطينيين امتد الجدار في مرحلته الأولى إلى 110 كم، وفي المراحل التالية إلى نحو315 كم، تقتطع إسرائيل من خلاله مساحات كبيرة من أراضي فلسطين، وباكتمال هذا الجدار ستعزل المدن والقرى الفلسطينية، وتوضع تحت مراقبة إلكترونية مع إحاطة الجدار بخنادق تمنع سكانها من مغادرتها أو الوصول إلى مزارعهم إلا من خلال بوابات محددة وبعد الحصول على تصاريح لعبور تلك البوابات.

وحرصت إسرائيل في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، أن تستغل الفرصة، لتعلن أنها في حرب مستمرة ضد  الإرهاب، وتعني بذلك الفلسطينيين، متمشية بذلك مع السياسة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب.

ومع التأييد الأمريكي المطلق للتوجه الإسرائيلي، فقد انعكست آثار هذا التأييد على المصالح الأمريكية نفسها في المنطقة كالآتي:

1. فقدت الولايات المتحدة الأمريكية مصداقية كونها قوة عظمى وحيدة تدير النظام العالمي، وأصبحت في نظر الشعوب العربية تكيل بمكيالَين، وتؤيد إسرائيل تأييداً أعمى على حساب العرب. وقد انعكس ذلك على الشارع الأمريكي نفسه، والذي بدأ يتساءل "لماذا يكرهوننا" علماً بأن الشعوب العربية أو الإسلامية لا تكره الشعب الأمريكي ولكن تكره الانحياز الأمريكي تجاه إسرائيل على حساب العرب.

2. أدى الانحياز الأمريكي إلى ازدواجية الاتهام من وجهة نظر الرأي العام العربي وذلك من خلال إقرار الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل، فيما تقترفه الأخيرة من قمع في الأراضي الفلسطينية حيث كان العلم الأمريكي مستهدفاً إلى جانب العلم الإسرائيلي في الحرق من قبل المظاهرات الشعبية العربية المؤيدة للفلسطينيين، كذلك استهداف بعض المنشآت الأمريكية، وتصاعد شعارات مقاطعة كلّ ما هو أمريكي.

3. فقدت الولايات المتحدة الأمريكية حريتها في اتخاذ القرار لتوجيه ضربة عسكرية إلى العراق، نتيجة لتصاعد الرأي العام العالمي الرافض للحرب وموقف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية نفسهم من هذه الحرب، كما فقدت التحالف العربي المؤيد لها، بل إن قادة الدول الفاعلة في المنطقة مثل مصر، طالبوا بنزع أسلحة التدمير الشامل الإسرائيلية والتفتيش عليها على المستوى نفسه للجان التفتيش الموجهة إلى العراق.

4. اضطرت الولايات المتحدة الأمريكية للرضوخ إلى مطالب الشركاء الأوروبيين وروسيا والدول العربية الفاعلة مصر، والمملكة العربية السعودية لإصدار قرار متوازن خاص بالعراق القرار الرقم 1441، من أجل الحفاظ على التحالف الدولي، وهو إجراء يعطي دلالات هامة للغاية في أن النظام الدولي الجديد لن يقتصر على القرار المطلق للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الحلفاء سوف يكون لهم دور في القرارات المصيرية، وهو ما ينطبق أيضاً على قضايا الصراع العربي ـ الإسرائيلي.

5. أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية من حساباتها قدرة، إسرائيل تماماً في مسألة العراق، على الرغم من أن إسرائيل دائماً كانت هي التي تدفع الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه ضربة إلى العراق، من أجل تقليص قدراتها، والتحول بالأسلوب نفسه إلى دول عربية أخرى، وذلك حتى لا تفقد الولايات المتحدة الأمريكية التحالف مع الدول العربية.

رابعاً: انعكاسات العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية بعد أحداث سبتمبر

هناك انعكاسات  إيجابية من وجهة نظر الإدارة الأمريكية وإسرائيل، وهناك انعكاسات سلبية أيضاً.

1. الانعكاسات الإيجابية

أ. أعلنت إسرائيل نفسها قوة رئيسية مؤثرة في الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً وتتحكم في مسار الأحداث، طبقاً لرؤيتها هي، وليس نتيجة لضغوط معينة.

