إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملحق الرقم (14)

كلمة الملك فيصل بن عبدالعـزيز آل سعود
في الحفلة، التي أقامها لرئيس جمهورية النيجر، ديوري هاماني
الرياض، 14/11/1966(1)


بسم الله الرحمن الرحيم

يا صاحب الفخامة
         اسمحوا لي، أن أحيي فخامتكم، وأرحب بكم، باسم شعب وحكومة المملكة العربية السعودية. إن هذه الزيارة، يا فخامة الرئيس، التي تفضلتم ومنحتمونا إياها، إن دلت على شيء، فإنما تدل على ما تحملونه، فخامتكم وشعبكم، من روابط الإخوة والمحبة. إن الروابط، التي تربط بين شعبينا وبلدينا، هي أقوى من أن توصف بأنها نتيجة لاتفاقات ومعاهدات؛ ولكنها روابط روحية علوية سماوية. إن الجميع يعلمون، لا شك، ما لفخامتكم من ماض مجيد، وجهاد في سبيل الله، ثم في سبيل الوطن والشعب. وإن شعباً، كشعبكم، يؤمن بالله، ويهتدي بهدي نبيه محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لخليق بهذا المجهود، وهذا الكفاح، الذي تبذلونه، فخامتكم، في سبيله. وإن شعب المملكة العربية السعودية، الذي أتشرف وأعتز أن أتحدث باسمه، ليعتبر فيكم، وفي شعبكم، إخوة أمناء، تربط بينهم جميعاً كلمة لا إله إلا الله، محمد رسول الله.

         وإن هذا الشعب، يا فخامة الرئيس، شعب المملكة العربية السعودية، الذي شرّفه الله وأكرمه، لأن يقوم بخدمة أماكنه المقدسة، وأن يحترمها ـ لفخور جداً بأن يجد أخوة له، مجاهدين ومكافحين في سبيل الله، وفي سبيل الوطن، وفي سبيل الخير كله.

         لقد قمتم، يا فخامة الرئيس، وإخوان لكم في إفريقيا، بالتمسك بعقيدتكم، والجهاد في سبيل الله، والكفاح والذود عنها، سنون طويلة، في وجه الاستعمار، وفي وجه الاحتلال الأجنبي، وفي وجه الظلم والطغيان. وإننا لعلى يقين ثابت ـ بحول الله وقوته ـ أن شعوباً هذا كفاحها، وهذا جهادها ـ لن تستهويها أو تغويها الطرق المضلة، أو الشبهات، التي بدأت تظهر في عالمنا، اليوم، لتضليل الشعوب ولإغوائها، والانحراف بها عن السبيل الصحيح، بهذه الروابط الوثيقة، التي تربطهم ببلادكم وشعبكم، حيث الصحيح. وإن إخوانكم، في هذه البلاد، يا فخامة الرئيس، ليعتزون ويفتخرون بهذه الروابط الوثيقة، التي تربطهم ببلادكم وشعبكم، حيث إنها تربطنا بحبل الله الوثيق.

         لقد تعرضت الدعوة الإسلامية، يا فخامة الرئيس، إلى كثير من التلبيس والتشكيك؛ وذلك بقصـد عزوف أومحاولة عزوف الناس عن هذه الدعوة. وهذه الدعوة ليست ابنة اليوم، ولا وليدة العصر. إن هذه الدعوة، انبثقت منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، من ربوع هذه البلاد. وشعّ نورها في جميع أطراف العالم، من الصين إلى المحيط.

