إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملك خالد يوجه كلمة إلى الحجاج
(أم القرى العدد 2841 في 22 ذو الحجة 1400 الموافق 31 أكتوبر 1980)

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلم

الإخوة الكرام،

          إن الله، تبارك وتعالى، الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، وجعلنا، بفضله ومنه، إخواناً تجمعنا عقيدة واحدة، وتظلنا شريعة سمحة، هي مصدر عزنا ومنعتنا، وإذا نحن تمسكنها بها، وسرنا على هديها؛ فلن نضل أبداً.

          إننا نشكر الله، تعالى، أن وفقنا إلى أن نلتقي على هذه الأرض المباركة عاماً؛ بعد عام ليكون هذا اللقاء فرصة يجتمع فيها شمل وفود الرحمن، التي جاءت كل فج عميق، ملبية نداء رب العالمين: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ.

          إن أمتنا الإسلامية الماجدة، التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس، لهي جديرة، بحول الله وقوته، أن تكون الموضع الذي اختاره الله لها، أمة تدعو إلى الخير والرشاد، وتتحمل بكل الوفاء والصدق مسؤولية تصحيح مسار الإنسانية؛ لأن تلك هي رسالتها منذ أن أشرق نور الإسلام من هذه البطاح على يدي رسول الله الأمين، محمد بن عبدالله، صلوات الله وسلامه عليه، وما أجدرنا، ونحن نتفيأ ظلال دوحة الإسلام العظيم، أن نعود إلى رحاب عقيدتنا، نعود إلى شريعتنا؛ لتكون لنا نظام حياة ومنهاج عمل، نعود إلى إجماع كلمتنا، وتوحيد قوانا، ووحدة صفوفنا تحت مظلة الإسلام، استجابة لقوله تبارك وتعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وكما قال جل شأنه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ويقول سبحانه وتعالى: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ.

أيها الإخوة المؤمنون،

          لقد رسم ديننا الحنيف لأبناء الأمة الإسلامية المنهج الكامل، الذي تتوحد عليه خطاهم، ويضبط مسيرتهم في هذه الحياة؛ ليكونوا مزودين بزاد الإيمان واليقين، الذي يرشدهم على ألا يَضِلُّوا أو يُضَلُّوا.

          وبوحي من الله أقام الرسول، صلى الله عليه وسلم، بنيان الأمة الإسلامية على أسس وقواعد متينة، فتم له ذلك بعون من الله، وأنشأ المجتمع الإسلامي المثالي، الذي كان الرسول له أسوة وقدوة. واستطاع هذا المجتمع، بفضل الله، أن يغير وجه التاريخ؛ فكان هؤلاء المستضعفون في الأرض بالأمس أصحاب الريادة والقيادة في عالمهم، ودانت لهم الدنيا، وظل الأمر لهم، كذلك، ما تمسكوا بنهج الله، وهدى رسوله، وستعود لهم الريادة والقيادة في عالم اليوم، إن هم عادوا إلى نهج الله المستقيم؛ فالرسول الكريم،، يحدد هذا الأمر بوضوح وجلاء، فيقول وهو الذي لا ينطق عن الهوى: تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وسنتي. وسبحان الله القائل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

          وهذه قاعدة الله في عباده التي لا تختلف ولا تتبدل، فلن يصلح حال هذه الأمة إلاَّ بما صلح به أولها، وهو السير على نهج الله المستقيم، وطريقه القويم.

أيها الإخوة في الله،

          الجهاد في سبيل الله أسمى مراتب الإيمان، وهو ذروة سنام الإسلام، وهو طريق المسلمين إلى العزة والمنعة، فالرسول الهادي البشير يقول: ما ترك قوم الجهاد إلاَّ ذلوا، فالجهاد شرعة الإسلام لحماية الحق الإسلامي ولحماية المستضعفين في الأرض؛ لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى. وإن العدة الحقيقية، والمرحلة الأولى، من مراحل الجهاد هي جهاد النفس؛ لصهرها في بوتقة الإيمان واليقين؛ لتدخل المعركة عن قناعة ويقين، وليهون بذلها في سبيل الله. فجهاد النفس هو الركيزة الأولى للجهاد، والجهاد بالكلمة في مجال التبليغ هو أحد أسلحة المجاهد الحاسمة؛ ليضع الناس أمام الحقيقة الناصعة، حقيقة الحق والعدل اللَّذين جاءت بهما الشريعة الإسلامية، والجهاد بالمال هو أحد أسلحة المجاهد لخوض معركة الشرف والمصير دفاعاً عن حرمات الله.