ب. كشفت إسرائيل عن ضعف النظام العربي، وعدم قدرته على تحقيق إستراتيجية متكاملة لمواجهتها، وفي هذا فقد أضافت قدرة للنظام الأمريكي في إثبات احتياج النظام العربي لجهوده لإيقاف ممارسات إسرائيل:

ج. فتح المجال كاملاً أمام الإدارة الأمريكية في تحقيق إستراتيجيتها في المنطقة والتي تتحدد في:

(1) عدم السماح بنشوب حرب نظامية بين إسرائيل وإحدى جاراتها الرئيسية مصر وسورية.

(2) التحكم في مسار الأزمة من خلال قرار أمريكي تفرضه في الوقت المناسب.

(3) تأكيد تقارب الأنظمة العربية من النظام العالمي الجديد، وإقرار اعتراف تلك الأنظمة بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي القادرة على تحقيق مسار السلام في المنطقة.

(4) تأكيد الفجوة التكنولوجية بين العرب وإسرائيل من ناحية استخدام القدرة العسكرية مستقبلاً.

2. النتائج السلبية من وجهة نظر أمريكية – إسرائيلية

أ. على الرغم من آلة الحرب الإسرائيلية المتطورة، فإنها لم تتمكن من إيقاف الانتفاضة، وتحملت خسائر كبيرة تصل نسبتها إلى نحو عشرين في المائة من خسائر الفلسطينيين البشرية، على الرغم من الفارق في التسليح والتدريب والسيطرة، وقد تحملت إسرائيل خسائر بشرية ما بين 600 - 700 قتيل وآلاف الجرحى من خلال نحو مائة وعشر عمليات فدائية، في الفترة من سبتمبر 2000 إلى أكتوبر 2002.

ب. تضرر الاقتصاد الإسرائيلي أضراراً بالغة، لدرجة أن انهيار التحالف ما بين الليكود والعمل، في نوفمبر 2002، كان بسبب الموازنة الاقتصادية، وتخصيص مبالغ للمستوطنات الإسرائيلية يحتاج إليها الجيش في دعم قدراته، وقد تحملت إسرائيل خسائر من جراء الانتفاضة بلغت نحو اثنَي عشر مليار دولار حتى منتصف عام 2002.

ج. ازدادت نسبه الهجرة المضادة من إسرائيل إلى الخارج بأعداد كبيرة.

د. ازدادت المقاومة للوجود الأمريكي في المنطقة، وأهمها ما حدث في الكويت من مهاجمة أفراد عسكريين أمريكيين عدة مرات خلال شهريّ أكتوبر ونوفمبر 2002.

هـ. رفض المملكة العربية السعودية استخدام أراضيها في ضرب العراق.

و. الرفض الجماعي العربي لتوجه الولايات المتحدة الأمريكية لضربة عسكرية ضد العراق.

خامساً: الإجراءات الأمريكية لإحداث توازن في المنطقة

على الرغم من حرص الإدارة الأمريكية على دعم إسرائيل وضمان بقائها وأمنها وجعلهما هدفاً رئيسياً للإستراتيجية الأمريكية في المنطقة، إلا أن هناك عوامل رئيسية تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذها ضماناً لمصالحها في المنطقة والتي يأتي في مقدمتها:

1. تأمين الوجود الأمريكي في منطقة الخليج واستمرار شرعيته.

2. تأمين مصادر البترول، وتدفقه إلى الغرب بمعدلات مناسبة.

3. تأمين طرق المواصلات من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق والغرب، والتي تتحكم فيها دول المنطقة.

4. تأمين التحالف الدولي ضد الإرهاب، واضطلاع الدول العربية باجتثاث جذور الإرهاب في أراضيها.

5. يضاف إلى كل هذا متغيران رئيسيان، هما:

أ . توجه الولايات المتحدة الأمريكية لتقليص قدرات العراق من أسلحة التدمير الشامل التي تدعي أن العراق لا يزال يحتفظ بها، ومن خلال تقليص قدرة العراق يتحقق مزيد من التأمين إلى دول الخليج وإسرائيل، نتيجة حرمان العراق كلّ مصادر قوّته العسكرية إلى جانب تغيير نظام الحكم العراقي الذي أدى إلى امتلاك هذه الأسلحة.

ب. إنهاء مشكلة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ضمن نطاق شامل لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، لكونه جزءاً من هدف النظام العالمي الجديد، حتى يتحقق استقرار المنطقة من جانب، وحتى لا يؤثر التوتر الحادث حالياً في تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في شن ضربه ضد العراق.

