إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الثامن

المبحث العاشر

التعاون الأمريكي الإسرائيلي

خلال الحرب على العراق وما بعدها

استبعدت الولايات المتحدة قضية الشرق الأوسط من اهتماماتها وانشغلت بحربها ضد الإرهاب، ولم تَعُدّ ترى أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي هو لب قضية الشرق الأوسط، وابتعدت عن دور الوسيط بين الأطراف، وتطابقت السياسة الإسرائيلية مع التوجهات الأمريكية، ما زاد الوضع تعقيداً في منطقة الشرق الأوسط.

كما نجحت إسرائيل في الارتقاء بالتحالف السياسي والمعنوي مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى درجة غير مسبوقة، وجعلت منه غطاءً سياسياً لكل ممارساتها غير المشروعة في الأراضي الفلسطينية، واحتلالها لأراضى الضفة الغربية في عملية "السور الواقي"، وجعلت من الولايات المتحدة وكيلاً لها في الضغط على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لصالح السياسة الإسرائيلية. وأصبح كل من يعاديها، تندد به الولايات المتحدة الأمريكية، بأنه معاد للسامية، أو أنها دولة تتبنى الإرهاب، أو أنها دولة تقوم بتجميع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وأضحى الأمر ابتزاز وتهديداً لكل من يعارض السياسة الإسرائيلية.

وقد جاء الموقف الأمريكي منحازاً لإسرائيل في ضوء بحث الإدارة الأمريكية عن آليات النجاح وضمان فوز الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي في نهاية عام 2002، وكذلك انتخابات الرئاسة في عام 2005، وأن مصالحها ترتبط بالتقرب إلى اللوبي الصهيوني، المرتبط سياسياً باليمين الإسرائيلي ويعمل طبقاً لسياسية، ويرتبط أيضاً بالتيار اليميني المحافظ بالحزب الجمهوري الأمريكي، خاصة مع أكثر المجموعات تشدداً من الناحية الأيديولوجية، ومرتبط أيضاً بالحركة التي يطلق عليها "المحافظون الجدد" والتي تعد أبلغ تأثيراً في صنع القرار عن اليمين المسيحي، والتي تضم نخبة من العلماء والمفكرين ورجال الإعلام والاقتصاد والأساتذة الجامعيين، حيث يسيطر كل هؤلاء على دوائر صنع القرار في الكونجرس والإدارة الأمريكية لصالح إسرائيل.

ومنذ بداية عام 2002، بدأت إسرائيل تضغط بأساليب مباشرة، وأخرى غير مباشرة من أجل حث الإدارة الأمريكية على غزو العراق، وأدت هذه الضغوط إلى إقناع الولايات المتحدة بعدم التساهل مع دول منطقة الشرق الأوسط، الذي تتنامى فيه مشاعر المعاداة للولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن التهديدات التي تحيط بإسرائيل ومنابع النفط.

ومن هنا كان قرار الإدارة الأمريكية، بالبدء في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بغزو العراق، وإزاحة حكم صدام حسين، باعتبار  أن رحيله لن يمكنه من الحصول على المزيد من أسلحة الدمار الشامل، أو حتى تمكينه من السيطرة على منابع النفط، وأيضاً لكي يصبح نقطة الانطلاق للحملة التي تستهدف ما أطلق عليه: "إدخال الديمقراطية إلى منطقة الشرق الأوسط، ومن هنا فإن أحد الأهداف الرئيسية الأمريكية من الغزو للعراق، أصبح هو "خلخلة المنطقة" وإعادة رسم خريطتها السياسية الإقليمية، بما يخدم الهدف الإسرائيلي، في إطار تهيئة الواقع العربي بما يسهل من تقبله للضغوط من أجل حل النزاع العربي – الإسرائيلي، وفقاً للرؤية الإسرائيلية.

أولاً: الدور الإسرائيلي الأمريكي والحرب على العراق

واصلت إسرائيل تحريضها للولايات المتحدة، من أجل القيام بعمل عسكري ضد العراق، وبدا واضحاً أن إسرائيل كانت على نفس مستوى الشعور السلبي تجاه قرار العراق بالسماح للمفتشين الدوليين بالقدوم إلى العراق ومواصلة أعمال التفتيش دون شروط.

ويعود الموقف الإسرائيلي تجاه العراق، من منطلق وقوفها ضد أي تحرك عربي للسلام مع إسرائيل، كما أن العراق شكل - في وقت من الأوقات – جبهة الصمود والتصدي، التي رفضت مبادرة السادات بزيارة القدس، وتصدت لمعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية "مارس 1979"، كما أن العراق قاد عملية عزل مصر عن النظام العربي، والعزل هنا كان "عقاباً" عن الصلح والتسوية المنفردة مع إسرائيل.

نظرت إسرائيل من هذه المنطلقات باستمرار إلى النظام العراقي على أنه يقع ضمن معسكر الدول العربية التي تنظر إلى الصراع مع إسرائيل على أنه صراع وجود، ومن ثم فالحل يكون عبر السلاح، وليس على مائدة المفاوضات.

وبطبيعة الحال، فإن إسرائيل شعرت بدرجة أعلى بالتهديد من ناحية الشرق بعد قيام الثورة الخومينية في طهران، فبموجب هذه الثورة تحولت إيران من حليف إلى عدو أيديولوجى، إذ إن الثورة استولت على مقر السفارة الإسرائيلية في طهران، وسلمته لمنظمة التحرير الفلسطينية، لاستخدامه كسفارة لدولة فلسطين.

من هنا كانت إسرائيل صاحبة المصلحة الرئيسية في اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، فالحرب تعني في المحصلة النهائية إنهاكاً لعدوين لإسرائيل، بما يمثل مصلحة إسرائيلية عليا، ولذلك لم يكن مستغرباً أن تلجأ إسرائيل إلى إمداد إيران بالسلاح عبر وسطاء، في مرحلة كانت تهدف من ورائها إلى إطالة أمد الصراع، وزيادة معدلات التدمير المتبادل، وهو ما تجسد فيما عرف "بفضيحة إيران جيت".

