إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / العلاقات الإسرائيلية ـ الأمريكية









المبحث الثامن

المبحث الحادي عشر

الدور الإسرائيلي للحرب بالوكالة عن أمريكا في لبنان

انفجرت الأزمة في إسرائيل بسبب الحرب ضد لبنان، حيث كان أداء الجيش الإسرائيلي مخيباً لآمال قادته السياسيين والعسكريين، فلم يستطع تحقيق أهدافه العسكرية ضد قوة حزب الله، فلجأ إلى تدمير واسع في لبنان، شمل السكان والبنية التحتية، دون أن يفلح في إضفاء صفة الانتصار على عمليته العسكرية، كما عاشت إسرائيل وطأة الجدل حول كيفية تشكيل لجنة للتحقيق في مسار الحرب، والذي هدد معه حزب "كاديما" الحاكم برئاسة إيهود أولمرت".

وأدت هذه الأزمة إلى إحداث تغيير كبير في التوجهات السياسية المعلنة للحكومة الإسرائيلية، والتي قامت على أساس تطبيق الحل المنفرد وفرضه كأمر واقع على الفلسطينيين والعالم، وهو ما يسمى في إسرائيل (خطة الانطواء) أي الانسحاب من بعض أجزاء الضفة الغربية نحو الحدود التي تريدها إسرائيل لنفسها حدوداً نهائية، وبسرعة شديدة انتقلت هذه الأزمة إلى المجال الدولي، فأعلنت إسرائيل أنها أرسلت وفداً إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتلبيتها بإلغاء خطة الحل المنفرد، والتباحث معها بشأن خطة جديدة لرسم العلاقة الفلسطينية – الإسرائيلية،  وليس الأمر هنا مجرد تشاور بين طرفين متحالفين، إنما هو بحث إستراتيجي فيما تنوى الولايات المتحدة الأمريكية صنعه ضد إيران وبرنامجها النووي، ودور إسرائيل في هذه القضية فقد كان السعي لفرض (خطة الانطواء) وما يعنيه ذلك من تكريس لقوة إسرائيل الإقليمية، جزءاً من المواجهة الأمريكية مع إيران، وجزءاً من المسعى الكبير لقيام "الشرق الأوسط الجديد"، وإدخال تغيير على الخطط الإسرائيلية ما سيؤدى إلى إحداث تغيير على الخطط الأمريكية، وهو ما يحتاج إلى تشاور عميق بين الطرفين.

هذا، وقد برز بوضوح البعد الإقليمي والدولي للأزمة اللبنانية، في مناقشات مجلس الأمن، حيث انحازت الإدارة الأمريكية كلياً إلى جانب إسرائيل. والبعد الأخطر لهذا الوضع، أن البعد النووي الإيراني قفز فيه إلى القمة، فالقوة الدولية الجديدة بزعامة أوروبا، بدأت تركز على مراقبة الشواطئ اللبنانية بواسطة سفنها الحربية، لمنع وصول ما تسميه الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله.

أما البعد السياسي لهذا الجهد، فإنه لا يتعلق بلبنان فقط، بل يتسع ليشمل إسرائيل، حيث الرؤية السائدة بأن إيران تدفع حزب الله إلى محاربة إسرائيل، لتضعف إمكانية الشراكة الأمريكية – الإسرائيلية في ضرب إيران عسكرياً، وهو وضع بالطبع، يمكن أن يشعل المنطقة كلها، ولكن النتائج ستصب أولاً وأخيراً في مصلحة إسرائيل، التي لا تريد الهدوء لهذه المنطقة.

أولاً: الحرب بالوكالة في لبنان

تُعَدّ حرب لبنان عام 2006، إحدى الحروب بالوكالة، فقد بدا واضحاًَ أن إسرائيل تخوض حرباً بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، والتي هدفت إلى القضاء على حزب الله، وتدمير لبنان اقتصادياً ومحاولة تفتيته، والواقع أن عملية إسرائيل العسكرية في لبنان، تعد الخطوة الأساسية لتحقيق فكر الولايات المتحدة الأمريكية عن قيام شرق أوسط جديد، تكون فيه إسرائيل هي المركز السياسي والاقتصادي وبمعنى آخر، إن أحد أهداف هذا المشروع هو تحقيق أولوية أمن إسرائيل.

أن آلة الحرب الإسرائيلية، قد تجد دعماً عسكرياً أمريكياً، وقد تجد دعماً معنوياً بالانضمام إلى ثقافة الرئيس الأمريكي، المطالبة بحرب على محور الشر، ولكن الحقيقة هي أن الإسرائيليين، ليس الأمريكيون هم الذين يتعين عليهم مواصلة العيش في الشرق الأوسط، عليهم، وحدهم، أن يفكروا في طريقة للتعايش مع أولئك الذين قد لا يستمتعون بالحياة إلى جوارهم.

إن تداعيات العدوان الإسرائيلي على لبنان، أخذت أبعاداً مختلفة، فلم تكتف إسرائيل بهدم البنية الأساسية اللبنانية وقتل النساء والأطفال والشيوخ، واستخدام الأسلحة الفوسفورية والعنقودية، بل وصل الأمر إلى تدمير الطائرات الإسرائيلية مقراً لقوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة، ما أدى إلى مصرع أربعة من المراقبين، وهو ما فشل مجلس الأمن في إدانته.

