إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الثامن

المبحث التاسع

التعاون الأمريكي الإسرائيلي في الحرب ضد أفغانستان

واستمرار الحرب ضد الإرهاب والانعكاسات

على القضية الفلسطينية

استغلت إسرائيل المتغيرات التي حدثت بعد مرحلة الحرب ضد الإرهاب، لرسم سياسة طويلة الأمد لتحقيق هدف محدد، ويضمن تفوقها الإستراتيجي الدائم، كما يضمن حشد رأى عام مؤيد لها، وتحديد مطالبها من الولايات المتحدة الأمريكية في المرحلة التالية، والتي ينحصر في مطلبين أساسيين، الأول زيادة الدعم الأمريكي لإسرائيل، والثاني تقليص المعونات الأمريكية للدول العربية الفاعلة، إلى جانب تشويه صورة العرب أمام الرأي العام الأمريكي؛ ليضغط على إدارته لإيقاف المعونات إلى بعض الدول العربية، وهو ما يوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت هي الساحة الرئيسية التي تمارس فيها أنشطة الصهيونية الضاغطة على الإدارة الأمريكية لاتخاذ مواقف لصالح إسرائيل. كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى في إسرائيل نموذجاً لدولة ديمقراطية في المنطقة.

وطبقاً للتطور الذي أدخلته أمريكا على نظام العولمة ليصبح عولمة سياسية، بدلاً من العولمة الاقتصادية، فقد أدى ذلك إلى التوجه لدعم إسرائيل بصورة أكبر من السابق، خاصة بعد اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجية "الحرب ضد الإرهاب"، التي جعلت إسرائيل شريكاً إستراتيجياً رئيسياً لها. كما استغلت إسرائيل الفرصة، ولعب الموساد الإسرائيلي دوراً خطيراً في بث معلومات لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لتشويه صورة العرب، وإبراز بعض الدول والمنظمات التي تريد أن تتخلص منها إسرائيل على أنها منظمات إرهابية، أو دول تشجع الإرهاب؛ لكي تتولى الإدارة الأمريكية معاقبة تلك الدول أو المنظمات.

لقد ترجمت العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية على مر العقود الماضية في إطار العديد من المساعدات إلى الدولة العبرية، سواء كانت إقتصادية أم عسكرية أم سياسية، فعلى المستوى الاقتصادي منحت إسرائيل منذ نشأتها، وخلال فترة تصل إلى أكثر من نصف قرن، ما يزيد عن 85 مليار دولار في هيئة مساعدات أو قروض، أو ضمانات منها ما يزيد عن 52 مليار دولار مساعدات عسكرية، كما تُعَدّ إسرائيل أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة الأمريكية، حيث وصل حجم التعامل التجاري بينهما إلى ما يزيد عن 20.7 مليار دولار عام 2000. أما على المستوى العسكري، فإن الولايات المتحدة تمنح إسرائيل أفضلية مطلقة، على مستوى ما تمنحه للشركاء الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي، إلى جانب قيامها بدعم القدرة الإسرائيلية في جميع المجالات العسكرية؛ لأحداث التفوق على دول المواجهة العربية والدول الفاعلة في المنطقة، علاوة على تشجيع الصناعات العسكرية الإسرائيلية، والحفاظ على استمرارها بشراء الفائض منها. وهناك مجالات عديدة أخرى للتعاون بين البلدين في مجال المعلومات وربط شبكات الإنذار المبكر، والمشاركة في أبحاث تطوير الأسلحة الأمريكية، إلى جانب التدريبات المشتركة وتبادل الخبرات، حيث يعتنق الجيش الإسرائيلي نفس العقيدة القتالية للقوات الأمريكية، وترى الولايات المتحدة، أن هدف تلك المساعدات، هو حماية الجزء الأكبر من المصالح الأمريكية في المنطقة.

أولاً: الولايات المتحدة وإسرائيل والحرب ضد الإرهاب

إن دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل ليس هو السبب الوحيد للإرهاب الموجه ضد الأمريكيين، ولكنه السبب الأكثر أهمية، ويجعل النصر على الإرهاب صعباً، كما أن المجموعة الإستشارية الأمريكية للسياسة العامة للعالم العربي والإسلامي. لاحظت أن مواطني الأقطار العربية والإسلامية محبطون وضائقون بمعضلة الفلسطينيين، والدور الملحوظ الذي تلعبه الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المعضلة.

ومن ثم، فإن معاملة إسرائيل بوصفها حليفاً مهماً في الحرب ضد الإرهاب، والحرب المنظمة ضد الديكتاتوريات، كلتيهما تمثل تضخيماً لدور إسرائيل الفاعل –  في مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية - وهو أمر يصعب من دور الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على الإرهاب، بل يصعب من مهمتها في التعامل مع دول المنطقة، ويرى كثيرون أن الولايات المتحدة الأمريكية تذهب بعيداً، وفوق المألوف في دعمها لإسرائيل، وتعتقد بأن تسامحها مع إسرائيل في أعمالها الإرهابية ضد الأراضي الفلسطينية، يعد عاملاً مساعداً في الحرب على الإرهاب.

وفى أبريل عام 2004، بعث 52 متخصصاً في مجال الدبلوماسية بالمملكة المتحدة، رسالة إلى "تونى بلير" رئيس الوزراء البريطاني يقولون فيها: " إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قد سمم العلاقات بين العالم الغربي والعالمين العربي والإسلامي"، وحذروا فيها من أن سياسات بوش، ورئيس الوزراء الإسرائيلي أريل شارون، رُتبت من جانب واحد وأنها غير قانونية.

