إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (13)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
في الحفلة، التي أقامها الحرس الوطني، تكريماً لجلالته
الرياض، 6/11/1966(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة، والأبناء
         أحييكم تحية أخ لإخوانه. وأشكر لكم هذه الفرصة السعيدة، التي أتحتموها لي، لزيارتكم، ولأراكم عن قرب، وأختلط بكم. وإنني، أيها الإخوة، والأبناء، لا أتحدث إليكـم، كرئيـس، ولا كقائد؛ وإنما أتحدث إليكم، كأخ، وكمواطن، يشارككم مشاعركم، ويتحسس كل ما تحسون به. وإذا جاز لي القول، فإنني سبق لي، في حياتي، أن زاملت قسماً من آبائكم وإخوانكم، وكنا ـ بحمد الله ـ جنوداً لدين الله، وفي خدمة
"عبدالله"، عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل، الذي بنى لنا هذا البلد العظيم. وكون هذا الشعب الكريم، الذي يهتدي بدين محمد، ويحكم القرآن في جميع أحواله، الخاصة والعامة. وهذا ـ ولله الحمد ـ ما نفتخر به بين شعوب الأرض؛ لأننا إذا أخلصنا لله، واتبعنا ما يأمرنا به كتابه وسنة رسوله؛ فإنما نخدم أنفسنا، ونبني مستقبلنا، ونستذكر ماضينا، ونجدد عصر آبائنا وأجدادنا.

أيها الإخوة الكرام
         ليس من حق الأخ على أخيه، أن يخدعه، ولا من حق الأخ على أخيه، أن يتملقه؛ ولكن، من حق الأخ على أخيه، أن يصدقه القول، وأن يقول له ما يؤمن به. فإذا قلت لكم، اليوم، إنني فخور بكم، وإنني معتز بكم، وإنني مؤمل فيكم؛ فإنما أقول ذلك عن عقيدة، وليس عن رياء، ولا تملق. إنكم، أيها الإخوان، أبناء وحفدة المجاهدين الأول. وحينما تسيرون على نهجهم، وتتبعون سبيلهم، متخذين من أهدافهم وعقيدتهم مناراً، يضيء لكم السبيل؛ فإنما تفعلون ذلك لخدمة أمتكم ووطنكم، ولخدمة أنفسكم، ولبناء صرح دولتكم. ولذلك، فإن أول ما يتوجب علينا جميعاً ـ أن نتقي الله ـ سبحانه وتعالى ـ في أنفسنا، قبل كل شيء، وأن نكون المثل الأعلى لأبناء وطننا، ولأبنائنا، ولأسرنا، في كل ما نفعله تجاه الله ـ سبحانه وتعالى ـ وتجاه المواطن والوطن.

أيها الإخوة
         والأبناء، إنني مسرور، حين ألقاكم أشد ما تكونون تمسكاً بشريعتكم وبدينكم، وتكونون أشد تفانياً في خدمة شعبكم ووطنكم. وهذا هو ما يجب على الجندي، أن يتحلى به؛ لأن جندياً بلا عقيدة، وبلا هدف، وبلا كرامة، وبلا شرف ـ لا يستحق أن يقال له جندي؛ وأنتم ـ ولله الحمد ـ تجمعون كل الصفات. وحينما أقول هذا، فإنني أقوله عن كل جندي، وعن كل حامل سلاح، في هذا البلد الكريم، سواء كان نظامياً أو غير نظامي، وسواء ملتحقاً بالحرس الوطني أو بالقوات المسلحة، أو من أفراد الشعب؛ فإننا كلنا سواء، كلنا خدمة لديننا، وكلنا مؤمنون بربنا، وكلنا في خدمة هذا الشعب، وهذا البلد الكريم. وهذا أكبر ما نفخر به، وأكبر ما نعتز به؛ لأننا ـ ولله الحمد ـ نتبع من القول أحسنه، ونأخذ من العمل أفضله، ونهتدي بهدى نبينا محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه. ونرجو الله التوفيق في كل ما نعمل، وكل ما ننوي.

أيها الإخوة الكرام
         إنه من دواعي فخري وسروري، أن أكون بينكم، وأن أراكم، وأن أحتك بكم؛ لأنني حينما أفعل ذلك، فإنما أفعله، لأنني أشعر أنني فرد منكم، لا فرق بيني وبينكم، في السراء والضراء، ولا في المركز والجاه. ولست أبالغ، إذا قلت إنني أتمنى، في كثير من اللحظات، أن أعيش بينكم، وأقضي الوقت معكم؛ لأستعيد في نفسي ذكريات، مضت في سالف السنين، ربما بعض الإخوة الشباب، لا يذكرونها، ولا يعلمون عنها شيئاً. وإنما نتذكر ماضينا، حينما كانت وسائلنا الإبل والخيل؛ وحينما كان سلاحنا، مثل ما قال أحد الإخوة، المقمع والفتيل؛ وحينما كنا نقضي الأيام، في بعض الأحيان، لا نجد ما نقتات به، ولا نجد ما نأكله. وكنا نشارك وحوش الصحراء في رعي النبات. وكل ذلك، نستهدف فيه خدمة ديننا ووطننا وأمتنا. وإن الذي لحقنا عليه، نحن إخوانكم، كان، كذلك، أفضل مما كان فيه من سبقنا في الجهاد؛ فكانت أحوالنا أفضل، وكانت المعيشة أطيب. ولكننا حينما نقيس هذيك الأيام، بما نحن فيه، اليوم، من نعمة ورخاء، وتوفر لأسباب العيش، فإننا نجد الفرق شاسعاً جداً.