ومن الواضح أن الحرب ضد لبنان، كان مخططاً لها، سواء حدثت عملية أسر الجنديين الإسرائيليين، أم لم تحدث، وهناك بالطبع إشارات واضحة تدل على ذلك، خاصة، أن هذا المخطط لم يكن إسرائيلياً فقط، وإنما كان بمشاركة وتشجيع من الجانب الأمريكي. وحرب تدمير لبنان كما وصفها الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لا تختلف كثيراً عن حرب تدمير العراق، فالهدف الأمريكي – الإسرائيلي المشترك، أصبح واضحاً الآن، خاصة بعد الإعلان عن مخاض شرق أوسط جديد، ويتركز هذا الهدف حول إعادة رسم الخريطة السياسية والجغرافية للمنطقة، وهو ما يتلاءم مع مصلحة إسرائيل، حتى لو أستدعى الأمر تقطيع بعض دول المنطقة وتقسيمها وتفتيشها. هذا، وقد وصفت منظمات حقوق الإنسان هذا العدوان، بأنه عدوان وحشي غير مبرر، وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، بل إن الأمين العام للأمم المتحدة – وفى تعليقه على مذبحة قانا الثانية– دعا الأمم المتحدة إلى ضرورة إدانة الهجوم الإسرائيلي على هذه الضربة، وطالب بوقف فوري لإطلاق النار، كما طالب بإدانة هذا العدوان.

والواقع أن الأمم المتحدة، لم تستطع إلزام إسرائيل بوقف انتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الإنساني، فالأمم المتحدة أصبحت عاجزة الآن عن إصدار قرار ضد إسرائيل، إلا بموافقة مجلس الأمن، وموافقة الدول الخمس دائمة العضوية، التي لها حق الاعتراض، واستخدام حق الفيتو، حيث تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية استخدام هذا الحق لمصلحة إسرائيل، ومن ثم أصبحت الأمم المتحدة لا تستطيع أن تلعب دوراً توفيقياً، أو فرض عقوبات إلا بموافقة أمريكا. كما كان مؤتمر روما أيضاً، وراء نفس الأسباب، حيث قررت الولايات المتحدة، أن تعطى تفويضاً لإسرائيل بتصفية حزب الله، وهذا بالطبع خطأ جسيم، لأن تدمير حزب الله سيؤدى إلى ظهور العديد من القول الأخرى المناهضة لأمريكا وإسرائيل.

بدا واضحاً، منذ نشوب الأزمة بين حزب الله وإسرائيل، أن هناك مخططاً أمريكياً/ إسرائيلياً، يستهدف تحقيق أهداف محددة، تتجاوز كل القوانين والمواثيق والأعراف الدولية، وحتى التحالفات الإقليمية والدولية خاصة مع دول الإتحاد الأوروبي، والدليل على ذلك ما أعلنه رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت، منذ اليوم الأول لبدء العمليات العسكرية في لبنان- إنها ستستغرق وقتاً، وأنها لن تتوقف حتى تحقيق أهدافها، وهذا يعنى أن نهايتها لن تحددها استجابة حماس في غزة، أو حزب الله في لبنان للشروط الإسرائيلية، بل يحددها تحقيق أهداف موضوعه سلفاً، ومتفق عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية وتقوم إسرائيل بتنفيذها نيابة عنها، ويؤكد ذلك الدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل، والذي بدا واضحاً منذ اللحظات الأولى لبدء تلك الأزمة، وذلك على النحو التالي:

1. تأكيد الرئيس بوش من أن إسرائيل – بوصفها دولة ذات سيادة – لها الحق في الدفاع عن نفسها.

2. قول وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس – قبيل توجهها لحضور مؤتمر روما حول لبنان – أنه لا حديث عن وقف إطلاق النار، قبل أن ينسحب حزب الله لمسافة 20 كم بعيداً عن الحدود، وإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين، بالإضافة إلى قبول نشر قوات دولية في لبنان على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل ومع سورية.

3. وفى تصريح ثانٍ قالت رايس أن "ما يجرى هو البداية لشرق أوسط جديد" ولتنفيذ هذا التوجه "الأمريكي/ الإسرائيلي" والمتفق عليه مسبقاً، تعمدت الولايات المتحدة الأمريكية – علناً – عرقلة كافة الجهود الدولية والإقليمية للوقف الفوري والسريع لإطلاق النار في لبنان، وقد أثبت ذلك ما حدث في مجلس الأمن، وفى اجتماعات الدول الثماني الكبرى، والتي عقدت بمدينة سان بطرسبرج الروسية في الفترة من 15 إلى 17 يوليه 2006، وما حدث في 27 يوليه بمؤتمر روما الدولي الخاص ببحث الأزمة اللبنانية والوضع في لبنان، وهو ما ألمحت إليه قناة "فوكس نيوز الأمريكية" – التي تعبر عن تيار اليمين المتطرف في إدارة الرئيس بوش: "إلى أن الولايات المتحدة تشارك في التخطيط للعمليات العسكرية التي تقوم بها إسرائيل ضد لبنان"، الأمر الذي أزعج المسئولين الأمريكيين وسارعوا على لسان الناطق باسم البيت الأبيض إلى نفي ذلك.

مسارعة واشنطن في أعقاب شكوى إسرائيل من صعوبة ضرب عناصر حزب الله وأهدافها ومقارها العسكرية، في 22 يوليه – بإرسال قنابل موجهة بالليزر (قنابل أعماق) إلى إسرائيل لدعم حملتها الجوية ضد لبنان (نحو 100 قنبلة جى بى يو – 28 تزن 2268 كجم، خاصة بتدمير الأعماق).

كما قامت واشنطن بحشد الرأي العام الدولي حكومات وشعوباً، حتى ينال المعتدى من الضحية، وهو ما يتيح للولايات المتحدة الأمريكية التدخل لفرض الشروط وبناء الواقع الجيد – والذي كما يبدو من المخطط – ولادة شرق أوسط جديد (على حد قول رايس)، شرق أوسط منزوع المقاومة ضد كل ما هو أمريكي وإسرائيلي في المنطقة، في الوقت نفسه التأكد من شل قدرة كل من سورية وإيران، خاصة فيما يتعلق بمجال حركتهما الرئيسية تجاه دعم المقاومة الإسلامية.

