إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) الجمهورية العربية المتحدة
" المشاريع الوحدوية العربية 1913 - 1989، يوسف خوري، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط 2، 1990، ص 336 - 377 "

أمر المشير بسحب مجموعة من العتاد، تبلغ قيمتها عشرة ملايين ليرة، وأرسلت إلى مصر بأمر من القائد العام، بناء على تقرير الضابط المفتش، دون أخذ رأي قائد الجيش، أو أن يطلع مجرد اطلاع علي هذه التدابير الخطيرة قبل اتخاذها

وتبينت النية واضحة جلية، وهي إضعاف الجيش الأول عدة وعدداً. فالعتاد لا يوزع بحسب رقعة كل إقليم وعدد سكانه، وانما يوزع تبعاً للحاجات الاستراتيجية، واحتمالات العمليات المختلفة. ولكن الذي كان يجرى هو عكس ذلك تماما. فقد كان يغنى الجنوب على حساب الشمال.

هذا، على حين ان موازنة الدفاع في الشمال تبلغ 54 بالمئة من الموازنات العامة، في حين انها 17 بالمئة في موازنة الجنوب. وإذا كان ثمة مجال لتوزيع النسبة بحسب رقعة الإقليم وعدد سكانه، فهو مجال الموازنة في الحقيقة.

هنالك، كان يجب ان ينفق الجنوب مثل انفاق الشمال، ان لم نشأ ان نقول أضعاف أضعاف ما ينفق الشمال، بالنسبة إلى مجموع الموازنة.

وكان الذي يجري في الجيش، يجري على نطاق تخريبي واسع في بقية أجهزة الدولة. كانت القوانين في تلك الأجهزة تصدر لصالح إقليم دون إقليم، بل كانت كلها تجرى على أساس من التمصير بدلاً من التوحيد.

ولئن كان منطق توحيد الشرائع يفترض ان نأخذ من كل نص أحسن ما فيه، فان هذا لم يكن يوما هدف إخواننا من الجنوب، انما كانوا يفرضون قانونهم فرضا، حتى ان أحدا من رجال الجيش الأول لم يشترك في دراسة وإعداد قانون الجيش الذي صدر ووزع رأسا، كما أعد وكتب ونشر في الجنوب.

وما من شك في أن هذا الأسلوب الذي لم يسلم منه الجيش، هو الذي جر أجهزة الدولة إلى تشابك النصوص وارتباكها، حتى كان كثير من الأحكام لا يفهم بالمرة، إذ تضم القوانين تعابير لا تمت إلى العربية بأصل، مثلما لا يعرف لها نسب في اللغات الأخرى.

ازاء هذا الخطر العام، هب الجيش مدافعاً عن كرامة الوحدة، عن قداسة الوحدة، عن مستقبل العرب جميعاً.

الخطر العام، فقد دهم الشعب كله بمختلف مرافق حياته، ولم يقتصر على الجيش وحده.

الخطر العام، كان يستهدف إفقار الشعب كله، لا إضعاف الجيش الأول وحده.

الخطر العام، كان يستهدف اذلال المواطن والعبث بحريته وكرامته، في الحقيقة والباطل، على حين كان الحاكمون يزعمون في الظاهر، انهم يخدمون العامل والفلاح، ويهيئون للشعب حياة حرة كريمة، وما هيأوا له الا انهيارا في مقومات حياته ومصادر رزقه، وفق سياسة مرسومة، ترى في استنزاف قوى المواطنين سبلاً موطدة لبقاء تسلط الحاكمين

<94>