إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (4)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
في المؤتمر الإسلامي
مكة المكرمة، 17/4/1965(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

باسمه ـ تعالى ـ نفتتح هذا المؤتمر الإسلامي، راجياً له التوفيق والنجاح.

أيها الإخوة المسلمون، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

       إنكم، أيها الإخوة، تعقدون مؤتمركم في رحاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ وفي جوار بيته، وفي حرمة هذا البلد المقدس، الذي انبعث منه نور الإسلام، وهبط فيه الوحي على محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه. إنكم، أيها الإخوة، لا تعقدون مؤتمراً عادياً؛ ولكنكم، في هذا المؤتمر، ستنظرون في أمر المسلمين، في العالم كله.

       إن المسلمين، أيها الإخوان، ينظرون إليكم، الآن، نظرة أمل ورجاء، في أن يكون هذا المؤتمر فاتحة عهد جديد، للسير بالمسلمين في طريق الحق، والتوجيه الإسلامي الصحيح، والدعوة لكتاب الله وسنة رسوله.

إخواني الكرام
       
إن المسلمين، في هذه الأيام، يتعرضون لامتحان، لم يسبق له مثيل في التاريخ. كان المسلمون، في العهد الماضي، يجاهدون، ويكافحون أعداء بارزين؛ ولكننا، اليوم، أيها الإخوة، ابتلينا ببعض المحن، التي نبعت من المسلمين أنفسهم، وإنكم، لا شك، تقدرون الوضع الحالي للإسلام والمسلمين.

أيها الإخوة
       
لا أريد أن أطيل عليكم، في هذا الصدد؛ فإنكم تعلمون، كما أعلم وألحظ. إنكم، أيها الإخوة، في مؤتمركم هذا، محط آمال ورجاء المسلمين، في كل قطر. فالواجب علينا جميعاً، أن نعالج أدوائنا، وأن ننظر في أمورنا، وأن نتخذ من الفرصة، التي هيأها الله ـ تعالى ـ للمسلمين، وهي فرصة الحج إلى بيت الله الحرام، من كل سنة ـ منطلقاً للنظر في شؤوننا، وتعقب أدوائنا، وعلاجها، وإصلاح أمورنا، والتفقه في ديننا، والقيام بكل ما أوجبه الله علينا، لخدمة أمتنا. إننا، أيها الإخوة، في هذا البلد، شعباً وحكومة، لنرحب بكم، وندعو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعلنا معكم، من الذين قال فيهم ـ سبحانه وتعالى ـ
الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر.

       وإنه ليشرف شعب المملكة العربية السعودية (وحكومتها)، أن يكون عضواً عاملاً، للدعوة إلى كتاب الله ـ سبحانه وتعالى ـ وخدمة أمتنا الإسلامية، والسعي لما يرفع شأنها، ويحقق آمالها، وينير لها سبيل الحق.

أيها الإخوة
         إننا نرى، اليوم، في الأمة الإسلامية، من التفرقة والتناحر والاختلاف ـ ما ينذر بخطر جسيم. فلماذا التفرق، أيها الإخوان؟ ولماذا الاختلاف، ولدينا كتاب الله، وسنة رسوله؟ إن علينا جميعاً، أن نسعى لتحكيم كتاب الله، وسنة رسوله، في جميع شؤوننا؛ فالدين الإسلامي، كما تعلمون، أيها الإخوة، هو دين الحكمة، ودين الرقي، ودين القوة، ودين العدالة، ودين المساواة. لا يمكن، أيها الإخوة، لنظام أو قانون وضعي، أن يبلغ ما بلغه دين الإسلام، من تنظيم وتدقيق، منذ أن خلق الله البشر، إلى قيام الساعة. لماذا، أيها الإخوة، ونحن مسلمون، نؤمن بالله ونتبع سنة رسول الله، لماذا نلجأ إلى وضع القوانين الوضعية والدساتير، التي تتعارض مع أصول ديننا؟

       إن الإسلام، أيها الإخوان، لا يمنع من تنظيم أمور المسلمين؛ ولكن، يجب أن يستنبط من كتاب الله، وسنة رسوله. فعلينا، أيها الإخوة، أن ننظم أمورنا وشؤوننا، بما يتفق مع كتاب الله، وسنة رسوله. نعم، أيها الإخوة، ربما كان هناك بعض النقص، في أننا لم نتذكر، ولم نتدبر، ما جاء في كتاب الله، وسنة رسوله، ولم نتفهم معانيهما. فعلينا، أيها الإخوة، أن نبحث في هذه الناحية. وإننا لعلى ثقة، بأن علماء المسلمين الأفاضل، سيقومون بتبيان ما تحتويه السنة النبوية، لما فيه خير المسلمين.