وهناك من يشكك في أن إسرائيل تعمل حليفاً مخلصاً للولايات المتحدة، كما يشكك في قيمتها الإستراتيجية لأمريكا.وبالإضافة إلى قيام إسرائيل بأعمال تجسس على الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها أيضاً خلعت وعودها التي قطعتها للإدارة الأمريكية، حيث زودت الدول المنافسة للولايات المتحدة بتقنيات الأسلحة الأمريكية الحساسة والسرية. ومثال ذلك صفقتها مع الصين، إذ باعتها أنظمة متطورة، وغير مصرح بنقلها خارج الولايات المتحدة الأمريكية، كما تفجر جدل في أمريكا عام 2004، حينما اعترف أحد المسؤولين في البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) هو (لارى فرانكلين) بإفشاء أسرار أمريكية إلى دبلوماسي إسرائيلي تحت زعم أنه مرتشٍ مدفوع من مسؤولَين اثنَين بلجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية. (AIPAC).

وبعيداً عن الزعم القائل بأن إسرائيل قيمة إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، فإن المناصرين لإسرائيل يرون أن إسرائيل تستحق الدعم القاطع من الولايات المتحدة الأمريكية للأسباب التالية:

1. أنها ضعيفة ومحاطة بالأعداء، وأنها دولة ديمقراطية ومفضلة على غيرها من دول المنطقة.

2. معاناة الشعب اليهودي من الجرائم السابقة- والتي حدثت في أوروبا وغيرها – ومن ثَم، فهم يستحقون المساعدة والمعاملة الخاصة.

3. أن لياقة إسرائيل وتصرفاتها وممارساتها الديمقراطية، أرقى من تصرفات جيرانها من العرب وممارستهم ولياقتهم.

ثانياًً: الضربات الوقائية والاستبقاية في الفكر الإستراتيجي العسكري الأمريكي والإسرائيلي (في إطار الحرب ضد الإرهاب).

لقد جاء اختيار أفغانستان لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية إلى تنظيم القاعدة، ثم اختيار العراق بما يوافق الهدف المعلن للولايات المتحدة الأمريكية "الحرب ضد الإرهاب"، مع إخفاء إستراتيجية أخرى تتمثل في السيطرة على البترول، حتى تظل ورقة ضغط على الدول الصناعية، خاصة أوروبا واليابان، ولتكون نقطة انطلاق نحو تحقيق السيطرة على المنطقة، فمنه تتحقق السيطرة على نفط الخليج العربي من منبعه، ثم التحول نحو إيران لاستكمال السيطرة على باقي نفط الخليج العربي، إلى جانب اختيار مناطق لحشد القوات الأمريكية وانتشارها بالمناطق القريبة من روسيا والصين، استعدادا لاحتمالات أن تتمكن الدولتان من الصعود إلى مصاف القوى العظمى، ما يستوعب الإعداد من الآن للسبق في توجيه ضربات مسبقة ضدهما في حالة الضرورة. وهذا يقودنا إلى مفهوم الضربات الإستباقية، فهي تعنى الضربات التي قد توجهها الإدارة الأمريكية ضد دول تمتلك أسلحة نووية تستعد للقيام بهجوم إستراتيجي ضد الولايات المتحدة الأمريكية. وتتخذ القرار بتوجيه الضربة الأولى إلى تلك الحشود، وتستخدم فيها الأسلحة الإستراتيجية التي قوامها الصواريخ عابرة القارات، والطائرات الإستراتيجية، وقطع البحرية التي تحمل رؤوساً نووية.

ومن ثَم، فإن الحرب الوقائية من وجهة النظر الأمريكية تتحقق في إطار القدرة على السبق في توجيه الضربات الوقائية أو الضربات الإستباقية، ويكون هدف الأولى: إحباط نوايا الهجوم، وهدف الثانية تدمير الحشود العسكرية، وبذا تكون الضربة الوقائية (إحباطية) وأما الثانية فتكون (إجهاضية)، وكلتاهما تعتمد على المبادأة.

كانت حرب 1956، ضربة وقائية، من جانب إسرائيل، بعد أن حصلت مصر على صفقة الأسلحة التشيكية، أما ضربة 1967، فكانت ضربة استباقية لإجهاض الهجوم المصري المتوقع ضد إسرائيل. ومن هنا، يتفق الفكر العسكري الأمريكي مع الفكر العسكري الإسرائيلي، في أن السبق في توجيه الضربات الوقائية والاستباقية ينقل المعركة إلى أرض الخصم، ويربك قياداته بعد التغير السريع والمفاجئ ، الناتج عن السبق في توجيه الضربات المسبقة (الوقائية أو الإستباقية). وقد قدرت الإدارة الأمريكية، أن على القوات المسلحة الأمريكية أن تكون مستعدة لتوجيه ضرباتها الوقائية إلى خلايا الإرهاب المنتشرة في دول العالم، وفى هذا السياق يصبح من المؤكد أن تنفيذ الضربات الوقائية يتطلب توجيه "الضربة الأولى" ضد الإرهابيين في مراكز تجمعهم داخل دول تأويهم، مع حرية اختيار المكان والزمان لتوجيه مثل هذه الضربات، ومن ثم فإن من خصائص الحرب الوقائية أنها "تعرضية" في المقام الأول، وتعتمد على توجيه الضربات المفاجئة، ما يعنى الاعتداء على سيادة الدول في إطار مفهوم الحرب ضد الإرهاب، وقد يكون اختيار توجيه الضربة الوقائية تحت زعم  امتلاك تلك الدولة للقدرات النووية والكيماوية والبيولوجية، ما يتطلب توجيه ضربة إجهاض نووية. وبالطبع فالخيار النووي متاح في الفكر العسكري الأمريكي والإسرائيلي، فإسرائيل هددت العراق – بالرد على أي هجمات صاروخية توجه ضد إسرائيل، تستخدم فيها الأسلحة الغير تقليدية.

ثالثاً: تحرك إسرائيل لاستغلال الحملة الأمريكية في أفغانستان:

لقد سعت إسرائيل إلى توظيف حالة الهياج الأمريكي على الإرهاب والحرب في أفغانستان، والتورط الأمريكي في تلك الحرب، إلى تجاوز الخطوط الحمراء في تصعيد سياسة العنف والإرهاب والإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وإجهاض القضية الفلسطينية.

