إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
المصدر: "الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 438 - 446"

          ومن هنا، نلاحظ مثلا العلاقة الوثقى بين رودس وهو يوسط استعماره الاستيطاني في جنوب شرقي القارة الافريقية، وبين هيرتسل الذي راح يخطط ويصمم لاستعماره الاستيطاني على أرض فلسطين. وعندما حصل هيرتسل على شهادة حسن سلوك استعماري استيطاني من رودس، قدمها للحكومة البريطانية ليستصدر منها قرار التأييد والدعم مقابل ان يبني على أرض فلسطين قاعدة للاستعمار تؤمن مصالحه في أهم النقاط الاستراتيجية في الشرق الاوسط.

          وهكذا، باشرت الحركة الصهيونية، متحالفة مع الاستعمار العالمي، غزوتها لبلادنا. واسمحوا لي ان اوجز بعض الحقائق التالية حولها:

  • كان عدد سكان فلسطين، عند بداية الغزو عام 1881 وقبل قدوم اول موجة استيطان، حوالي نصف مليون نسمة كلهم من العرب، مسلمين ومسيحيين، ومنهم حوالي عشرون ألفاً من يهود فلسطين يعيشون جميعاً في كنف التسامح الديني الذي اشتهرت به حضارتنا.
  • وكانت فلسطين أرضاً خضراء معمورة بشعبها العربي الذي يبني الحياة في وطنه، ويغني ثقافته.
  • وعمدت الحركة الصهيونية الى تهجير حوالي خمسين الف يهودي اوروبي بين عامي 1882 و 1917، لاجئة الى شتى اساليب الاحتيال لتغرسهم في ارضنا. ونجحت في الحصول على تصريح بلفور من بريطانيا، فجسد التصريح حقيقة التحالف الصهيوني الاستعماري. وعبر هذا التصريح عن مدى ظلم الاستعمار للشعوب حيث اعطت بريطانيا، وهي لا تملك، وعداً للحركة الصهيونية، وهي لا تستحق. وخذلت عصبة الامم بتركيبها القديم شعبنا العربي، وتبخرت وعود ومبادئ ويلسون في الهواء، وفرضت علينا، قسراً، الاستعمار البريطاني بصورة الانتداب. وتعهد صك الانتداب الذي اصدرته عصبة الامم المتحدة، صراحة، بالتمكين للغزوة الصهيونية من ارضنا.
  • وعلى مدى الثلاثين عاماً بعد صدور تصريح بلفور، نجحت الحركة الصهيونية مع حليفها الاستعماري، في تهجير مزيد من يهود اوروبا، واغتصاب اراضي عرب فلسطين. وهكذا اصبح عدد اليهود في فلسطين عام 1947 حوالي ستمائة الف، يملكون اقل من 6% من اراضي فلسطين الخصبة، بينما كان تعداد عرب فلسطين حوالي مليون وربع المليون نسمة.
  • وبفعل تواطؤ الدولة المنتدبة مع الحركة الصهيونية، ودعم الولايات المتحدة لهما، صدر عن هذه الجمعية، وهي في بداية عهدها، التوصية بتقسيم وطننا فلسطين في 29 نوفمبر [ تشرين الثاني] 1947، وسط تحركات مريبة وضغوط شديدة، فقسمت ما لا يجوز لها ان تقسم، ارض الوطن الواحد. وحين رفضنا ذلك القرار، فلاننا مثل ام الطفل الحقيقية التي رفضت ان يقسم سليمان طفلها حين نازعتها عليه امرأة اخرى. ومع ذلك، فقد منح قرار التقسيم المستوطنين الاستعماريين 54% من ارض فلسطين، وكأن ذلك لم يكن كافياً بالنسبة اليهم، فشنوا حرباً ارهابية ضد السكان المدنيين العرب واحتلوا 81% من مجموع مساحة فلسطين، وشردوا مليون عربي، مغتصبين بذلك 524 قرية ومدينة عربية، دمررا منها 385 مدينة وقرية تدميراً كاملا محاها من الوجود - وحيث فعلوا ذلك اقاموا مستوطناتهم ومستعمراتهم فوق الانقاض وبين بساتيننا وحقولنا.

          ومن هنا، يبدأ جذر المشكلة الفلسطينية. ان هذا يعني ان اساس المشكلة ليس خلافاً دينياً أو قومياً بين دينين أو قوميتين، وليس نزاعاً على حدود بين دول متجاورة. انه قضية شعب اغتصب وطنه وشرد من ارضه لتعيش اغلبيته في المنافي والخيام.

          وقد استطاع هذا الكيان الصهيوني، وبدعم من دول الاستعمار والامبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، ان يتحايل على هيئة الامم لقبوله في عضويتها، ومن ثم على شطب قضية فلسطين من جدول اعمالها، وتضليل الرأي العام العالمي بتصوير المشكلة كمشكلة لاجئين بحاجة الى عطف المحسنين او إعادة توطينهم في بلاد الآخرين.

          على أن هذه الدولة العنصرية التي قامت على اساس الاستعمار الاستيطاني، لم تكتف بكل ذلك، حيث جعلت من نفسها قاعدة للامبريالية، وراحت تتحول الى ترسانة من الاسلحة لإكمال مهمتها في إخضاع الشعوب العربية والعدوان عليها طمعاً في المزيد من التوسع على الارض الفلسطينية والاراضي العربية. فالى جانب عشرات الاعتداءات التي شنتها هذه الدولة ضد البلاد العربية، قامت بحربين توسعيتين كبيرتين عام 1956 وعام 1967، عرضت، خلالهما، السلم العالمي لخطر حقيقي.

          فقد كان من نتائج العدوان الصهيوني في حزيران [يونيو] 1967، ان احتل العدو سيناء المصرية حتى مشارف قناة السويس، واحتل الجولان السورية، فضلا عن

<4>