أيها الإخوان
       
إنني لا أريد أن أطيل عليكم، بالنسبة لما يتعرض له الإسلام والمسلمون، اليوم، من تيارات مختلفة، ومن مبادئ هدامة، تتعارض مع ما جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم. ومما يعظم المصيبة، أن نجد بيننا من يعتنق هذه المبادئ والمذاهب، وأن يحاول السيطرة بها على الشعوب الإسلامية.

أيها الإخوة
       
إنني أعلم أننا سنتعرض، في دعوتنا الإسلامية، إلى من يعارضنا، وإلى من ينتقدنا، وربما إلى من يهاجمنا. ولكننا لن نلتفت ـ بحول الله وقوته ـ فلقد نذرنا أنفسنا، أيها الإخوان، لخدمة دين الله، حسب طاقتنا. فليعترض من يعترض، وليهاجم من يهاجم؛ فلن نلتفت لهم، ولن نقابلهم بمثل ما يقولون؛ ونكتفي بما ورد في القول المأثور: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون.

أيها الإخوة
         إن المملكة العربية السعودية، شعباً وحكومة، ستؤيد إخوانها، في كل قطر من أقطار الأرض. وإننا لنأمل من إخواننا المسلمين، أن يشد بعضهم أزر بعض، لما فيه خير دينهم ودنياهم. إن المسلمين، أيها الإخوة، يشكلون فئتين: فئة تحكم نفسها بنفسها؛ وهؤلاء يجب عليهم أن يحكموا كتاب الله وسنة رسوله، وأن يقوموا بما هو مفروض عليهم، في إصلاح شؤون المسلمين، سواء في بلادهم أو في البلاد الأخرى. أما الفئة الثانية، فهي الأقليات في البلاد الأخرى؛ فهؤلاء عليهم أن يقوموا بما يجب عليهم من خدمة دينهم، واتباع ما أمر الله ـ سبحانه وتعالى. ونحن لا ندعو هؤلاء الإخوان، أن يثوروا في وجه دولهم، وأن يقوموا بما هو خارج عن النظام، ولكن أن يحكموا كتاب الله وسنة رسوله فيما بينهم، وفي نياتهم وعقائدهم، وأن يسالموا من سالمهم، وإلا يكونوا عنصراً هداماً أو مخرباً.

أيها الإخوة
         في هذا اليوم، الذي نأمل ـ بحول الله وقوته ـ أن يكون بداية انطلاقة إسلامية، أحب أن ألاحظ، أو أبين لإخواني منهج سياسة المملكة العربية السعودية. إن سياستنا الإسلامية، لا تخرج عما قدمت. ونحن مع إخوتنا المسلمين، في كل قطر، وفي كل مكان؛ ونسعى، بكل ما أوتينا من قوة، لتوحيد صفوف المسلمين، وزيادة التقارب بينهم، وإزالة كل ما يشوب علاقاتهم، من خلافات أو مؤثرات. وإننا نؤيد الدعوة إلى مؤتمر قمة إسلامي، ليكون في مقدور أعلى قمة إسلامية، أن تبحث في قضايا المسلمين، وتقرر أمورهم.

       أمّا سياستنا العربية، فإنها سياسة إخوة ومحبة وتعاون، في نطاق ميثاق الجامعة العربية. وإننا، أيها الإخوة، مع إخواننا العرب في كل ما يهمهم، وفي أي قضية أو مشكلة، تعرض لهم، وسنكون ـ بعون الله وقوته ـ في المقدمة، لا في المؤخرة. وكل ما نرجوه من إخواننا العرب، أن ينظروا إلينا نظرة إخوة ومحبة، وألا يكونوا مصدر أذى، أو متاعب لنا.

       أمّا سياستنا الدولية، فإننا عضو في هيئة الأمم المتحدة، ونحترم ميثاقها، وننظر إلى العدل والحق، في ما يعرض على الهيئة العامة. ونحن في موقف حيادي، فيما تتعرض له الكتل الكبرى من مشاكل ومطاحنات واختلافات. ولكننا، في نفس الوقت، نؤيد ما نراه، ونعتقد أنه الحق، وعلى الأخص فيما يتعلق في مصلحة البشرية.