ثانياً: الحرب بالوكالة والأمن الإسرائيلي وأدوات تسويغ هذه الحرب

اتضحت معالم هذه الحرب التي شنتها إسرائيل بالوكالة عن إدارة الرئيس الأمريكي بوش ضد لبنان، وأسبابها وأهدافها، بعد ثلاثة أسابيع من شنها، وغدا واضحاً أن إسرائيل تخوض بالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، الحرب "للدفاع عن أمن إسرائيل"، ومن هنا يأتي قرار الولايات المتحدة الذي هيمن على قرار الدول الثماني الصناعية الكبرى (يوليه 2006)، وعلى قرار "اجتماع روما (يوليه 2006) أيضاً، بإعطاء فرصة أطول لإسرائيل للقضاء على حزب الله، وإضعاف سورية ولبنان كي يستكمل "الشرق الأوسط الجديد" مخاضه، ويصبح أمريكياً بوكالة إسرائيلية، وبالتالي تصبح منطقة الشرق الأوسط تابعة للهيمنة الأمريكية بالتعاون مع حليفها إسرائيل، ومن ثم لا تضطر الولايات المتحدة للقلق على أمن الدولة العبرية.

كانت أولى أدوات تسويغ هذه الحرب، هي الترويج لأنها حرب ضد "حزب الله" ذلك الحزب الإرهابي أو الشيعي، ومن هنا بدأت محاولات استمالة بعض السياسيين السُّنة والدروز والمسيحيين في لبنان وغيره، كي يسهل على المعتدين عزل لبنان وحرمانه من التضامن العربي.

وفى إطار الحملة الإعلامية – أيضاً – جاءت مقولة "حزب الله يشكل دولة داخل الدولة"، والدعوة لنشر الجيش اللبناني في الجنوب لإحداث الصدام بينه وبين حزب الله، ومن ثم تجريد حزب الله من السلاح.

ورغم كل التعتيم الإعلامي الذي فرضته قوى العدوان على جرائمها الوحشية، فقد تمكن العالم أن يرى استخدام القنابل العنقودية والفوسفورية المحرمة دولياً، وتدمير البيوت، وحرق الأطفال، ودفنهم تحت أنقاض بيوتهم. وحين فشلت كل أساليب إسرائيل في النيل من أداء المقاومة. أظهرت شريطاً لأيمن الظواهري في محاولة لوصم المقاومة بالإرهاب.

الأمر الآخر، فهو عن الأمم المتحدة، فقد وقع مجلس الأمن الدولي تحت التأثير الأمريكي، ليسجل فشلاً ذريعاً في اتخاذ قرار بإدانة جريمة إسرائيل المتمثلة في القصف المتعمد لأحد مقار الأمم المتحدة، ما أدى إلى مقتل أربعة ضباط مراقبة من قوات حفظ السلام، لأنهم أصبحوا شهوداً على الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب اللبناني. لقد أدى فشل إصدار قرار لإدانة إسرائيل إلى وضع الأمم المتحدة في موضع صعب، "كما حدث لِعصبة الأمم". كما أن بريطانيا حليفة الولايات المتحدة الأمريكية، انتقدت على لسان وزير خارجيتها، واشنطن لنقل الأسلحة والذخائر الذكية إلى إسرائيل، عبر مطارات بلادها، لتقتل بها الأطفال والشيوخ والنساء في لبنان.

وتحركت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لوصم المنظمات العربية المناضلة والساعية لتحرير أراضيها، بالإرهاب، من أجل تحييد الأسرة الدولية عن حروب تمزيق العراق وفلسطين ولبنان، في خطوة أولى من أجل إقامة الشرق الأوسط الجديد". كما اعتمدت، في خطوة ثانية، على العملاء والمأجورين، الذين ألقت الدولة اللبنانية القبض عليهم، في خطط تمزيق لبنان.

وقد جاء كل ذلك ضمن خطة مبرمجة للقضاء على الهوية العربية، وإعطاء المنطقة الوجه الإسرائيلي – الأمريكي الذي يتبعونه، ولكن الجماهير العربية سرعان ما فهمت أبعاد هذه المؤامرة ومن ثم شاهدنا وحدة الشعب اللبناني – التي كانت مثاراً للإعجاب – طوال مراحل الحرب، من أجل مقاومة الجانب المعادى، وأصبح واضحاً أن تجريد المقاومة من سلاحها وتدمير العراق وتمزيق شعبه، وتهديد سورية وفرض عقوبات عليها، هي أهداف لإعادة تشكيل الشرق الأوسط بهوية صهيونية غربية.

ثالثاً: فشل إسرائيل في لبنان يضع علامات استفهام عن تقسيم الدور الأمريكي بالمنطقة

في ضوء النتائج العسكرية التي أسفرت عنها معارك الجنوب اللبناني، فقد وضح للولايات المتحدة الأمريكية، أن إسرائيل- برغم طول مدة الحرب – لم تستطع أن تقضى على حزب الله، بل وتكبدت الكثير من الخسائر جراء هذه الحرب، ما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي عامير بيرتس إلى الشكوى من أن قيادات الجيش لم تعطه صورة دقيقة عن قدرات حزب الله الصاروخية بعد توليه لمنصبه، قبل أربعة أشهر من الحرب، وبالمثل فإن المسؤولين الأمريكيين بدأوا هم أيضاً في الحديث عن تعرضهم للخداع من قبل الإسرائيليين، الذين أبلغوهم بإمكانهم إنجاز مهمة سحق حزب الله بسرعة وسهولة، وذلك لتسويغ عنادهم الصلب، بعدم المطالبة بوقف إطلاق النار طوال الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب.