ووجدت إسرائيل دوراً لها – في الحملة الأمريكية ضد الإرهاب – من أجل تحقيق مصالحها، وروجت الدبلوماسية الإسرائيلية لمفهوم: "أنه إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي يديرون حرباً ضد الإرهاب في أفغانستان، فإن إسرائيل بدورها تدير حربها ضد الإرهاب على الأراضي الفلسطينية". وادعت إسرائيل، مشاركتها للتحالف الدولي من أجل القضاء على جذور الإرهاب. وهي دعوى صدقها الفكر الأمريكي. وفى هذا الإطار امتدت دائرة المشاركة الإسرائيلية من"الساحة الفلسطينية"إلى الساحة الإقليمية والدولية.

لقد سعت إسرائيل على مدار سنوات الحرب ضد الإرهاب إلى الإجهاز شبه التام على القضية الفلسطينية، أو إعادة هندسة الأوضاع والتفاعلات التي تواجهها، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وسعت إسرائيل لتوظيف حالة العداء المتزايد، بشقيه الإقليمي والدولي، والذي بات لصيقاً بكل ما هو عربي أو إسلامي تجاه المنطقة، وفى علاقة دول المنطقة بدول العالم. وسعت إلى تركيز الأضواء على ممارسات يمكن أن توصف، ضمن سياق هذا الهياج بالإرهاب، وإعادة تركيز الأضواء على حركات سياسية بعينها، مثل حماس والجهاد والجبهة الشعبية في فلسطين، والدول التي ترعاها، دون تفرقة بين الحق المشروع من خلال المقاومة والدفاع عن النفس، وبين ممارسة الإرهاب.

ومثل هذا المسمى الإستغلالى "Manipulation"، استهدف الدعم الأمريكي والدولي لإسرائيل، لتصفية القضية الفلسطينية، وفى إطار ما تسميه إسرائيل المشاركة في مكافحة الإرهاب الإسلامي في فلسطين. واتساقاً مع هذا التوجه، بدأت إسرائيل تحركاتها السريعة على المسار السياسي والدبلوماسي والاقتصادي، بغية تنظيم الاستفادة واستغلال حالة الارتباك الأمريكي في حربها بأفغانستان- بسبب عدم وضوح ملامح عدوها – وكان التحرك الإسرائيلي مباشراً، أو غير مباشر عن طريق اللوبي اليهودي والمنظمات التابعة لها مثل (إيباك)- وكانت الساحة الدبلوماسية والإعلامية هي أولى مجالات التوظيف – من أجل جمع المؤيدين لها داخل الولايات المتحدة، وخلط الحقائق بالأكاذيب، حيث استطاعت أن تدخل في فكر المؤيدين لها، أن المنظمات الفلسطينية تشابه تنظيم القاعدة، ومن ثم ربطت العلاقة بينهما، وشبهت السلطة الفلسطينية بحركة طالبان، وياسر عرفات بأسامة بن لادن، واستبدلت إسرائيل مسمى "حركة الاحتجاج المدني والعسكري للانتفاضة بمصطلح "الإرهاب" ومن ثم أضحى الباب مفتوحاً لتصعيد العنف.

كانت نتيجة هذا التحرك الإسرائيلي - في تحقيق التطابق بين وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية – أثره البالغ في تخلى الولايات المتحدة الأمريكية، تحت ضغوط الصقور الموالين لإسرائيل، عن الموقف الحيادي الذي كانت عليه خلال الفترة السابقة للعمليات، وبدأت الولايات المتحدة الأمريكية تتبنى الموقف الإسرائيلي تجاه القضية الفلسطينية، والتسليم بوجهة النظر الإسرائيلية، التي أدعت أن الانتفاضة الفلسطينية هي مظهر أصولي يلزم القضاء عليه. وهكذا جاءت قرارات الحظر والتجميد على المنظمات الفلسطينية مثل (حماس والجهاد)، وعلى كافة المؤسسات المالية بالولايات المتحدة الأمريكية التي تمولها، لقد جاء الرد الأمريكي على ما تقوم به إسرائيل من أعمال عنف داخل الأراضي الفلسطينية، بالقول: بأن ما تقوم به إسرائيل هو أمر مشروع، وفى إطار الدفاع عن النفس.

لقد أصبح واضحاً أن الهدف الإسرائيلي، يتركز حول إنهاء الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأن يكون شكل الدولة الفلسطينية – إذا قامت – على 40% من مساحة الأراضي الفلسطينية، مع رفض عودة اللاجئين أو إزالة المستوطنات الإسرائيلية، مع تأييد أمريكي لإسرائيل باستخدام القوة العسكرية للحصول على السلام المهيمن والمفروض، والذي لا يحقق – بالطبع- أي نوع من الاستقرار أو الأمن الدائم في المنطقة، كما تبتت إسرائيل إستراتيجية الإفناء والدمار"، وإستراتيجية "تكسير النظام" لإضعاف القدرة المادية والمعنوية للشعب الفلسطيني، وإستراتيجية الإجهاض "Preventer" أو المنع "inhibit"، لمنع قيام الدولة الفلسطينية وإجهاض أي مبادرات للسلام بالمنطقة.

1. على المستوى الإقليمي

فقد تمكنت إسرائيل من اختراق الفكر السياسي الأمريكي، لوضع دول بعينها في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ويأتي في مقدمتها العراق وسورية واليمن والسودان والصومال ولبنان وإيران، كما أطلقت على كل من كوريا الشمالية والعراق وإيران، دول "محور الشر" واستفادت إسرائيل من ذلك من خلال إبعاد تلك الدول، وعزلها عن السلطة الفلسطينية، وعن المنظمات الفلسطينية واللبنانية، وبما يعنى خروج تلك الدول عن دائرة التهديد لإسرائيل.

