إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



مراحل المفاوضات في شأن الجلاء عن مصر
6 - مفاوضات سنة 1929 (محمد محمود - هندرسن) - تابع (3) المذكرات

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة 1955، ص 309 - 312"  

          ولقد أخرج هذان المشروعان فى وقت قصير إذا قورن إلى الوقت الذى قطعه إخراج المشروعات السابقة. ولا شك فى أن جعل مشروع سنة 1927 أساسا للأحاديث. والرغبة الصادقة من الجانبين فى التفاهم وتقريب مسافات الخلف، واعتبارات سياسية مختلفة، كانت تحفزنا جميعا إلى إلغاء فترات الراحة وتحميل الوقت أقصى ما يحتمل من العمل، لا شك فى أن كل أولئك كان له أكبر الفضل فى الوصول إلى نتيجة مرضية فى ذلك الوقت القصير. وقد لا يعنينى أن أنوه بما اقتضته تلك النتيجة من الجهد والجلد وطول الأناة ولطف المعالجة وطويل المناقشات وشاقها من الجانبين ولكن يخطئ كل الخطأ من يحكم على قيمة العمل الذى تم بالزمن الذى استغرقه.

          كان مشروع (ب) إذن خلاصة تلك الأحاديث. ومالى أن أخدع نفسى أو أخدع أحدا فأقول إنه غاية ما يتمنى المصرى لبلده. فإنه لعزيز على أن أقف بأمانى بلادى عند هذا الحد مهما بعد. ولكنى أخذت نفسى بأن أذهب فى كل مسألة إلى أقصى ما أستطيع الوصول إليه، آخذها تارة منفردة وطورا مجتمعة متفاعلة بغيرها. ولقد اطمأنت نفسى لقبول المشروع الأخير إذ وازنت بين ما نرجوه أو نتوقعه من المستقبل فى حالى قبول المشروع أو التردد فيه. فرجح جانب القبول على جانب التردد رجحانا مبينا. إذ كان القبول فوق ما ينيلنا إياه من غايات طال انتظارنا لها وساء حالنا بامتناعها علينا. سيفتح لنا آفاقا جديدة فى العمل يصبح معها كل أمل مشروعا وكل نتيجة متصورة ميسورة.

          لم أتردد إذن فى قبولى فى 14 يوليه سنة 1929، ودللت عليه بالتوقيع بالحروف الأولى من اسمى على نسخة من المشروع (ب) أودعت وزارة الخارجية البريطانية.

          اشتغل بعد ذلك مجلس الوزراء البريطانى بالنظر فى ثمرة المحادثات التى قامت بينى وبين وزارة الخارجية. والتى فصلت أمرها فيما تقدم، وبعد بحث طويل أقرها مبدئيا. وعهد إلى لجنة مؤلفة من ثلاثة وزراء بأن يتصلوا بالخبراء، عسكريين وغير عسكريين، ليستطلعوا رأيهم فى المشروع وقد كان هذا الدور دقيقا إذ كان المفهوم والمعروف أن لهؤلاء الخبراء تشددا وصلابة فى آراء معينة ليست مما ينشرح لها صدر مصر. على أن المشروع كان قد تم نضجه وصدقت رغبة الجانب البريطانى فى نجاحه فاجتاز هذا الدور يصحبه التوفيق. وقد عرضت فى هذا الدور بعض المخاوف مما سوف يلقاه الجندى البريطانى من العنت والشدة فى القفار النائية عن أسباب العمران والحضارة التى سترابط فيها القوات البريطانية. أو مما سوف يخشى من امتناع ماء الشرب أو فساده، فتقدمت بالتأكيد بأننا سنعمل جهدنا على تلطيف ذلك العنت ونحتاط لضمان توفر ماء الشرب وسلامته وأننا نرى فى ذلك واجبا لا تتردد فى القيام به ثم إن ما سنصنعه فى هذا السبيل سيعود أثره أيضا على ما قد يمكن أن يكون مرابطا من القوات المصرية فى تلك النواحى.

          انتقل المشروع بعد الموافقة على إضافة حكم بالمعنى المتقدم. وعل تعديلات طفيفة أخرى إلى مجلس الوزراء ليعيد النظر فيه بعد الاطلاع على تقرير اللجنة الوزارية. وثم ثارت مناقشة بشأن  

<3>