وعلى الرغم من أن الرئيس الأمريكي جورج بوش، زايد على الإسرائيليين أنفسهم بإعلانه أن حزب الله قد خسر الحرب الأخيرة، وذلك بدعوى أنه لن يستطع التمتع بنفوذه السابق في جنوب لبنان بعد انتشار الجيش اللبناني بصحبة القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة، فإن الخبراء العسكريين الأمريكيين يُجمعون على أن إسرائيل كانت الخاسر الحقيقي، خاصة فيما يتعلق بصورتها قوة عسكرية رادعة في العالم العربي، إلى جانب حقيقة هامة، وهى أنها لم تستطع تنفيذ سوى قدر يسير من الأهداف التي أعلنت في بداية الحرب، بإطلاق سراح الجنديين، وإلحاق للضرر البالغ بقدرات حزب الله العسكرية.

وقد زاد من حرج المسؤولين الأمريكيين، تلك الفعالية التي تحرك بها حزب الله في نفس يوم انتهاء العدوان الإسرائيلي لمساعدة من تعرضت منازلهم للدمار.

وعما أعلنته أمريكا وإسرائيل من نزع أسلحة حزب الله، قال "مارك بيرى"، وهو كانت بريطاني وينتمي إلى منظمة غير حكومية مقرها لندن. "أيه من المستحيل عملياً نزع سلاح حزب الله، وذلك بسبب تركيبته وانصهاره في مناطق نفوذه بالجنوب اللبناني، حيث يتمتع بولاء حقيقي بسبب نشاطه الاجتماعي واهتمامه بمصالح الفقراء من الشعب اللبناني". ويتفق السفير الأمريكي السابق "جيمس دوبيتز" مع هذا الرأي قائلاً إن نزع سلاح حزب الله يعد أمراً مستحيلاً من الناحية العملية.

ولم ينف المسؤولون بوزارة الدفاع الأمريكية، أنهم كانوا يراقبون عن كثب تطورات المعارك بين إسرائيل وحزب الله، وهو ما دفع المخططون في البنتاجون إلى إعادة ترتيب حساباتهم، بل وزادت من نفوذ عدد من كبار القادة العسكريين، الذي أكدت المصادر الأمريكية، أنهم يعارضون بشدة الضغوط التي يمارسها بعض السياسيين في إدارة الرئيس الأمريكي (بوش) من أجل الدفع نحو مواجهة مع إيران. وبرزت معارضة واضحة تجاه بعض المحافظين الجدد – المدفوعين من قبل إسرائيل واللوبي اليهودي – أصحاب المواقف الأيديولوجية، والصحفي سيمور هيرش، الذي شجع من خلال مقالاته في مجلة "النيويورك" على إعداد الخطط لشن الحرب ضد إيران.

ومن الواضح أن إسرائيل ارتكبت أخطاء جسيمة في حساباتها، لمراهنتها على إمكان الاستفادة من تنوع المذهبية والطائفية بين أبناء الشعب اللبناني، ومن ثم فقد بدت عاجزة عن فهم سبب التفاف الشعب بكل طوائفه وأحزابه وراء أهداف واحدة، كما أنها أساءت التقدير حين ظنت أن الدعم السياسي الدبلوماسي الأمريكي كفيل بحمايتها من أي تحرك دولي غير موات، لأن مثل هذه الأمور لا تتم مجاملة لهذه الدولة أو تلك، وإنما تتم وفق حسابات معقدة ومتعددة،. تأخذ بعين الاعتبار قضايا متعددة وبالغة التعقيد. من هنا أصبحت إسرائيل عاجزة عن دعم موقفها وتسويقه، لأن المجتمع الدولي لا يمكن خداعه وانزلاقه إلى مواقف غير موضوعية ولا أخلاقية، وهكذا وجدت إسرائيل نفسها محرجة أمام العالم كله، حتى أمام دول كانت تعد هي صديقة وموالية.

إن ما مارسته إسرائيل من اعتداءات واغتيالات للأطفال والنساء في لبنان، قد تجاوز، بالطبع، كل الأعراف الدولية، كما يُعد عجز المجتمع الدولي عن وقف هذه المذابح والتحقيق فيها فشلاً ذريعاً للنظام الدولي ذي القطب الواحد، الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. والحقيقة أن الشعوب العربية أصيبت بالدهشة من الدور الأمريكي، الذي مارسته في "حرب لبنان" بل ويعمق الشعور لدى العالمين العربي والإسلامي بحقيقة الدور الذي تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تحقيق السلام والاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط، فقد طغى الدعم الأمريكي لإسرائيل، على رؤيتها لمصالحها الحقيقة مع دول المنطقة، وتركزت جهودها لإفشال عملية التوصل لوقف إطلاق النار في لبنان، استجابة لرغبة إسرائيلية لمنحها الفرصة لتحقيق أهدافها العسكرية ضد لبنان وحزب الله. كما أن ما نشر عن الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل خلال الحرب، وإمدادها بالذخائر الذكية الحديثة والمتطورة، يعمق الشكوك أيضاً داخل العالمين العربي والإسلامي، عن نية الدور الأمريكي وماهيته. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية، بذلت وتبذل جهوداً كبيرة لتحسين صورتها في العالم، إلا أن السياسات الخارجية التي اتبعتها لا تخدم هذا الهدف وإنما تعمل على نقصه تماماً.

ويقول الكاتب زئيف شيف في صحيفة هاآرتس، إنه بعد أن أعلنت إسرائيل، أنها قضت على نحو خمسين بالمائة من صواريخ حزب الله، استمرت الصواريخ تنهمر على إسرائيل يومياً وبالمئات.

