إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



كلمة الملك خالد إلى وفود بيت الله الحرام
(أم القرى العدد 2653 في 19 ذو الحجة 1396 الموافق 10 ديسمبر 1976)

          الحمد لله على ما شرفنا به من خدمة الحرمين الشريفين، والصلاة والسلام على الرسول الهادي إلى الحق المبين، الذي أرسله الله رحمة للعالمين. وبعد،
          فإنه ليسعدني أن أرحب بكم باسمي، واسم إخوانكم في المملكة العربية السعودية، سائلاً المولى العلي القدير أن يجعل حجكم مبروراً، وسعيكم مشكوراً، وأن يتقبل صلاتنا، ونسكنا، إنه غفور رحيم.

إخواني
          
إننا نشعر بسعادة غامرة، ونحن نستقبل ضيوف الرحمن في بيت الرحمن، ولقد حرصنا جميعاً أن تكرس جهودنا، طوال العام، في سبيل تيسير وتوفير الإمكانات، التي تمكنكم جميعاً من أداء فريضة الحج في سهولة ويسر، وعلى الرغم من عظم المشقة التي تجشمها الجميع في سبيل إنجاز هذه الأعمال لتكون في خدمتكم؛ إلاَّ أننا جميعاً كنا نشعر بفرحة لخدمة ضيوف الرحمن، ولتيسير سبل الحج لهم، وتوفير الأمن والطمأنينة لحجاج بيت الله الحرام، ولقد كان دائماً هذا هو السبيل الذي تسير عليه المملكة العربية السعودية منذ عهد مؤسسها المغفور له الملك عبدالعزيز، رحمه الله، الذي أرسى قواعد هذه المملكة على أسس من كتاب الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، والذي جمع شملها، ووحد كيانها، والحمد لله، على أسس من العقيدة الصحيحة، والأخوة الإسلامية، والعدل، والأمن، والطمأنينة.

أيها الإخوة الأعزاء
          
لقد جاءت الدعوة الإسلامية للناس عامة، ولم تخصص لفئة دون أخرى، وجاء فيها الإخلاص والاستسلام لله وحده، وليس لفرد من الأفراد. فجعل العبودية لله وحده، وأمر بالإخلاص في التوحيد والعبادة، توحيداً يخلص الإنسان من براثن العبودية للأفراد إلى سمو الاستسلام لله سبحانه وتعالى؛ فيرتفع بالإنسان والإنسانية من مهاوي الشرك والوثنية إلى أسمى درجات العزة والرفعة، بين يدي الله، سبحانه وتعالى، وفي هذا كرم الله، سبحانه وتعالى، بني آدم، وأكرمهم بنعمة الإسلام، وطلب منهم أن يميزوا بين الخبيث والطيب، وأمرنا جميعاً أن نتفقه بالدين، وجعلنا سبحانه وتعالى متواصين بالحق، أمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، ولهذا فلم يأت الإسلام لأمة دون أمة، ولا لفرد دون فرد، بل جاء للناس عامة، دون تفريق بين جنس وجنس، فهو للعالم أجمع، وسيظل، إن شاء الله، كذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

          ولقد كانت الكتب السماوية في السابق موكولاً حفظها إلى من استحفظ عليها من الرهبان وغيرهم؛ أما كتاب الله، القرآن الكريم، فقد تكفل الله الحق سبحانه وتعالى بحفظه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. كتاب يتكفل الحق، سبحانه وتعالى، بحفظه إلى يوم الدين. كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه. ومن هنا تأكد أن المصدر محفوظ، والحمد لله، وبقي دور الإنسان الذي يسعد كلما تمسك بالكتاب، وسنة رسول الله، ، قولاً وعملاً وتطبيقاً. وهكذا نحن، المسلمين، كلما تمسكنا بهذه القيم السامية ارتفعنا وسدنا العالم؛ وكلما ابتعدنا عن ديننا أدركنا الوهن والضعف، وانتشرت الأمراض الاجتماعية والسياسية بين ظهرانينا، فأضعفتنا وجعلتنا لقمة سائغة لأعداء الإسلام، المتربصين بنا. لقد أراد لنا الله أن نكون خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتجاهد في سبيل الله، ولا شك أن في قمة الجهاد جهاد النفس؛ لتستقيم على منهج الله، الذي أكرم به هذه الأمة والذي تكمن فيه أسرار سعادتها.