وقد جاء التحريض الإسرائيلي للولايات المتحدة لتكون العراق هي المحطة التالية بعد أفغانستان، مستغلة حالة الابتزاز الأمريكي لدول العالم، والتي أطلقت عليها اسم دول داعمة للإرهاب". وفى هذا الإطار روجت الدعاية الإسرائيلية، أن العراق وراء حملة "الانثراكس" التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية، وتارة أخرى أن العراق هو المدبر الأساسي لأحداث 11 سبتمبر 2001، كما امتدت الدعاية الإسرائيلية إلى سورية لعزلها ومحاولة تجميد دعمها لحزب الله في لبنان والجبهة الشعبية في فلسطين.

ويوما بعد يوم تختلق إسرائيل قضايا جديدة لتحريض الولايات المتحدة ودول أوروبا، على المنطقة العربية، وتأتى قصة سفينة الأسلحة الموجهة إلى الأراضي المحتلة في يناير 2002، أبرز مثال على ذلك، وفى إطار التحريض ضد أكثر من جهة في هذا الأمر، حيث جاءت السلطة الفلسطينية وياسر عرفات في مقدمة قائمة الاتهام لمحاولة تهريب أسلحة وصواريخ لضرب المدنيين الإسرائيليين، في مقابل التحرك الإسرائيلي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. واتهام إيران بأنها دولة مساندة للإرهاب، استناداً إلى أن الأسلحة إيرانية، ويأتي هذا أيضاً في إطار الوقيعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، على أساس أن إيران تقدم الدعم المادي والأسلحة للشيعة في أفغانستان. وتؤوي بعض عناصر تنظيم القاعدة الهاربين عبر الحدود المشتركة مع أفغانستان، ومن ذلك نجد أن إسرائيل تخلق الأحداث، وتوظفها لعزل الدول العربية عن القضية الفلسطينية، وإضعاف علاقاتها بالمجتمع الخارجي، من جانب ولإضفاء الشرعية على ممارساتها الإرهابية ضد الشعب الفلسطيني، ومحاولة إيجاد بؤر جديدة للتوتر بمنطقة الشرق الأوسط من جانب آخر، بما يصرف الأنظار عن استمرار احتلالها للأراضي العربية وقمعها للشعب الفلسطيني".

2. على المستوى الدولي

عندما بدأت الولايات المتحدة الوقوف على بداية طريق نجاحها المزعوم في أفغانستان، وعندما أصبح الطرف العربي غير مؤثر في التحالف، وعندما نجحت إسرائيل في تحويل الطرف العربي من حليف إلى متهم، بدأ الدور الإسرائيلي في الظهور على سطح الأحداث على المستوى العالمي، وتكرر الأمر عندما بدأت الإدارة الأمريكية في التخطيط لتحويل حربها من أفغانستان إلى إحدى دول المنطقة- لم يُعلن عنها- ارتبط معها تحول نسبى في السياسة الأمريكية نحو العرب والقضية الفلسطينية، ومع استمرار تقديمها للمصالح الإسرائيلية على المصالح العربية.

وعندما دارت الحرب الأمريكية على أرض أفغانستان، ذكرت مصادر استخباراتية باكستانية وإيرانية مشاركة وحدة خاصة إسرائيلية لمعاونة الجيش الأمريكي في أفغانستان، بعد فشل الإغارة الأمريكية في 20 أكتوبر2001 على قندهار، وتعرض القوات الأمريكية لبعض الخسائر في الاتجاهات الأخرى، كما تردد أيضاً عن مشاركة الموساد الإسرائيلي بـ: 15 يهودي إسرائيلي من أصل أفغاني، دُفِعَ بهم عملاء لصالح المخابرات الأمريكية على أرض أفغانستان منذ بدء الحملة الأمريكية[1].

وتسعى إسرائيل للمشاركة الاقتصادية في إعادة إعمار أفغانستان في ظل الوجود الأمريكي، وتبادل التمثيل الدبلوماسي مع حكومة قرضاي، ويأتي ذلك في إطار المصالح الأمريكية الإسرائيلية المشتركة في منطقة وسط وجنوبي آسيا.

كما لعبت إسرائيل واللوبي اليهودي الأمريكي دوراً، في تصعيد حالة الصراع الحضاري التي سادت دول الغرب، بدعوى أن أحداث 11 سبتمبر ناتجة عن الصراع الحضاري بين الدول الغربية و بين الثقافة الإسلامية، حيث اندلعت حملة جارفة لربط الإسلام بالإرهاب والعنف، دون علم أو معرفة بماهية الإسلام أو معرفة الشريعة الإسلامية، وامتد تيار هذه الحملة؛ جارفاً معه عدداً من الدول الإسلامية، وكذا المنظمات التي تسعى لتحرير أراضيها.

رابعاً: تأثير اللوبي اليهودي على قضية الشرق الأوسط من خلال الرأي العام (في إطار الحرب ضد الإرهاب)

بالإضافة إلى التأثير المباشر على سياسة الحكومة الأمريكية من قبل اللوبي اليهودي، فقد استطاع هذا اللوبي – أيضاً – رسم المحركات الحسية قبل الجماهير – حول إسرائيل وقضية الشرق الأوسط. فاللوبي لا يريد مناقشات صريحة. في الموضوعات التي تتعلق بإسرائيل، لأن المناقشة الصريحة ربما تجعل الأمريكيين يسألون عن مستوى الدعم المعرف الذي تزود به الحكومة الأمريكية، إسرائيل حالياً، وبناءً عليه فإن المنظمات والجماعات – التي تحمي وجهة النظر الإسرائيلية – تحركت بجد، من أجل التأثير على وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث والأكاديميات؛ إذ إنَ هذه المؤسسات تلعب دوراً فاعلاً ومهماً في رسم السياسة، وتوجيه الرأي العام الأمريكي لصالحها.

