إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



الملك خالد يوجه كلمة إلى حجاج بيت الله الحرام
(أم القرى العدد 2888 في 25 ذو الحجة 1401 الموافق 23 أكتوبر 1981)

بسم الله الرحمن الرحيم
          والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين،

أيها الإخوان، ضيوف الرحمن،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،

          إنه لمن دواعي السرور أن نلتقي عاماً بعد عام، على رحاب هذه الأرض المباركة، التي كانت همزة الوصل بين الأرض والسماء، حيث أشرق الإسلام على يدي خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد بن عبدالله الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

          وفي هذا اللقاء تعودنا أن نستعرض ونناقش على هدي من عقيدتنا أحوالنا كأمة، لها رسالتها في الحياة، ومسؤولياتها في تصحيح مسار الإنسانية، ونقلب النظر في واقع الحال، ونرسم طريق المستقبل، مستلهمين ومسترشدين بمعطيات عقيدتنا السمحة؛ لنكون الأمة الجديرة بقوله تبارك وتعالى:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.

          أيها الإخوة، إن أمتنا الإسلامية تعيش حاضرها اليوم في ظل البعد عن ساحة الإسلام إلاَّ من رحم الله، فكان أن اشتد عليها البلاء، وتغلب عليها الخصم، وتكاثرت عليها الأمم، ولأن الأمة الإسلامية لم تغلب لضعف في عددها وعدتها، بل لأنها باعدت بينها وبين عقيدتها، ولم تتمسك بما صلح به أولها، وقال تعالى وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ونصرنا لله يكمن في تمسكنا بما جاءنا من عنده، تبارك وتعالى، قولاً وعملاً.

          إن الانتكاسة التي يعاني منها المسلمون اليوم في غالبيتهم العظمى مردها ومرجعها إلى الانحسار الخطير الذي أصاب القيم الروحية، التي هي وقود وزاد رحلة الحياة للنفس المسلمة، ومصدر القوة الحقيقي للإنسان المسلم الذي أصبح الآن أكثر تمسكاً ببريق الحياة وزخرفها على حساب قيمه ومثالياته، التي يعتبر الحرص عليها لازمة وضرورة من لوازم الحياة الحرة الشريفة تحت مظلة الإسلام.

          أيها الإخوة الكرام، إن ما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن، ما كان ليصيبها لو أنها تمسكت بهدي كتابها الكريم، وسنة نبيها الأمين؛ لكن بعد البعض عن صعيد الإسلام كان العامل الأول، والفاعل المؤثر، لما تقاسي منه أمة الإسلام اليوم من تحديات شرسة من جانب أعدائها، الذين يعملون باستمرارية وإصرار على انتزاع الأمة الإسلامية من أحضان عقيدتها؛ لأن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلاَّ بتمسكهم بمعطيات هذه العقيدة، وهذا هو مصدر الخطر الذي يتهدد اليوم ديار الإسلام، ويحيط بأمة محمد، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.

          إخواني ضيوف الرحمن، إن من دواعي الألم والحسرة، التي تعتصر قلب كل مسلم، أن يوجد في صفوف المسلمين من يتجاوب مع دعوة الخصوم، وذلك بتبني الأفكار الهدامة، والمعتقدات الضالة، التي باتت تشكل خطراً داهماً على أفكار وانتماءات الناشئة المسلمة.

          لهذا أناشدكم الله، من جوار بيته العتيق، أن تكونوا سياجاً قوياً يصد عن أمتنا الإسلامية هجمات خصومها، الذين عجزوا عن أن يحققوا ما يريدون من شر بهذه الأمة على ساحة المواجهة المسلحة المكشوفة، فنقلوا معركتهم إلى ساحة الفكر المنحرف؛ من أجل بث أسباب التحلل، وضرب الأمة الإسلامية في صميم تراثها وقيمها، وتفريغ النفس المسلمة من معتقداتها الحقيقية، التي تشكل صخرة صلبة عجز الخصوم الحاقدون عن تفتيتها.

          أيها الإخوة الكرام، إن روح العمل الجماعي هي الصفة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية في الحياة، ومواجهة كل التحديات، وإن المؤشرات تبدو مشجعة على القول بأن الأمة الإسلامية وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار، والعودة إلى رحاب العقيدة في ظل تضامن أبنائها. ولقد كان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، الذي عقد في رحاب الكعبة المشرفة، وما ترتب عليه من نتائج تدعو إلى التفاؤل في المستقبل بإذن الله، كان فرصة طيبة، وانطلاقة واعية وجادة لأمتنا الإسلامية الماجدة نحو تحقيق ما تصبو إليه من عز ومنعة؛ لتشارك بفاعلية في بناء الحضارة الإنسانية، مواصِلَةً دورها الطليعي في إعادة صياغة الحياة الإنسانية، وتخليص الإنسان من ظلم الإنسان.

          أيها الإخوة، ضيوف بيت الله الحرام، إن البشائر المفرحة التي لاحت في سماء التضامن الإسلامي ذلك اللقاء الخير بين دول الخليج العربي على صعيد مجلس التعاون الخليجي، الذي يعتبر لبنة قوية في أساس اللقاء الإسلامي، على صعيد التضامن الشامل، من أجل الوصول إلى صيغة الحياة الأفضل للإنسان المسلم، الذي لم ولن يكون قادراً على إفراز موقع متميز له على الساحة الإنسانية إلاَّ بتجمع قواه، ورص صفوفه؛ ليكون القوة الفاعلة والمؤثرة في عالم اليوم، الذي لم يعد فيه مكان للأمم المتفرقة، والمشتتة، والمتباينة المواقف، كما هي حال بعض أممنا الإسلامية، مع الأسف الشديد، ومع كل هذا فإن الأمل قوي في بزوغ فجر تضامن حقيقي؛ لأن طبيعة تكوين جسم الأمة الإسلامية تقوم وترتكز على وحدة الترابط العضوي بين أعضاء هذا الجسم.