ومرة ثانية، جاءت الفرصة لإسرائيل للتخلص من القدرات العسكرية العراقية، وذلك عندما أقدم العراق على غزو الكويت في الثاني من أغسطس 1990، فقد كانت إسرائيل صاحبة مصلحة في عدم تسوية الأزمة سلمياً، أو في الإطار العربي، وقد ساعدها النظام العراقي على تحقيق ما تريد عندما رفض التجاوب مع الجهود التي بذلت لتسوية الأزمة سلمياً، وإعلان العراق قبيل الهجوم على الكويت بقدرته على حرق نصف إسرائيل في حالة عدوانها على دولة عربية. كما أن إقدام العراق على الربط بين قضيتي الكويت وفلسطين، قد سبب نوعاً من الارتباك للسياسة الأمريكية التي كانت تهدف إلى بناء تحالف دولي لحسم الموقف عسكرياً، يضاف إلى ذلك قيام العراق بعد بدء هجوم قوات التحالف، بإطلاق مجموعة من الصواريخ من نوع "سكود" على المدن الرئيسية. وبالرغم من أن الأثر التدميري لهذه الصواريخ كان محدوداً للغاية، فإن الأثر النفسي على الجانبين العربي – تحديداً الفلسطيني – والإسرائيلي كان عالياً للغاية، فهي المرة الأولى منذ انتهاء حرب 1948، الذي تتعرض فيه مدن إسرائيلية للقصف، ويقضى إسرائيليون ساعات طويلة في المخابئ.

من هنا بدا واضحاً أنه رغم محدودية التأثيرات الحقيقية للقصف العراقي لإسرائيل، فإن تداعياته السياسية والاجتماعية والنفسية، كانت كبيرة للغاية، لاسيما أن إسرائيل منعت من الرد بضغوط أمريكية، حتى لا يتسبب الرد في تفكيك التحالف الدولي، وهكذا اضطرت إسرائيل إلى عدم الرد، وركزت فقط على العمل العسكري ضد العراق، وفى الوقت نفسه كانت على قناعة تامة بأن القوات الأمريكية سوف تتولى تحقيق أقصى ما يمكن أن تطمح إليه إسرائيل من تدمير لقدرات القوات العراقية، ونزع قدرات العراق العسكرية، لاسيما فيما يخص أسلحة الدمار الشامل ووسائل حملها.

وجاء الرفض العراقي لمؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، الذي عقد في 30 أكتوبر1991، ليضع العراق على قائمة القوى الموصوفة أمريكياً بالعداء لعملية السلام، كذلك فإن مواصلة رفضه للحل السلمي، ممثلاً في رفض اتفاق أوسلو، جعل الولايات المتحدة تتعامل مع العراق بوصفه إحدى أبرز القوى المعارضة لعملية السلام في الشرق الأوسط. وهو الموقع الذي تشترك فيه طهران أيضاً، والذي تجلى بوضوح في ضم الولايات المتحدة ، للعراق وإيران إلى ما أسمته "بمحور الشر" في العالم، وهو المسمى الذي يجمعهما مع كوريا الشمالية.

وطوال مرحلة التفاوض العربي الإسرائيلي، حرص العراق على تأكيد موقفه المعارض لهذه العملية، وبدأ نوع من الانفتاح على سورية لاسيما بعد تأزم المفاوضات السورية الإسرائيلية، وتجلى الموقف العراقي من عملية التسوية السياسية التي تنفرد واشنطن برعايتها، وفى الدعم السياسي والمالي الذي تقدمه بغداد للشعب الفلسطيني، على خلفية دعم صموده بعد اندلاع انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من سبتمبر 2000، حيث كان العراق في طليعة الدول العربية التي بادرت بالتبرع المالي لدعم الانتفاضة، بل بادرت أيضاً بالتبرع لدعم أسر الشهداء، وهو ما عدته واشنطن وتل أبيب دعماً للإرهاب.

ثانياً: التحريض الإسرائيلي للولايات المتحدة لخوض الحرب ضد العراق

في السادس عشر من أغسطس 2002، وقبل 11 يوماً من إطلاق حملة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشينى للحرب، وفى حديثه الطويل للمحاربين القدامى، قالت صحيفة الواشنطن بوست" إسرائيل تحض المسؤولين الأمريكيين على عدم تأخير شن الحرب والضربة العسكرية ضد نظام صدام حسين.

وهكذا وصل التنسيق الأمريكي الإسرائيلي إلى أبعاد جديدة، كما أن مسؤولي الإستخبارات الإسرائيلية قاموا بتزويد واشنطن بعدة تقارير معلوماتية عن برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقية، وأكدت المصادر الأمريكية أن المخابرات الإسرائيلية كانت شريكاً كاملاً، في إعطاء صورة واضحة للمخابرات الأمريكية والبريطانية عن أسلحة العراق غير التقليدية وقدراته التدميرية.

هذا، وقد كما قامت إسرائيل بتزويد الولايات المتحدة خلال هذه الحرب بأنواع محددة من الذخائر ومن المعدات العسكرية، كما امتعض القادة الإسرائيليون بشدة عندما وافق الرئيس الأمريكي على الرضوخ لمجلس الأمن، لاستصدار قرار من المجلس بشأن المفتشين الدوليين، والسماح لهم بالعودة للعراق لاستكمال مهامهم، باعتبار  أن هذه الخطوة سوف تبطئ، وتجعل احتمال شن الحرب ضعيفاً، كما صرح شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلي للصحفيين في سبتمبر 2002 بالقول: "إن الحملة ضد صدام حسين واجب، التفتيش والمفتشين فكرة جيدة على جماعة مهذبة، ولكن الجماعة غير الأمينة والكاذبة تستطيع التغلب بسهولة على عملية التفتيش وعلى المفتشين". وفى الوقت نفسه، كتب رئيس الوزراء السابق إيهود باراك في صحيفة النيويورك تايمز. "محذراً من أن الخطر الأكبر يكمن في عدم اتخاذ إجراء" وعقب سلفه السابق بنيامين نتننياهو في مقال منشور بصحيفة "وول ستريت جورنال" بالقول: "في هذه الأيام ليس هناك أقل أهمية من إسقاط النظام العراقي"، وأضاف قائلاً:" أنا على يقين كما قلت للأغلبية الساحقة من الإسرائيليين يجب أن ندعم الضربة الوقائية ضد نظام صدام حسين"، وفى فبراير 2003، ذكرت صحيفة هاآرتس: "أن القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تتوق إلى شن الحرب على العراق".

وفى الحقيقة، فإن معظم الإسرائيليين، أبدوا رغبتهم الجامحة في الحرب ضد العراق، لدرجة أن حلفاءهم الأمريكيين أخبروهم بتخفيف تعبيرهم عن هذه الرغبة الجامحة، خشية أن تبدو هذه الحرب، كأنها حرب من أجل إسرائيل.