أيها الإخوة،

          إن الشباب عنوان القوة اليوم، وهو ذخيرة الأمة، وركيزتها في بناء حضارتها وتقدمها الانساني، وقد ربى الرسول، ، شباباً مسلمين كان الموت أحب إليهم من الحياة، فوهبت لهم الحياة العزيزة. وكانوا جند الله المخلصين، في كل وقت وحين، واستطاع هذا الشباب في عصور الإسلام الزاهية أن يكون طليعة الحضارة الإسلامية، وبانيها على أساس من هدى الله وشرعه.

          وحين أدرك أعداء الله هذه الحقيقة حاولوا أن يوهنوا قوى الشباب، فشغلوه بمعارك جانبية، وحاولوا أن يبهروه بوسائل الحضارة المادية، وأصبح بعض الشباب منصرفاً عن تراثه، مبهوراً بحضارة ظاهرة البريق، خربة المضمون، وداخلها الضياع، فوقف موقف المتردد الحائر. وهذا أقصى ما يمكن أن يطمح إليه الأعداء.

          إلاَّ أن في الشباب بقية تشده إلى تراثه وحضارته الأولى، وفيه الأساس الفطري الأول، الذي فطر الله الناس عليه، وهو بذلك مستعد ليعود سيرته الأولى، التي عرفتها سيرة الإسلام الزاهرة. ولا بد أن نتألف هذا الشباب، ونساعده على العودة إلى الله. ومن المهم أن نحسن عرض قيمه، ومبادئه، وتراثه العريق عليه. وحينئذ سيتبين الغث من الثمين، وسيدرك دون شك إلى أن حضارته تعتمد على تكريم الإنسان أول ما تعتمد، الإنسان الذي يرعى الله فيرعى الناس، وحتى يدرك أنها بوحي من الله الذي خلق الخلق ليعبدوه، ولا يشركوا به شيئاً، وليعمروا الأرض كما أمرهم سبحانه.

أيها الإخوة،

          ما أجدرنا، ونحن نقف على مشارف القرن الخامس عشر الهجري، أن نتأسى بصاحب الهجرة، برسول الله، ، وأن نترسم خطاه على الطريق الصحيح، فنأخذ أنفسنا بما أخذ به نفسه وأصحابه من شرع الله، مما مكن لهذه الأمة في الأرض وجعلهم أعزة، وجعلهم الأكرمين. وما أحوج العالم المضطرب اليوم إلى أن نقدم له هذا النموذج الصادق، القادر على انتشال عالم اليوم مما هو فيه من قلق واضطراب، فحين تعلو كلمة الله، وحيث يصير الحق هو القاعدة الأساسية التي تحكم، فإن العالم سيعيش السلام الحقيقي الذي عاشه في عصور الإسلام الزاهية التي لم يشهد لها العالم نظيراً أو مثيلاً حتى اليوم.

أيها الإخوة،

          إننا اليوم نتعرض لكثير من الأذى والبلاء في مناطق شتى من عالمنا الإسلامي، بل ويتعرض أبناء هذه الأمة الإسلامية لألوان من المحن والفتن. ومن الواجب أن ندرك أبعاد هذه الأمور الخطيرة التي تحيط بنا، وأن نتنبه لدسائس المغرضين، الذين يتربصون بهذه الأمة، ويرغبون في تمزيق صفوفها، وشتات أمرها، ويسعون لعزلها عن بعضها، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أيها الإخوة المؤمنون،

          الحمد الله الذي جمعنا على الخير، وشرفنا بالإسلام، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس، وأكرمنا بهذا المنهج السماوي العظيم، واختار لنا هذا الرسول الكريم، سيد الأولين والآخرين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، ، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله الذي جعلنا إخوة في الله، متحابين، لا فرق بيننا إلاَّ بالتقوى.

          وإنني أرحب بكم في هذه البلدة الطيبة، في مكة المكرمة باسمي، وباسم إخوانكم في المملكة العربية السعودية، وأسأل الله أن يتقبل منا، وأن يرحمنا، وأن يجعل حجكم مبروراً، وسعيكم مشكوراً، إنه سميع قريب. كما أساله أن يجمعنا بكم على الخير دائماً، إن شاء الله، والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.