إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) الجمهورية العربية المتحدة
" المشاريع الوحدوية العربية 1913 - 1989، يوسف خوري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 2، 1990، ص 336 - 377 "

جبيننا. وحقا للأمة في أعناقنا، وإيمانا منا اننا اخترنا مجالنا لأداء رسالتنا كمواطنين في وطن عربي كريم.

وإذا اخرجوا الضباط الشماليين، فقد جاؤوا مكانهم بضباط جنوبيين. وهؤلاء لم يستجلبوا على صعيد الكفايات ومستوى الأغراض العسكرية والنظامية، وانما كان الهدف زيادة نسبة الجنوبيين، وزيادة السيطرة، وزيادة التجسس: التجسس الذي قامت من أجله مؤسسات تضيق عن وصف نشاطها المجلدات الضخمة، لما اتسمت به من أساليب جهنمية، وما تطلبته من أموال ضخمة، انفقت بغير حساب من أموال البلاد.

وكنا نرى الضابط الجنوبي يتجاوز رؤساءه، والقواعد الأصولية التي عليه اتباعها في طلب المقابلة والإذن بالتسلسل، حتى يتلقى أمراً بقبولها - يتجاوز ذلك إلى الصلة المباشرة مع من يشاء من أبناء إقليمه من القادة، فيتقدم بتقريره الخطي أو الشفهي في الموضوع الذي يشاء إلى رئيس الأركان أو إلى رئيس شعبة التنظيم والإدارة، أو إلى كاتم أسرار الجيش.

هنالك بدأت تفقد الثقة والمحبة بين الشمال والجنوب. وكأنما كان أخوتنا الجنوبيين يتقصدون ان تستفحل الكراهية التي نمت وترعرعت. وكأنما الأمر صورة مما يجري في عهد الانتداب، صورة من صور الاستعمار.

ولم نسكت على الأخطاء، بل شكونا أمرها، ووفقا للقواعد التي ندين بها في نظامنا، ورفعنا التقارير الأصولية بالتسلسل إلى القائد العام، مثلما كانت مخابرات الجيش ترفع إليه صدى هذه الأخبار.

وتكاثرت الشكوى. لقد شكونا مر الشكوى من تجاوز المرؤوس على رئيسه. وبات على كل ضابط ان يدافع عن كرامته إزاء تجاوز مرؤوسيه، فإذا ما لح بالشكوى، ضاعت التقارير الأصولية في طلب الإصلاح هباء وسدى، وتلقى بدلا من الاستجابة للإصلاح، أمرا بالنقل أو التسريح، أو وضع تحت الرقابة. فقد بات موضع التشكيك في نظر اخواننا الجنوبيين. وهكذا يبعد كل ضابط يتحسس بكرامة الجيش وانضباطه ونظامه عن المراكز الحساسة، ولو كانت كفايته تخوله بحق لها، ولو كانت أخلاقه أعلى بكثير من سوية الذين يتهمونه ويحقدون عليه.

وما نشاء ان ندخل هنا في التفاصيل، لان ذلك يملأ الصفحات الطوال التي لا يتسع لها الآن هذا المجال. ويكفي ان نذكر مثلاً واحداً يمكن السماح بنشره، من أمثلة جمة، أكثرها مما لا تسمح الأسرار العسكرية بنشره، وذلك في شأن العتاد والذخائر.

فقد كان يقصد الضابط الجنوبي باسم التفتيش على مستودعاتنا، وإذا هو لا يقصد التفتيش في الحقيقة، وانما ينشد شيئاً آخر، أخطر وأبعد مدى، فقد صدر أثر زيارته،

<93>