إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء


           



إنجلترا تفاوض مصر
تابع (1) تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر (لجنة ملنر)

"وزارة الخارجية المصرية، القضية المصرية 1882 - 1954، المطبعة الأميرية بالقاهرة، ص 33 - 92"

الثالث من مايو أن مستر هرست ( والآن السير سسل ) كان في باريس، فأبلغهم دعوة للاجتماع باللجنة في لندن، ولما أيقن زغلول باشا ألاّ حرج عليه في ذلك على مركزه من حيث كونه المحامي عن الاستقلال المصري وصل إلى لندن في 3 يونيه ورافقه سبعة من أعضاء الوفد ثم التحق بهم عضو أو عضوان آخران.

        ودار الكلام بينهم وبين اللجنة في أوقات متعددة تخللها فترات كثيرة لانشغال عدة من أعضاء اللجنة بأشغال أخرى، ولذلك استمر الكلام إلى أواسط شهر أغسطس، وجرت تلك المناقشات الطويلة على صور وأشكال شتى: فعدد منها جرى في جلسات تحضرها هيئة اللجنة للاجتماع بزغلول باشا ورفاقه بحضور عدلي باشا أيضا، والنقط التي كانت تصعب المناقشة فيها في هيئة كبيرة كهذه كانت تحال من وقت إلى آخر إلى لجان فرعية مؤلفة من أفراد قليلين من الفريقين فيتناقشون فيها ويفضونها عادة. وزد على ذلك أنه كثيرا ما كان الكلام يدور في الفترات التي تتخلل الجلسات لرسمية بين أفراد من أعضاء اللجنة وواحد أو اثنين من المصريين فيأتي بفائدة كثيرة. ولا فائدة من الإسهاب في وصف الوجوه الكثيرة المتغيرة التي جرت عليها هذه المناقشة الطويلة فنقتصر على تبيان أوصافها العمومية.

        ونبتدئ بذكر ما نسطره بالسرور و الارتياح وهو أن العلاقات كانت بيننا على غاية الصفاء والوداد من الأول إلى الآخر حتى أنه لما كان الاختلاف في الرأي بيننا يبلغ غايته، فإن الجدال كان يجري بيننا بمزيد الصداقة، ولا يخامرنا الريب يوما في أن زوارنا كانوا يرومون بكل إخلاص مثلنا أن يجدوا مخرجا من مشاكل الحال ومصاعبها ولكنهم، ونخص بالذكر زغلول باشا نفسه منهم، كانوا مقيدين بقيود الخطة التي اختطوها لأنفسهم قبل ذلك بمدة حين كانوا يعتقدون أن بين أماني المصريين وسياسة بريطانيا العظمى هوّة لا يمكن عبورها للتوفيق بينهما. ولما رأوا أنهم أخطأوا فهم تلك السياسة تعذّر عليهم أن يعدلوا مركزهم حتى يطابق رأيهم بعد تغييره في مقاصد بريطانيا العظمى. فلطالما قالوا لنا المرة بعد المرة إنهم لا يستطيعون قبول اقتراح عرضناه عليهم مع عدم منازعتهم في مطابقته للعدل والإنصاف، وما ذلك إلا لكونه لا يطابق "التوكيل" الذي أخذوه من الشعب المصري. ولم نكن نجني نفعا من قولنا لهم إن " التوكيل " الذي يدّعونه هو البيان الذي وضعوه هم أنفسهم، وأن الجمهور المصري إنما قبله منهم فليس ثم ما يمنعهم من تعديل سياسة هي من بنات أفكارهم، فكانوا يجيبوننا دائما أنه ليس لهم سلطة لأن يحيدوا عن المطالب التي صادقت عليها الأكثرية الكبرى من أهل بلادهم والتي كانت في الأصل قد عرضت منهم. فكان النداء الحربي الذي دوّى بمصر في الثمانية عشر شهرا الماضية حجر عثرة دائما في الطريق، ولذلك كنا كلما قربنا من الاتفاق على أمر جوهري في سياق المناقشة نجد من الصعوبة مالا يعرض في إلباس ذلك الاتفاق ثوبا من التعبير لا يغاير الصيغ التي يرى المصريون أنفسهم مقيدين بحفظها.

        وقبلوا فكرة عقد معاهدة بين بريطانيا ومصر حالما عرضت عليهم، وقد ابتدأنا بها في سيرنا ولولاها لما تقدمنا تقدما يذكر، ولما وصلنا إلى التناقش في شروط المعاهدة التي تتضمن
<31>