إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

       



(تابع) تصريح للسيد صدام حسين حول موقف العراق من السياسة النفطية العربية الراهنة
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 9، ط 1، ص 533 - 535"

         ان كل الدلائل الساسية والاقتصادية، تشير الى ان اميركا هي المستفيد الاكبر في النهاية من هذه السياسة. صحيح ان تخفيض الانتاج قد زاد من اهتمام الاوروبيين واليابانيين بالقضية العربية، ودفع الكثير منهم الى اتخاذ مواقف سياسية افضل من السابق. ولكن المحصلة النهائية لهذه السياسة في حالة استمرارها على هذا النهج، تصب في الستراتيجية الاميركية، وهذا ما يجب ان يكون معروفاً للجماهير العربية ولبلدانا اوروبا الغربية واليابان.

         ان حدوث أزمة اقتصادية خانقة في اوروبا الغربية واليابان، ربما يدفعها حالياً، الى اصدار تصريحات جيدة نسبياً. ولكن هذه البلدان ستجد نفسها مرغمة على التخلي عن سياساتها المستقلة والاعتماد - اكثر فاكثر - على اميركا في مرحلة لاحقة.

         قبل حرب تشرين [الاول (اكتوبر)]، دعت اميركا الى تشكيل كتلة من الدول المستهلكة، في مواجهة منظمة الدول المنتجة. وقد وقفت دول اوروبا الغربية واليابان موقفاً سلبياً من هذه الدعوة. اما الآن وفي المستقبل وفي حالة استمرار هذه السياسة الخاطئة تحت ستار استخدام النفط كسلاح، فإن هذه الدعوة ستجد آذاناً صاغية هناك.

         ان أميركا تسيطر على الجزء الاعظم من انتاج البلدان العربية وغيرها من بلدان الشرق الاوسط، وتتحكم في التسويق والاسعار. وبعد ان تستفحل الازمة الاقتصادية في اوروبا الغربية واليابان، ستقدم اميركا نفسها كمنقذ لهما، وهي ستتصرف من خلال شركاتها الاحتكارية، ومن خلال عملائها المعروفين في المنطقة.

         وهناك مسألة الزيادة في الاسعار. ان المطالبة بزيادة الاسعار عن جانب الدول المنتجة، حق مشروع وتبرره الزيادات العالية والمتواترة في اسعار مختلف البضائع المنتجة في الدول الصناعية. غير ان الزيادات الاخيرة والتي جرت بوتيرة جنونية تصب في قنوات الستراتيجية الاميركية، شأنها شأن سياسة تخفيض الانتاج بالشكل الذي طبق فيه.

         ان هذه السياسة تعزز الصورة التي تريد الامبريالية الاميركية والصهيونية اشاعتها عن العرب، ونقصد محاولة تصوير الموقف العربي على انه ابتزازي في الوقت الذي يمتلك العرب كل الحق وكل العدل الى جانبهم. وفي الوقت نفسه، فان لهذه السياسة نتائج اقتصادية خطيرة. ان الشركات النفطية الاحتكارية الاميركية هي اكبر الشركات في العالم، لذلك فان زيادة الاسعار تزيد من ارباح هذه الشركات، فأميركا تستفيد من ذلك بينما تتضرر الدول الاخرى. ومن جهة ثانية، من المعروف ان تكاليف انتاج النفط في اميركا وفي ألاسكا عالية جداً قياساً الى تكاليف الانتاج في الشرق الاوسط، وكانت اميركا غير قادرة على منافسة النفوط الاخرى في الاسواق العالمية، وبعد الزيادات الاخيرة في الاسعار واستمرار وتيرة تصاعدها، فان النفط الاميركي المنتج في الولايات المتحدة وفي ألاسكا يصبح " اقتصادياً" اكثر من السابق وقد يصبح قادراً على التنافس في الاسواق العالمية. كما اصبح بالامكان، استثمار رؤوس اموال كبيرة جداً لاستخراجه.

         وتؤدي زيادة الاسعار بهذا الشكل الى اضعاف الشركات النفطية الاوروبية واليابانية المستقلة عن الاحتكار العالمي الذي تسيطر عليه اميركا وربما سحقها نهائياً. ولهذا الامر نتائج خطيرة. فاذا ما نجحت اميركا في اخراج هذه الشركات من السوق العالمي، فانها ستصبح المتحكم الاكبر في السياسة النفطية العالمية وفي اسعار النفط.

         واضافة الى كل ما سبق فان هذه السياسة الخاطئة توفر للامبريالية والصهيونية ما تحاول الحصول عليه من ذرائع لارتكاب ابشع الجرائم بحق الشعب العربي تحت ستار الدفاع عن العالم والحضارة البشرية.

         هذه هي اهم النتائج الملموسة الآن والمتوقعة في المستقبل للسياسات التي اتبعتها الاوساط الرجعية العربية العميلة لأميركا والتي جرت معها، مع الاسف، اوساطاً اخرى. وهي سياسات ليست في صالح القضية العربية وتخدم الستراتيجية الاميركية.

         اننا نحذر بقوة من مغبة الانجرار وراء هذه السياسة المشبوهة. وعلى الاوساط الوطنية العربية ان تنتبه الى ما تنطوي عليه من مخاطر وتآمر على القضية العربية، ويجب فضحها بكل قوة.

         ان الطريق الحقيقي والناجح لاستخدام النفط سلاحاً في وجه اميركا والعدو الصهيوني، هو تأميم المصالح النفطية الاميركية ومصالح كل بلد يقف الى جانب العدو، فهذا هو السلاح الذي يجبر اميركا، فعلا، على الكف عن مساندة العدو.

         وفي الوقت نفسـه، فان التأميم يحقق لنا الاستقلال الاقتصادي الكامل فنتمكن من السيطرة على ثرواتنا سيطرة كاملة والتعامل مع بلدان العالم بحرية، وعلى اساس التكافؤ والمنفعة المتبادلة وبما يحقق الرفاهية لشعبنا ولشعوب العالم على السواء.

         وهذا هو الطريق الذي اخترناه في العراق، والذي اثبتت التجربة صحته وتجسيده الكامل لمصالحنا وآمالنا الوطنية والقومية.


<2>