        ولكن، إنني أرى أن مسؤوليتكم، اليوم، وأن ما هو ملقى على عاتقكم، هو أكبر بكثير مما كان ملقى على عاتقنا، في الماضي، وما كنا مسؤولين عنه؛ لأننا، أيها الإخوة، كنا، في الماضي، نعمل في داخل نطاق ضيق، محدود، لتأمين الأمن في هذا الصقع من العالم، ولإيجاد الإخوة والتآخي بين أبنائه، وللقضاء على الحزازات القبلية والمشاجرات، التي كانت لا يخلو منها بلد، مثل بلادنا. وكنا نعيش على شظف العيش، وكانت النفوس تتحمل الشقاء؛ ولكن ثمة من النفوس من يتحمل النعمة والخير؛ لأن النعمة والخير، تجمح بالنفس إلى ما لا تحمد عقباه. فمسؤوليتكم، اليوم، أكبر وأعظم من مسؤوليتنا، إذا ضبطتم جماح أنفسكم، في هذه النعمة، التي أنتم فيها؛ ولم تستزلكم، ولم تشغلكم عن أداء واجبكم، والتمسك بعقيدتكم وبأهدافكم المثلى، والتحلي بالأخلاق الفاضلة. فمسؤوليتكم، أيها الإخوة، أكبر من مسؤوليتنا نحن، لأنكم تجاهدون أنفسكم، قبل أن تجاهدوا غيركم. وكذلك، هناك مسؤولية أخرى، مسؤولية لا تقتصر على حدود بلادكم. وإنكم، أيها الإخوة، يجب أن تكونوا رمز الجهاد في سبيل الله، في سبيل الدين، في سبيل الوطن، في سبيل الشعب. وحينما أقول الوطن والشعب، فإنما لا أقتصر على المملكة العربية السعودية، لوحدها؛ وإنما على الوطن العربي أجمع، ومن ورائه الوطن الإسلامي.

أيها الإخوة الكرام
         إنه سيأتي اليوم، الذي ستنادون فيه: هيا. حي على الجهاد في سبيل الله، ثم في سبيل الوطن. إلى أين؟ إلى فلسطين، فلسطين السليبة، فلسطين المظلومة، فلسطين الجريحة، التي اغتصبها الصهيونيون، بمساعدة الاستعمار، وبمساعدة الدول الكبرى جميعاً، لا فرق بين شرقيها وغربيها؛ حينما تضافرت على انتهاك حرمة إخوانكم، أبناء فلسطين، وسلب ونهب البلاد من بين أيدي أبنائها، وتشريدهم في الأصقاع والبلدان، ليحل محلهم شرذمة من الصهاينة الطغاة، وليجدوا في هذا البلد، وفي محيطنا العربي، ركيزة لاستعمارهم؛ لينطلقوا منها، سواء انطلاقاً استعمارياً عسكرياً، أو انطلاقاً استعمارياً إمبريالياً، كما يقولون، وهو التدخل في شؤوننا الداخلية، بشتى الطرق، أو انطلاقاً للمذاهب الفاسدة، التي تعارض ديننا وعقيدتنا وكرامتنا. فهذا ما رمى إليه المستعمرون، الشرقيون والغربيون، حينما أوجدوا في هذا الجسم العربي الصحيح، سرطاناً، يدخلون منه، وينفذون منه لهذا الجسم، حتى يبقى عليلاً دائماً، ولا يتمتع بالصحة والعافية؛ لئلا يقف في وجوههم، يكافح عن نفسه، وعن عقيدته، وعن مبادئه. ولذلك، أوجدوا إسرائيل، ابنة الاستعمار، ابنة الشيوعية، ابنة الصهيونية. وحينما يحين الوقت، فستدعون، أيها الإخوان. وحينما يتفق إخواننا العرب على الجهاد في سبيل الله، ثم في سبيل الوطن، فستكونون ـ بحول الله وقوته ـ الحربة الأولى في الجهاد العربي.