وإذا كانت الالتزامات الأمريكية ثابتة في الأربعة عوامل الأولى، إلا أن المتغيرَين المضافَين يمثلان موقفاً حاداً في الإستراتيجية الأمريكية، لأن الدول العربية بالكامل، ترفض توجيه ضربة عسكرية للعراق، وتؤثر أن يكون الحل سلمياً وبالطرق الدبلوماسية، نتيجة لقبول العراق استقبال المفتشين الدوليين.

وقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية منذ تحقيق انتصارها في أفغانستان، والذي واكب تصعيد العمل العسكري الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، أن تتخذ موقفاً متوازناً في مسار الأحداث في المنطقة ينبع من ثلاث ركائز:

1.  توقف العمليات الفدائية الفلسطينية داخل إسرائيل، والتي أدت إلى الانكشاف الإستراتيجي الإسرائيلي، وتكبيدها خسائر بشرية واقتصادية، إلى جانب إحساس الإسرائيليين من الداخل بعدم الأمان، وبالتالي تزداد الهجرة المضادة إلى خارج إسرائيل. يزاد على ذلك أن الإدارة الأمريكية وصفت الانتفاضة بالإرهاب في 2 نوفمبر 2001، وبما يطلق يد شارون لمزيد من التصعيد وتقويض السلطة الفلسطينية.

2. محاولة لتخفيف الحصار عن الفلسطينيين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من المدن الفلسطينية وحتى لا تنسف إسرائيل ما تحقق من خطوات سابقة على طريق السلام، وحتى لا تُتهم الولايات المتحدة الأمريكية نفسها بأنها تتغاضى عن حقوق الإنسان المهدرة في فلسطين، وقد عَدّ شارون في وقت من الأوقات ذلك التوجه من الإدارة الأمريكية تضحية بإسرائيل لإرضاء العرب.

3. طرح المبادرات السلمية لدفع الأطراف للجلوس على مائدة المفاوضات وتجنب أعمال العنف المتبادلة، ويأتي ذلك تتويجاً لجهود الدول العربية الفاعلة وأهمها مصر والمملكة العربية السعودية، والتي تتولى الضغط المستمر على الإدارة الأمريكية لممارسة مسؤوليتها تجاه الفلسطينيين.

سادساً: المبادرات الأمريكية لإنهاء الصراع العسكري الفلسطيني – الإسرائيلي

1. تقرير جورج ميتشيل: "George Mitchell"

وهو الذي وضعته لجنه بقيادة جورج ميتشيل، الرئيس السابق لمجلس الشيوخ الأمريكي، وحددت توصياته في 30 أبريل 2001، وأعلنت في مؤتمر شرم الشيخ، وقد قبلت كلّ من إسرائيل والسلطة الفلسطينية المقترحات الواردة في التقرير والتي تتلخص في الآتي:

أ . إنهاء العنف بصورة فورية، عبر تنفيذ وقف فوري غير مشروط للعنف، والاستئناف الفوري للتعاون الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية ثم بناء الثقة.

ب‌.    على حكومة إسرائيل تجميد كلّ نشاط استيطاني بما في ذلك النمو الطبيعي للمستوطنات الموجودة.

ج. على إسرائيل أن تضمن أن جيشها يتخذ إجراء الرد "غير القاتل للفلسطينيين".

د . على إسرائيل فك الحصار وتحويل كلّ الموارد الضريبية للسلطة الفلسطينية.

هـ. على السلطة الفلسطينية عدم الاستتار بالأماكن الآهلة بالسكان لإطلاق النيران ضد الإسرائيليين.

و . وعليها استئناف التعاون مع السلطات الأمنية الإسرائيلية.

ز . على الطرفَين تدارس اتخاذ إجراءات أمنية لحماية المناطق المقدسة للأديان الثلاثة.

وقد قتلت تلك المبادرة بمجرد ولادتها، حيث إن كلّ طرف قرأ بنودها بمفهوم مغاير عن الآخر إلى جانب أنه في بداية التقرير، برأ ميتشيل شارون من أنه تسبب في الانتفاضة نتيجة زيارته للمسجد الأقصى وهو ما أغضب العالم العربي. وللإشراف على تنفيذ بنود التقرير فقد كلفت الولايات المتحدة الأمريكية المبعوث "وليام بيرنز" التوجه إلى المنطقة في السابع والعشرين من مايو 2001 لتقريب وجهات النظر ولكنه فشل في التوصل إلى نقاط اتفاق بين الطرفَين.

