إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (10)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
رداً على خطاب الرئيس التركي، جودت صوناي
أنقرة، 29/8/1966(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

يا صاحب الفخامة
         اسمحوا لي، أن أتقدم إلى فخامتكم بعميق الشكر والامتنان، لما تفضلتم به من مشاعر كريمة فياضة، إن دلت على شيء، فإنما تدل على ما تتحلون به، فخامتكم، وما يتحلى به هذا الشعب الكريم، الشعب التركي النبيل، من أخلاق فاضلة، وروح سامية، وإخلاص دائم.

فخامة الرئيس
         
لقد تفضلتم، وأشرتم إلى ما يربط هذه البلاد ببلادي خاصة، وبلاد العرب، وبلاد المسلمين عامة. إن هذه الروابط، يا فخامة الرئيس، ليست بنت اليوم، ولكنها علاقات، تمتد على مَرّ الأيام والزمان، وتربطها إلى تاريخ عريق روح سامية، روح الدين، روح الإيمان، روح الاعتصام بالله ـ سبحانه وتعالى. فإذا كنا، اليوم، نتحدث عن هذه العلاقات والروابط، فإننا نحاول أن نستعرض ماضينا، قوة لمستقبلنا؛ ولذلك، فليس غريباً، أن يلتقي الشعب التركي الكريم بأخيه، وشقيقه العربي. وإننا، في هذا الوقت، يا فخامة الرئيس، لأشد حاجة إلى أن تقوى هذه الروابط والصلات؛ لأنها ستكون ـ بحول الله وقوته ـ ليست فقط في صالح الشعب التركي والعربي؛ وإنما ستكون ركيزة لحفظ السلام والأمن، وخير البشرية أجمع.

         إنني، يا فخامة الرئيس، حينما أقول ذلك، لست أقوله عن تخرص أو ظنون؛ ولكني أستند إلى حقائق، وهي أننا جميعاً، نستمد قوتنا وإرادتنا من أساس، لا ينضب معينه، وهو أساس الدين الإسلامي، الذي هو دين السلام، ودين المحبة والإخاء والعدالة والرقي، ودين التقدم. وإن ما نراه، اليوم، في عالمنا الحاضر، من تيارات، ومن أشكال، ومن حروب وخلافات ـ منبعها شيء واحد، وهو أننا، مع الأسف، بنو البشر، ابتعدنا، أو على الأقل ضعف الإيمان بالله، فبقينا نتخبط في ظلمات، لا نهاية لها. ولذلك، قلت، يا فخامة الرئيس، إننا اليوم، في أشد الحاجة إلى أن نستعيد إيماننا بالله، والتمسك بعقيدتنا، والبناء لمستقبلنا على أساس ثابت، يرتكز على الحق والعدل. فإذا كان، لسوء الحظ، أننا في دعوتنا لإخواننا المسلمين، أن يتقاربوا، وأن يتفهموا، وأن يتعاونوا ـ قد أساء البعض فهم هذا المقصود، فإنني أؤكد، في هذه المناسبة، أننا لا نقصد من وراء ذلك، لا مكاسب، ولا مطامع، ولا غايات؛ وإنما كل ما نريده أن تكون هناك روابط أخوية متينة، بين الشعوب الإسلامية، ليتفاهموا فيما بينهم، ويتعاونوا فيما بينهم، ويحلوا مشاكلهم فيما بينهم، ويبنوا مستقبلهم على أساس راسخ متين.

         إن هذه الدعوة، يا فخامة الرئيس، ليست موجهة ضد أي أحد، لا من الأمم، ولا من الدول، ولا لأي طرف من الأطراف؛ وإنما كل ما نريده، هو أن يترابط المسلمون فيما بينهم، بروابط متينة، تكون في صالح أنفسهم، وكذلك في صالح الغير. لقد تفضلتم، يا فخامة الرئيس، بالإشارة عما يربط المملكة السعودية خاصة، والجمهورية التركية، دولة وشعباً. وإنني أنتهز هذه الفرصة، لأؤكد لفخامتكم، باسم شعب المملكة العربية السعودية، أننا حريصون جد الحرص، على دوام هذه العلاقات الأخوية المتينة، التي تربط بين الشعبين والحكومتين. وإذا كنا قمنا ببعض ما يجب علينا تجاه إخواننا، في هذه البلاد، وقضاياهم ومشاكلهم؛ وما ذلك إلا بدافع مما نشعره في أنفسنا، مما هو مفروض علينا تجاه إخوان لنا، يشاطروننا العقيدة، ويشاطروننا المشاعر، ويشاطروننا الاتجاهات. لقد تفضلتم، يا فخامة الرئيس، وأشرتم إلى موقف المملكة العربية السعودية تجاه القضية القبرصية.