ثالثاً: اللوبي الإسرائيلي والحرب على العراق

تمثلت القوة الرئيسية المحركة للحرب على العراق، داخل الولايات المتحدة الأمريكية في فئة صغيرة من المحافظين الجدد، والذين لهم روابط قوية مع حزب الليكود الإسرائيلي، بالإضافة على أن القادة الفاعلين لجماعات اللوبي، أعطت أصواتها لصالح شن الحرب على العراق.

كما أن الجماعات اليهودية حشدت كافة قواها من أجل الدفاع عن نية الرئيس الأمريكي للحرب على العراق، وفى مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت ذكرت "إن قادة اللوبي اليهودي في أمريكا، أكدوا على ضرورة تخليص العالم من صدام حسين وأسلحته ذات التدمير الشامل، كما ذكرت افتتاحيات الصحف والصحفيين الأمريكيين" بأن موضوع أمن إسرائيل يُسرع عوامل الحرب".

لقد كان المحافظون الجدد مصممين على إسقاط نظام صدام حسين، قبل أن يصبح بوش رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية، بل أرسلوا في عام 1998 رسالتين منشورتين إلى الرئيس كلينتون، يطالبون فيها بإزاحة نظام صدام حسين، وكان معظم الموقعين على هاتين الرسالتين، من أقرب الناس إلى الجماعات التي تتبنى وجهة النظر الإسرائيلية، مثل: اليوت إبرامز، وجون بولتون، ودوجلاس فيث، وريتشارد بيرل، وبول وولفوتيز.

وبقدر ما كان المحافظون الجدد فاعلون في إشعال الحرب على العراق، فقد احتاجوا إلى المساعدة لتحقيق هذا الهدف – تلك المساعدة التي وصلتهم مع أحداث 11 سبتمبر 2001، فقد جعلت هذه الأحداث كلا الرجلين الرئيس بوش ونائبه ديك تشينى متحمسين بقوة لهذه الحرب الوقائية، ولإزاحة صدام حسين، كما لعب بعض المحافظين الجدد المدفوعين من اللوبي اليهودي مثل :"سكوتر ليبى" و"بول وولفوتيز"، و"المؤرخ برنارد لويس"، دوراً خاصاً وهاماً في إقناع الرئيس ونائبه لشن الحرب. وفى مقابلة يوم 15 سبتمبر لـ "وولفويتز" مع الرئيس بوش في كامب ديفيد، حث وولفويتز، بوش على مهاجمة العراق قبل أفغانستان، ولو لم يكن هناك دليل على أن صدام حسين كان مشاركاً في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولكن بوش رفض هذه النصيحة واختار أن يبدأ أولاً بأفغانستان ثم العراق، ولكن الحرب على العراق – في تلك اللحظة- أصبحت احتمالاً قائماً، وبالفعل ففي 21 نوفمبر 2001 أوكل بوش للعسكريين الأمريكيين مهمة التخطيط والإعداد لغزو العراق.

ساعد تأثير نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشينى"، كذلك، في إقناع الرئيس بداية عام 2002، على الإعداد للحرب ضد العراق، كما أن الشخصيات المؤثرة من المحافظين الجدد، لم يدخروا وقتاً وجهداً في جعل حالة الحرب على العراق ضرورية لكسب الحرب ضد الإرهاب.

وفى العشرين من سبتمبر2001، نشرت جماعة من المحافظين الجدد البارزين وحلفائهم رسالة، يخبرون فيها الرئيس بوش :"أنه حتى ولو لم يكن هناك دليل يربط العراق مباشرة بمنفذي هجوم 11 سبتمبر، فإن أي إستراتيجية تهدف إلى استئصال الإرهاب وداعموه، يجب أن تتضمن جهداً معيناً ومحدداً لإزاحة صدام حسين من الحكم في العراق، وذكرت الرسالة "إن إسرائيل مازالت الحليف الأكثر إخلاصاً وصموداً وتماسكاً في الحرب على الإرهاب الدولي.

وفى الأول من أكتوبر2001، طالب "روبرت كاجن"، و"وليم كريستول"، في حديث لهم نشر في جريدة (ويكلي ستاندارد Weekly Standard)، بتغيير نظام الحكم في العراق فوراً بعد هزيمة طالبان، وفى اليوم نفسه كتب "تشارلز كراثمر" في "الواشنطن بوست" يقول :"بعد ما عملناه في أفغانستان، ستكون سورية المستهدف الثاني متبوعة بإيران والعراق، إن الحرب على الإرهاب سوف تتضمن بغداد، وبعدها سوف ننهى أخطر أنماط أنظمة الحكم الإرهابية في العالم".

وأصبح من الواضح أن كل هذه الضغوط التي مُورست دفعة واحدة، كانت بداية حملة صارمة وشديدة ومعلنة للحصول على دعم لشن الحرب على العراق. لقد كانت أهداف هذه الحملة مغلفة بالتضليل، وتؤكدها معلومات أجهزة الاستخبارات الأمريكية بالتعاون مع الأجهزة الإسرائيلية، من أجل أن يبدو صدام حسين خطراً مباشراً وشيكا على الولايات المتحدة الأمريكية. وعلى سبيل المثال، قامت أجهزة المخابرات CIA بالبحث عن معلومات غير صحيحة، من أجل إعداد تقرير مفصل في مطلع عام 2003، توضح خطر النظام العراقي، وامتلاكه لأسلحة الدمار الشامل، بل إن إسرائيل وضعت ثقلها في المعلومات الواردة لهذا التقرير، والذي قدم إلى وزير الخارجية كولين باول لعرضه على مجلس الأمن. لقد شمل هذا التقرير أبشع الصور والنتائج عن العراق. ومع أن باول فوجئ بخدعة التقرير وإفراطه وغلوه في التصوير والاستنتاج، إلا أنه قام بعرضه داخل مجلس الأمن، وكانت طريقة عرضه مخزية ومحشوة بالأخطاء، التي اعترف بها، الآن، كولين باول نفسه.

