إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

لحفظ النظام في الأماكن التي اشتدت الثورة فيها والقبض على الذين ارتكبوا الفظائع ومحاكمتهم وإعادة هيبة الحكومة إليها، وأنقذت الأماكن النائية في الوجه القبلي، فزال بذلك الدور الأوّل من الاضطراب وكان أشد الأدوار خطرا.

        وعليه لم يمض على إبعاد زغلول باشا وشركائه أسبوع حتى قامت حركة على الإنجليز، بل على الأوربيين عموما وبلغت حدا تخشى عواقبه. وكانت حركة وطنية تؤيدها أميال جميع الطبقات والمذاهب في الأمة المصرية وفى جملتهم الأقباط، وظهرت بين أشد عناصرها تعصبا بمظهر تخريب الأملاك والمواصلات تخريبا منظما والاستهانة بالنفوس استهانة متزايدة. ولا ريب أن الوفد مسئول عن تنظيم المظاهرات الأصلية التي نشأت الحركة عنها، ولكن أعضاؤه الذين يفوقون سواهم في المسئولية هالهم تفاقم الخطب حتى خرج زمام الحالة من أيديهم وانتقل إلى أيدي المتطرفين غير المسئولين تؤيدهم بعض العناصر الأجنبية من المتشردين.

        وَكان اللورد اللنبي القائد العام في مصر قد سافر لينضم إلى مؤتمر الصلح في باريس في 12 مارس فعاد إلى القاهرة في 25 منه، وكان قد عين معتمدا ساميا خاصا مدّة غياب السير ريجلند ونجت في إنجلترا وصدرت إليه التعليمات "بإعادة القانون والنظام وبإدارة الأمور بجميع الوسائل على ما يقتضيه بقاء حماية الملك قائمة على قاعدة ثابتة عادلة" وقد أفضت التدابير العسكرية التي اتخذت إلى تهدئة الأحوال ظاهرا، ولكن الشعور بعداوة الإنجليز لم يخف إلا قليلا وتحول بالأكثر ضد العنصر العسكري الذي أشاعوا الأخبار الكاذبة عن سلوكه في قمع الفتنة وظل المحامون والطلبة معتصبين وغاب كثيرون من الموظفين عن مكاتبهم.

        ودعا المعتمد السامي الخاص إليه نفرا من الأعيان وخاطبهم بلهجة سليمة، ولكن ذلك لم يحل دون الإضراب العام من 2 أبريل إلى 6 منه. غير أن اللورد اللنبي سمح بسفر المصريين الذين يريدون السفر إلى إنجلترا وبعودة زغلول باشا ورفاقه الثلاثة من مالطة جريا على سياسته السلمية وبموافقة حكومة جلالة الملك، وبذلك انعكست السياسة التي اتبعت قبل مرور شهر على إبعادهم وأصبح زعماء الحركة أحرارا يذهبون إلى إنجلترا أو إلى غيرها لتجديد التحريض والتهييج.

        هذا بالاختصار حديث سير الأحوال في الأربعة الأشهر الأولى من سنة 1919، وقد اتضح بعد حدوث ما حدث أنه كان يجب تنشيط الوزيرين المصريين للمجيء إلى لندن لما طلبنا ذلك، ودلت النتيجة على أن مشورة السير ريجنلد ونجت في هذه المسألة كانت عين الصواب. وفى رأينا أنه كان يحسن صنعا لو زاد إلحاحا في وجوب اتباع مشورته. وبعد هذا الخطأ الذي ارتكب في بادئ الأمر جرت الحوادث في مصر بأسرع مما أدركت الحكومة، فإنها لم تقدر نتائج إبعاد الزعماء حق قدرها، ولما ألغي الأمر بإبعادهم بعد حدوث اضطرابات شديدة تبادر إلى ذهن الناس طبعا أن السياسة البريطانية سياسة تردد، وأنها تتقلب تقلبا سريعا تحت تأثير الإغراء والتحريض، ثم اقتضى الأمر في المرحلة الثانية معاقبة الذين قتلوا الضباط الإنجليز وارتكبوا فظائع


<20>