إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



(تابع) خطاب السيد ياسر عرفات، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة
المصدر:"الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 10، ط 1، ص 438 - 446"

احتلاله للارض الفلسطينية حتى نهر الاردن، الامر الذي شكل وضعا جديداً في منطقتنا، وخلق ما يسمى بمشكلة الشرق الاوسط. ومما جعل الوضع يتفاقم اكثر، إصرار العدو على استمرار الاحتلال وتكريسه، مشكلا رأس حربة للاستعمار العالمي ضد امتنا العربية، وقد ضرب عرض الحائط بكل قرارات مجلس الامن ونداءات الرأي العام العالمي للانسحاب من الاراضي التي احتلها بعد حزيران [ يونيو]. ولم تجد كل المساعي السلمية والدبلوماسية لردعه عن هذه السياسة التوسعية، فما كان امام امتنا العربية، وفي مقدمتها دولتا مصر وسورية، الا ان تبذل الجهود المضنية في الاستعداد العسكري من اجل الصمود اولا في وجه هذه الغزوة الهمجية المسلحة بالقوة، وثانياً من اجل تحرير تلك الاراضي واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بعد استنفاد كل الوسائل السلمية. وضمن هذا الاطار، اندلعت الحرب الرابعة، حرب تشرين [ الاول (اكتوبر) ]، لتؤكد للعدو الصهـيوني عقم سياسته الاحتلالية التوسعية واعتماده على شريعة القوة العسكرية. ولكن رغم ذلك، فان قادة الكيان الصهيوني ما زالوا بعيدين عن الاتعاظ بهذه الدروس، فهم يعدون العدة للحرب الخامسة ليعودوا من جديد الى سياسة مخاطبة العرب بلغة التفوق العسكري، سياسة العدوان والارهاب والاخضاع والحرب.

          سيدي الرئيس،
          لشد ما يتألم شعبنا حين يسمع تلك الدعايات التي تقول ان اراضيه كانت صحراء فعمرها المستوطنون الاجانب، وان وطنه كان خالياً من السكان، وانه لم يتضرر احد من بني البشر نتيجة قيام هذا الكيان الاستيطاني لا، يا سيدي الرئيس، يجب ان تدحض هذه الاكاذيب من على هذا المنبر العالمي، ويجب ان يعرف الجميع ان فلسطين كانت مهداً لأقدم الحضارات والثقافات، واستمر شعبها العربي ينشر الخضرة والبناء والحضارة والثقافة في ربوعها طوال آلاف السنين، ويرفع لواء التسامح العربي، ضارباً المثل على حرية العقيدة، وحارساً اميناً على مقدسات جميع الاديان في وطنه. وانني، كأحد ابناء بيت المقدس، أحتفظ لنفسي ولشعبي بذكريات جميلة وصور رائعة عن مظاهر التآخي الديني التي كانت تتألق في مدينتنا المقدسة قبل حلول النكبة بها. ولم ينقطع شعبنا عن ذلك إلا بعد تمكن الغزوة الصهيونية الهمجية من إقامة دولة اسرائيل وتشريده. ولكنه ما زال مصمماً على الاستمرار في أداء دوره الحضاري والانساني على ارض فلسطين، ولا يسمح بأن تتحول هذه الاراضي الى بؤرة للعدوان على الشعوب، والى معسكر عنصري ضد الحضارة والثقافة والتقدم والسلام. ولهذا، فان شعبنا لا يستطيع إلا ان يواصل تراث اجداده في الكفاح ضد الغزاة، وان يحمل شرف المسؤولية في الدفاع عن وطنه وعن امته العربية وعن الثقافة والحضارة ومهد الديانات السماوية. وتكفينا نظرة سريعة لمواقف اسرائيل العنصرية عندما دعمت منظمة الجيش السرية في الجزائر، وفي دعمها للمستعمرين في افريقيا، سواء في الكونغو وانغولا وموزامبيق وزمبابوي وروديسيا وجنوب افريقيا، وفي وقوفها الى جانب حكومة فيتنام ضد الثورة الفيتنامية، فضلا عن مواقفها المتتابعة في هذا السياق الى جانب الاستعماريين والعنصريين في كل مكان، وعرقلتها لعمل لجنة تصفية الاستعمار، ورفضها التصويت لمصلحة استقلال بلدان افريقيا، ووقوفها ضد مطالب بلدان آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية وبلدان عديدة اخرى في مؤتمرات " المواد الاولية والتنمية "، و" قانون البحار " و " السكان " و " التغذية". كل ذلك يعطي دليلا اضافياً على صورة العدو الذي اغتصب بلادنا، ويكشف عن شرف النضال الذي نخوضه ضده. اننا ندافع عن حلم المستقبل، وهو يدافع عن اساطير الماضي.

          السيد الرئيس،
          ان لهذا العدو الذي نواجهه سجلا حافلا ضد اليهود انفسهم، فهنالك في داخل الكيان الصهيوني تمييز عنصري بشع ضد اليهود الشرقيين. واذا كنا نحن ندين بكل ما اوتينا من قوة، مذابح اليهود تحت الحكم النازي، فان القادة الصهاينة كان يبدو ان همهم الاكبر حينذاك هو استغلالها لتحقيق الهجرة الى فلسطين.

          سيدي الرئيس،
          لو كان تهجيرهم الى فلسطين بهدف العيش كمواطنين متساوين معنا بالحقوق والواجبات، لكنا أفسحنا المجال لهم ضمن امكانات وطننا، كما حدث مع عشرات الآلاف من الارمن والشركس الذين ما زالوا بيننا اخوة مواطنين مثلنا تماماً. أما ان يكون هدف ذلك اغتصاب ارضنا وتشريدنا وتحويلنا الى مواطنين من الدرجة الثانية وانزال المعاملة نفسها بنا، فهذا ما لا يمكن ان ينصحنا احد القبول به او الاذعان له. ولهذا، فان ثورتنا منذ البداية لا تقوم على اسس عرقية او دينية عنصرية، وليست موجهة للانسان اليهودي من حيث كونه انساناً، وانما هي موجهة ضد العنصرية الصهيونية وضد العدوان. وبهذا المعنى، فان ثورتنا هي ايضاً من اجل الانسان اليهودي. اننا نناضل من اجل ان يعيش اليهود والمسيحيون والمسلمون بمساواة في الحقوق والواجبات وبلا تمييز عنصري او ديني.
          أ - اننا اذن، يا سيادة الرئيس، نفرق بين اليهودية وبين الصهيونية. وفي الوقت الذي نعادي الحركة الصهيونية الاستعمارية، فاننا نحترم الدين اليهودي. واننا نحذر اليوم، وبعد قرابة قرن من بروز هذه الحركة العنصرية، من ان خطرها يتزايد ضد اليهود في العالم، وضد شعبنا العربي، وضد أمن العالم وسلامته. فالصهيونية لا تزال متمسكة بتهجير اليهود من اوطانهم واصطناع قومية لهم يستبدلون بها قومياتهم

<5>