كما أن الحملة لتضليل المعلومات الاستخبارية، شملت أيضاً منظمتين أنشأتا بعد أحداث 11 سبتمبر، وتتبعان للسكرتير الثاني بوزارة الدفاع دوجلاس فيث، أوكل للمنظمة الأولى الربط بين القاعدة والعراق، وأوكل إلى مهمة إيجاد أي دليل لاستعماله في تسويق الحرب على العراق"، وكان يرأسها إبرام تشكسلى المحافظ الجديد، الذي يحتفظ بعلاقة طويلة وقريبة مع وولفوتيز الذي يعتنق وجهة النظر الإسرائيلية، ويحتفظ بروابط وثيقة مع حزب الليكود الإسرائيلي، وكتبت عنه صحيفة "Forward" الأمريكية، واصفة إياه بأنه الصقر الأشد والأقوى بين الصقور في الإدارة الأمريكية دعماً لوجهة النظر الإسرائيلية، واختارته في يونيو عام 2002، من بين أفضل 50 شخصية تقوم بدعم الأنشطة اليهودية، وفى الوقت نفسه، فإن منظمة "جينسا JINSA"، منحت وولفوتيز جائزة "هنرى جاكسون" مَنْ ساعد في تطوير الشراكة الأمريكية – الإسرائيلية، وأطلقت عليه صحيفة "جيروزاليم بوست"، رجل عام 2003.

في ضوء معطيات تأييد المحافظين الجدد لإسرائيل، وهاجسهم تجاه العراق وخطورته، وتأثيرهم في إدارة الرئيس بوش، لم يكن غريباً أن عدداً من الأمريكيين شكوا، وانتابهم الخوف من أن هذه الحرب صممت وخططت لصالح إسرائيل، على المدى البعيد، ومثال ذلك اعتراف "بارى جاكوب" من لجنة "الشؤون الأمريكية الإسرائيلية العامة" في مارس 2005: "أن الاعتقاد الموحى بتآمر إسرائيل والمحافظين الجدد على الولايات المتحدة الأمريكية لدفعها إلى الحرب على العراق، كان تدخلاً وتغلغلاً من الاستخبارات الأمريكية من هذين الطرفين. وحتى الآن فإن فئة قليلة من الشعب تذكر ذلك علانية، وأن الأغلبية منهم ومن ضمنهم السناتور "إيرنست هولنفر"، والممثل جيمس موران، قد أدينوا بمجرد رفعهم لهذا الصوت إزاء هذه القضية، لقد كان السبب لهذه المعارضة – كما يتضح – هو الخوف من أن يوصف من يتبناها بتهمة معاداة السامية، وبالرغم من ذلك، فهناك اتجاه واضح، أن إسرائيل واللوبي اليهودي ، كانا عاملين رئيسيين لرسم القرار الأمريكي لشن الحرب على العراق.

والواقع أن الحرب على العراق لم يكن متوقعاً أن تكون – كما يحدث الآن – مستنقعاً وورطة مكلفة للأمريكيين، إن هذا الطموح الإستراتيجي الأمريكي، كان انحرافاً دراماتيكياً عن الإستراتيجيات الأمريكية السابقة للسياسة الأمريكية، وكان اللوبي اليهودي ودولة إسرائيل، القوتين الدافعتين لهذا التحول، نحو إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط. وبدا ذلك واضحاً بعد الحرب على العراق، ففي الصفحات الأولى في جريدة "وول ستريت" كانت العناوين الرئيسية تُعبر عن ذلك، ومثال لها: "أحلام الرئيس ليس فقط في تغيير النظام بالعراق، ولكن في المنطقة كلها"، ومن وجهة النظر الأمريكية، فإن ديمقراطية المنطقة كانت هى الهدف الذي يحمله المحافظون الجدد وإسرائيل في جذورهم وأصولهم.

إن القوى المؤيدة لإسرائيل في أمريكا، كان لديها الرغبة الجامحة بأن تدفع بالولايات المتحدة بإمكاناتها العسكرية الهائلة لأن تكون طرفاً رئيسياً في صراع الشرق الأوسط، ومن خلال ذلك تستطيع تقديم المساعدة الفاعلة لحماية قدرات إسرائيل ودعمها.

وعلى أية حال، فإن المحافظين الجدد، كانوا يطرحون فكرة، أن سياسة الاحتواء المزدوج لم تكن كافية للإطاحة بصدام حسين، وتغيير العراق؛ لتصبح دولة ديمقراطية، لقد كان هذا الخط واضحاً في الدراسة التي قدمها المحافظون الجدد إلى نتنياهو في مطلع عام 2002، وعندما أصبح موضوع غزو العراق جبهة مشتعلة، أصبح تحويل المنطقة كلها فكراً مبدئياً وإيماناً عميقاً ومخلصاً في دوائر المحافظين الجدد.

وفى تقرير نشرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في 17 فبراير2003، ذكرت أن ضباطاً إسرائيليين قريبون من أريل شارون، مثل مستشار الأمن القومي الإسرائيلي "افراهام هالفى"، رسموا صورة وردية لمستقبل إسرائيل الباهر المتوقع بعد الحرب، فقد تصوروا احتفالاً مؤثراً سوف يرافق سقوط صدام حسين، وبعده أعداء إسرائيل الآخرون، وسوف يجر معه القادة المتشددين، وسوف يختفي الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل التي ربما تهدد وجود إسرائيل.

خلاصة القول، إن قادة إسرائيل والمحافظين الجدد، وإدارة الرئيس جورج بوش – جميعهم – رأوا أن الحرب على العراق، تعد الخطوة الأولى في حملتهم الطموح لتغيير منطقة الشرق الأوسط، وفى غمرة وهج الانتصار العسكري بعد الغزو الأمريكي للعراق، وجهوا أنظارهم فوراً إلى أعداء إسرائيل الآخرين في المنطقة.

رابعاً: التعاون الأمريكي الإسرائيلي في الحرب ضد العراق وانعكاساته تجاه سورية وإيران

يعد سقوط بغداد - وتحديداً في آواخر أبريل 2003 – بدأت القيادة الإسرائيلية في إعداد العدة لتحريض الإدارة الأمريكية ضد سورية. وعلى سبيل المثال: فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون، قام بإجراء مقابلة شخصية مع صحيفة يديعوت أحرونوت في 16 أبريل عام 2003، "دعا فيها الولايات المتحدة الأمريكية لتلقي بضغط ثقيل على سورية". كما صرح شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي، لصحيفة معاريف الإسرائيلية بالقول :"إن لدينا قائمة طويلة من الموضوعات التي نفكر بها، وذلك كمطالب من السوريين، وبالتحديد فإنه من المناسب أن يقوم الأمريكيون بهذه المهمة وأن تنفذ هذه المطالب من خلال الأمريكيين".

