إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) 3 - نص خطاب الدكتور / محمد صلاح الدين (باشا) وزير الخارجية ورئيس وفد مصر لدى الدورة السادسة
للجمعية العامة للأمم المتحدة الذي ألقاه أمام الجمعية العامة في باريس يوم 16 نوفمبر 1951
"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 693 - 703"

          وإنى إذ أفعل ذلك. أجد من الضرورى أن ألقى نظرة على الماضي لنتفهم الحاضر فى ضوئه وإن كنت على يقين من أن حاملى لواء السيطرة والتوسع والاستعمار يكرهون شهادة التاريخ التى تخرجهم وتفضح أعمالهم.

          نكبت مصر أول ما نكبت بالاحتلال البريطانى فى 11 يوليه عام 1882 فى أعقاب مؤامرة مدبرة بإحكام منذ زمن بعيد. ومنذ ذلك التاريخ حرص الإنجليز على أن يطيلوا أجل الاحتلال بسلسلة لا تنتهى من الحجج والتعلات. ومن هنا سمع الناس من الإنجليز مثل هذه العبارات: حماية الخديو - حماية الأجانب - حماية ذوى الجلابيب الزرقاء - حماية الأقليات - حماية أصحاب المصالح الحقيقية - حماية المواصلات البريطانية. واليوم يلجأ الإنجليز إلى حجة ضخمة ولكنها فارغة إذ لا علاقة لها على الإطلاق بعالمنا الحاضر. عالم ميثاق الأمم المتحدة وما يسوده من المبادئ والأفكار. لقد نصبوا أنفسهم حماة للشرق الأوسط وهذا هو ما سماه مستر موريسون "المسئولية الملقاة على بريطانيا فى الشرق الأوسط بالنيابة عن دول الكومنولث وحلفاء الغرب بوجه عام". فأين هذا من الميثاق؟

          وفى خلال سبعين عاما قطع الإنجليز على أنفسهم أكثر من ستين وعدا بإجلاء قواتهم عن أرض مصر، وفى سنة 1946 وافق الإنجليز على الجلاء عن مصر فى أمد أقصاه شهر سبتمبر سنة 1949. ونحن الآن إذا لم تخنى الذاكرة قد جاوزنا بزمن طويل سنة 1949. بل جاوزنا سبتمبر سنة 1951، ولكن البريطانيين بدلا من أن يجلوا ما زالوا يحتفظون على أرض مصر بعشرات الألوف من جنودهم. يزيدون عليها فى كل يوم، مع أن معاهدة سنة 1936 البائدة تحدد عدد الجنود المسموح بها فى أرض مصر بما لا يزيد على عشرة آلاف جندى.

          والواقع أن لب الخطة التى بيتها الإنجليز لاحتلال مصر هى التمكين لقوات الاحتلال من البقاء فيها إلى أبد الآبدين. وقد وضعوا دائما هذا الغرض نصب أعينهم وتوسلوا إليه بحلقة مفرغة لم يعرف من قبل شر منها. فتعمدوا ألا يتقوى الجيش المصرى أو ينهض أبدا ليتسنى لهم على الدوام أن يقولوا إن جيش مصر ما زال ضعيفا فلا بد من بقاء القوات البريطانية فيها.

          كم من حدث وقع. وكم من انقلاب توالى! قامت عصبة الأمم وزالت عصبة الأمم وخرجت هيئة الأمم المتحدة للوجود ودخان المدافع ودوي القنابل فى الحرب العالمية الثانية لا يزال يملأ الجو. ووضع الميثاق ورسمت خطة الأمن الجماعي لشعوب العالم. إنهارت ممالك وامبراطوريات وقامت سواها. ونهضت جيوش أخرى. وتتابع جيل بعد جيل ثم نشأت جيوش في أثر جيوش. جيوش حديثة مدربة أحسن تدريب ومجهزة أحسن تجهيز. حتى في كوريا التي انقطعت كل علاقة لها فى مدى قرون طويلة بحياة الحرب والقتال نرى جيشين ينهضان في أقل من خمس سنين، جيشين قويين أحدهما في الجنوب والآخر في الشمال.

<7>