أما الصحف الأمريكية مثل "النيويورك تايمز" و"الواشنطن بوست"، فتقول إن إسرائيل تشعر بالإحباط نتيجة لأن هذه العصبة من الإرهابيين (تقصد حزب الله) هي الوحيدة التي استطاعت أن ترشق الجبهة الداخلية لإسرائيل بهذه الآلاف من الصواريخ. واستطردت صحيفة النيويورك تايمز قائلة،" إن الولايات المتحدة هي التي سوف تخرج من هذه التجربة المريرة، ومن هذا المأزق الذي وضعت نفسها فيه، حارساً أميناً لإسرائيل بصورة مشوشة أمام العالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد موافقتها وتشجيعها لإسرائيل على القصف المركز للبنان، ومعارضتها لأي وقف لإطلاق النار.

واستطردت الصحيفة قائلة: "إن المخططين العسكريين يقولون إن على البنتاجون أن يأخذ درساً من أسلوب حزب الله في القتال بجماعات صغيرة، وكذا من قتال المتمردين في العراق وأفغانستان، بل عبر الشرق الأوسط كله وأفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية".

كما نقلت الصحيفة عن "جون أركويلا" المحلل العسكري والأستاذ بكلية الدراسات العليا البحرية قوله: "إننا الآن بصدد أول حرب بين دولة عظمى والشبكات الصغيرة، الأمر الذي إذا نما واستمر، فسيهدد الأمن القومي للولايات المتحدة نفسها.

كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، إن إدارة الرئيس بوش بدأت تدرس وتناقش فيما بينها، ما هي السياسة الأفضل، للتعامل مع إيران وسورية، هل تدخل في مفاوضات معهما؟ أم تحاول عزلهما؟ أم تتخذ إجراء أقوى بكثير؟" وبالطبع هذا يدل على أن هذه الحرب وضعت الإدارة الأمريكية أمام معادلة صعبة، بسبب الإفراط في مساندة إسرائيل. ولقد تنبأ تقرير صادر عن مركز الأبحاث التابع للكونجرس الأمريكي في 21 يوليه 2006- أي بعد تسعة أيام من بدء العدوان الإسرائيلي- تنبأ بحدوث تغير في الوقف العربي تماماً لغير صالح الولايات المتحدة، حالة استمرار الهجمات الإسرائيلية لفترة طويلة على المدن والقرى اللبنانية. باعتبار  أن الحكومات العربية لن تستطيع أن تتجاهل الرأي العام لشعوبها، ومن ثم ستسعى لإيجاد حل سريع للصراع يجنب لبنان مزيداً من الخسائر البشرية، ومزيداً من الدمار للبنية التحتية".

بل تنبأ التقرير بأن رد الفعل لا يعنى ضرورة اللجوء إلى القوة أو الدخول في حرب مع إسرائيل، ولكن الشعوب العربية على يقين كامل من أن لديها الكثير من الوسائل، التي يمكن من خلالها أن تعبر عن الغضب الكامن  ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

رابعاً: الخطة الأمريكية ـ الإسرائيلية من أجل إلحاق لبنان بقطار التطبيع مع إسرائيل

يمكن تلخيص الخطة الأمريكية – الإسرائيلية التي كانت أحد أهداف هذه الحرب من أجل إلحاق لبنان بقطار التطبيع مع إسرائيل في الأمور التالية:

1. الأمر الأول: أن توجيه ضربة موجعه للبنان، بهدف تدمير بنية حزب الله والخلاص منه، لم يكن صدى لعملية أسر الجنديين الإسرائيليين في 12 يوليه 2006، ولكنه كان تنفيذاً لخطة أمريكية – إسرائيلية أعدت سلفاً، وكان يفترض أن تدخل حيز التنفيذ في خريف عام 2006، والهدف النهائي للخطة هو إلحاق لبنان بقطار التطبيع مع إسرائيل، وإزالة أي تهديد يمثله حزب الله لإسرائيل، في حالة الهجوم الأمريكي على إيران لإجهاض مشروعها النووي. هذه المعلومات أكدتها ثلاثة مصادر هامة.

أ. المصدر الأول: الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش، الذي أورد القصة كاملة في تقرير منفصل نشرته مجلة نيويوركر في الثاني عشر من أغسطس 2006.

ب. المصدر الثاني: الكاتب الأمريكي "وين مادسون" المتخصص في شئون الأمن القومي، الذي كتب مقالاً – ذاع صيته- نشرته بعض الصحف الأمريكية، وبثه مناهضو الحرب في إسرائيل على موقعهم الإلكتروني، وفيه حدد الكاتب تحديداً شبه حاسم تواريخ اللقاءات الأمريكية – الإسرائيلية (يومي 17 ، 18 يونيو 2006)، ومكانها ولاية كلورادو، وأسماء المشاركين فيها وفى مقدمتهم: ديك تشينى نائب الرئيس الأمريكي، وبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وغيرهما، وتحدث الكاتب الأمريكي، عن أن حرب لبنان تُعد جزءاً من حملة تنظيف الشرق الأوسط، التي بدأت باحتلال العراق، ومورست بمقتضاها بعض الأنشطة التخريبية في لبنان، تمهيداً لضرب سورية، وإغلاق الملف الفلسطيني، بحيث ينتهي الأمر بقصف إيران والخلاص من "الصداع" الذي تسببه، لكي تمهد الساحة تماماً أمام الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية.

ج. المصدر الثالث: هو الكاتب البريطانى "جورج مونيوت" الذي نشرت له صحيفة "الجارديان" مقالاً في 8 أغسطس 2006، ذكر فيها أن خطة غزو لبنان الأصلية، خططت لها إسرائيل في عام 2004، وأطلعت عليها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وأجريت عليها عدة تعديلات، إلى أن أصبحت جاهزة للتنفيذ في بداية صيف عام 2006.