 كذلك أعلن "افراهام هالفى"، أنه من المهم للولايات المتحدة، بأن تبدأ المعركة مع سورية. وأصبح من الواضح أن إسرائيل بدأت توقد نار الحملة ضد سورية، وذلك بتقديم معلومات استخبارية لأجهزة الاستخبارات الأمريكية (CIA) عن أفعال الرئيس السوري بشار الأسد.  كما صرح وولفويتز وكذلك "ريتشارد بيرل" في مقابلات مع الصحافة الأمريكية: "بأنه يجب تغيير النظام في سورية، كما يجب أن نبعث برسالة من كلمتين إلى النظام السوري"، "أنت القادم".

وفى 15 أبريل 2003 كتب "يوسى كلين" مقالاً في "لوس أنجيلس تايمز" بعنوان: "والآن فإن التروس سوف تدار على سورية". وفى اليوم التالي كتب الإسرائيلي "زئيف تكافيز" مقالاً لصحيفة نيويورك ديلى نيوز قائلاً: "إن أصدقاء الإرهاب في سورية يجب أن يغيروا أيضاً كما كتب "لورانس كابلان" في "صحيفة نيوريدلك" : "إن قائد سورية الأسد كان خطراً حقيقياً على أمريكا".

كذلك، طرح عضو الكونجرس الأمريكي "إليوت إنجل" عن ولاية نيويورك، قانون معاقبة سورية وضرورة العمل به، وإحياء استعادة السلطة للبنان. وهددوا سورية بقانون المقاطعة، إذا لم تنسحب من لبنان، وأن تتوقف عن دعم الإرهاب، هذا التشريع كان مدفوعاً بشدة من قبل اللوبي اليهودي الأمريكي وعلى الأخص من (AIPAC)، وتم إعداد إطاره من قبل أفضل أصدقاء إسرائيل في الكونجرس، ومرر هذا التشريع بالاقتراع في الكونجرس الأمريكي وكانت نتيجته (398 صوتاً مقابل 4 أصوات)، وفى مجلس الشيوخ (89 صوتاً مقابل 4 أصوات) ووقعه بوش، وأصبح قانوناً نافذاً في 12 ديسمبر 2003.

ومع أن المحافظين الجدد كانوا متشجعين وتواقين للحرب ضد دمشق، فإن المخابرات المركزية الأمريكية (C I A)، كانت معارضة لها. وأكد بوش بعد توقيعه للقانون الجديد لمحاسبة سورية، أنه سوف يقوم بتطبيقه ببطء، وبالرغم من ذلك فإن الضغوط الإسرائيلية واللوبي اليهودي الأمريكي (AIPAC) والمؤيد لإسرائيل، مازال يضغط على الولايات المتحدة الأمريكية من أجل إضعاف سورية بشتى الطرق والوسائل، وقد برز ذلك واضحاً خلال حرب لبنان عام 2006 وبعد الحرب.

بدأت إسرائيل أيضاً في الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران، وذلك في أعقاب حرب العراق، ففي أواخر أبريل 2003، جاء في تقرير لصحيفة هاآرتس، أن السفير الإسرائيلي في واشنطن، كان ينادى بتغيير نظام الحكم في إيران، وقال إن الإطاحة بصدام حسين لم تكن كافية، ويجب على أمريكا أن تتابع مسيرتها،. فمازلنا نواجه خطراً عظيماً، وأن عظمة هذا الخطر تأتى من سورية وتأتى من إيران، ولم يدخر المحافظون الجدد وقتاً من أجل تصعيد ذلك الموقف، ففى 6 مايو2003، عقد مؤتمر بشأن إيران، جمع المؤيدين لإسرائيل، لشرح وجهة النظر هذه، وذلك في معهد "Foundation for the defence of demcracy" وكان المتحدثون جميعأً من المؤيدين بقوة لوجهة النظر الإسرائيلية، بل دعا كثيرون منهم الولايات المتحدة الأمريكية لاستبدال النظام الحالي في إيران بنظام ديمقراطى.

كما بدأت الصحف الأمريكية تضغط بشدة – بدفع من اللوبي اليهودي الأمريكي – لتشجيع الإدارة الأمريكية، لاتخاذ خطوات فعالة ضد إيران، وعلى سبيل المثال، كتب "وليم كريستول في صحيفة " ويكلى ستاندرد" بقول: "كان تحرير العراق أضخم معركة من أجل مستقبل الشرق الأوسط، ولكن المعركة القادمة والأضخم، والتي نتمنى ألا تكون عسكرية، أولا تتم بأسلوب عسكري، ستكون ضد إيران. وقد استجابت إدارة بوش لضغط اللوبي اليهودي، من أجل محاولة تجميد البرنامج النووي الإيراني، ولكن إيران مازالت – برغم هذه الضغوط – مصممة على المضي من أجل إنجاز برنامجها النووي للأغراض السلمية - كما تقول- وبالرغم من ذلك فقد عزز اللوبي اليهودي الأمريكي وإسرائيل من قوة ضغطهما على الإدارة الأمريكية، باستخدام كافة وسائل الضغط عبر الكونجرس الأمريكي ووسائل الإعلام، محذرة من خطر وشيك من القوة النووية الإيرانية، ومحذرة أيضاً من أية تهدئة للحرب ضد الأنظمة الإرهابية، بل إن أحد بنود جدول مباحثات أولمرت مع بوش في واشنطن، يوم 13 نوفمبر 2006، كان موضوع البرنامج النووي الإيراني، وقد حث أولمرت "بوش" على ضرورة تدمير المنشآت النووية الإيرانية.

كما يقوم اللوبي اليهودي بدفع الكونجرس الأمريكي لممارسة التأثير الكافى على الإدارة الأمريكية للموافقة على قانون "دعم تحرير إيران"، والذي يعزز بدوره استمرار المقاطعة على إيران. وقد حذر المسؤولون الإسرائيليون، أيضاً، بأنهم ربما يقومون بإجراء وقائي، إذا استمرت إيران في نهجها لتفعيل برنامجها النووي، كما أن تلميحاتها للولايات المتحدة الأمريكية في جزء منها يهدف إلى استمرار واشنطن في تركيز الأضواء على هذا الموضوع.