         وإنني أؤكد لفخامتكم، أن المملكة العربية السعودية، حينما اتخذت موقفاً، ليس فقط لأنها تشعر بأن إخواناً لها مظلومون، أو أن هناك إخوانا لها، على هذه البلاد، يتألمون مما هو جار في قبرص؛ ولكننا حينما اتخذنا هذا الموقف، فإنما بدافع عن الحق، وعن العدل، وعن حرية الإنسان، كإنسان، يجب أن يقرر حقه، وأن تكون له المشاركة في تقرير مصيره. وإنني، بهذه المناسبة، يا فخامة الرئيس، أحب أن أذكر أمامكم، وأمام الإخوان، أن هناك شعباً، يقاسي من الآلام، ويقاسي من العدوان، ومن الظلم، كما يقاسيه إخواننا الأتراك في قبرص، وهذا الشعب، هو الشعب العربي الفلسطيني. إن الويلات، التي يقاسيها الشعب العربي الفلسطيني، لم يسبق لها أن مرت على شعب في العالم؛ لأنها نتيجة للعدوان، ونتيجة لاغتصاب الحق، ونتيجة لتسلط القوى الظالمة على شعب مسالم، لا يريد إلا البقاء، والحياة بسلام وأمان، في وطنه.

فخامة الرئيس
         لا أريد أن أطيل في شرح ما يعانيه إخواننا في فلسطين؛ فإنكم تعلمون، والكل يعلم ما مر على هذا الشعب المستعبد، المظلوم، المشرد، من محن ورزايا؛ حينما اتفقت قوى الشر، من الغرب والشرق، على اضطهاد هذا الشعب وطرده من بيته ومسكنه، وجلب شذاذ الآفاق، ليسكنوا في أرضه، وليمتلكوها، وليهزأوا به، وليسخروا منه، في كل مكان ـ فأنا في غنى عن أن أطيل الشرح في هذا الموضوع.

فخامة الرئيس

         لقد تفضلتم، مشكورين، ومررتم على ما تقدمت به المملكة العربية السعودية، من إحساس وشعور تجاه إخوان لنا، أصيبوا بنكبة في أرزروم. وإنني لأؤكد لفخامتكم، أن هذه الكارثة، ليست بكارثتكم فقط؛ ولكننا نشعر بها، كما تشعرون، ونألم لها، كما تألمون؛ ولكن القضاء والقدر، ليس لكم، ولا لنا، فيه حيلة! وإنما يعزينا، في هذا المجال، هو قوة إيمان إخواننا في هذه البلاد، بالله ـ سبحانه وتعالى. وإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ سيعوضهم خيراً، ويسبل شآبيب الرحمة على الشهداء، الذين ذهبوا في هذا الحادث. ونرجو لمن بقي، أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يعوضهم الخير، وأن يقيم لهم السعادة في حياتهم، وأن يقيهم شر العوادي، في مستقبل الزمن. وإنني، بهذه المناسبــة، يا فخامة الرئيس، أؤكد لفخامتكم، بأننا، في المملكة العربية السعودية، شعباً وحكومة، نتطلع إلى علاقات أمتن، وتعاون أكثر فيما بين بلدينا، وبين شعبينا؛ وذلك، كما قلت في الأول، لخيرنا جميعاً، ولخير البشرية، كذلك. وإنني أكرر شكري لفخامتكم، ولحكومتكم، ولهذا الشعب الكريم، على ما لاقيناه، من شعور فياض، وترحيب حار. وإننا نرجو الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعلنا دائماً متعاونين على الخير، إخوة في الدين، ساعين لخير الجميع ـ بحول الله وقوته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2136، الصادر في 17 جمادى الأولى 1386هـ، الموافق 2 سبتمبر 1966م، ص 2،8.