إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (5)(*)

خطاب جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود، في مؤتمر الرياض(*)

"أيها الإخوان.

          تعلمون عظم المِنّة، التي منّ الله بها علينا بدين الإسلام؛ إذ جمعنا به بعد الفُرقة، وأعزنا به بعد الذلة. واذكروا قوله ـ سبحانه ـ:سورة التوبة، الآية 105. وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ. إن شفقتي عليكم وعلى ما مَنّ الله به علينا، وخوفي من تحذيره ـ سبحانه ـ بقوله: سورة الرعد، الآية 11.إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، كل هذا دعاني لأن أجمعكم في هذا المكان، لتتذكروا، أولاً، ما أَنعم الله به علينا، فنرى ما يجب عمله لشكران هذه النّعمة؛ وثانياً، لأمر بدا في نفسي، وهو أنني خشيت أن يكون في صدر أحد شيء يشكوه، مني أو من أحد نوابي وأمرائي، بإساءة كانت عليه أو بمنعه حقاً من حقوقه، فأردت أن أعرف ذلك منكم، لأخرج أمام الله بمعذرة من ذلك، وأكون قد أديت ما عليّ من واجب؛ وثالثاً، لأسألكم عما في خواطركم، وما لديكم من الآراء، مما ترونه يصلحكم في أمر دينكم ودنياكم".

          "إن القوة لله وحده. وكلكم يذكر، أنني يوم خرجت عليكم، كنتم فِرقاً وأحزاباً، يقتل بعضكم بعضاً، وينهب بعضكم بعضاً، وجميع من ولاه الله أمركم، من عربي أو أجنبي، كانوا يدسّون لكم الدسائس، لتفريق كلمتكم، وإنقاص قوّتكم، لذهاب أمركم. ويوم خرجت، كنت محل الضعف، وليس لي من عضد ومساعد إلاّ الله، وحده، ولا أملك من القوة غير أربعين رجلاً، تعلمونهم. ولا أريد أن أقص عليكم ما منّ الله به عليّ من فتوح، ولا ما فعلت من أعمال معكم، كانت لخيركم؛ لأن تاريخ ذلك منقوش في صدر كل واحد منكم، وأنتم تعلمونها جميعها، وكما قيل (السّيرة تبيّن السّريرة). إنني لم أجمعكم، اليوم، في هذا المكان، خوفاً أو رهباً من أحد منكم، فقد كنت وحدي من قبْل، وليس لي مساعد إلاّ الله، فما باليت بالجموع، والله هو الذي نصرني؛ وإنما جمعتكم، كما قلت لكم، خوفاً من ربي، ومخافة من نفسي أن يصيبها زهوٌ أو استكبارٌ. جمعتكم، هنا، في هذا المكان، لأمر واحد، ولا أجيز لأحد أن يتكلم، هنا، في غيره، ذلك هو النظر في أمر شخصي وحدي. فينبغي أن تجتنبوا، في هذا المجلس، الشذوذ عن هذا الموضوع. ولا أبيح لأحد أن يخاصم، في هذا المجلس، أحداً في رأيه، ولو أخطأ؛ فالجميع أحرار في ما يتكلمون به في هذا الموضوع. أما الأشياء الخارجة عن هذا، فسأعيّن لكم اجتماعات، خاصة وعامة، في غير هذا الاجتماع العلني، ننظر فيها بجميع الشؤون، التي ينبغي النظر فيها من سائر شؤوننا".

