إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

        وإذا تركوا وشأنهم فلا عداوة عندهم للإنجليز، على أنهم لا يحبون الأجنبي أيا كان، واعتبارا لكونهم مسلمين غيورين لا تخلو مقابلتهم للمسيحي في بادئ الأمر من الفتور والنفور، ولكن هذه الأوهام زال معظمها منهم مع الإنجليز بعد اختبارهم لاستقامة الموظفين البريطانيين ولطفهم بوجه الإجمال؛ وما أفضى إليه وجودهم من التحسن الظاهر في أحوال الفلاحين. نعم إن أبناء العهد الجديد الذين لم يعرفوا مساوئ العهد القديم أقل شكراً لنا من آبائهم الذين كانوا يتذكرون تلك المساوئ و لا ينسونها، ولكن الفلاحين وإن يكونوا أقل ضعفا واستكانة مما كانوا في الأزمان الماضية لا يزال عندهم ما يخيفهم من أصحاب الأطيان وتعنت عدد كبير من الموظفين المصريين واضطهادهم لهم، وهم يشعرون أن النفوذ الإنجليزي يحميهم من هذه الأخطار بعض الحماية. نعم إن حوادث الحرب المشئومة التي أشرنا إليها آنفا أدّت إلى زعزعة ثقتهم بعدلنا وحسن نيتنا زعزعة وقتية، وكانت أسبابا مهيأة للحوادث الفظيعة التي حدثت ضد الإنجليز في ربيع سنة 1919، ولكن تلك الفظائع كانت شاذة وقصيرة الأجل. و يظهر أنه فيما خلا الجهات التي يصل إليها تحريض أهل المدن مباشرة عاد الفلاحون إلى حسن الظن بالإنجليز الذين يعرفونهم ويعرفون كيف يعاملونهم، وقد أثرت فينا شهادة عدد من مواطنينا الموظفين وغير الموظفين الذين يعيشون بين الفلاحين و يعاشرونهم حيث أكدوا لنا أن المرارة التي كدرت الصفاء في السنة الماضية أو السنتين الماضيتين زالت الآن، وأن الإنجليز الذين أحسنوا السلوك ينزلون على الرحب والسعة في البلاد كما كانت الحال فيما مضى .

        ولكن من العبث أن نؤمل أن حسن سلوك الفلاحين معنا يدوم طويلا إذا بقيت العلاقات بيننا وبين الطبقات المتوسطة والعليا من مواطنيهم على ما هي عليه من الجفاء، فقد سادت الحركة الوطنية في مصر الآن كل ناطق وصامت واجتذبتهم أليها كلهم، إما طوعا أو كرها من أمراء العائلة السلطانية إلى صبية الكتاتيب وأصحاب الأملاك وأهل الصناعات العالية ورجال الدين والأدباء والصحافيين وطلبة المدارس. وأخطر من هذا شأنا أنها تخللت الآن طبقة الموظفين وكبار ضباط الجيش، وربما حال حب هؤلاء للنظام العسكري ومحافظتهم على الأصول الرسمية دون مجاهرتهم بأميالهم. وقد كان سلوك الموظفين المصريين مع اللجنة سلوكا لا غبار عليه، ولكن معظمهم من أشد أنصار الحركة الوطنية في قلوبهم ونفوذهم يتجه إلى الجهة الوطنية ولا يعقل أن أميال رؤساء كل طبقة من طبقات الهيئة الاجتماعية وجميع الذين يقوم بهم الرأي العام في الأمة لا يؤثر في السواد الأعظم منها على مر الأيام. ولا ينكر أن هذه الملايين التي تجهل القراءة والكتابة لا تبالي بالحركة الوطنية من حيث كونها مذهبا سياسيا ولكن يسهل تعليمها ترديد الألفاظ المستحبة التي تصير شعارا لها. والمتطرف لا يحاول اكتساب تأييدها إياه بالحجج السياسية المحضة كما يحاول ذلك بالطعن دائما في كل ما هو إنجليزي، وبنسبة كل نكبة تصيب البلاد وكل ظلامة شخصية إلى خبث الموظفين البريطانيين أو عدم كفاءتهم فهذه الحرب القائمة بتسويد كل شيء تسويدا كاذبا يديرها كثيرون : خطباء الجوامع والطلبة الذين يعودون إلى بلادهم أيام عطلة المدارس وجميع الصحف العربية إلا القليل منها.
<22>