إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

           



( تابع ) خطاب الرئيس الحبيب بورقيبة، حول معركة فلسطين
المصدر: " الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1967، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 3، ص 295 - 299 "

الذي كافح ثلث قرن من اجل الكرامة والسيادة لا يمكن ان يضحي بهما او يتساهل في شأنهما مع أي شقيق أو صديق. هذا ما يتحتم على العرب ان يفهموه وهم منسوبون إلى الكرامة والعزة، ويدركون ما تنبئ به هذه اللهجة خصوصا وهم يعرفونني ويعرفون جهادي طيلة ثلث قرن.

          اننا نقوم بواجبنا في الظروف الحرجة ونسأل الله ان يوفقنا واخواننا العرب لما فيه الخير ودعم الاتحاد وتأليف القلوب حتى تلتئم الصفوف ويعود أعمالنا التفكير وبعد النظر والاحترام المتبادل. هذا هو موقفنا فيما يخص العدوان الصارخ المتمثل في طرد شعب من بلاده والحكم عليه بالتشريد.

          بقيت مسألة اخرى اريد لفت نظر الشعب اليها، وأنا اتوسم فيه الخير واعتقد ان له من الوعي والنضج ما يجعله في مستوى راق خاصة وقد تجاوب مع افكاري وطريقتي في الكفاح مدة ثلث قرن عن طريق اتصالي به مباشرة. فلم اكن اتصور ان الحماس والغيرة على فلسطين يحملان بعض الرعاع والفلتاء على الهجوم بكيفية فظيعة على سفارتي امريكا وبريطانيا وشركة أمريكية للطيران. ولم اكن اتصور اننا ما زلنا على هاته الحال في تونس لان تصرفا كهذا يذكرني بعهد البليات زمن التعصب والفوضى.

          اني استغرب ما وقع خاصة وقد كافحنا فرنسا مدة ثلاثين سنة وتحملنا التضحيات واستشهد ابناؤنا في رمادة وبنزرت دون ان يمس فرنسي من المدنيين في العاصمة أو غيرها بسوء، وقد كان ذلك سببا في نجاحنا لان شعبنا اقام الدليل على نضجه وتحمله المسؤولية وقدرته على التحكم في اعصابه وعلى المسالمة اذا ما اقتضت المصلحة ذلك لان الدولة هي المسؤولة عن سلامة المتساكنين ويجب ان تضطلع بمسؤوليتها على الوجه الأكمل. اننا لم نمس المعمرين الفرنسيين بسوء حتى سنحت لنا الفرصة فأخرجناهم اعتمادا على القانون، ولو هاجمناهم اثناء الاعتداء على ساقية سيدي يوسف لما خرجوا هم وجيشهم ولما وجدنا دولة تعاضدنا في مجلس الأمن أو في هيأة الأمم المتحدة ولاعتبرنا العالم قوما همجا جديرين بأن نساق بالعصا.

          أنسيتم اننا متعهدون بضمان سلامة السفارات الأجنبية و الدبلوماسيين الأجانب و أسرهم. ان عدم توفر الامن للسفارات قد يدفع بدولها إلى التدخل لحمايتها بدعوى اننا عاجزون عن ذلك. وإني لاذكر اننا عندما امسكنا زمام الأمن في ايدينا بعد ان تقلدنا الحكم كانت السفارة الفرنسية تحت حراسة جنود فرنسيين فطلبت من السيد " روجي سيدو " تنحيتهم وتحملت المسؤولية وتولت شرطتنا السهر على امنها.

          ان الذي حدث اليوم آلمني اشد ايلام. وهو يجعلنى أتخوف على مستقبل الأمة واندفاعها في الحالات الفوضوية مثلما وقع في برج على الرايس عندما اردنا تنظيم المساكن وتحطيم الاكواخ، على اني اصدرت امري بالعفو على جميع المحكوم عليهم في هاته الحادثة من طرف المحكمة العسكرية بمناسبة عيد النصر.

          فأنا دائما اتوسم الخير في الشعب ولا ايأس من رجوعه إلى الجادة لان الدولة ليست ظالمة ولا تعمل على كبت الشعور القومي، لكنها لا تسمح لاحد ان يطعن في هيبتها أو ينال من كرامتها ويظهرها في مظهر العاجز عن الاضطلاع بمسؤولية حفظ الأمن وخاصة امن السفارات الأجنبية.

          لقد أمرت بتدخل الشرطة والحرس الوطني والجيش حالما احطت علما بهاته التصرفات غير المشرفة لان جريمة النهب جزاؤها الإعدام الفوري في البلدان الأخرى. ولما سألت عن هوية المسؤولين عن هذه الأعمال قيل لي انهم اناس غير مميزين وشبان صغار ورعاع حاولوا انتهاز الفرصة لاغراضهم السافلة في حين ان الشعب مضرب الأمثال في احترام الضيوف والتوازن والرشد حتى ان كثيرا من البلدان ترسل سياحها، إلى تونس مطمئنة عليهم. ورغم ذلك نرى الوضع ينقلب بين عشية وضحاها في الوقت الذي كنت اظن فيه أن

<4>