إن منظور اللوبي إلى إسرائيل ينعكس بشكل عريض وواسع في الفروع الرئيسية لوسائل الإعلام المختلفة وبشكل مؤثر، لأن معظم المعلقين الأمريكيين يتبنون وجهة النظر الإسرائيلية، كما أن الرصيد الأعظم من الآراء والتعليقات والمقالات يأتى لصالح إسرائيل، كما أن محاباة ذوى الاتجاهات الإسرائيلية تظهر أيضاً في الصحف، ومثال ذلك ما جاء بصحيفة نيويورك تايمز ، التي تقر أحياناً بمظالم الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، ولكنها – بصفة عامة – غير متوازنة؛ حيث أقر المحرر "ماكس فرانكل" واعترف بتأثره بوجهة النظر الإسرائيلية وبمواقفها، ففي إحدى مقالاته بالنيويورك تايمز في مايو 2002 قال:" لقد كان تحيزي لإسرائيل أكثر وأعمق من تحيزي للدفاع عن الحقوق الفلسطينية".

ولكي يتم كبح جماح الأخبار غير المحببة لإسرائيل، نظم اللوبي الإسرائيلي حملات دعائية مكتوبة، وبراهين وإثباتات ملفقة لصالح إسرائيل، كما تحظر على مصادر الأخبار – التي تُعَدّ معادية لها – نشر التصرفات والممارسات الإسرائيلية. كما أن لجنة الشرق الأوسط الأمريكية الدقيقة"Middle East "reporting committee for accurate، قامت بتنظيم حملات تعريف وإظهار من خلال 44 موقعاً، وذلك في مايو 2003، وحاولت إقناع المشتركين للامتناع عن الاشتراك فيما يكون معادياً لإسرائيل، حتى تكون تغطيته للأحداث متعاطفة ومتجانسة ومتوافقة مع وجهة النظر الإسرائيلية.

هذا وقد واجه اللوبي الإسرائيلي مصاعب أكثر من خلال المناقشات حول إسرائيل في الجامعات والمعاهد الأكاديمية الأمريكية. وبرزت هذه الانتقادات عندما انهارت عملية السلام، بعد تولى الليكود الحكم في إسرائيل عام 2001، خاصة بعد أن أعاد جيش الدفاع الإسرائيلي احتلال الضفة الغربية في ربيع عام 2002 واستخدم القوة المفرطة ضد الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية، وتحرك اللوبي اليهودي من أجل استقطاب دعم المؤسسات والجامعات والمعاهد، وبدأت بعض الجماعات مثل الجماعة التي أطلقت على نفسها اسم "قافلة الديمقراطية"، والتي أحضرت كبار المحاضرين الإسرائيليين من أجل شرح وجهة النظر الإسرائيلية وبأنها تدافع عن أمنها وبادرت بعض المؤسسات مثل (المجلس اليهودي للشؤون العامة)، من أجل الترويج والدعاية لما تقوم به إسرائيل بالأراضي المحتلة، كما راقب اللوبي أيضاً ما يكتبه ويتحدث به أساتذة الجامعات، وشجب التصرفات التي تكون مناوئة لإسرائيل أو معادية لها.

كما أن عدداً من أثرياء اليهود والمتبرعين، أسسوا برنامج للدراسات، وذلك لزيادة عدد أصدقاء إسرائيل من الدارسين في الجامعات، ومحاولة الوقوف بجانب إسرائيل، ضد أي نقد داخل الحرم الجامعي.

وفى الحقيقة فإن أي شخص داخل الولايات المتحدة، يعلن بأن هناك لوبى إسرائيلي، فسوف يُعرض نفسه لمخاطر الاتهام "باللا سامية"، كما أن من يحاول أن يتحدث عن تأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الأمريكية، فإن اللوبي يتصدى له بقوة، ويهاجم كل من يحاول لفت الأنظار إلى هذا التأثير، ومن ثم يوجه الاتهام إلى أي شخص ينتقد إسرائيل بأنه معاد للسامية. ومن ثم أصبح لمؤيدي إسرائيل تأثير فعال وواضح على سياسة الولايات المتحدة، تجاه منطقة الشرق الأوسط، هذا التأثير الذي تفتخر به وتمجده "AIPAC"، سوف يؤدي إلى وصف وتصنيف كل من يحاول مهاجمة هذا اللوبي، بأنه معاد للسامية.

1. تشويه صورة الفلسطينيين واتهامهم بالإرهاب

حاولت إدارة الرئيس بوش، بعد أحداث ربيع عام 2002، أن تخفف من حملة العداء لأمريكا في العالم العربي، وأن تضعف من التنظيمات الإرهابية، بأن توقف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي بالأراضي المحتلة، وتأييد قيام دولة فلسطينية، ولكن الإدارة الأمريكية فشلت في تغيير السياسة الإسرائيلية، بل إن واشنطن، بدلاً من إيقاف الدعم لإسرائيل، زادته، بل، حدث تقارب أكبر، ورأت أن إسرائيل معها في صندوق واحد، متساويتان في المخاطر والمصالح. وفى فبراير عام 2003، لخصت "واشنطن بوست" في صفحاتها الوضع، بإقرارها "بأن بوش وشارون شخصيتان متماثلتان في نظرتهما إلى النزاع في الشرق الأوسط" وبالطبع فإن السبب الرئيسي في هذا الانقلاب والتغيير السريع هو اللوبي الإسرائيلي، فعندما أعلن الرئيس بوش للعالم بأنه يؤيد ويدعم قيام دولة فلسطينية، اتهمه أريل شارون بمحاولته استرضاء العرب على حساب الإسرائيليين، وحذر قائلاً: "إن إسرائيل لن تكون تشيكوسلوفاكيا"، ودفع اللوبي اليهودي الأمريكي لكي يقنع الإدارة الأمريكية بأن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية يواجهان خطراً مشتركاً من المنظمات الإرهابية، بل توجهه هذا اللوبي اليهودي إلى الكونجرس الأمريكي، الذي بعث بدوره إلى الرئيس الأمريكي طالباً منه بعدم الضغط على إسرائيل لكي توقف الانتقام ضد الفلسطينيين، وأكدوا في رسالتهم على أهمية وقوف الإدارة الأمريكية وبإخلاص خلف إسرائيل.

