إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

        وأما العامل الرابع وهو جمع الأموال للصليب الأحمر فقد تولاه المأمورون والعمد المصريون. وكان المقصود جمع هذه الأموال بالتبرع ولكنه كثيرا ما تحول إلى الغصب والإكراه على يد موظفين يطلبون أن يكون لهم فضل واستحقاق بجمع الأموال التي جمعت من مراكزهم. شاع في البلاد أن جزءا فقط من المال المجموع بلغ المصدر الذي جمع له. فمما يختلف فيه والحالة هذه ما إذا كان من أصالة الرأي ومراعاة مقتضى الحال في أيام كان فيها فريق من الناس يشيد بذكر الصليب وفريق بذكر الهلال أن يعمل في مصر شيء أكثر من فتح اكتتاب لمساعدة الجرحى فكان كثيرون من أغنياء المصريين والأجانب المقيمين في مصر يقبلون على الاكتتاب بلا ريب. وأما تفويض جمع المال إلى موظفين محليين من المصريين فكان من شأنه فتح باب للمنكرات والمساوئ المؤدية إلى زيادة التشديد على الفقراء الذين كرهوا الحرب جدا لأسباب أخرى كثيرة. هذا ومما يقتضي ذكره أن لجنتي الصليب الأحمر الإنكليزي وفرسان ماريو حنا عينتا بعد الحرب (100,000) جنيه إنكليزي لإعانة الذين نكبوا في الحرب من فيلق العمال المصريين وعائلاتهم. وزد على هذه الظلامات الخصوصية التي ذكرت أن أسعار الأشياء ارتفعت في مصر ارتفاعا متواليا لم يسبق له مثيل ولاسيما أسعار الحاجيات كالحنطة والثياب والوقود فثقلت وطأتها على الفقراء ولاسيما أن أجورهم لم تكن تكفي للنفقة التي يقتضيها غلاء المعيشة مع أنهم كانوا يرون عددا من مواطنيهم ومن الأجانب غير المحبوبين عندهم يجمعون الثروات الكبيرة، فعائلة من أربعة أنفس رجل وزوجته وطفلين لم تكن تستطيع في أوائل سنة 1919 الحصول على ما يكفيها من الطعام إلا بثمن يفوق متوسط الأجرة كثيرا حينئذ.

        فهذه العوامل المختلفة أفضت في آخر سنة 1918 إلى الاستياء والقلق بين معاشر الفلاحين وأضاعت بعض الثقة التي كانت عندهم بمزايا الإدارة البريطانية، فأعد ذلك النفوس لقبول تحريض المحرضين. وكانت إذ ذاك قد مضت مدة طويلة لم ير الفلاح فيها موظفا إنجليزيا ولم يتوسط إنجليزي لحمايته من المطالب الجائرة التي كانت تطلب منه، وكان قد اعتاد أن يرى المفتش الإنجليزي يمر في غيطانه راكبا جواده ويقف هنا وهناك ليسمع شكاوى صغار الفلاحين، فغاب هذا المنظر عنه أو كاد حتى في الأيام السابقة للحرب ولم يعد يرى سوى السيارات تنقل الموظفين على عجل من مركز إداري إلى آخر، فغياب المفتش عنه سهل عليه تصديق الإشاعات التي شاعت عن قرب رحيل الإنجليز وتقسيم البلاد على الفلاحين وترك المياه مباحة لهم يأخذون منها ما شاءوا بلا ممانعة وإلغاء الضرائب عنهم. وهناك أيضا ما يحمل على الاعتقاد أن بعض المحرضين الذين لا خلاق لهم روجوا الإشاعات الوهمية الكاذبة عن تعدي الجنود الإنجليزية على أعراض النساء المصريات وهجومهم على القرى يعيثون فيها قتلا وفسادا فهاج ذلك روح السخط والانتقام الذي أفضى إلى قتل بعض الجنود الإنجليز قتلا شنيعا في ديروط. أما تلك الإشاعات فليس ثم دليل على أن زعماء الحزب الوطني هم الذين أوحوا بها.
<16>