          أيها الإخوان، إن المعاناة القاسية التي يعيشها أشقاء لنا على أرض فلسطين المباركة، وفي أفغانستان المجاهدة، وفي عدد من ديار المسلمين، حيث المواجهة الشرسة بين قوى الإيمان وجنود الشر والإلحاد. فمسرى الرسول الأمين، وثالث الحرمين الشريفين، ما زال يئن بين أنياب الاحتلال الصهيوني الكريه، وأهل الأرض التي باركها الله يعيش قسم منها تحت وطأة الاحتلال الصهيوني، الذي يمارس ضدهم أقسى أنواع الإرهاب والقمع الدموي، كما أن غالبية هذا الشعب تعيش مشردة تعاني آلام الحرمان، والبعد عن الوطن، الذي سلبته الصهيونية الباغية في غفلة من الضمير الإنساني، الذي تتحمل القوى الفاعلة في هذا العالم مسؤولية السكوت على المعتدي، بل ومده بأسباب البقاء؛ ليمارس إرهابه وعدوانه ضد الأمة العربية عامة، والشعب الفلسطيني بصفة خاصة.

          إن قضية الصراع العربي الإسرائيلي هي قضيتنا الأولى، وهاجس تفكيرنا، والتي تستحوذ على حيز بارز في اهتماماتنا، ونتيجة لمسعانا الحثيث حظيت جهودنا في هذا المجال بقناعة أصدقائنا في هذا العالم، وبتعاطف خصوم تفهم عدالة قضيتنا، فأصبح المجتمع الدولي، على رحابته، أكثر تفهماً وقناعة بعدالة مطالب الشعب الفلسطيني في أن يعيش كريماً على أرضه، وفي ظل دولته المستقلة. وسنواصل، بحول الله وقوته، مسعانا الدؤوب، واضعين في اعتبارنا أن أمن وسلام العالم كله لا يتجزأ، وأن المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني كانت وستظل، ما لم يجد لها العالم حلاً عادلاً ودائماً، أحد الأسباب الرئيسية في تكريس التوتر، والاضطراب، والإخلال بأمن وسلام العالم، كذلك ما يعانيه، وبكل قسوة، الشعب الأفغاني المسلم من جور وعدوان، يستهدف نزعه من أحضان عقيدته، وفرض مفاهيم عليه، مغايرة لخلقه وقيمه، بقوة السلاح لهو أمر يدعو أمم العالم وفي طليعته الأمة الإسلامية لأن تقف إلى جانب شعب يتعرض لحرب إبادة بقوة الحديد والنار.

أيها الإخوان، ضيوف الرحمن،

          إن المملكة العربية السعودية التي أعطت، وتعطي من ذاتها المثل والنموذج الفذ لما يجب أن يكون عليه التطبيق الأمين لأحكام القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، التي تساوي بين البشر في الحقوق والواجبات، وتنشر الأمن والأمان على الإنسان، لتدرك أن مسؤولياتها تتعاظم في عالم اليوم الذي لا مكان فيه إلاَّ للقوة، ولأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف؛ لهذا فإننا نحرص على بناء قاعدة اقتصادية قوية أساسها وقاعدتها الإنسان السعودي الذي نبني فيه القدرة على تحديات التعامل مع منجزات العصر؛ تلك القدرة التي أصبحت، بفضل من الله، في مستوى رفيع من الأداء، وانسجام تام بين ما تحقق من نجاحات في الحياة، وبين قيمنا ومثلنا التي لا نتنازل عنها، وفي غمرة نجاحاتنا لم ننس دورنا تجاه أشقاء لنا في الدم والعقيدة، فأسهمنا ومازلنا نسهم وبسخاء في الأخذ بيد خططهم التنموية، وبناء قدراتهم الاقتصادية، انطلاقاً من إيماننا القوي بأن قوة أي بلد عربي وإسلامي هي قوة لنا، ومحصلة قوية تنعكس على رخاء وازدهار الإنسان المسلم، كما أن دورنا على الصعيد العالمي يتسم بالنظرة المتوازنة بين مصالحنا ومصالح من نتعامل معهم، كما أننا نراعي ونراقب وبدقة متناهية تطورات مسار الاقتصاد العالمي، باذلين من الجهد أصدقه في سبيل تجنب الأسرة الإنسانية أي اهتزاز قد يلحق الضرر برخاء وازدهار الإنسان، الذي أصبحت حمايته مسؤولية كل دولة قادرة وفاعلة في المجال الاقتصادي، وهذا يحكم تحركاتنا في بذل العون لمن هو في حاجة إليه من بلدان العالم النامي، التي يحظى تطورها الإنمائي باهتمامنا، وترجمة هذا الاهتمام إلى مشاركة مادية وفق خطة غاية في السهولة واليسر. وفي الختام أتوجه إلى الله العلي القدير، ومن جوار بيته العتيق بالدعاء أن يكون مستقبل أمتنا الإسلامية خيراً من حاضرها، وأن يلهمنا سبيل الصواب، ويتقبل منا ومنكم حجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً، إنه سميع مجيب الدعاء، والله الهادي سواء السبيل.

          والسلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.