إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود في ذكرى الجلوس الرابعة
(أم القرى العدد 1692 في 23 ربيع الثاني 1377 الموافق 15 نوفمبر 1957)

بسم الله الرحمن الرحيم
          
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فإن من دواعي سروري أن أتحدث إليكم في مناسبة انسلاخ العام الرابع من تولينا مقاليد الأمور في بلادنا العزيزة، شاكرين المولى عز وجل على ما أولانا من نعم جزيلة في هذه الحقبة من الزمن، وعلى ما وفقنا إليه فيها من أعمال شاملة رفعت مستوى المعيشة داخل البلاد، وأحلت مملكتنا في المنزلة اللائقة بها في الخارج، وما كان هذا يتحقق لنا لولا تمسكنا بأهداب الدين الحنيف، كما فعل آباؤنا من قبل، وجعلنا كتاب الله دستورنا، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، سبيلنا الممهد، وهدفنا المسدد، منهما نستمد الهداية من الله العزيز القدير. وبالمحافظة على شريعتهما وشعائرهما نرجو الخير والسلامة في الدارين، ولقد أولينا عنايتنا الخاصة لنشر علوم الدين، وإخراج أكبر عدد من العلماء الأخيار؛ كي يبسطوا مناهج الحق والعدالة بين الناس، ويثيروا أفئدة الرعية بالعلوم الإلهية الوضاءة، فأسسنا المعاهد الدينية في المدن، وأقمنا مساجد الله في كل مجتمع، وكان من نعم الله علينا أن يسر لنا توسعة الحرم النبوي الشريف، ثم المباشرة في توسعة بيت الله العتيق؛ كي يستوعب حشود حجاج البيت الذين يتزايد عددهم بحمد الله سنة بعد سنة، كما هيأنا لهم سبيل المناسك كي يتموها في حالات تكفل لهم الراحة والصحة والطمأنينة، مما كان له أطيب الأثر بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

          ومن نعم الله علينا أن فتح لنا أبواب الرزق، ويسر لنا القيام بالأعمال الضخمة في جميع مرافق الحياة، ولما كان من أعز أمانينا القضاء على الفقر والمرض والجهل، فقد عملنا جاهدين على توفير سبل العيش والعمل الحر للمواطنين، فارتفع مستوى المعيشة، وازدهرت البلاد برونق جديد كريم، ودحر فيها الفقر والعوز، وطهرت منها الأمراض المعدية، وانتشرت فيها وسائل الوقاية والمعالجة، وأسسنا في هذه الحقبة القصيرة مئات المدارس؛ لتعليم أبناء الشعب مختلف العلوم، وافتتحنا بالأمس أول جامعة سعودية كخطوة أولى، ستتبعها خطوات مماثلة بعون الله وتوفيقه؛ لتعليم العلوم والفنون الخيرة النافعة، وقد نعمت البلاد من أقصاها إلى أقصاها بحمد الله بأمن شامل، وساد فيها الاستقرار والطمأنينة مما لم تشاهده منذ مئات السنين، فقصدها طلاب الرزق والأعمال من كل مكان، أما في الحقل الاقتصادي فما زلنا نواجه مشكلة التغلب على العملة الصعبة، ونعمل على اتخاذ الوسائل اللازمة لتأمين حاجة البلاد منها بالطرق السليمة، وقد أولينا الجيش أكبر اهتمامنا، فزودناه بما يحتاج إليه من أسلحة وعتاد؛ ليتمكن من حفظ الأمن في البلاد، ومن الدفاع عنها وعن شرفها وكرامتها، ولم يكن تقدمنا في شؤوننا الخارجية، ورفع اسم مملكتنا، والحفاظ على كيانها السياسي بأقل من تقدمنا في شؤوننا الداخلية. فقد وفقنا الله إلى وضع خطة مستقيمة صريحة لا عوج فيها ولا امتا، قصدنا بها إلى تأليف القلوب، وإزالة أسباب سوء التفاهم والتفرقة، والعمل المستمر لتوحيد الصفوف في عالمنا العربي الشقيق، ثم إلى تمكين أواصر الأخوة الإسلامية، وإحلال التعاون وحسن التفاهم بين شعوبها قدر المستطاع عملاً بقوله تعالى وأصلحوا بين أخويكم.

