إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (3)

أول بيان سياسي للملك فيصل (*)

مناسبة الخطاب

         في عام 1342هـ/1923م، كان جو الرياض مشحوناً بنذر حرب. كان سلطان نجد عبدالعزيز آل سعود يواجه تحدياً خطيراً، وهو تحدي الشريف حسين، شريف مكة، الذي لم يشأ أن يحسب لعبدالعزيز وشعبه حساباً. مع أن معركة تربة عام 1919م، كانت درساً له وعبرة. وكان الشريف حسين يمنع أهل نجد من الحج، وكان متمسكاً بما يراه حقاً له في مناطق يعدها النجديون من بلادهم. وكان يعد العدة لبسط نفوذه، وسيطرته على الجزيرة العربية كلها. وقد أطلق على نفسه لقب: ملك العرب!

         وكان يطمع في قيام دولتين جديدتين تحت حكم ولديه: فيصل في العراق، وعبد الله في الأردن، فأعلن نفسه، بعد إلغاء الخلافة في تركيا: خليفة المسلمين!

         كما يطمع في التفاف المسلمين في العالم حول خلافته، وفي تأييد البريطانيين لزعامته، ثم انضمام أمراء العرب، ومنهم سلطان نجد، تحت رايته!

         وهكذا، كان على عبدالعزيز أن يواجه هذه الظروف كلها مجتمعة! وقرر مجابهة الحسين.

         ولم تكن في نجد يومئذ صحافة ولا وسائل دعاية منظمة، ولذلك استعان عبدالعزيز بابنه فيصل  وبعدد من مستشاريه ورجاله المقربين، لإفهام العالم الإسلامي مقاصده الشريفة، والرد على ما ينشره الملك حسين وأعوانه، في صحف العالمين العربي والإسلامي، عن سلطان نجد، لتشويه سمعته.

         بدأ الأمير فيصل تجربته الأولى، في هذا الظرف الدقيق، فوضع أول بيان سياسي يصدر عن الرياض، وكانت سنه يومئذ حوالي الثامنة عشرة.

         أرسل فيصل البيان في اليوم العشرين من رجب عام 1342هـ/25 فبراير 1924م، إلى الصحف، وقد وصفته جريدة (المنار) بأنه: أول بلاغ عام يصدر عن عاصمة نجد، بإمضاء نجل سلطانها، أرسل إلى أشهر الصحف في العالم الإسلامي. واعتبرته إعلاناً لخروج حكومة نجد من عزلتها، وتعرفها إلى العالم الإسلامي والشعوب العربية، وإدلائها بدلوها في مسألة الخلافة.

وهذا نص البيان الأول للأمير فيصل:

         نشرت جريدة المقطم بتاريخ 12 جمادى الآخرة 1342/27 يناير 1924م، مقالاً بعنوان (حديث  ملك الحجاز)، وقد اطلعنا في بعض الجرائد السورية والعراقية على أحاديث وتصريحات تكاد تتفق مع هذا الحديث.

         إن هذه الأحاديث قد تضمنت أشياء عن سلطان نجد، وموقفه في القضية العربية والاتحاد العربي، تخالف الحقيقة والتاريخ. وإننا لنأسف أن يتجرأ المسؤولون على الاختلاق على الأحياء.

         لقد سعى سلطان نجد في خلال الحرب العالمية وبعدها، لبناء الوحدة العربية، فأرسل الكتب العديدة والرسل لابن الرشيد وملك الحجاز وأمير عسير وأمير الكويت. ولكن ملك الحجاز من بين أمراء العرب قابل الدعوة بالاستهزاء، بل سعى لنقض بنيانها بما كان يسعره من نيران الفتن والدسائس في عسير وغيرها. وكتبه المرسلة منه إلى آل عائض والرشيد محفوظة لدينا. وماذا يقولون في الكتب التي أرسلها سلطان نجد مع مساعد بن سويلم إلى ملك الحجاز وأولاده؟. تلك الكتب نشرت في الصحف في حينها. وهي تنطق بما تنطوي عليه جوانح سلطان نجد، وميله الشريف إلى التصافح مع جيرانه والاتحاد معهم؟. هل علموا أن ملك الحجاز لم يسمح لأولاده بإجابة سلطان نجد، وأنه، أي ملك الحجاز، قد تخطى حدود اللياقة بأن جعل جوابه لآل سعود كافة. لا للجالس على عرش نجد!. هل هذه الأعمال مما يقرب زمن الاتحاد العربي؟، وهل بمثل هذه السياسة تجتذب قلوب أمراء العرب؟.

         يصرح ملك الحجاز أنه خاطب سلطان نجد بأنه مستعد للتنازل عن عرشه، وتسليم زمام الأمر لمن يستطيع أن يقود العرب إلى طريق النجاة والسلامة. وهذا أمر لا أساس له بالمرة، بل الواقع يخالفه تمام المخالفة. نعم إن ملك الحجاز قد صرح أمام بعض الجماهير بمثل هذه التصريحات للتمويه على البسطاء. إن ملك الحجاز يحاول أن يتولى الزعامة غير المقيدة في جزيرة العرب كلها، لسيتذل أمراء العرب، ويقتطع بلادهم، ويتدخل في شؤونهم الداخلية. وهذا ما لا يمكن أن يوافقه عليه أحد. وإن مكاتبات ملك الحجاز إلى أهل القصيم، وحثهم على نقض ولائهم لسلطانهم دليل بيّن على ما يخفيه لسلطان نجد وبلاده.

         إن تحت يدنا من الكتب والرسائل التي وجدت في تربة والخرمة وعسير، ما يفيد أن ملك الحجاز وولده عبد الله لا يسعون إلا لشهواتهم ومصالحهم، ولو أدى ذلك إلى هدم بناء العرب. ولكننا نمسك عن نشرها الآن، فإذا سمح لنا ملك الحجاز بنشرها نشرناها، وهنالك يعلم العالم الإسلامي والعربي الجنايات والدسائس التي يقوم بها أولئك القوم، الذين اتخذوا الصياح وقلب الحقائق ديناً لهم، وسيعلمون أي الفريقين يجني على أمته العربية ووحدتها، وأيهم سبب هذا الانقسام، وألقى النفرة بين الأمراء، وأشعل نيران الفتنة والحروب بينهم. نعم سيعلمون أن سلطان نجد لم يكن في جميع مواقفه إلا مدافعاً عن نفسه وبلاده وشرفه، وأنه كان ولا يزال راغباً من صميم فؤاده في إنشاء الوحدة العربية على أساس يجعل للعرب قوة ومكانة تليق بتاريخهم المجيد.

20 رجب 1342 (*)
فيصل بن عبدالعزيز بن سعود



1. د. منير العجلاني: تاريخ مملكة في سيرة زعيم

2. يوافق 25 فبراير 1924م.