إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

الأجانب من الضرائب ومن وجوب اتباع القوانين المحلية واللوائح العادلة فتؤخر بذلك تقدم البلاد تأخيرا عظيما لا مسوغ له، ولذلك كانت سياسة بريطانيا العظمى ولا تزال التخلص من الامتيازات الأجنبية واستبدالها بنظام يحمي كل المصالح الأجنبية المشروعة، ويبطل الامتيازات التي يتمتع بها الأجانب الآن والتي لا يمكن الدفاع عنها وللوصول إلى هذه الغاية دارت المفاوضة منذ مدة بين بريطانيا العظمى والدول التي لها حقوق في مصر بموجب الامتيازات ولكن هذه الدول لا يمكن أن تتنازل عن تلك الحقوق ما لم تحصل على ضمان بأن أبناء وطنها يحصلون على العدل والمعاملة بالإنصاف في المستقبل. ولإعطائها هذا الضمان يجب أن توضع بريطانيا العظمى في مركز يمكنها من تنفيذه ، فمن مصلحة مصر إذن أن يمكن بريطانيا العظمى أن تحمي الامتيازات التي يتمتع بها الأجانب الآن في مصر و يقضي العدل والإنصاف بإبقائها فيها. وبهذا المعنى يجب أن يفسر الاعتراف في معاهدات الصلح الحديثة بمركز بريطانيا العظمى في مصر.

        هذه هي أوصاف التسوية التي بتنا نرى أنها تضبط العلاقات بين بريطانيا العظمى ومصر في المستقبل ذكرناها بوجه الإجمال وتركنا تفصيلها لنشرحه بعد، فلما شرعنا نناقش فيها المصريين الذين كنا نحن وإياهم على وداد- وكلهم من ذوي الآراء المتقدمة في الوطنية تقدما متفاوتا في القلة والكثرة- وجدنا منهم ما شدد عزائمنا وهو مقابلتهم لاقتراحاتنا بالميل إليها والعطف عليها لأنهم يرتاحون إلى فكرة عقد معاهدة أو تسوية يتفق عليها الفريقان كما يتفق الند مع ندّه لا كما يملي الأعلى على الأدنى لمطابقتها لشعورهم بأنهم شعب قائم برأسه ولحفظ كرامتهم القومية ، إذ الأمر الظاهر أن تلك الفكرة تنطوي على الاعتراف مبدئيا باستقلال مصر ولا تطابق النظرية التي تعتبر بموجبها مصر ملكا من الأملاك البريطانية. ولما نظروا في الشروط التي اشترطناها في اقتراحنا وعلقناها على ذلك الاعتراف سلموا بأنها وإن كانت شروطا لا يقبلها الوطنيون المتطرفون لكنها من الشروط التي يستطيعون أن يسوغوها ويبرروها أمام أبناء وطنهم لكونها تطابق حالتهم القومية وكونهم أمة قائمة بنفسها، فإنهم لا يستطيعون المحافظة على تلك الحالة إلا إذا أيدتهم بريطانيا العظمى فيها. ويحق لبريطانيا العظمى أن تأخذ بدلا معقولا لهذا التأييد الذي لا غنى عنه لمصر وهذا البدل إنما هو الإشراف على سياسة مصر الخارجية وإبقاء قوة في أرض مصر لقضاء أغراضها الإمبراطورية. أما فيما يختص بشؤون مصر الداخلية فمصر تكون ولية أمرها وحاكمة نفسها بنفسها تماما إلا فيما يختص بامتيازات الأجانب. وأما القيود التي يتقيد بها حكم مصر نفسها بنفسها من بقاء بعض من تلك الامتيازات فلا تكون أكثر بل أقل مما كانت طول الزمان وأثقالها تكون أيضا أخف مما كانت. ولا ينكر بعد هذه الاعتبارات أن التسوية التي اقترحناها لم تقترح حبا، بمصلحة بريطانيا العظمى وحدها بل بها و بمصلحة مصر أيضا ولذلك يمكن الدفاع عنها بحجة كونها تصلح لأن تكون أساسا عادلا معقولا ليبنى عليه تعاون الأمتين في المستقبل.

        ولا يسعنا ذكر رأي المصريين الذين ذكرناهم في هذه التسوية إلا بوجه الإجمال لأن المناقشات طالت بيننا و بينهم، والاختلاف كثر في الرأي بينهم أنفسهم عند التفصيل وقضينا
<28>