إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

     



خطاب الفيصل في حفل مؤسسة النقد(1)

أيها السادة:

          يسعدني في هذه المناسبة المباركة أن أعبر عن عظيم شكري وامتناني لسعادة المحافظ ومؤسسة النقد العربي السعودي لإتاحتهم هذه الفرصة لي لأجتمع بكم أيها الإخوان ولأتحدث إليكم.

يا صاحب السعادة:

          لقد كفيتموني مؤونة تعداد ما قامت به حكومة صاحب الجلالة من بعض ما يجب عليها تجاه شعبها وبلدها، وإذا كانت حكومة صاحب الجلالة قد قامت أو ستقوم في المستقبل بما يحتمه عليها واجبها تجاه المواطنين. فإنها لا تدعي بذلك فخراً ولا فضلاً ولا تكرماً، وإنما هي تعتبر هذا من أول الواجبات التي يحتمها عليها الفرض المفروض عليها تجاه أبناء وطنها وأمتها، ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أعبر لسعادتكم عن شكري للنصائح الثمينة، التي تفضلتم بها في المقترحات التي وردت في خطابكم، ولذلك أجد من واجبي أن أبين لكم وللمواطنين أن حكومة صاحب الجلالة لم تغفل عما تفضلتم به. فلقد بدئ في الدراسات في النواحي الزراعية فعلاً، ولقد انتهت العطاءات التي تقدمت بها الشركات لدراسات الطرق التي في عزم حكومة صاحب الجلالة أن تعبدها في المملكة، وفيما أعتقد أن نتيجة هذه العطاءات الآن معروضة على مجلس الوزراء للبت فيها، هذا من ناحية الدراسات في الزراعة والطرق والمواصلات، أما ما يختص بالمعاهد الفنية فعلى حسب علمي أنه بدئ فعلاً في فتح بعض المعاهد في بعض المدن لتخريج العمال الفنيين، ولا أقول المهندسين، ولكن حاجتنا إلى العمال الفنيين أكثر بكثير من حاجتنا إلى المهندسين، ووزارة المعارف قد افتتحت فعلاً كلية الهندسة، ولو كان الطلاب في هذه السنة لا يتجاوز عددهم الخمسة والعشرين، ولكنه يؤمل في السنة الآتية أن يصل إلى 120 طالباً. ومن ناحية الصناعات البترولية فعلى حدّ علمي أن وزارة البترول والثروة المعدنية جادة في دراسة هذه الناحية، والاستفادة من مشتقات البترول لإيجاد صناعات في البلاد تفيد البلد والشعب وتكون ركيزة من ركائز الاقتصاد الوطني، هذا مع ما تقوم به الوزارة المذكورة من أبحاث وتنقيب عن المعادن الأخرى للاستفادة منها في المستقبل القريب ـ إن شاء الله ـ مع هذا كله كما قدمت فإننا لا نرى أننا قمنا بكل الواجب، ولكن علينا أن نحسن وأن نبذل الجهد.

          وكما يعرف الجميع فإن جهد البشر محدودٌ وإنما الخالق، سبحانه وتعالى، هو الذي يوفق بالنتائج الحسنة، إن شاء الله، ويسعدني في هذا المقام أن ألفت النظر إلى ناحية ثانية فإن حكومة صاحب الجلالة مع قيامها بكل ما تقدم فإنها، ولله الحمد، لم ترهق المواطنين بالضرائب، ولم تلجأ إلى الاستدانة والاقتراض، ولا نعرف أنها تلقت أية مساعدات من أية جهة في العالم، وإنما قامت بكل ذلك بما فتح الله عليها من خير، واستناداً إلى جهود أبناء وطنها وهممهم العالية، ومع هذا كله فلو وجدنا في المستقبل أن هناك حاجة إلى أننا نصرف أكثر مما نستورده فهذا لا يمنعنا بأن نستقرض، أو نطلب المساعدات، ولكن ما دمنا نجد ما يكفي حاجتنا من مواردنا الخاصة فسوف لا نلجأ للاستقراض أو للاستعانة.

          يا صاحب السعادة: إنكم على اطلاع بما يجري في ميزانية الدولة وما يصرف منها سنوياً، والجهود التي تبذلها الحكومة في أن تصرف أكثر ما يمكن، رغبة منها في سد احتياجات المواطنين، وفي أن يبلغوا من المعيشة ما يستحقوه من كرامة ورفاه لازمين.

          هناك ملاحظة أحب أن أمر عليها في هذا المقام وهي أن مجلس الوزراء في الأيام الماضية درس مذكرة مقدمة من وزارة المالية والاقتصاد الوطني. ترمي إلى وضع الموازنة على قواعد ثابتة، وكانت الدولة في السنوات الماضية تلجأ بعض الأحيان لموازنة الوارد والمنصرف إلى إضافة ما يتوفر من ميزانيتها إلى الواردات المنتظرة، وهذا طبعاً فيه شيء من التجاوز على الهدف أو على الغاية التي ترمي إليها الحكومة، ونحن نحاول أن نوازن بين مصروفاتنا الحقيقية ووارداتنا الحقيقية، ولا نضيف إليها ما يجب أن يذهب إلى احتياطي الدولة، حتى يكون التوازن صحيحاً. وفي اعتقادي أن مجلس الوزراء في المستقبل القريب سيوفق ـ إن شاء الله ـ إلى إيجاد طريقة توازن بين الدخل الحقيقي والمصرف الحقيقي.


1. أم القرى، العدد 1986 في 18 ربيع الثاني 1383 الموافق 6 سبتمبر 1963

<1>