         وهذه هي الدعوة، التي جاء بها محمد ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ رسول أمين من لدن رب العالمين ـ سبحانه وتعالى. لقد حاول البعض، أن يلصقوا بهذه الدعوة ما هي بريئة منه. لقد وصفوها بأنها دعوة لأحلاف استعمارية، في الوقت، الذي، كما تعلمون فخامتكم، وأنتم خير شاهد، أنه لا يمكن أن الاستعمار، يكون سنداً لمثل هذه الدعوة؛ لأن الاستعمار، منذ أن انتشر في إفريقيا، وفي آسيا ـ كان أكبر همّ له، هو القضاء على الدين الإسلامي؛ لأن الاستعمار يعلم، أن الإسلام هو أكبر قوة، يمكن أن تقف في وجهه، وأن تصده، خاسراً ومنحسراً. ولكننا، الآن، نواجه استعماراً بشكل جديد؛ كان الاستعمار، في الماضي، يحتل البلدان، ويستغل خيراتها، ويستعبد أبناءها. أما الاستعمار الجديد، فهو يحاول، علاوة على هذه الخصائص، أن يستعبد كذلك العقائد والنفوس والكرامات. ونحن نرى جميعاً، أن هذه المبادئ، أو هذه الوسائل، تسربت، ولسوء الحظ، إلى بعض الأماكن، وبعض البلدان الإسلامية. ومما يزيد في الألم، أن نجد من بين إخواننا في العقيدة، وفي الوطن، من يشجعون على هذه المبادئ، أو يساندونها، أو يساعدونها على التسرب إلى نفوس المسلمين. ولكننا ـ بحول الله وقوته ـ على ثقة تامة، بأن إخواننا المسلمين، وبقيادة أمثالكم، يا فخامة الرئيس، من القادة المصلحين المفكرين، الذين يضعون خدمة أوطانهم فوق كل شيء ـ سيكونون ـ بحول الله وقوته ـ حرزاً منيعاً دونما يحاول البعض، أن يبثه إلى نفوسهم أو عقائدهم. وإن مشاعركم، يا فخامة الرئيس، وإخوانكم من قادة المسلمين المصلحين، ستكون لها ثمراتها ـ بحول الله ـ حينما تتحقق الاتصالات واللقاءات، بين القادة المسلمين المصلحين، الهادفين إلى خير دينهم ووطنهم.

         إننا جميعاً، يا فخامة الرئيس، في أشد الحاجة إلى بذل الجهود، لخدمة أبناء وطننا، ولخدمة أمتنا، والنهوض بها من الوضع، الذي توصف فيه، اليوم، بأنها بلدان متخلفة. فما أحوجنا إلى أن نبذل كل مجهوداتنا، وكل قدراتنا، في هذه الاتجاهات الصالحة، عوضاً عن أن نبذلها في اتجاهات نهى الله عنها، ونهت عنها الإنسانية، ونهت عنها العدالة! نحن في حاجة إلى الإخلاص، في حاجة إلى التعاون، في حاجة إلى التساند فيما بيننا، للنهوض بشعوبنا. ولكننا نرى، ولسوء الحظ، أن القوى الكبرى، التي تدعو البعض إلى إيجاد الشقاق والخلافات بين الإخوة، والتفرقة بين الأبناء ـ هي التي تحاول، اليوم، أن تضع المشاكل بين المسلمين، وبين الإخوة. ويخطر للإنسان أحياناً، أن يتساءل لماذا هذه الخلافات؟ ولماذا هذا الشقاق، من المشاكل والانقسام؟

         ليس هناك من المشاكل بيننا، كإخوة، وأعني المسلمين في كل بلد، ليس هناك من المشاكل، ما يجعلنا نختلف، أو ننشق عن بعضنا، أو نتناحر فيما بيننا؛ ما دام إننا نعترف لبعضنا البعض بحقه في الاستقلال، وفي الحرية، وفي تقرير المصير. فماذا نريد من بعضنا البعض؟ فعوضاً عن هذا، كان يجب أن تحل محله الإخوة الصادقة، والتعاون الصحيح، في سبيل الله، وفي سبيل الوطن، وفي سبيل الشعب. ولكننا، كما قلت، يا فخامة الرئيس، على أمل كبير، أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يهدينا جميعاً إلى سواء السبيل، وأن يفتح بصائرنا إلى ما فيه خيرنا، وخير أمتنا. وإنه ما دام بين المسلمين، من القادة، كأمثال فخامتكم، من يوجهونهم إلى الخير، ويتبعون من القول أحسنه؛ فإننا ـ بحول الله وقوته ـ واصلون إلى ما نريد، مهما كانت العقبات أو الصعاب. وإنني، يا فخامة الرئيس، باسم هذا الشعب، وهذه البلد، التي أتشرف بأن أتكلم باسمها ـ لأؤكد لفخامتكم، أنكم ستجدون من إخوانكم في هذا البلد، كل عون، وكل تأييد، في سبيل جهادكم وكفاحكم في سبيل الله، وفي سبيل الشعب.

         وأنني لأرجو الله، مخلصاً، أن يوفقنا جميعاً لما يرضاه؛ وأن يمنّ على إخوتنا، بأن يسلكوا سبيل الحق؛ وأن يهدي الجميع لما فيه خير الجميع.

         واسمحوا لي، مرة أخرى، يا فخامة الرئيس، أن أرحب بكم بين إخوتكم وأهلكم، وفي بلدكم. والله معكم، والله يوفق الجميع ـ بحول الله وقوته.

شكراً، يا فخامة الرئيس.


 


(1) جريدة أم القرى العدد الرقم 2147، الصادر في 5 شعبان 1386هـ، الموافق 81 نوفمبر 1966م، ص 2.