وفى أوائل ديسمبر2001، تطورت العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، تطوراً ملحوظاً، ويعود ذلك، بالطبع، إلى جهود اللوبي الإسرائيلي واليهودي؛ لانعطاف السياسة الأمريكية إلى الاتجاه نحو تحقيق النصر في أفغانستان، والتي قللت الحاجة الأمريكية للعرب في دعمهم لأمريكا وتضامنهم معها في حربها على القاعدة.

2. تصعيد إسرائيل للموقف تجاه الفلسطينيين ورد الفعل الأمريكي (أبريل2002)

عندما بدأ جيش الدفاع الإسرائيلي تنفيذ عملية "الدرع الواقي"، الهادفة لاستعادة السيطرة الفعلية على معظم الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، في أبريل 2002، وضح للإدارة الأمريكية أن العمل الإسرائيلي سيؤثر على السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وعلاقتها مع العالمين العربي والإسلامي، ومن ثم طالب الرئيس بوش من رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن يوقف الغزو والغارات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وأن يسحب القوات الإسرائيلية من أراضى السلطة الفلسطينية"، وأكد الرسالة مرة أخرى، عندما قال :"إنه يعنى الانسحاب من دون تأخير".

وأعلنت مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس للصحفيين في السابع من أبريل 2002، "أن الانسحاب بدون تأخير يعنى الانسحاب الآن"، وفى اليوم نفسه توجه وزير الخارجية كولين باول إلى منطقة الشرق الأوسط، ليضغط على جميع الأطراف لإيقاف القتال والبدء في التفاوض، ولكن إسرائيل واللوبي اليهودي الأمريكي وجها ضربة للعمل الدبلوماسي الأمريكي الساعي لإيقاف القتال، بل إن بعض المحافظين الجدد مثل "روبرت كاجان" و "وليم كريستول" اتهما كولين باول بفقد القدرة على التمييز بين الإرهابيين، وبين من يحاربون الإرهاب.

كما تعرض بوش نفسه للضغط من قادة اليهود والمسيحيين الإنجيليين (المسيحيين الصهاينة) والذين يشكلون قاعدة للتأثير على الإدارة الأمريكية مثل "توم ويلى" و "ديك ارمى"، فقد أكدا – صراحة – مدى الحاجة لدعم إسرائيل، كما قام "آن ويلى" و "ترنت لوت" من صقور الكونجرس، بزيارة البيت الأبيض وحذرا الرئيس بوش شخصياً من إيقاف الدعم لإسرائيل.

وهكذا نجحت هذه الضغوط في تحقيق تأثير واضح على الرئيس الأمريكي بوش؛ فتراجع عن اتخاذ موقف متشدد من أجل انسحاب إسرائيل، ووضح ذلك في الحادي عشر من أبريل، عندما قال المتحدث الرسمي للبيت الأبيض "فليشر": "إن الرئيس مقتنع بأن شارون رجل سلام"، كما أوضح للصحفيين أن شارون استجاب لمطلبه استجابة مرضية، بالانسحاب الفوري والكلى. ولكن الحقيقة هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يفعل ذلك. وفى الثاني من مايو 2002، أجاز الكونجرس الأمريكي قرارين يقضيان بتثبيت الدعم لإسرائيل؛ فصوت مجلس الشيوخ، بنتيجة (94) صوتاً لدعم إسرائيل مقابل صوتين، وصوت مجلس النواب بواقع 352 صوتاً مؤيداً مقابل (21) صوتاً. لقد أكد القراران، أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف بصلابة مع إسرائيل، وأن البلدين (أمريكا وإسرائيل)، مرتبطان، ومتحالفتان في حربهما على الإرهاب. وأدان الكونجرس الدعم الجاري للإرهابي "ياسر عرفات"، الذي صُوِّر على أنه مركز محوري، وعنصر من عناصر قضية الإرهاب".

وفى 9 مايو2002، وافق قطبا الكونجرس من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على منح إسرائيل، معونة إضافية بقيمة 200 مليون دولار لحربها على الإرهاب، وحاول كولين باول أن يعترض على هذه المعونة الإضافية لإسرائيل، ولكنه فشل، وهكذا انتصرت إسرائيل واللوبي اليهودي الأمريكي على الإدارة الأمريكية في محاولتها الضغط على إسرائيل، ومن ثم تغيرت المواقف تجاه إسرائيل، ورفضت إدارة الرئيس بوش التفاوض مع عرفات.

لقد أدت هذه السياسة من قبل الإدارة الأمريكية، إلى استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي في تطوير خططه من جانب واحد، والتخلص من التزامات إسرائيل في الاتفاقات السابقة، ونفذ خطة الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة، بحيث يترافق ذلك مع استمرار الاستيطان بالضفة الغربية، وبناء الجدار الفاصل، مع الاستمرار في مصادرة الأراضي الفلسطينية، وتوسيع الكتل الاستيطانية بالضفة الغربية، ورفض المفاوضات مع القيادات الفلسطينية.

أدت هذه السياسة الإسرائيلية، إلى المساهمة في فوز حركة حماس بالانتخابات الفلسطينية، وهذا أدى بدوره إلى استمرار التعنت الإسرائيلي تجاه التفاوض مع الفلسطينيين، كما أدت السياسة الأمريكية في تشجيع شارون، وخليفته من بعده (إيهود أولمرت) إلى تنفيذ سياسة من جانب واحد، ودعم الرئيس بوش "خطة أولمرت" للانسحاب أحادى الجانب من بعض أجزاء الضفة الغربية.

وذهب مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق (برنت سكوكوكرفت) بعيداً؛ حيث صرح في أكتوبر 2004، أن الرئيس الأمريكي بوش إذا حاول إبعاد الولايات المتحدة الأمريكية عن إسرائيل، أو حتى توجيه النقد لممارساتها بالأراضي المحتلة، فمن المؤكد أنه سيواجه عقوبة اللوبي اليهودي الأمريكي ومؤيديه بالكونجرس الأمريكي. كما أن مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة "جون كيرى" أكد أنه يدرك عواقب الحياد، ما دعاه إلى أن يذهب أبعد عمقاً في رغبة لدعم إسرائيل المطلق عام 2004، أثناء حملته الانتخابية.