2. الأمر الثاني: هو أن إسرائيل هي التي أرادت الحرب وسعت إليها، تنفيذاً للخطة الموضوعة سلفاً بالمشاركة الأمريكية. أما حزب الله فقد أرادها عملية مقاومة محدودة، تستهدف تحرير الأسرى، كما حدث في مرات سابقة آخرها ما جرى عام 2000، حين نصب الحزب كميناً، وأسر ثلاثة جنود إسرائيليين، واختطف ضابط إسرائيلياً متقاعداً، وقام الألمان بمفاوضات الوساطة التي استمرت ثلاث سنوات، وأسفرت عن إطلاق سراح 400 أسير لبناني وعربي، مقابل تسليم الأسرى الإسرائيليين.

3. الأمر الثالث: هو أن نزع سلاح حزب الله، هو في البداية والنهاية مطلب إسرائيلي وأمريكي، وليس أي منهما حريصا على السيادة اللبنانية، ولا على بسط سلطان الحكومة اللبنانية على كافة أراضي الدولة، وإنما المطلوب باختصار، هو إنهاء وجود المقاومة في لبنان، فضلاً عن فلسطين، والسبب في محاولة نزع سلاح حزب الله، لأنه وحده الذي صوب النار ضد إسرائيل، واضطرها للانسحاب من لبنان، ولأنه وحده الذي ثبت أنه يمكن أن يردعها ويحرج هيبتها، وهو وحده الذي يعطل استكمال المخططات الأمريكية – الإسرائيلية في لبنان.

4. الأمر الرابع: أن هذه الحرب والتي يطلق عليها حرب الإبادة ضد لبنان – هدفها إثارة الشعوب ضد الحكومات، وتعميق الخلاف بين سورية ولبنان، وتصدير اشتباك مقصود بين الشعب اللبناني والعرب عامة - وبين حزب الله والشعب اللبناني، بتحميله مسئولية الدمار الشامل الذي أصاب ويصيب لبنان. ولقد أكد هذه المقولة رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة في 25 يوليه 2006، بالقول: "بأن إسرائيل لا تستهدف بعدوانها حزب الله، بقدر ما تستهدف لبنان واللبنانيين"، وكذلك ما جاء به المصدر الرسمي اللبناني، أن الحل الإسرائيلي/ الأمريكي، يخطط لضمان أمن إسرائيل ويدفع بالمشكلة إلى الداخل اللبناني، وتجلى صدق هذه التوجسات اللبنانية، في المشهد الذي تم خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي بوش ورئيس الوزراء البريطاني تونى بلير في واشنطن (28 يوليه 2006).

ووضح تماماً أن هدف الرئيس الأمريكي بوش هو إرسال قوات دولية مهمتها ، ليس مراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين، وإنما لتمكين الجيش اللبناني من فرض سيطرته على الجنوب اللبناني، ووضعه في مواجهة مع حزب الله بدلاً من إسرائيل، وتصدير القتال أو الصراع بين اللبنانيين داخل لبنان، ودون أن يعنى المخطط الأمريكي بتقديم أي ضمان لكبح الجموح الإسرائيلي، ومن ثم فإن الهدف الأمريكي – الإسرائيلي المشترك هو إحداث "الفجوة" بين الحكومات والشعوب، وتصدير الاضطرابات والخلافات والصراعات إلى الداخل العربي.

5. الأمر الخامس: أن الرئيس بوش – طبقاً لما ذكرته الصحف الأمريكية – قد منح موافقته لطلب رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت بمواصلة القصف الوحشي لمختلف المدن اللبنانية في الفترة ما بين تمرير قرار مجلس الأمن مساء العاشر من أغسطس 2006، وحتى إعلان تبنيه رسمياً من قبل الحكومة الإسرائيلية، والبدء في تطبيقه يوم 14 أغسطس 2006، كما أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، اتصل بالرئيس الأمريكي بوش يوم 12 أغسطس 2006، وقدم شكر إسرائيل على الدعم الأمريكي الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية، وحرصها على حماية مصالح إسرائيل خلال مداولات مجلس الأمن التي انتهت بتمرير القرار (1701)، كما اخبره بنيته مواصلة العدوان على لبنان لعدة أيام تحت زعم مواصلة إضعاف قدرات حزب الله، وبالطبع كان ذلك بهدف حفظ ماء وجهه أمام الجمهور الإسرائيلي الذي أعلن سخطه ضد الحكومة الإسرائيلية وطريقة إدارتها للحرب.

خامساً: ضغوط المحافظين الجدد والمتشددين أنصار إسرائيل على الرئيس بوش لدعم إسرائيل في حربها بلبنان

تحرك المتشددون داخل الإدارة الأمريكية، مع بداية الحرب على لبنان، وفى مقدمتهم نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، ونائب مستشار الأمن القومي "إليوت إبرامز" من أجل تشجيع العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، حيث رأوا فيه فرصة مناسبة للتغطية على الفشل الأمريكي في العراق، بل إن المحافظين الجدد ومؤيديهم في وسائل الإعلام، حرضوا الرئيس بوش علناً، على توسيع الهجوم الإسرائيلي ليشمل سورية أيضاً، كما عدُّوا العدوان العسكري الإسرائيلي تجربه مفيدة لمواجهة محتملة مماثلة ضد إيران، وذلك لكي يتمكنوا من العودة لشعاراتهم السابقة حول قيادة الولايات المتحدة لتحرك تاريخي من أجل إعادة ترتيب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، والتخلص من المنظمات التي يصفونها بالإرهابية وفى مقدمها حزب الله وحركة حماس، بل إن أحد المعلقين المقربين من المحافظين الجدد "ديفيد برنيتسين" كتب في صحيفة "الواشنطن بوست" مقالاً بعنوان "ثمن مكافحة الإرهاب" قال فيه: "إن التطورات التاريخية تطلبت تضحيات بشرية ضخمة، وبالتالي فإنه لا يرى مبرراً لكل تلك الاحتجاجات من الإعداد الكبيرة من المدنيين اللبنانيين، الذين سقطوا نتيجة القصف الإسرائيلي".