ومن الواضح أن إسرائيل والداعمين لها بالكونجرس الأمريكي، أو في المنظمات الصهيونية واللوبي اليهودي الأمريكي، يريدون من الإدارة الأمريكية أن تأخذ على عاتقها مواجهة أي خطر يهدد أمن إسرائيل، وبالطبع إذا نجحت جهودهم لرسم السياسة الأمريكية، فسوف يكون أعداء إسرائيل في وضع ضعيف، وربما يُطاح بهم ويسقطون، ومن ثم يصبح لإسرائيل اليد الحرة لمواجهة أعدائها.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، في كلمة ألقاها، أمام مؤتمر الجاليات اليهودية الأمريكية في مدينة "لوس أنجلوس".في منتصف نوفمبر 2006 إن بلاده لن تقبل بأي تهديد على وجودها، مشيراً إلى أن اللحظة الحاسمة في موضوع الملف النووي الإيراني قد حانت، ولا يمكن الانتظار، وأكد أنه يتوجب على المجتمع الدولي الامتناع عن اتخاذ موقف متردد حيال أزمة الملف النووي الإيراني، كما دعا إيهود أولمرت المجتمع الدولي للتحدث بصوت واحد لإيقاف إيران عن طموحاتها النووية، وقال إذا امتلكت إيران القدرة على تصنيع أسلحة نووية، فسوف تدخل عهد جديد من عدم الاستقرار، مغاير لأي فترة أخرى شهدها العالم من قبل.

خامساً: الأهداف الأمريكية الإسرائيلية المشتركة في العراق

حاولت واشنطن استغلال نتائج اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، من أجل القيام بعمل عسكري ضخم يقود إلى تغيير النظام في العراق، وتسليم السلطة لنظام جديد موال للغرب، ودفع النظام الجديد إلى الاعتراف بإسرائيل، وتبادل العلاقات الدبلوماسية معها، وهو أمر يحقق البعدين الرئيسيين للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهما: ضمان تدفق إمدادات النفط بأسعار مقبولة أمريكياً، وضمان أمن إسرائيل.

وعملت إسرائيل على الاستفادة من المساحة المشتركة مع السياسة الأمريكية، خاصة فيما يهم البعد الثاني، المتعلق بأمنها وإقامة علاقات دبلوماسية بينها وبين النظام الجديد في العراق، فتحقيق هذا الأمر يعنى لإسرائيل تحقيق الشق الأكبر من هدفها الرامي إلى "التطبيع" مع القوى الرئيسية في العالم العربي من دون الارتباط بقضية الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، ومن ثم فإن خروج العراق من معادلة الصراع يمثل هدفاً رئيسياً لإسرائيل.

كما أن الأهداف الإسرائيلية من وراء التحريض على ضرب العراق وتغيير النظام، لا تتوقف عند هذه الحدود، فإسرائيل لديها مساحة خاصة بها غير متطابقة مع الأجندة الأمريكية بالضرورة، ويمكن أن نلاحظ بصفة عامة - بشأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في الشرق الأوسط- أن السياسة الأمريكية أو الأجندة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط تتجدد بالأساس وفق الرؤية الإسرائيلية بشكل عام، انطلاقاً من أخذ المصالح الإسرائيلية بعين الاعتبار، كما نلاحظ أنَّ الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل في كثير من الحالات وزر تبنى الرؤية الإسرائيلية، وأيضاً مساوئ السياسة الإسرائيلية تجاه المنطقة. ويبدو واضحاً، أيضاً، أن شقاً رئيسياً- إن لم يكن الشق الوحيد، في حالة العداء العربي للولايات المتحدة الأمريكية، يأتي بسبب التبني الأمريكي للرؤية والمواقف الإسرائيلية، بل إن كافة الاتهامات التي توجه للسياسة الأمريكية بإتباع معايير مزدوجة تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، تأتى من كونها مؤيدة لإسرائيل على طول الخط.

ومن هنا فأهداف إسرائيل من وراء ضرب العراق، تتجاوز الأهداف الأمريكية، حيث تنطلق بالأساس من الرغبة الإسرائيلية القديمة الخاصة، بتفتيت الكيانات الكبيرة في المنطقة، فإسرائيل عملت، وتعمل حالياً وفى المستقبل، على تفتيت الكيانات الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً العالم العربي؛ بهدف ضمان ممارسة دور الهيمنة والسيطرة الإقليمية، ودفع المنطقة إلى حالة من عدم الاستقرار والتفتت، وهى فكرة محورية في رؤية الحركة الصهيونية وتصورها.

ويمكن القول إن أوضاع ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2000، أصبحت تمثل أجواء مناسبة لعمل إسرائيلي، ونشاط مكثف لتفتيت العراق، وتقسيم السودان، وفى هذا السياق أيضاً نجد ملامح لحملة إسرائيلية تروج لمقولة إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتوقف عند حدود العراق، بل إن العراق سيكون البداية فقط، وإن الحملة الأمريكية ستطول مصر والسعودية بعد ذلك.

هناك – أيضاً – تسويق إسرائيلي لما يسمى أفكاراً أمريكية، حول تغيير نظم الحكم في الدول التي تقع في خانة "محور الشر"، ثم الدول غير المتعاونة والمعادية لإسرائيل، والدول التي كانت موصوفة بالاعتدال، وتعد في معسكر الأصدقاء، والحجة في ذلك حسب ما تقول المصادر الإسرائيلية، إن تنظيم القاعدة نما وترعرع على كراهية الغرب بفعل النظم الاجتماعية والثقافية والتعليمية القائمة في بعض الدول العربية والإسلامية، وإن العالم العربي هو عالم لا يفهم سوى لغة القوة.

من هنا، فضرب العراق بالنسبة لإسرائيل لا يمثل نهاية المطاف، بل بداية لعمل واسع النطاق يضمن استهداف الكيانات الكبيرة في العالم العربي، ولذلك تعمل إسرائيل على نحو حثيث من أجل عدم تفويت الفرصة، واجتهدت من أجل أن تصل الأزمة الراهنة حول العراق إلى عمل عسكري أمريكي. ومن أجل وضع الولايات المتحدة في أجواء المواجهة، فقد واصلت الحكومة الإسرائيلية استعداداتها الشكلية لمواجهة تداعيات العمل العسكري الأمريكي على العراق، حيث واصلت عمليات تطعيم المواطنين وتوزيع الأقنعة الواقية.

من هنا، يبدو واضحاً، أنه في الوقت الذي عملت فيه الولايات المتحدة على استغلال الأزمة بين العراق والأمم المتحدة، من أجل توجيه ضربة عسكرية للعراق، وتغيير النظام السياسي، وتولية نظام حليف يتواءم والمصالح الأمريكية في المنطقة، ومن بينها أمن إسرائيل، فإن للأخيرة حساباتها، والتي ليست بالضرورة في تناقض مع الحسابات الأمريكية، ولكنها تتعدى هذا الهدف المباشر، وتصل إلى رؤية خريطة المنطقة كلها، وهى خالية من الكيانات الكبيرة.