2. وثيقة تينيت "Teneit"

مع انهيار الأوضاع الأمنية في الأراضي الفلسطينية والإسرائيلية بما كان ينذر باشتعال حرب شاملة في منطقة الشرق الأوسط، فقد بادرت الولايات المتحدة الأمريكية إلى إرسال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "جورج تينيت" إلى المنطقة في 5 يونيه2001، بهدف وقف إطلاق النيران بين الفلسطينيين وإسرائيل، وهي المهمة التي انتهت بخطة عرفت باسمه.

واحتوت على تأكيد التزام أجهزة الأمن الإسرائيلية والفلسطينية بتطبيق اتفاقات لجنة ميتشيل. كما تعرض التقرير للأسلوب الذي تتعاون فيه أجهزة الأمن لكلا الطرفَين لفرض مناطق عازلة، والتصدي لأعمال العنف. ويطلب التقرير بدء عقد الاجتماعات الأمنية خلال أسبوع، لوضع جدول زمني محدد لرفع الحصار الداخلي عن المدن الفلسطينية، وانسحاب القوات الإسرائيلية من داخل المدن ومطار وميناء غزة. وفشلت مقترحات تينيت أيضاً في تحقيق تقارب فلسطيني ـ إسرائيلي.

3. مهمة المبعوث الأمريكي أنتوني زيني

في أعقاب الخطاب الذي ألقاه وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول" 19 نوفمبر 2001، وحدد فيه السياسة الأمريكية إزاء عملية السلام على المسار الفلسطيني وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، على أن يعيش العرب والإسرائيليون معاً في سلام وأمن، ودعا فيه عرفات إلى بذل أقصى الجهود لوقف ما أسماه بالعنف ضد إسرائيل، كما دعا شارون لوقف كلّ أنشطة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية مع العمل من أجل استئناف المفاوضات التي يجب أن تتمخض عن نشوء دولة فلسطينية تتمتع بكلّ المقومات، على أن تعترف هذه الدولة بإسرائيل دولة يهودية لها الحق في العيش داخل حدودها الآمنة.

قررت الإدارة الأمريكية إرسال بعثة سلام أمريكية برئاسة الجنرال المتقاعد "أنتوني زينى" ومساعد وزير الخارجية ويليام بيرنز إلى الشرق الأوسط، على أن تبدأ مهمتها في 26 نوفمبر 2001. وتعددت زيارات الجنرال زيني للمنطقة، وكان باستمرار غير محايد من وجهة النظر الفلسطينية، وبالتالي فقد فشلت مهمته.

4. مهمة وزير الخارجية الأمريكي "كولين باول" في المنطقة

في أعقاب اجتياح إسرائيل للأراضي الفلسطينية " خطة السور الواقي" في 27 مارس 2002 وارتكابها مذبحتَي جنين ونابلس وحصارها المدن الفلسطينية الأخرى، فإن الرئيس بوش لم يكن راضياً عن التصرف الإسرائيلي، والذي جاء في أعقاب مؤتمر القمة العربي في عمان والذي أرسل رسالة سلام إلى إسرائيل.

وقد حركت مذبحة جنين مشاعر العالم أجمع، وبما جعل الرئيس بوش، يرسل تهديداً صريحاً لإسرائيل من أجل إيقاف اجتياحها للأراضي الفلسطينية والانسحاب إلى أوضاع ما قبل 28سبتمبر 2000.

وأعلن الرئيس بوش أنه كلف وزير الخارجية الأمريكي التوجه إلى المنطقة لإيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وإنهاء حالة العنف، وعودة الأطراف إلى مائدة المفاوضات، وإنهاء الحصار الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وقد بدت مظاهر عدم نجاح مهمة باول في تأجيلها عدة مرات لأسباب غير مقنعة، ولكن كانت حقيقتها هي ترك إسرائيل، حتى تنهي مهمتها في عملية السور الواقي وخصوصاً في جنين، والتي حدثت فيها مذبحة رهيبة.

وقد زار كولين باول المنطقة في النصف الأول من مايو 2002، ولم يحقق شيئاً أمام التعنت الإسرائيلي وبالتالي فقد فشلت مهمته تماماً وعاد إلى الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أنه سوف يعود مرة أخرى لجولة أخرى من المباحثات وهو ما لم يحدث.