وأصبح من الواضح أن المحافظة على الدعم الأمريكي لإسرائيل في ممارساتها ضد الفلسطينيين، هي لب هدف اللوبي اليهودي. ومع ذلك، لم تتوقف مطامحهم عند هذا الحد، لأنهم يريدون أن تساعد أمريكا، إسرائيل بكل الوسائل، لتبقى الطرف المسيطر والقوي في المنطقة، ومن ثم – فمن الواضح – أنهم والحكومة الإسرائيلية والجماعات المؤيدة لإسرائيل في أمريكا، يعملون سوياً لرسم سياسة الإدارة الأمريكية تجاه دول المنطقة، بل لإعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط.

وفى إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل في مجلس الأمن، فإن من بين 81 فيتو استخدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن، 41 فيتو لحماية إسرائيل، وكان أخرها الفيتو الذي أعلنته في 11 نوفمبر2006، من أجل منع إدانة إسرائيل، على قصفها لـ "بيت حانون"، في قطاع غزة، مقتل العديد من الأطفال والنساء، حيث استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو (النقض) لمنع مجلس الأمن من تبنى مشروع قرار تقدمت به الدول العربية (بمبادرة من قطر)، وكان يدين إسرائيل لارتكابها مذبحة في بيت حانون، ويدعو إلى وقف فورى لجميع أعمال العنف بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وقد أدان الناطق بإسم الرئاسة الفلسطينية هذا الفيتو، كما أدانته جامعة الدول العربية على لسان أمينها العام؛ لأنه يشجع إسرائيل على مواصلة عدوانها على الشعب الفلسطيني. ووصف السفير الأمريكي بالأمم المتحدة "جون بولتون" القرار العربي بأنه غير متوازن، ومتحيز ضد إسرائيل، ووراءه دوافع سياسية.

خامساً: الربط بين أمن إسرائيل وأمن الولايات المتحدة وتزايد الدعم لها

يتوافق المنظور الأمني الإسرائيلي مع المنظور الأمني الأمريكي، وفى ذلك ما يحقق فوائد كثيرة لإسرائيل، ويدعم من اتخاذها الإجراءات الأمنية الكفيلة بأن تعطى حق توجيه ضربات وقائية واستباقية إسرائيلية إلى دول عربية بالمنطقة، وقد تستخدم فيها أسلحة نووية وكيماوية وبيولوجية، وتطبيقاً لمفاهيم استراتيجية الضربات الوقائية والاستباقية، فإن إسرائيل نجحت في تطوير قدراتها الاستطلاعية بإطلاق القمر الصناعي للتجسس "افق – 5"، وفقاً لرؤيتها الأمنية، مع تكامل ذلك مع منظومة الاستطلاع الإسرائيلية، وفى قدرتها على التجسس والتصوير الفضائي والتنصت، بجانب قدراتها الإلكترونية للاستطلاع الإلكتروني، والقيام بأعمال التشويش على الرادارات العربية، وقدرتها على حجب المعلومات عن الدول العربية، بقدر ما أصبح لديها قدرات الحصول على معلومات من الدول العربية وبالأخص في إطار التعاون المخابراتي مع الولايات المتحدة، بجانب تلقى المساندة الأمريكية المادية والتقنية لتطوير أسلحتها، مع التوسع في مجال التدريب والقيام بالمناورات العسكرية المشتركة، مع إمكانية تزويد إسرائيل بمنظومات أسلحة أمريكية متطورة وبعيدة المدى.

هذا، وقد زادت المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل لتصل إلى 2.4 مليار دولار أمريكي، علاوة على حصول إسرائيل على أسلحة حديثة متطورة من طائرات الإنذار المبكر، والصواريخ أرض/أرض، والإنتاج المشترك لمنظومة صواريخ مضادة للصواريخ (مثل منظومة أرو من الجيل الثالث). هذا بالإضافة إلى احتفاظ إسرائيل بورقة الردع النووي، حيث تمتلك نحو 200 أو أكثر من القنابل النووية العيارية، بجانب الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ولقد لعبت إسرائيل على ورقة الحرب ضد الإرهاب، حتى تجعل التوازن الاستراتيجي العسكري بينها وبين الدول العربية مختلاً لصالحها، مع استمرار الفجوة في المجال التكنولوجي والفضائي والنووي، وأن يكون لها التفوق في مجال الأسلحة التقليدية على كافة الدول العربية.

ومن الواضح، أن الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفها حليفاً قوياً لإسرائيل، أصبحت تقدم لها كافة أنواع الدعم السخي من المساعدات المالية والعسكرية والغطاء الدبلوماسي والسياسي، وذلك في ضوء تأثير اللوبي الإسرائيلي الفعال في توجيه السياسة الأمريكية، وإظهارها طرفاً رئيسياً في الصراع، منحازاً انحيازاً واضحاً للطرف الإسرائيلي، ضد المواقف العربية، ومن ثم أصبح الفلسطينيون بإمكاناتهم المتواضعة يواجهون عدواً ماكراً، ومتفوقاً تقنياً وعلمياً ومادياً، مدعوماً بأقوى قوة في العالم، وبالرغم من الخلل في معادلة الصراع، فإن الفلسطينيين أبدوا مقاومة باسلة تجاه الهجمة الإسرائيلية الشرسة المدعزمة من أمريكا.

هذا بالإضافة إلى تضاؤل الدعم الروسي المادي والمعنوي، والذي اختفى تماماً من المعادلة، وأصبح يميل إلى الطرف الإسرائيلي.