       أمّا سياستنا الداخلية، أيها الإخوان، فهي، أولاً وقبل كل شيء، تحكيم كتاب الله وسنة رسوله، واستنباط ما يصلح أمورنا وشؤوننا، على ألا يخرج عن الكتاب والسنة. وإننا، أيها الإخوة، نريد أن ننهض ببلادنا وبشعبنا، في كل شأن من شؤون الإصلاح والتقدم. ونحن ساعون ـ بحول الله وقوته ـ إلى أن نسير في طريقنا، مهما اعترضنا من مصاعب ومشاكل. وأنا لا أريد أن أشرح لكم ما تقوم به الحكومة، من إصلاحات وعمران، فإن في مقدوركم، أن تلاحظوا ما قمنا به من إصلاحات، بأنفسكم.

       إنني في هذا المقام، لا أريد أن أتعرض للسياسة، ولا لأية نقطة بعينها؛ ولكنني لا أستطيع التغاضي عن قضية، هي قضيتكم. وإنني لا أعرضها من ناحيتها السياسية، ولكنني أعرضها كقضية كل المسلمين في الأرض. وهذه القضية، أيها الإخوة، هي قضية فلسطين السليبة. إن هذه القضية، ليست قضية سياسية، وليست قضية اقتصادية؛ ولكنها قضية إنسانية، إسلامية. شعب اعتدي عليه، في وطنه، وشرد من بيوته، ونفي في أقطار الأرض، يتكففوا حسنات المحسنين؛ لا لشيء، إلاّ لأن هناك زمرة من شذاذ الأرض، أرادوا أن يتخذوا لهم مركزاً، فاختاروا فلسطين، وساعدهم على هذا الاختيار والتأييد، دول العالم الكبرى أجمع. ولسوء الحظ، انصبّ هذا الاختيار، وهذه المصيبة، على رؤوس إخوان لكم، من العرب، شردوا عن ديارهم، ولجأوا إلى أقطار العالم، يتكففون، ويحاولون أن يؤمنوا عيشهم، بشتى الطرق. إن فلسطين، أيها الإخوة، تحتوي على الحرم الثالث، وتحتوي على تاريخ للمسلمين والعرب، من قبل آلاف السنين. ونحن لسنا من المتعصبين للجنس أو العنصر، ولكننا، في نفس الوقت، لا نرضى أن نكون ضحية لعنصر من العناصر، أو فئة من الفئات. فهذه قضيتكم، وبين أيديكم، ونحيلها إلى ضمائركم، بأن تفعلوا ما يحقق آمال المسلمين والعرب فيكم، بالنسبة لقضية تعتبر الأولى، والنادرة، من جنسها في العالم، منذ أن خلق الله البشر.

أيها الإخوة الكرام
         اعذروني إذا أطلت عليكم الحديث، فإننا في موقف، وفي زمن، يجب علينا أن نبين كل ما يهمنا ويلزمنا، لنكون على بينة من أمرنا؛ وأن نحقق ما هو مطلوب منا، تجاه ربنا، وشعوبنا، وبلادنا. إنكم، أيها الإخوة الكرام، مدعوون لترفعوا علم الجهاد في سبيل الله؛ وليس الجهاد هو فقط حمل البندقية، أو تجريد السيف، وإنما الجهاد، هو الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله، والتمسك بها، والمثابرة على ذلك، مهما اعترضنا المشاكل أو المصاعب أو المتاعب.

أيها الإخوة الكرام
         إن كل فرد من أفراد المسلمين، مكلف، في دائرته، وحسب اقتداره، بأن يعمل ما يرضي الله ـ سبحانه وتعالى ـ ‏ وأن يجاهد في سبيله، بحسب إمكانياته وقدرته. إننا، أيها الإخوان، لنأمل منكم، في مؤتمركم هذا، أن تنظروا فيما يهم المسلمين، من أمورهم وأمر دينهم ودنياهم؛ وأن تنظروا في النواحي، التي ربما يعترض عليها معترض من المسلمين؛ لأنه لم يفقه الدين الإسلامي، ولا التشريع المحمدي.

       هناك ما يهمنا في أمر ديننا، ثم هناك ما يلزم المسلمون، من أمور اجتماعية واقتصادية. فيجب عليكم أن تتدارسوها، وأن تقرروا فيها ما يتفق مع ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم. ولنثبت للعالم، أن ديننا الإسلامي، هو الدين الصحيح، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ولنرد على من يدعي بأن الدين الإسلامي، ليس فيه تنظيم اجتماعي، ولا اقتصادي، ولا تربوي.

أيها الإخوة الكرام
         إنني أرجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يوفقنا جميعاً للقيام بما يجب علينا، وأن يصلح نيّاتنا وعقائدنا، وأن نسير في الطريق، التي رسمها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لنا، وأن يجعل مستقبلنا أزهر من ماضينا؛ إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2067، الصادر في 22 ذي الحجة 1384هـ، الموافق 24 أبريل 1965م، ص 1.