          كما عملنا على تحسين صلاتنا بجميع الدول الأخرى؛ إلاَّ أننا نواجه شراً مستطيراً، وخطراً عظيماً، يجب أن نوجه إلى مقاومته جميع قوانا، وكل إمكانياتنا؛ ذلك هو الصهيونية التي تمكنت من غرس مخالبها في جسم فلسطين العربية، تلك البقعة المقدسة، والعزيزة على كل عربي ومسلم، فأقامت فيها كيانا ما فتئ منذ نشأته البغيضة يؤلب على العرب دول الاستعمار، ويحيك لهم المؤامرات والدسائس؛ كي يحققوا مطامعهم الواسعة في البلاد العربية، ويفرضوا عليها سيطرتهم وجبروتهم، ولن يهدأ لنا بال، ولن يكون لنا في هذه المنطقة العربية أمن ولا سلام ما دام هذا الدخيل والمرض الوبيل ناشباً في جسمنا العربي. فإلى هذا السرطان يجب علينا، وعلى الأمة العربية، والشعوب الإسلامية قاطبة أن نبذل كل تضحية في سبيل اجتثاثه، والخلاص من شروره، وإعادة اللاجئين إلى وطنهم، ورد أموالهم إليهم. ثم إنه لا يزال جزء من بلادنا السعودية محتلاً في منطقة البريمي، وما زال أهله مبعثرين بعيدين عنه، فلن يستقر لنا قرار حتى يعود هذا الجزء العزيز إلى أحضان أمه، ويشاطرها الحياة، وينعم في كنفها الأمين.

          ولا بد لنا من تكرار القول وتوكيده من أننا قمنا، وسنقوم ببذل الجهد لمساعدة جميع الأقطار العربية في سبيل حريتها وسيادتها، ونعتبر أنفسنا مع الدول العربية الشقيقة يداً واحدة، وصفاً متراصاً في وجه كل مغير على أي قطر عربي، فدفاعنا عن العروبة مشترك وحدود العروبة واحدة، والذب عنها واجب على كل عربي أياً كان مسقط رأسه، إني إذ أسرد بإيجاز ما قمنا به من أعمال داخل البلاد، وما رسمناه لسياستنا من خطط خارجية لم آت بجديد عليكم، ولكننا نذكر ذلك في هذه المناسبة تحدثاً بنعمة الله علينا وعليكم، ورغبة منا في تأكيد العزيمة على السير في هذا المضمار بخطي أوسع وهمة أعلى، آملين أن نجد من إخواننا العرب في مختلف أقطارهم تعاوناً مجدياً، ومن إخواننا المسلمين صدى وتجاوباً؛ لنصل إلى الغايات السامية التي نستهدفها جميعاً، نحن وإياهم ـ بحمد الله وتوفيقه ـ متفقون في المبادئ، متضامنون على الأسس، مصممون على المضي في العمل وفقاً لميثاق الجامعة العربية ودفاعنا المشترك، وطبق قرارات مؤتمر باندونج. وعلى الأسس التي قام عليها ميثاق هيئة الأمم. فقد ضمنت هذه المبادئ، ووضعت هذه الأسس لأشرف الغايات، وأنبل المقاصد، وأعدل المطالب، وهي حرية الشعوب واستقلالها وسيادتها، ودفع العدوان قولاً وعملاً بالوسائل المشروعة، وبالتعاون لإقرار سلم عام ينتظم العالم بأسره، وإنا لنأمل صادقين أن يعمل العرب والمسلمون جهدهم للتآزر والتآخي الشامل، إذ بهما وحدهما يتفتح لنا فجر جديد، وينبثق في أعماقنا شعور الكرامة والعزة، كما نرجو أن يضاعف المسلمون اهتمامهم بصد قوى الاستعمار، ومكافحة الصهيونية الخطرة، ومحاربة المبادئ الهدامة. فكل هذه التيارات مما يهدد معنويات الأمم والشعوب، ويؤثر في مستقبلها وكيانها. أجل لن يتم لنا جميعاً النهوض الحقيقي إلاَّ بالرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف، وتفهم مبادئه الحكيمة، وأسسه القويمة، وأوامره السامية، وفي كتاب الله العزيز نبراس يضيء لنا معالم الطريق مهما ادلهمت الخطوب، وتكالبت الأزمات ولينصرن الله من ينصره فلنعمل إذن يداً واحدة، وكتلة مجتمعة لكل ما فيه خير أممنا، ودرء الأخطار عنها، وإنني أعاهد الله أن أعمل بصدق ووفاء لجمع شمل العرب والمسلمين على كلمة سواء، وعلى رفاهية شعبي العزيز بما يجعله في مصاف أرقى الشعوب المتحضرة، والله ولي التوفيق، وهو نعم المولى ونعم النصير.