وبالطبع فإن ذلك وفر للولايات المتحدة الأمريكية– مع الضعف العربي – حق هندسة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، بما يتلاءم مع إسرائيل، ولم تجد صعوبة في ذلك، نتيجة عدم وجود معارضة عربية تذكر. كما أن الولايات المتحدة تحركت - بضغط من اللوبي الإسرائيلي المؤثر على السياسة الأمريكية- من أجل تحقيق المطالب الإسرائيلية، ومن ثم بنت سياستها وإستراتيجيتها على هذا الأساس، ما دامت مصالحها لم تتعرض لخطر حقيقي من الأنظمة العربية، وبالتالي لن يكون هناك دوراً فاعلاً في إعطاء الحقوق الدنيا للشعب الفلسطيني، ومن ثم ستستمر الولايات المتحدة في تبنيها لوجهة النظر الإسرائيلية، في ظل تلك الأوضاع العربية المتردية، التي لا تقلل من عوامل التأثير الإسرائيلي على السياسة الأمريكية.

هذا، ويعتمد اللوبي في أمريكا على إستراتيجيتين واضحتين للإبقاء على الدعم الأمريكي لإسرائيل:

1. الأول: يستخدم براعته في التأثير الهام والفاعل في واشنطن بالضغط على كل من أعضاء الكونجرس ومؤسسة الرئاسة، لإبقاء الدعم على وتيرته – بل رفع مستواه، مهما كانت رؤية صانعي القرار، سواء كانوا أشخاصاً أو جماعات، ويحاول اللوبي جاهداً أن يبقى الدعم الأمريكي لإسرائيل، هو الخيار السياسي الأذكى والمفضل.

2. الثاني: يكافح اللوبي ليؤكد، أن الإعلام الدولي بكل وسائله، يجب أن يصور إسرائيل على أنها نقطة ضوء إيجابية، بإعادة الأساطير حول إسرائيل، وإيجادها دولة، وإعادة تكوينها، وترسيخ الجانب الإسرائيلي في المناقشات للسياسة اليومية.

سادساً: ما الذي حققته الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بعد مرور خمس سنوات على الحرب ضد الإرهاب؟

ألقى الرئيس بوش خطاباً مطولاً بعد مرور خمس سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تحدث فيه عن السياسات الأمريكية الخاصة بمواصلة شن الحرب على الإرهاب ، قال فيه: "إن هجمات 11 سبتمبر قد روعت بلادنا وطرحت أسئلة ملحة: من هاجمنا؟ وما الذي كانوا يبغونه؟ واستطرد قائلا:"وبالطبع كان علينا أن نرد على الهجوم ضد بلدنا، وأن نعثر على الإرهابيين المختبئين وأن تحول دون وقوع هجوم آخر"، ولكنه أعترف بأن المحكمة العليا الأمريكية في قرارها الصادر عام 2006، ذكرت فيه أن اتفاقيات جنيف المعروفة بالمادة العامة الثالثة، تنطبق على الحرب ضد القاعدة، وتشتمل هذه المادة على نصوص تمنع الإفراط في المعاملة المهينة، والإساءة للكرامة الشخصية والإهانة.

وقال بوش إن قرار المحكمة، قد حد من محاكمة الإرهابيين أمام اللجان العسكرية، وأثار علامات استفهام حول مستقبل برنامج وكالة الاستخبارات لانتزاع الاعترافات من المتهمين بالإرهاب. وفى ضوء ذلك، فإن من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية قد انتهكت صراحة القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان في الحرب التي خاضتها، وما تزال تخوضها ضد الإرهاب، والتي مر عليها أكثر من خمس سنوات، وقد انعكس ذلك على تداعى الصدقية الأمريكية بشأن حقوق الإنسان، حيث لم تتورع الإدارة الأمريكية عن انتهاك هذه الحقوق، وتقنين هذا الانتهاك، بحيث تتوفر الحماية لمرتكبي الجرائم الأمريكيين في معتقل جوانتانامو وسجن ابو غريب.

وهى السياسة التي أتبعتها إسرائيل – بموافقة أمريكية – ضد الشعب الفلسطيني، ما أتخذتْ من إجراءات لتدمير بنيته الأساسية، وقتل النساء والشيوخ، ومحاصرته اقتصاديا وعسكرياً، واعتقال عشرة آلاف فلسطيني بالسجون الإسرائيلية، يعاملون فيها بمثل ما عاملت به الولايات المتحدة الأمريكية – من تطلق عليهم إرهابيين – في السجون السرية، وسجن أبو غريب.

ومن أجل المحافظة على أمن إسرائيل، استمر الوعيد الأمريكي المتكرر لسورية، مع تجاهل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للجولان منذ عام 1967 حتى الآن، والتواطؤ مع إسرائيل وما تمارسه من حصار وتدمير واستيطان واغتيالات ضد الشعب الفلسطيني، مع تجاهل واقع، أن السلطة الفلسطينية والدول العربية، قبلت بالسلام مع إسرائيل، قبل انتخاب حماس بعدة سنوات؛ ولكن، مع ذلك، يبقى في زعم الرئيس بوش: إن حرب اليوم على الإرهاب كفاح في سبيل الحرية والتحرر، وأسلوبنا في الحياة والقدرة على العيش في حرية، إنها حرب من أجل الإنسانية، ضد أولئك الذين يسعون إلى عرض ظلمة الجهل والاستبداد والإرهاب على العالم بأسره، هذه المزاعم التي أصبحت تتطابق فيها الرؤية الأمريكية والإسرائيلية، لن تكون في صالح أي منهما في المستقبل، ولو كان بعيداً. وعلينا أن نتذكر ما قاله الرئيس الأسبق "جيمي كارتر" في حديث لمجلة "دير شبيجل" الألمانية في 15 أغسطس2006: "أن كراهية العالم العربي للولايات المتحدة ازدادت، وبلغت حداً غير مسبوق، وإن إسرائيل وأمريكا تعيشان اليوم في عزلة دولية لم تشهداها من قبل، بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، والدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل، التي لا تملك أي مبرر أو سند قانوني أو أخلاقي للاعتداء على هذا الشعب.

 



[1] المعروف أن الجالية اليهودية الصغيرة في أفغانستان، هاجرت منها في فترة حكم طالبان وما قبلها – لظروف الحرب- إلى إسرائيل، ولم يتبق سوى القليل في المعبد اليهودي في كابول.