          وعندما ننظر اليوم إلى العالم كله نلاحظ أهمية دور المسلمين، وبين أيديهم كتاب الله، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، التي فيها سعادة البشرية، وأدركنا أن في إمكان المسلمين العمل على صلاح العالم، وإزالة الشقاء الذي يلم به، ولكن لا شك أن الطريق يبدأ من إصلاح أنفسنا، ومن دفعها وتطويعها لتستقيم على منهج الله؛ فنكون بذلك قد أسسنا القاعدة التي نرتكز عليها، حيث تكون قدوة حسنة للعالم. ثم بعد ذلك يأتي دور التضامن فيما بيننا، كأفراد، وكأمم إسلامية؛ ليكون لنا كيان التضامن الإسلامي، كياناً في مجلات السياسة وغيرها؛ حتى تكون جسداً واحداً كالبنيان المرصوص.

          ولقد كان لهذه المملكة شرف حمل لواء الدعوة إلى التضامن الإسلامي، وقد لاحظنا، والحمد لله، كيف أن التضامن الإسلامي بدأ يؤتي ثماره في فترة بسيطة، وبات له أثره وفعاليته، والحمد لله، وثماره الطيبة. وإن المؤتمرات الإسلامية، وما تمخض عنها من قرارات على النطاقين السياسي والاقتصادي، تبشر بخير، إن شاء الله، وإنني من هنا، من مكة المكرمة، ومن جوار الكعبة، التي أكرم الله هذه البلاد وحباها بأن جعلها قبلة المسلمين.

          إنني من هنا أدعو إخواني المسلمين في كل مكان من العالم لأن يتحدوا في خير سبيل، وفي سبيل التضامن البناء المثمر، ولكي يعمل على استعادة ثالث المساجد، واستعادة القدس الشريف، وتطهيره مما علق به، وهو واجب علينا جميعاً، ويجب أن لا تهدأ نفوسنا حتى يستعاد المسجد الأقصى، وحتى ننعم جميعاً بالصلاة فيه، ورفع راية الإسلام خفاقة على جوانبه، ولهذا فإني أدعوكم جميعاً لمشاركتي في هذا النداء، وفي إيصاله إلى كل مسلم قادر؛ لكي يعمل بإخلاص وبصدق في سبيل تحرير المسجد الأقصى، لتضامن إسلامي، ونهضة إسلامية لا قومية، ولا عنصرية، ولا حزبية فيها، وإنما هي دعوة الله، وفي سبيل الله، ومن أجل بيت من بيوت الله، إنها دفاع عن عقيدتنا، ودفاع عن مقدساتنا.

          أيها الإخوة لا شك أنكم تلاحظون، الآن، التغيرات في السياسة العالمية، وكيف أن كثيراً من دول العالم، والحمد لله، بدأت تتفهم قضيتنا، وبدأت تدرك، إلى حد كبير، عدالة قضايانا، وهذا التغيير يطمئننا إلى مستقبل مشرق، بإذن الله، وفي الوقت نفسه يدعونا إلى مزيد من التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله، وأن نستقيم على المنهج، ونواصل الجهاد بكل ما أوتينا من وسائل الجهاد والدعوة؛ لنساعد العالم على تفهم أكثر لقضايانا، وفي الوقت نفسه نحمد الله، سبحانه وتعالى، على ما نلاحظه من تفهم كبير لقضايانا العادلة، ونعاهد الله على مواصلة الجهد في هذا السبيل؛ حتى تكون كلمة الله هي العليا، وحتى يعلو هذا الدين، وحتى نواصل الجهاد في صدق وعزم وإيمان.

