إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) الجمهورية العربية المتحدة
" المشاريع الوحدوية العربية 1913 - 1989، يوسف خوري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 2، 1990، ص 336 - 377 "

وليس سراً يذاع، انه يوم قامت الوحدة قبل ثلاث سنوات ونيف. كان الجيش في طليعة الصف، يعلن ارادة الشعب في اقامة صرح الوحدة.

كانت الوحدة مستندة إلى الجيش. والأشخاص الذين قاموا بوثبة 28 ايلول، هم أنفسهم الذين عبروا عن إرادة الشعب في تحقيق الوحدة في مطلع سنة 1958، حتى أن ميثاق الوحدة، انما كتب بإشراف عناصر من الجيش، خطت بأيديها كلمات الميثاق. وكانت محدودة العدد. وكان الميثاق بضع عشرة مادة، لان القاعدة، التي قام عليها الميثاق هي الأصل، وهي النية الطيبة الخيرة، والتفاؤل العريض والنظرة المتلهفة إلى الوحدة العربية الكبرى، تتتابع إليها الخطوات بعد الخطوة الأولى، التي يفخر الجيش انه أول من خطاها.

من أجل ذلك قامت الوحدة بغير شروط، اعتمادا على ان كل مواطن عربي سيقوم بواجبه بتفان وإخلاص وتضحية، من أجل بناء الجمهورية العربية المتحدة بناء متينا، سليما سوياً. ولقد كان عبد الناصر يقول في الأيام التي سبقت الوحدة أمامنا، نحن رجال الجيش الذين طلبنا إليه ان يقبل معنا الوحدة - كان يقول ان الوحدة تحتاج إلى زمن، وانها لا يمكن ان تتم بهذه السرعة. ولا بد من فترة تقارب وتمهيد. غير ان الجيش سير دولاب الوحدة بيده، ودفعها دفعاً على الطريق، لانه كان وما يزال يؤمن انه يعبر في ذلك عن رغبات الشعب ويحقق أقدس أمانيه.

ومن أجل ذلك، وبوازع النية الحسنة التي كانت قاعدة الميثاق، قد سلمنا أمورنا تسليماً، اعتقاداً بأن الحكام سيعملون بإخلاص وإقدام لتطبيق مبادئ الوحدة، والسير بها قدماً إلى أهدافها، وثقة منا يومئذٍ بأنهم سيكونون عند عهودهم.

وما انقضت أيام، إلا وبدأت الوحدة تخرج شيئا فشيئاً عن الطريق السوية التي كان يجب ان تسير عليها. وعلى حين كان المرجي ان ترى مقومات الوحدة تؤسس وتنموا وتعلو، ويؤسس وينمو ويعلو معها بنيان الوحدة الشامخ، فان هذا المؤمل خاب، وبدت طلائع الانحراف، وظهرت المطامع، وتبين نقص الوعي، ان لم نقل عدم الوعي القومي، عند كثيرين من الذين ساروا معنا في طريق الوحدة من حكام مصر.

وبينما تبدى مفهوم الوحدة شيئاً فطرياً في قلوب الضباط العرب السوريين، الذين رضعوا لبانات الوحدة في المهد وشبوا عليها، وآمنوا بها إيمانهم بالله، كان هذا المفهوم بعيداً كل البعد عن عقلية وتصرفات بعض إخواننا الجنوبيين.

وهكذا بدأت الحوادث المسيئة للوحدة، المشوهة لقدسيتها.

وقد بدأت أول ما بدأت بالنسبة إلى الجيش.

وقد أردنا أن تتمثل الوحدة منذ اليوم بتبادل الضباط من أبناء الشمال وأبناء الجنوب. وذهب شبابنا ممتلئون حيوية وعروبة إلى الجنوب، فماذا جاءنا من مصر؟

<91>