بل وتركزت الرؤية الإسرائيلية حول ضرورة تفتيت العراق إلى ثلاث دويلات، وشجعت الأكراد على أن تكون البداية منهم، بإعلان الانفصال. كما يتعدى الفكر الإسرائيلي العراق ليشمل دولاً عربية أخرى، تتعدد فيها عوامل الانقسام، ومبررات التقسيم ما بين دينية وعرقية ولغوية أو طائفية، كما هو الحال في السودان. بل ويتجه الفكر الإسرائيلي إلى رؤية أوسع بحيث يطول هذا التقسيم أو التفتيت معظم الدول العربية الكبيرة.

وأكد رئيس الأركان الإسرائيلي حينئذ – موشى يعالون- أن الهجوم العسكري الأمريكي على العراق سيؤدى إلى زلزال إقليمي، يخلق أوضاعاً جديدة ويعيد توزيع القوة في المنطقة، وهو يربط بين مصالح إسرائيل ونتائج هذا الزلزال، ربطاً مباشراً، فالهجوم الناجح سيكون لمصلحة إسرائيل.

وأصبح لإسرائيل دور جديد في المخطط الأمريكي، وهذا ما دعا إلى تنظيم التعاون العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وكانت البداية تخزين كميات ضخمة من السلاح الأمريكي في مخازن إسرائيل. وبناءً على التنسيق الذي تم بين البلدين، فقد اتفق على أن تحصل إسرائيل على إنذار مبكر بالحرب قبل بدء العمليات بـ 72 ساعة، على أن يكون ذلك باتصال مباشر بين بوش وشارون، ثم يظل الاتصال قائماً على مستوى وزارة الدفاع، وتخصص الولايات المتحدة عدة أقمار صناعية لخدمة إسرائيل، حتى يمكن اكتشاف الصواريخ العراقية ليصل زمن الإنذار المبكر إلى 7 دقائق من لحظة الانطلاق. ومع لحظة الهجوم الأولى سيكون هناك خط تليفون ساخن مفتوح بين شارون والبيت الأبيض، كما سيتم فتح جسر جوى ينقل إلى إسرائيل معدات عسكرية إضافية، تستخدم احتياطيا لاستمرار الهجوم، مع تخزين قطع غيار للمعدات الأمريكية في قواعد إسرائيلية ويمكن نقلها إلى البحرين والكويت إذا دعت الضرورة لذلك.

وقد شمل التنفيذ الفعلي لهذا التعاون الأمريكي - الإسرائيلي، وصول قوات أمريكية من الوحدات الخاصة- وربما طعمت بجنود إسرائيليين – دخلت فعلاً إلى الأراضي العراقية في إطار عمليات الاستطلاع الإستراتيجي، بما يدل على أن هناك دوراً ميدانياً لاستخدام القوات الإسرائيلية، يأتي في حينه، على أن يكون نطاق العمل في الجزء الغربي من العراق، وقدر الإسرائيليون أن تكون الضربة الأولى الأمريكية بالصواريخ والطائرات التي تأتى من قاعدة دييجو جارسيا ومن حاملات الطائرات، وبما يؤمن فتح قاعدة جوية وبرية في المنطقة الغربية من العراق، مع إحكام السيطرة على هذه المنطقة لتكون محوراً للهجوم.

كما خططت إسرائيل للمشاركة في الحرب ضد العراق، حالة قيام القيادة العراقية بقصف الأراضي الإسرائيلية بصواريخ ذات رؤوس كيمائية أو جرثومية، ومن ثم سيكون رد إسرائيل من خلال توجيه ضربات صاروخية وجوية ضد العراق، على أن يتم ذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

وعموماً، فقد وضح من خلال متغيرات الأحداث، أن إسرائيل أصبحت من أكثر الدول تأثيراً على مخططي السياسة الأمريكية في المنطقة، وبما يخدم مصالحها ومستقبلها، كما أن إسرائيل تعد الدولة الوحيدة الفائزة من قيام الحرب ضد العراق، بل هي الحصان الأسود الذي سيحصد جميع الأرباح.

هذا وقد استخدمت الولايات المتحدة في الحرب ضد العراق، العديد من الإمكانيات الإسرائيلية منها على سبيل المثال:

1. المخزون الإستراتيجي الأمريكي في إسرائيل من أسلحة ومعدات ومواد إدارية ولوجستية.

2. معلومات استخباراتية قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة عن أسلحة الدمار الشامل العراقية.

3. حرصت الولايات المتحدة على الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في التعامل مع حرب المدن، والتعامل مع الكمائن ومع العمليات الاستشهادية.

4. استخدمت الولايات المتحدة إسرائيل، كأداة ردع مستعدة للتعامل مع تطورات الموقف التي قد تقوم بها الدول المحيطة بالعراق (سورية – الأردن،).

5. الاستفادة من خبرات إسرائيل في الحرب بالمدن (نتيجة لتفاعلها مع الفلسطينيين)، ونقل هذه الخبرة بواسطة بعض المستشارين أو من خلال دورات لبعض القادة والضباط الأمريكيين تعقد في إسرائيل.

6. استعداد إسرائيل ببعض القوات الخاصة التي يمكن استخدامها بالتعاون مع القوات الأمريكية في غربي العراق.

سادساً: الرؤية الإسرائيلية لما بعد سقوط نظام صدام حسين

إذا كانت الرؤية الإستراتيجية لعلاقة العراق بالصراع العربي الإسرائيلي، ذات طابع متغير يحقق مصالح النظام الحاكم في العراق، فإن لإسرائيل رؤية واضحة وهى أن العراق الآن لا يمثل أي خطورة أمنية على إسرائيل، بل من الواضح أن إسرائيل استفادت من الغزو الأمريكي على العراق، وتبلورت رؤيتها على النحو التالي:

1. أن تاريخ انغماس العراق في الصراع العربي الإسرائيلي، لم يكن تاريخاً طويلاً، إذ لا يزيد عن جزء من حقبة حكم البعث الحاكم، ومع ذلك فعندما حاول العراق أن يمتلك سلاح نووي، لم تتوان إسرائيل عن ضرب المفاعل النووي العراقي، وعدته تهديداً مباشراً لأمنها القومي، فإسرائيل – طبقاً لفكرها الإستراتيجي – لا تسمح لأي بلد عربي أو إسلامي أن يمتلك سلاحاً نووياً، وهذا ينطبق على إيران وباكستان.