5. مبادرة الرئيس بوش للسلام في الشرق الأوسط

في 24 يونيه 2002، حدد الرئيس بوش خطته للسلام والتي بدأها في بيانه بأن "الوضع بائس ويائس بالنسبة للفلسطينيين، ومن الصعب عليهم العيش تحت بند الاحتلال والهجمات الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه، فإنه من الصعب على الإسرائيليين العيش تحت بند الإرهاب".

وتركزت أفكار البيان على الآتي:

أ . تأييد الولايات المتحدة الأمريكية نشوء دولة فلسطينية مؤقتة في غضون ثمانية عشر شهراً.

ب. دعوة إسرائيل إلى الانسحاب لمواقعها قبل 28 سبتمبر 2000.

ج. نشوء دولة فلسطينية دائمة في غضون ثلاث سنوات في إطار تسوية نهائية في الشرق الأوسط.

د . إن أيّ تسوية يجب أن تعتمد على قرارَي مجلس الأمن رقمَي 242، 338 مع ضرورة حل القضايا المتعلقة بالقدس ولجنة اللاجئين الفلسطينيين وتحقيق السلام بين إسرائيل وكلّ من سورية ولبنان.

ولم ينسَ الرئيس بوش وصف القيادة الفلسطينية بأنها قيادة غير مسؤولة تشجع على الإرهاب، ولا بدّ من تغييرها.

6. قرار مجلس الأمن الرقم 1397 الصادر في 12 مارس 2002

مع تصاعد الأزمة الفلسطينية – الإسرائيلية، فقد تصاعد تهديد المصالح الأمريكية في المنطقة وكان هناك متغيران رئيسيان أمام الإدارة الأمريكية:

الأول : يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها حيث تقترب الانتخابات النصفية لمجلس الشيوخ وانتخابات مجلس النواب، والتي يستهدف الرئيس الأمريكي من خلالها الحصول على أغلبية برلمانية مناسبة، كذلك فإن استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه ضربة عسكرية للعراق، كان يتطلب إيجاد تحالف عربي معها، وهو لن يتحقق مع تصاعد الحصار الإسرائيلي للفلسطينيين من دون تدخل أمريكي لإيقاف هذا الحصار، وإزالته.

الثاني: خاص بإسرائيل نفسها، وهو عبء المعاناة التي تلاقيها إسرائيل من استمرار الانتفاضة والتي أثبت الفلسطينيون خلالها قوة إرادة وشجاعة على الاستمرار ورفض الاستسلام، ومعاناة إسرائيل تنعكس في جزء كبير منها على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

لذلك فقد تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجلس الأمن بالقرار رقم 1397 في 12 سبتمبر 2002، والذي يُعَدّ ترجمة لبيان الرئيس بوش في 24 يونيه 2002، والذي ووفق عليه بالإجماع، وهو أول قرار دولي رسمي يحدد نشوء دولة فلسطينية إلى جوار دولة إسرائيلية في فلسطين، ويتلخص القرار في الآتي:

أ . يؤكد مجلس الأمن رؤية تتوخى منطقة تعيش فيها دولتان إسرائيل وفلسطين جنباً إلى جنب داخل حدود آمنة ومعترف بها.

ب. يعلن بالغ قلقه إزاء استمرار أعمال العنف المأساوية التي وقعت منذ سبتمبر 2000.

ج. يرحب بالجهود الدبلوماسية للمبعوثين الخاصين في الشرق الأوسط ويشجعهم على بذل جهود لإقرار السلام.

د . يطالب بالوقف الفوري لجميع أعمال العنف.

هـ. يدعو الجانبَين الفلسطيني والإسرائيلي للتعاون في تنفيذ خطتَي ميتشيل وتينيت.

7. قرار مجلس الأمن الرقم 1402 الصادر في 30 مارس 2002

استمرار أعمال العنف المتبادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين واستمرار الرفض العربي لضرب العراق اضطرا الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقديم مشروع قرار آخر لمجلس الأمن، كانت الموافقة عليه بالإجماع ويتلخص في الآتي:

أ . يعرب المجلس عن بالغ قلقه إزاء استمرار تفاقم الحالة.

ب. يدعو الطرفَين إلى أن يقدما فوراً على تنفيذ وقف فعلي لإطلاق النار، ويدعو إلى انسحاب القوات الإسرائيلية من المدن الفلسطينية.

ج. يؤكد من جديد طلبه الوارد في القرار الرقم 1397 بوقف جميع أعمال العنف على الفور.