          "أريد منكم أن تنظروا، أولاً، فيمن يتولى أمركم غيري، وهؤلاء أفراد العائلة أمامكم، فاختاروا واحداً منهم. ومن اتفقتم عليه، فأنا أقره وأساعده. وأحب أن تكونوا على يقين بأنني لم أقل هذا القول استخباراً أو استمزاجاً، لأنني ـ ولله الحمد ـ لا أرى لأحد منكم منِّة عليّ في مقامي هذا، بل المنّة لله وحده. ولست في شيء من مواقف الضعف، حتى أترك الأمر لمنازع بقوة، سواء كان المنازع ضعيفاً أو قوياً، وسواء كنت في كُثْر أو قُلّ. وما يحملني على هذا القول، في هذا الموقف، الذي لا فضل لأحد في وقوفي فيه، إلاّ لله وحده، الذي نصرني وأيدني ـ إلاّ أمران، الأول: محبة لراحتي في ديني ودنياي؛ والثاني: أني أعوذ بالله، أن أتولى قوماً، وهم لي كارهون. فإن أجبتموني إلى هذا، فذلك مطلبي، ولكم أمان الله، أنه من يتكلم في هذا، فهو آمن، ولا أعاتبه، لا عاجلاً ولا آجلاً. فإن قبِلتم طلبي هذا، فالحمد لله. وإن كنتم لا تزالون مصرين على ما كلمتموني به، على إثر دعوتي لكم، فإني أبرأ إلى الله، أن أخالف أمر الشرع في اتباع ما تجمعون عليه، مما يؤيد شرع الله (أصوات: كلنا مصرون على آرائنا، ولا نريد بك بديلاً). فإذا لم يحصل ذاك منكم، (فعليكم) أن تبحثوا في أمر آخر، ذلك هو شخصي وأعمالي. فمن كان له عليّ، أنا عبدالعزيز، شكوى، أو حق، أو انتقاد في أمر دين أو دنيا، فليبينه. ولكل من أراد الكلام عهد الله وميثاقه وأمانه، أنه حر في كل نقد يبينه، وأنه لا مسؤولية عليه، وإني لا أبيح إنساناً من العلماء، ولا من غيرهم، أن يكتم شيئاً من النقد في صدره، وكل من كان عنده شيء فليبينه، ولكم عليّ أن كل نقد تذكرونه، فما كان واقعاً، أقررت به وبينت سببه، وأحلت حكمه للشرع يحكم فيه؛ وما كان غير بيّن، وهو عندكم من قبيل الظنون، فلكم عليّ عهد الله وميثاقه، أنني أبينه، ولا أكتم عليكم منه شيئاً. وأما الذي تظنونه مما لم يقع، فأنا أنفيه لكم وأحكِّم في كل ما تقدم شرع الله، فما أثبتَه أثبتُّه وما نفاه نفيته".

          "لذلك، فأنتم، أيها الجماعة، أبدوا ما بدا لكم، وتكلموا بما سمعتموه، وبما يقوله الناس من نقد وليّ أمركم، أو من نقد موظفيه المسؤول عنهم. وأنتم، أيها العلماء، اذكروا أن الله سيوقفكم، يوم العرض، وستسألون عمّا سُئلتم عنه اليوم، وعمّا ائتمنكم عليه المسلمون. فأبدوا الحق في كل ما تسألون عنه، ولا تبالوا بكبير ولا صغير؛ وبينوا ما أوجب الله للرعية على الراعي، وما أوجب للراعي على الرعية، في أمر الدين والدنيا، وما تجب فيه طاعة وليّ الأمر، وما تجب فيه معصيته. وإياكم وكتمان ما في صدوركم، في أمر من الأمور التي تسألون عنها. فمن كتم ما في صدره، فالله حسبه، يوم القيامة. ولكل من تكلم بالحق منكم، فله عهد الله وميثاقه، أنني لا أعاتبه، وأكون "ممنوناً" منه، وأني أنفذ قوله، الذي يجمع عليه العلماء. والقول الذي يقع الخلاف بينكم فيه أنتم ـ العلماء ـ فإني أعمل فيه عمل السلف الصالح، إذ أقبل منه ما كان أقرب إلى الدليل، من كتاب الله وسُنَّة رسوله، أو قول لأحد العلماء الأعلام، المعتمد عليهم عند أهل السُّنة والجماعة. إياكم، أيها العلماء، أن تكتموا شيئاً من الحق، تبتغون بذلك مرضاة وجهي. فمن كتم أمراً، يعتقد أنه يُخالف الشرع، فعليه من الله اللعنة. أظهروا الحق وبينوه، وتكلموا بما عندكم".

ــــــــــــــــــــــــ


(*) صححت الموسوعة الخطاب لغةً وإملاءً وترقيماً.

(*) جريدة "أم القرى"، العدد الرقم 208، الصادر في 6 رجب 1347هـ.