إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة، حول معركة فلسطين
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 295 - 299 "

بالجميل للدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا اللتين اعانتا تونس في ظروف حرجة حينما كانت فرنسا استعمارية وحاولت محقنا في فترة كان استقلالنا فيها معرضا للخطر فوقفتا لتأييد حق تونس وقدر لهما الشعب ذلك ولم ينسه، فانه لا يتحتم علينا السكوت عن هضم حقوق شعب تسلط عليه الاضطهاد. وكل من له ضمير لا يسعه الا استنكار ما آلت اليه فلسطين، وقد شاهدت كثيرا من الأمريكيين يتضايقون ويتألمون كلما ذكرت تلك القضية.

          ويجب ان تذكروا دائما ان هذه القضية قضية مبدأ. ففي وقت انقضى فيه الاستعمار وتمت تصفية الامبراطوريات الاستعمارية لا يجوز ان يبقى شعب فلسطين المنكوب المسكين محكوما عليه بالتشريد المؤبد.

          ذلك هو موقفنا الذي جاهرنا به، وبالطبع فانه كان على الشعوب العربية وخاصة منها المتاخمة لإسرائيل ان تنسق جهودها وتضبط خطة بعيدة المدى لان قوى كبرى طرأت من سوء الحظ على هذا الوضع المزري المؤلم، كلما طرأت أمور اخرى خارجة عن قضية فلسطين آلت إلى تدهور علاقات الدول العربية مع بعضها البعض مما لا مجال لبحثه هنا.

          وأملنا اليوم طي صفحة الماضي بصورة جدية والاعراض عن الاتهامات بالعمالة لإسرائيل وللامبريالية وما شابه ذلك. فالان وقد دقت ساعة الجد، اعيد إلى الأذهان ما لم أنفك أصدع به وهو انه لا يوجد زعيم عربي واحد يمكن وصفه بأنه عميل اسرائيل، سواء كان منتسبا للثوريين أو التقدميين أو الاشتراكيين أو كان متهما بالرجعية. فالمسألة لا تتعلق بالثورية أو الاشتراكية أو الرجعية بل هي مسألة مبادئ واخلاق وكرامة شعب. انكم تعرفون الملابسات التي لا اريد ان اطيل الحديث عنها والتي جعلتنا مشتتين، والشاعر العربي يقول " جزى الله الشدائد كل خير ". ولعل المصيبة ستجمع شملنا اليوم كما جمعت بيننا معركة بنزرت، ونأمل ان لا نعود إلى التناحر يوم تزول المصيبة. فقد كنا في حالة قطيعة مع مصر وحالما بلغنا خبر العدوان الإسرائيلي على القاهرة ودمشق وعمان تأثرنا له كما تأثرنا عندما بلغنا نبأ العدوان الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف أو رمادة أو مدينة بنزرت. وها نحن نطوي صفحة الماضي ونبعث ببرقية للرئيس جمال عبد الناصر- كما فعل هو نفسه أيام حرب بنزرت - نعرب له فيها عن تأييدنا. كما وجهنا برقيات مماثلة إلى جميع رؤساء الدول العربية التي دخلت في حرب ضد اسرائيل نعلمها بموقفنا وباستعدادنا للتضحية.

          بقي الان ان نفكر في تنسيق جهودنا لان الظروف مع سوء الحظ لم تسمح لنا بتنسيقها من قبل، واتمنى أن تهيئ لنا ذلك الاتصالات التي نسعى لربطها بالجمهورية العربية المتحدة عن طريق سفيرها بالجزائر الذي هو على اتصال بالسيد عبد المجيد شاكر. ولماذا نضطر لهذه الطريقة والحال ان موقفنا معروف منذ نصف شهر. وقد اوضحه كاتب الدولة للخارجية ثم كاتب الدولة للدفاع ثم مجلس الأمة ومع ذلك لم يكن له صدى.

          ومنذ حين فقط بلغنا ان الاذاعة المصرية ذكرت تونس بين البلدان التي تساند الجمهورية العربية المتحدة. وارجو ان لا نرجع لما كنا فيه من خلافات، وان تنفرج ازمه تحرير فلسطين حتى نتخلص من دمل ينخر جسم الأمة العربية، ويتحقق مع ذلك تعاون على تصفية الجو بين كل الدول العربية باعتبارها شقيقات تتمتع كل واحدة منها بسيادتها وكرامتها ويؤخذ رأيها. فإذا تم هذا استطعنا ان نقول جزى الله الشدائد كل خير، وعندها تكون قضية فلسطين انتهت بنا إلى نتيجة تعذر الوصول اليها من قبل.

          ولعل العلاقات تستأنف بين البلدين ولو عن طريق سفيرنا بالجزائر أو سفيرنا بباريس فيتسنى لي ايفاد مبعوث شخصي إلى القاهرة وعمان وبغداد للاستفسار عن العون المنتظر من تونس. وقد وضعنا الجيش من الان على اهبة الاستعداد للاستجابة لكل طلب يصدر الينا من اخواننا العرب سواء كان الأمر يتعلق بالرجال أو العتاد أو الأخصائيين أو غير ذلك مما نستطيع تقديمه لهم في اسرع وقت كمساهمة فعالة في المعركة.

          ان املي ان تبلغ تصريحاتي هذه الشعب المصري والشعوب العربية في الشرق لتدرك أن بورقيبة ليس عميلا لأي شخص مهما تكن روابط الأخوة أو المودة معه ولا لاية دولة مهما كانت اعانتها لتونس في الحاضر أو تأييدها لها في عهد الكفاح من اجل الاستقلال.

          فنحن ندين بمبادئ نعتبرها فوق كل شيء وترتكز على ضميرنا الذي يستنكف عن التلاعب، وتحول بيننا وبين ان نكون ذنبا أو عميلا لاحد. والشعب التونسي

<3>