8. "خريطة الطريق"

وهي إفراز لجهود اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط، والتي عقدت في شهر سبتمبر2002 بحضور وزير الخارجية الأمريكي ووزير الخارجية الروسي، وممثل الاتحاد الأوروبي، والأمين العام للأمم المتحدة إلى جانب وزيرَي خارجية مصر والأردن.

وقد صِيغَت الخطة بواسطة الإدارة الأمريكية، ووضعت اللجنة الرباعية ملاحظاتها عليها، كما حملها المندوب الأمريكي لاستطلاع آراء الدول المهتمة في المنطقة.وهي تتأسس على قرارَي مجلس الأمن رقم 242 ، 338، ومقررات مؤتمر مدريد، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والمبادرة العربية.

تنفذ الخطة من خلال ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: تمتد من أكتوبر إلى ديسمبر 2002: وتتخذ خلالها السلطة الفلسطينية عدة إجراءات منها:

أ . تعيين حكومة فلسطينية جديدة.

ب. إعلان حق إسرائيل في الوجود وبسلام وأمن.

ج. الوقف الفوري للانتفاضة المسلحة وجميع أعمال العنف.

د . إعادة بناء نظام أمني متكامل تحت إشراف لجنة من الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والأردن.

وتتخذ إسرائيل من جانبها عدة إجراءات منها:

أ . تحسين الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني.

ب.الكف عن إجراء العمليات التي تمس الثقة خاصة مهاجمة المدن وتدمير البيوت والأملاك الفلسطينية.

المرحلة الثانية: تُنجز خلال عام 2003: وتنفذ خلالها السلطة الفلسطينية الآتي:

أ . مواصلة إجراءات الإصلاح السياسي وتعزيز دور المجلس التشريعي.

ب. التوصل إلى اتفاق أمني جديد مع الإسرائيليين وفق خطة "تينيت".

وتنفذ إسرائيل من جانبها ما يلي:

أن يعيد الجيش الإسرائيلي نشر قواته في المواقع التي كان يتمركز فيها قبل 28 سبتمبر 2000.

ويتخذ العرب من جانبهم مع إسرائيل إجراء الآتي:

أ . تعيد مصر والأردن سفيرَيهما في إسرائيل.

ب. تبدأ محادثات سلام بين إسرائيل وكلّ من سورية ولبنان.

ج.استئناف المحادثات متعددة الأطراف.

المرحلة الثالثة خلال عامَي 2004 و2005

أ . وتُجرى خلالها مفاوضات الحل النهائي لإعلان دولة فلسطين في نهاية عام 2005. على مرحلتَين:

(1) المرحلة الأولى: إعلان دولة داخل حدود مؤمَّنة بنهاية عام 2004.

(2) المرحلة الثانية: إعلان دولة داخل حدود رسمية ولها مؤسساتها عام 2005.

ب. تطبيع العلاقات ما بين إسرائيل والدول العربية.

الملاحظات الرئيسية على الخطة

أ . المرحلة الأولى خلال عام 2002 لم تتحقق مع مرور الوقت. وحُلَّت وحل حكومة الائتلاف الإسرائيلية، وسيبدأ شارون في إقرار هذه الخطة بعد الانتخابات الإسرائيلية الجديدة في 28 يناير 2003. علماً بأن شارون أعلن أن هناك خططاً حديثة سوف تعلن عقب الانتخابات ولن تكون خريطة الطريق هي الخطة الوحيدة.

ب. الخطة لا تحتوي على جداول زمنية محددة تفرض على الجانبَين، حيث إن خبرة التفاوض مع إسرائيل أنها لا تلتزم بأيّ توقيتات مفتوحة، وقد تحقق ذلك خلال "المرحلة الأولى من الخطة"، المفروض أن تنفذ خلال عام 2002.

ج. تركت الخطة الأسباب الرئيسية لفشل جميع المحادثات السابقة المتعلقة بالقدس واللاجئين والحدود، إلى المرحلة الثالثة، وهي معرضة أيضاً للفشل.

والحصيلة النهائية أن العلاقات الإستراتيجية ما بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تتأثر حالياً بشدة نتيجة إدراك الولايات المتحدة الأمريكية بأن مصالحها في المنطقة لن تتوقف على علاقاتها بإسرائيل فقط، ولكن مصالحها الرئيسية تتأثر بشدة طبقاً لطبيعة علاقاتها مع العرب، وهذا ما يجب أن يستثمره العرب.