2. أظهرت إسرائيل تأييداً كاملاً للولايات المتحدة الأمريكية، حينما كانت تشن حملة دبلوماسية ضخمة داخل الأمم المتحدة للحرب ضد العراق، وذلك على الرغم من أن رئيس شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي (اللواء هارون زئيف) تحدث أمام أعضاء المجلس الوزاري المصغر في أواخر أكتوبر عام 2002، مؤكداً أن العراق لا يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، وأنه لا يملك أسلحة نووية، ومع ذلك كانت إسرائيل هي المساند والمؤيد للولايات المتحدة الأمريكية في شنها حرباً ضد العراق، حتى تتقى تهديدات عراقية مستقبلية، وبالرغم من عدم تعرض إسرائيل لخطر حقيقي من العراق، إلا أن تأييدها لواشنطن فيما يطلق عليه الحرب ضد الإرهاب، جاء على أمل أن يؤدى الربط بين العراق وبين أنشطة حركتي حماس والجهاد في الضفة الغربية وغزة، إلى تخفيض الضغوط المتوقع أن تواجهها إسرائيل من جانب واشنطن بعد انتهاء الحرب ضد العراق.

3. ومع أن سقوط نظام حسين ينهى تركيز عودة الأضواء إلى القضية الفلسطينية، إلا أن إسرائيل استطاعت أن تكسب العديد من المكاسب منذ سقوط نظام صدام حسين ومثال ذلك:

أ. زوال التهديد النووي العراقي نهائياً، بعد احتلال القوات الأمريكية للعراق.

ب. إنهاء إمكانية تكوين جبهة شرقية إلى الأبد، وهى الفكرة التي ظلت سورية تراهن عليها للتغلب على الخلل الواضح في موازين القوى بينها وبين إسرائيل.

ج. وضع نظام البعث السوري المتشدد تحت ضغط احتمال تعرضه لمصير جناح حزب البعث العراقي.

د. وضع إيران تحت حصار شبه كامل، وعزلها عن التأثير في مجريات الصراع العربي الإسرائيلي، لاضطرارها إلى التركيز على الخطر الذي يمثل الوجود الأمريكي في العراق، فضلاً عن وضع البرنامج النووي الإيراني تحت الرقابة المباشرة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحرص إسرائيل على منع الإيرانيين من تطوير إمكاناتهم النووية.

هـ. إضعاف معنويات المعسكر القومي، وإظهار أن فكرة الأمن القومي العربي خرافة ولم تعد لأنصار الأيديولوجية القومية أي حضور.

و. وضع نظرية توطين اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في سورية ولبنان داخل العراق، موضع التنفيذ وهؤلاء يشكلون أكبر عقبة في طريق إنهاء حق العودة للفلسطينيين، خاصة إذا ما شعر السُّنة في العراق بالتهديد القوى الذي يشكله الشيعة وهم الأغلبية لفكرة تقسيم السلطة طائفياً في العراق، وهذا يعنى توطين حوالي مليون فلسطيني سني داخل العراق، بما يقلل من الفجوة الديموجرافية بين السُّنة والشيعة.

4. من هذا المنطلق، تريد إسرائيل استغلال الموقف لِتُفَعِّل رؤيتها، التي أصبح من المكن تحقيقها بعد سقوط نظام صدام، ووجود عراق جديد لازال يتشكل، كما دفعت إسرائيل عراقيين يهود-  ينتمون لإسرائيل – لشراء حجم كبير من الأراضي العراقية، وهذا يوضح حجم الأطماع المستقبلية الإسرائيلية داخل العراق، كما سعت إسرائيل من خلال الضغط على الولايات المتحدة إلى تقسيم العراق، لأن تقسيم وتفتيت أي دولة عربية، يصب أولاً وأخيراً في صالح إسرائيل وهيمنتها المستقبلية على المنطقة.

5. تقسيم العراق طائفياً أحد الأهداف الإسرائيلية بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية:

قدم جنرالات وباحثون إسرائيليون مذكرة للحكومة الإسرائيلية، برئاسة إيهود أولمرت، من أجل الاستفادة من تقسيم العراق طائفياً وتقليص المخاطر ضد إسرائيل، وتتضمن هذه المذكرة للنقاط التالية:

أ. أنه يتوجب أولاً إضعاف الوجود السني في العراق، والضغط بقوة على الولايات المتحدة لمنعها من الانسحاب، قبل تفتيت وحدة العراق الجغرافية، وتسهيل إقامة دويلات طائفية فيه، حماية للمصالح الأمريكية والإسرائيلية بالمنطقة.

ب. أنه يتوجب على إسرائيل تطوير علاقاتها مع "الكانتونات" التي ستنشأ في العراق الجديد، وأن إسرائيل عرفت في الماضي كيف توظف التناقضات المذهبية والطائفية والتباينات العرقية، لصالح خدمة أهدافها في المنطقة.

ج. أن المسلمين والعرب سيرون في أي انسحاب أمريكي متسرع من العراق، هزيمة للغرب، وسيشجع التيارات الإسلامية على مواصلة الجهود لتطبيق مشروعها الحضاري، وأنه من المهم أن تقوم الولايات المتحدة بالقضاء على حركات المقاومة السنية، لأنها ستكون سنداً للمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل.

د. إن غياب العراق عن الخريطة السياسية للمنطقة، سيشكل أحد العوامل الهامة في تقليص المخاطر الاستراتيجية ضد إسرائيل، وأن تقسيم العراق سيؤدى إلى تقليص إمكاناته الاقتصادية والبشرية والمادية، ومن ثم فإن دور العراق على المستوى العربي سيضعف، تماماً، ضد إسرائيل.

كما ذكرت المصادر الإسرائيلية، إن هناك منظمات إسرائيلية تعمل في كركوك في إطار تجارى، ولكن هدفها الأساسي، هو السيطرة على أغلب دوائر ومؤسسات كركوك، والضغط باتجاه تهجير العرب والتركمان من المدينة، ودعم الأكراد الذين يرغبون بالسكن في هذه المدينة، من أجل تغيير ديموجرافيتها، وهو ما يصب في مصلحة إسرائيل في حالة انفصال الشمال، وإعلان دولة كردية مستقلة.