كما أن جريدة "إنسايت" الأمريكية القريبة من دوائر المحافظين الجدد، عبرت عن إحباطها من بطء تحقيق النصر الحاسم ضد حزب الله، وقالت: "إن الرئيس بوش شخصياً استاء من فشل إسرائيل في إلحاق الهزيمة بحزب الله"، كما أن عدداً من كبار قادة حزب الله أعربوا عن دهشتهم البالغة من بطء تقدم الحملة البرية الإسرائيلية في ضوء التقدم البالغ في ترسانتها العسكرية، مقابل الإمكانات المحدودة لحزب الله ومقاتليه ويقول ديفيد ماكوفسكى الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، التابع للوبي اليهودي الأمريكي والمقرب من الليكود، أن أهم ما أنجزته حرب إسرائيل الأخيرة ضد حزب الله، هي أنها أكدت في أذهان العرب صورتها قوة رادعة، لا تتوانى عن استخدام كافة الأساليب من أجل الرد على أي تهديد يواجهها، فصحيح أن حزب الله صمد صمود بطولي في هذه الحرب المتواصلة، والحق خسائر كبيرة في صفوف جيش الدفاع الإسرائيلي، ولكن إسرائيل تمكنت من قصف بلد عربي بلا هوادة، ولمدة شهر كامل، بدعم قوي من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي منعت مجلس الأمن وفى سابقة غير معهودة – من مجرد إصدار قرار – يدعو لوقف القتال، كما تفعل المنظمة الدولية عادة، بحكم أن مهمتها الأولى هي الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.

سادساً: الجهود الأمريكية لعرقلة المساعي الدولية لحل الأزمة اللبنانية

على الرغم من قدرة الولايات المتحدة الأمريكية استصدار قرار فوري لوقف إطلاق في لبنان، في ضوء ما تمثله من قوة عظمى، تسيطر على النظام الدولي الجديد، وما يفرضه ذلك من ضرورة التدخل بفاعلية لحل الأزمة اللبنانية التي تهدد أمن هذا البلد واستقراره، إلا أن الموقف الأمريكي منذ بداية تلك الأزمة بدا منحازاً انحيازاً واضحاً، حيث حرصت واشنطن منذ بدء الأزمة على تعطيل القرارات الدولية (خاصة دعوة كوفي عنان "الأمين العام للأمم المتحدة للوقف الفوري لإطلاق النار وعودة الجنديين الأسيرين)، وتخطيها في ذلك دول الإتحاد الأوروبي، ورغبات الغالبية من دول الإتحاد في سرعة إنهاء تلك الأزمة، وذلك على النحو التالي:

1. رفض الإدارة الأمريكية للمطالب الدولية لوقف إطلاق النار، وحرصها على تمديد فترة التلكؤ في اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار لضمان نجاح إسرائيل في إضعاف القوة العسكرية لحزب الله، قبل بدء التفاوض للتوصل لحل لتلك الأزمة، وذلك بعرقلة الجهود الدولية في الأمم المتحدة، وجهود رؤساء الدول الثماني الكبرى، والتي طالب غالبيتهم بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار في لبنان.

2. إصرار الولايات المتحدة – من خلال الخطة التي قدمتها رايس خلال زيارتها لبيروت يوم 24 يوليه - على نشر قوات دولية بقيادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في جنوبي لبنان، ولمدة تتراوح بين 60: 90 يوماً قابله للامتداد لمساعدة الجيش اللبناني في السيطرة على جنوب لبنان، كما أن القوة ستكون معنية أيضاً بتدريب الجيش اللبناني لمساعدته في نزع سلاح حزب الله، وذلك على الرغم من تشكيك كل من رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، ورئيس مجلس النواب نبيه برى في نجاح تلك الخطة، وتحذيرهم من أن حزب الله لن يقبل بنزع سلاحه.

3. الترويج – غربياً وأمريكياً – وعلى نطاق واسع للحملة التي تزعم أن هذه المقاومة لا تخدم الأهداف اللبنانية، ولكنها تخدم الأجندة الإيرانية والسورية على حساب لبنان، ولكنها تعمل لحسابها الخاص، وتشير في هذا الإطار إلى ما صرح به الرئيس بوش مؤخراً من أن إخفاء حزب الله للصواريخ التي يستخدمها في ضرب إسرائيل، تظهر أن هذا الحزب ليس صديقاً للبنان، بل أنه يعرض للخطر خطوات التقدم الهائل التي تحققت في هذا البلد.

والواقع أنه، إذا كانت إسرائيل هى المستفيد الأكبر من زعزعة الأمن والاستقرار في لبنان، فإن الولايات المتحدة لها مصلحة أيضاً في القضاء على حزب الله، أو إضعافه؛ إذ إن تيار المحافظين الجدد المتشدد داخل الإدارة الأمريكية، والذي ظل أقطابه يناضلون للوصول إلى الحكم طوال ربع قرن، لا يمكن أن ينسوا أن حزب الله اللبناني، كان أول من أدخل سلاح العمليات الاستشهادية إلى منطقة الشرق الأوسط، عندما قاد الفدائيون شاحنة كبيرة مفخخة وفجرها في مقر وحدات المارينز الأمريكية ببيروت في 23 أكتوبر عام 1983، حيث أسفر الحادث عن مقتل 241 من القوات الأمريكية. ولذلك فإن الحرب التي دارت بالجنوب اللبناني عام 1982 هي في واقع الأمر، تمت بتواطؤ وغطاء أمريكي، وكان أحد أهدافها، هو إخراج القوات السورية من لبنان، ومن هنا جاء صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1559) في سبتمبر 2004، لإخراج القوات السورية من لبنان، كما أن هذا القرار تضمن أيضاً نزع سلاح ميلشيات حزب الله.

