إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

أخرى مدة الفتنة. وهذا العقاب أطال عهد السخط طبعا وإن لم يكن قد أنفذ بالاعتدال بوجه الإجمال. وحاولت الحكومة تطييب خواطر المصريين بإحالة كثير من القضايا إلى المحاكم العادية بعد ما نظرت المحاكم العسكرية في القضايا المستعجلة جدا، ولكن رأي أنصار الحركة الوطنية قد صلب ورسخ، فنتج عن ذلك أن الناس لم يعودوا يتقدّمون للشهادة في جميع القضايا تقريبا فأطلق سراح المتهمين فيها. وفى أثناء ذلك سافر زغلول باشا ورفاقه بعد إخلاء سبيلهم من مالطة إلى باريس آملين أن يحملوا مؤتمر الصلح على سماع دعوى مصر بالاستقلال. ولما أخفقوا في ذلك وجهوا همهم للحصول على تأييد الأجنبي لقضيتهم، فأوفدوا رسولا إلى أمريكا لاستمالة الرأي العام في الولايات المتحدة. وجدّ أنصارهم في مصر في السعي لإتمام نظامهم وجمع أموال طائلة ونشر دعوتهم في جوانب البلاد متذرعين إلى ذلك بالقلق الصناعي الذي كان في البلاد. فحوّلوا كل جهدهم للاستعانة به. ولذلك تعدّدت حوادث الإضراب عن العمل بين كبيرة وصغيرة، وأعلن في خلال ذلك أن الحكومة البريطانية عازمة على إرسال اللجنة الخصوصية إلى مصر. فحكم المهيجون بأن غرض هذه اللجنة القضاء على الوطنية المصرية، فجعلوا همهم تضييق دائرة عملها بمقاطعتها مقاطعة منظمة .

(ب) الحركة الوطنية والأماني المصرية

       تقدم لنا كلام كاف لتعليل سرعة نموّ الحركة الوطنية. وأصعب من ذلك أن نبسط الكلام بقدر ما يحتمل المقام عن ماهيتها وأغراضها الحقيقية بسطا صحيحا مفهوما.

       قيل " إن كل مصري يستحق أن يسمى مصر يا وطني النزعة في قلبه " وهذا القول إنما يصدق على المتعلمين كثيرا أو قليلا، وهم أقل من 10 في المائة من سكان مصر الذين يبلغ عددهم 14 مليونا. فلا معنى لهذا القول عند إطلاقه على 92 في المائة من الأميين وخصوصا الفلاحين الذين هم ثلثا الأمة كلها . ففي المدن والبنادر يسهل تهيج الغوغاء بتلقينهم ألفاظا مستحبة رنانة تتخذ شعارا سياسيا فيصيحون بها وهم لا يفهمون معناها. وأما الفلاحون فجمهورهم لا يبالي بالسياسة من طبعه. وهم لا يزالون على العهد القديم في الفلاحة يعيشون في أطيانهم ومنها، وهم متعلقون بها تعلقا شديدا. ومع أن طرقهم وأدواتهم الزراعية لا تزال على عهدها الأول، وقلما يستعينون بالعلوم الزراعية فهم يخرجون، بجدهم الذي لا يبارى ومعرفتهم التامة بالتربة، تلك الحاصلات العجيبة التي هي أساس الثروة المصرية، وليس لهم همّ في هذه الحياة إلا هذه الحاصلات وأخذ الماء الكافي لزراعتهم من النيل في حينه لئلا تمحل أرضهم. ولكنهم وإن كانت دائرة نظرهم في الأمور لا تزال محدودة فقد ازدادوا استقلالا واستمساكا بحقوقهم عما كانوا عليه في عهد الاستبداد الماضي.

<21>