          وإنني أحمد الله سبحانه وتعالى، أيها الإخوان، أننا نتحدث إليكم وقد انطفأت شرارة كانت تدمي قلوبنا جميعاً، هي شرارة الحرب الطاحنة في لبنان، حيث نحمد الله على تباشير السلام التي عمت أرجاءه، وعلى أن وضع حد لتلك المجازر البشرية الرهيبة، التي ذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء، ونحمد الله أن وفق اخوتنا في لبنان، أبناء لبنان المخلصين؛ ليتعاونوا، ويتفهموا قضاياهم، ويدركوا أن السلاح لا يمكن أن يحل المشاكل، وأنه من العار أن يرفع بين الإخوة والأشقاء.

          أيها الإخوة إننا مسؤولون جميعاً مسؤولية مباشرة عن بث الثقافة الإسلامية بين صفوف أبنائنا، وفي منازلنا، ولا بد من تعاون قطاعات التعليم وأجهزته ليكتمل هذا المشروع، ونرتفع دائماً بمستوى الثقافة الإسلامية؛ حتى تكون في المستوى الذي نأمل جميعاً.

          أيها الاخوة الكرام، إننا اليوم نجتمع هنا، ونشعر بسعادة كريمة وكبيرة للقائكم كأخوة من المسلمين نفخر بكم، ونعتز بكل ما يقوي الرابطة والتعاون، والتآلف بين المسلمين، وهي صورة مشرفة لا بد أن نحافظ عليها، وأن نعمل على الاستفادة منها. وأن نواصل الجهاد في سبيل الله بالكلمة الصادقة، والعزم السديد نكافح في سبيل انتصار دين الله، والتمسك به، والدفاع عنه، وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. وإننا في المملكة العربية السعودية نشعر بفخر كبير أن أكرمنا الله سبحانه وتعالى بخدمة حجاج بيت الله الحرام، وأنتم تحلون أهلاً وسهلاً بين إخوانكم وأشقائكم، حيث تغمرنا السعادة جميعاً بلقائكم. وإننا لفرحون بهذه الأخوة التي نعتز بها، سعداء بهذه الأمانة التي حملنا، فرحون بهذا الواجب الملقى على عاتقنا لخدمة إخواننا ضيوف الرحمن. إننا نعتز بأخوتكم، ونفرح بلقائكم، ونعتبر هذه الخدمة التي أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها، وما يسر لنا من سبل في هذا المجال، هي نعمة نحمد الله سبحانه وتعالى عليها، ونشكره أن شرفنا بها؛ لكي تكون في خدمة ضيوف بيت الله. إنني أسال الله، سبحانه وتعالى، أن يكرمنا جميعاً بنعمة الاتباع، وأن يبعدنا عن الابتداع، الذي يخالف كتاب الله وسنة رسوله، وأن يوفقنا للاستقامة على منج الإسلام، وأن ينصر الإسلام والمسلمين في أنحاء المعمورة، وأن يؤيدنا بنصره، وأن يتقبل منا جميعاً حجنا، وعمرتنا، وزيارتنا، وأن يجعل حجنا مبروراً، وسعينا مشكوراً، وأن يوفق الأمة الإسلامية في كل أنحاء العالم إلى اتباع كتاب الله. وسنة رسوله، وتحكيمه فيما شجر بينهم. وأساله، سبحانه وتعالى، أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأسأله، جلت قدرته، أن يوفقكم إلى إتمام مناسك الحج، وأن ييسر سبله لكم، وأن يعيننا على خدمتكم، وأن يوفقكم في العودة إلى بلادكم وأهلكم عوداً حميداً مباركاً، وسنكون بإذن الله دائماً في خدمة حجاج بيت الله الحرام. وما توفيقي إلاَّ بالله، والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.