هذا وقد أشار أحد المحللين من المعسكر الإصلاحي الإيراني، إلى أن لبنان، هو ساحة معركة تشن بالوساطة في مواجهة إيران مع الغرب، قائلاً: بأن الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل تقاتل الجمهورية الإسلامية في لبنان، وعلى المدى القصير فإنها تهدف إلى شل حزب الله، ولكنها ترغب في إضعاف نفوذ إيران في المنطقة، كما يسعون إلى فصل التحالف بين إيران وسورية وبالتالي مع حزب الله.

وإذا كانت إسرائيل وحليفتها أمريكا تزعمان أن الحل يكمن في نشر قوات الجيش اللبناني على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بحيث تستعيد لبنان سيادتها الكاملة على أرضها وحدودها، فكيف تفسر استهداف الطائرات الإسرائيلية لبعض مواقع ومعسكرات لجيش اللبناني وقتل أفراده؟

وترى إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، أن إيران هي التي مكنت حزب الله من أن يصبح اللاعب الرئيسي على الساحة اللبنانية، ورمزاً للمقاومة والكفاح المسلح ضد إسرائيل، ليس نظر باقي طوائف الشعب اللبناني فحسب، وإنما في نظر الشعوب العربية أيضاً.

والحقيقة التي لاشك فيها – على الأقل من المنظور الإسرائيلي/ الأمريكي- أن حزب الله قد أصبح سلاحاً في يد إيران، ولعل هذا يفسر لنا تلك الحملة الإسرائيلية ضد إيران، وتصنيف حزب الله منظمة إرهابية متطرفة، ومنذ سنوات وإسرائيل تحاول أن تخلق الظروف المناسبة، وتهيئ الأجواء لتلك المواجهة مستغلة التحالف الاستراتيجي غير المسبوق بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، والمتغيرات التي طرأت على العالم منذ أحداث 11 سبتمبر، وبعد نجاح إسرائيل في أن تجعل الولايات المتحدة الأمريكية، تدرج حزب الله في قائمة المنظمات الإرهابية.

سابعاً: الشرق الأوسط الجديد في الفكر الأمريكي – الإسرائيلي نتيجة الحرب ضد لبنان

كانت المرة الأولى التي ترددت فيها عبارة "الشرق أوسطية" في مؤتمر مدريد للسلام في نهاية عام 1991، والتي جاءت على لسان شيمون بيريز وزير الخارجية الإسرائيلية وقتها، والتي أعلنها صريحة في المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الدار البيضاء (بالمغرب) عام 1994، وأكد أن على إسرائيل أن تقود المنطقة للديمقراطية والنماء، ثم ما لبث أن أصدر كتاباً يؤيد ويشرح فكرته عن (الشرق أوسطية)، والتي هرولت إليها بعض الدول.

أما صيغة الشرق الأوسط الجديد، فقد جاءت خلال أحداث لبنان، على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية عند استعراضها الأحداث في لبنان بقولها: إن الموقف يتطلب "شرق أوسط جديد" ولا عودة للأوضاع السابقة في المنطقة (تعنى بها الأوضاع التي تهدد أمن إسرائيل).

وفكرة الشرق الأوسط الجديد – كما أشار إليها بعض المحللين من مراكز الدراسات الإستراتيجية الأمريكية – يتحقق من خلال حل مشكلات المنطقة برمتها، والتي تتم طبقاً للمراحل التالية:

1. المرحلة الأولى: إطلاق يد إسرائيل لتدمير كل الإمكانات العسكرية أو معظمها والبنى التحتية لحزب الله وحماس، ثم يأتي دور الولايات المتحدة لتزعم النظام العالمي في إصدار قرارات من مجلس الأمن ظاهرها حل المشكلات وباطنها تدمير ما تبقى من هذين العنصرين المناضلين، وتفكيك بنيتهما التحتية، والعمل على تصعيد أنظمة سياسية في كل من لبنان وفلسطين لها روابط قوية مع الولايات المتحدة وحلف الأطلسي، بما يساعد على فك الارتباط نهائياً بين سورية ولبنان.

2. المرحلة الثانية: التوجه نحو سورية وإيران من أجل إجبارهما للانصياع إلى النظام العالمي، ويشمل هذا التوجه جميع الآليات "الدبلوماسية والحصار الاقتصادي، واستخدام القوة العسكرية فيما لو تطلب الموقف ذلك.

3. المرحلة الثالثة: إعادة تشكيل المنطقة طبقاً للرؤية الأمريكية، بدعم ومساندة "الدول الصديقة الموالية للولايات المتحدة الأمريكية".

ويستغرق تنفيذ هذه المراحل الثلاث نحو عقد أو أكثر من الزمان،والواقع أن فشل إسرائيل في تدمير البنية الأساسية لحزب الله وحماس، قد أدى إلى تقوية الفصيلين المقاومين، وليس إضعافهما، بل أكد الوحدة بين منظمتي أمل وحزب الله في لبنان، بمعنى آخر المجموعة الشيعية اللبنانية التي تمثل 25% من سكان لبنان، كما أن العمليات الفدائية التي أدت إلى أسر جنود إسرائيليين، أوضحت ضعف كفاءة الجيش الإسرائيلي، وإهماله الإعداد المادي والمعنوي للمقاتل، وهو ما أثبته وقوع جنود إسرائيليين في الأسر في حادثين متعاقبين وفى مناطق متفرقة، كذلك الخسائر التي منيت بها القوات الإسرائيلية في قرية "بنت جبيل"، وهو أمر، أزعج بطبيعة الحال، الإدارة الأمريكية، باعتبار أن الأهداف التي رسمتها مع إسرائيل في ضرب حزب الله، لم تتحقق.