أيها الإخوة الكرام
         إن فلسطين، لا ترد بالخطب، ولا بالاحتجاجات، ولا برفع القضايا لدى الأمم المتحدة؛ وإنما فلسطين، ترد بالعمل، والعمل الجدي، والاتفاق على نبذ كل خلاف تافه، وكل مواربات ومناورات، وأن لا تتخذ فلسطين وسيلة للمساومات والمزايدات. وإنما تتخذ كعمل جدي، يجب أن يُنهى، ويُنهى بأسرع ما يمكن؛ لأن في طول الوقت، ومرور السنين والأزمان، تمييعاً وتذويباً لقضية فلسطين. فالذي يشعره العالم، اليوم، سوف لا يشعرونه في الغد؛ والذي تشعرونه أنتم بأنفسكم، من رغبة في الكفاح، ربما مع طول الزمن، أن إخواننا الآخرين، لا يشعرون به. ولذلك، فيجب على العرب جميعاً، أن يبتوا في قضية فلسطين، ويبتوا فيها، حالاً. والذي يقول إننا، اليوم، غير قادرين على تخليص فلسطين، وعلى تحرير فلسطين، فهو إما جاهل الحقيقة، أو إنه لا يريد أن يجابه الحقيقة. ولكن الشيء الوحيد، الذي يجب أن يسبق كل شيء، هو عزيمة العرب واتفاقهم، وصفاء قلوبهم، وتعاونهم فيما بينهم؛ ليكونوا يداً واحدة في وجه المغتصب. وحينما نقضي على عدونا، ونبعده عن بلادنا، وعن مقدساتنا؛ ففي ذات الوقت، يمكن أن نعود إلى بعضنا البعض، ونحاسب بعضنا البعض؛ إذا كان هناك شيء من الخلافات فيما بيننا، أو شيء من التفاوت في وجهات النظـر. أمـا ما دام هناك عدو قائم، يهددنا في ديننا، ويهددنا في وطننا، ويهددنا في كياننا، فيجب أن نتناسى كل شيء، في سبيل تحرير وطننا، وهزيمة عدونا.

هذا، أيها الإخوة، ما ندعو إليه. وهذا ما قصدناه، حينما اتصلنا بإخوتنا المسلمين، في كل بلد إسلامي؛ ليلتفوا حولنا، وليكونوا يداً واحدة معنا، في سبيل الله، ثم في سبيل وطننا وأمتنا. وإذا كان أحد يرى غير هذا الرأي، أو يريد أن يشوه الحقائق، فلسنا ملتفتين لأي شيء يقال؛ وإنما سنسير في طريقنا ـ بحول الله ـ معتمدين على الله، قبل كل شيء، ثم معتمدين عليكم أنتم أيها الإخوان؛ وبعد ذلك معتمدين على إخوة لنا في العالم، العربي والإسلامي، يفهمون ويقدرون الحقائق، ولا تروج عليهم التلبيسات أو التضليلات. هذا، أيها الإخوة، ما أردت أن أشرحه؛ وهذا بمناسبة وجود إخوان لنا، من البلاد العربية الأخرى، فيما بيننا، حيث نرحب بهم في بلادهم، وبين أهليهم وإخوانهم. وأرجو أن يكونوا خير شاهد لما يرونه فيكم، أيها الإخوة، وفي هذه البلاد. وإننا ليس لنا هدف، أو أي غرض، أو أي مطمع، إلا أن تكون كلمة الله هي العليا، ودينه هو الظاهر؛ وأن تكون يد العرب واحدة، وتكون أمة واحدة، تدافع عن نفسها، وتخدم شعوبها، فيما فيه صالحها ونهضتها وتطويرها وبنيانها. هذا كل ما نريد.

أيها الإخوة

        من قال عنا خلاف ذلك، فهو مكابر، وجاحد للحقيقة. وأرجو من إخواني، أعضاء الوفود العربية للمؤتمر السلكي واللاسلكي الثامن، أن يلاحظوا ما يلاحظونه في بلادنا، بل في بلادهم هم. وإذا كان هناك ما يؤاخذ علينا، أو ما ينتقد علينا، أو ما يلمس بأن لنا غايات أو مقاصد أو أشياء، خلاف ما نقوله، فأرجو منهم، بكل صراحة وبكل صدق، أن ينبهونا إلى ذلك، وأن يقولوه، بكل صراحة. أمّا إذا كنّا لا نريد إلا مصلحة بلادنا، ومصلحة شعبنا، ومصلحة أمتنا العربية، والالتفاف مع إخواننـا المسلمـين، فماذا يراد منّا خلاف ذلك؟ هل يراد منّا طرق أخرى؟ نحن لا نريد، ولا نتجه إلاّ لهذا الاتجاه. فمن أراد هذا الاتجاه، فأهلاً وسهلاً، نفتح له صدورنا وقلوبنا. أمّا من أراد اتجاهات أخرى، تضر بعقيدتنا، أو تضر بكيان أمتنا، أو بمصالح شعبنا، فلا أعتقد أن أحداً يلومنا، إذا رفضنا ذلك. ومع كل ذلك، فإنني أؤكد، أمام الإخوة الكرام، بأننا لن نعاتب أحداً، ولن نؤاخذ أحداً على كل ما بدر في حقنا، بل في حق هذا البلد وأهله؛ وأن قلوبنا دائماً صافية، وقلوبنا دائماً متجهة إلى الخير، وإلى الوفاق، وإلى التفاهم. فمن أراد ذلك، فأهلاً وسهلاً. ومن أراد خلاف ذلك، فليلق ما يلقاه. والله ـ سبحانه وتعالى ـ يوفقنا جميعاً للخير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



(1) جريدة أم القرى، العدد الرقم 2146، الصادر في 28 رجب 1386هـ، الموافق 11 نوفمبر 1966م، ص 2.