إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء

 



خطاب الملك سعود إلى حجاج بيت الله الحرام
(أم القرى العدد 1773 في 20 ذو الحجة 1378 الموافق 26 يونيه 1959)

          نحمدك اللهم، وحمدنا لك من أفضالك، ونشكرك اللهم، وشكرنا لك من نعمائك، ونصلي ونسلم على خير أنبيائك، محمد صلوات الله وسلامه عليه، أرسلته رحمة وهدى للعالمين.

          أما بعد ـ إخواني: إنا لا نجد في موقفنا هذا، وسط هذه المشاعر الحرم، وبين الحجيج الذي اجتمع من كل صوب وفج، إلاَّ أن نذكر قوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. فأي نعمة من نعم الله علينا، وهي لا تعد ولا تحصى، نستطيع أن نتذكرها في موقفنا هذا. فمن نعمائه أنه جمعنا وإياكم، وإخواننا المسلمين في هذا البلد الطاهر المقدس؛ لنشهد منافع لنا، ونذكر اسم الله، فأهلاً بكم ضيوف بيته، ومرحباً بكم إخواننا الذين تجمعنا وإياكم كلمة التوحيد.

إخواني
          
هذه أم القرى فيها أول بيت وضع أركانه نبينا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأمرنا الله على لسان نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه أن نتجه إليه في صلواتنا، فأنعم بذلك نعمة، وأعظم به مجمعاً يجمع قلوبنا على دينه والتواصي بيننا بالعمل بكتابه.

إخواني
          
أول ما أدعو نفسي، وأدعوكم إليه هو إخلاص العبادة لله وحده، دعوة إبراهيم ودعوة النبيين من بعده، والدعوة التي جاء بها نبينا صلوات الله وسلامه عليه، تلك كلمة التوحيد (لا إله إلاَّ الله ـ محمد رسول الله) بها تميز الحق من الباطل، وبها تميز الإيمان من الكفر، وبها ارتفعت نفوسنا من مذلة الشرك، وعلت على أن تخضع أو تذل لغير الله خالق السموات والأرض، إن الذين تذل نفوسهم بدعاء غير الله، والخضوع لغير الله بغير ما أمر الله به، أولئك لا يمكن أن ترتفع نفوسهم في الدنيا ولا في الآخرة، ولذلك أوصيكم ونفسي في هذا المقام الكريم، وفي هذه الأيام المفضلة بإخلاص العبادة لله وحـده:
إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ.

          إخواني المسلمين: ممن حضر في مجلسنا هذا ومن غاب عنا، إنه مما يحز في نفسي أن أشعر أن الإسلام بدأ يكون غريباً في مواطن كثيرة، فإذا لم يتنبه المسلمون لما يراد بهم من إفساد دينهم وعقائدهم، فالخطر محيط بهم وبنا لا محالة إلاَّ، إن شاء الله، أقول هذا، أقول: العالم بما هناك وبما يدس في الأقطار والمسالك من تشكيك الناس في دينهم، وتزيين شياطين الإنس مبادئ اختلقوها وأسماء أسموها ما أنزل الله بها من سلطان؛ ليشككوا الناس في شريعتهم التي شرعها الله في كتابه وعلى لسان نبيه، وليظهروا للناس أن شرع الله ناقص لا يكفي لكل زمان ومكان إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى.

إخواني
          
إن حبائل الاستعمار كحبائل الشيطان، وجنود الاستعمار كجنود الشيطان، إذا سد عليهم باب سلكوا باباً آخر، فإن أعيتهم قواهم عن الوصول لأغراضهم من هدم الإسلام ومبادئه، راحوا يكيدون له بأساليب وطرق تكاد تعجز إبليس وجنوده، فإذا عجزوا عن الفساد أخذوا للوقيعة بين المسلمين، والتفريق بينهم بطرق شتى؛ فإذا لم يتنبه المسلمون لما يراد بهم ذهبت ريحهم، وضاعوا في هذه الدنيا. وكانوا أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام، والضر واقع بهم دنيا وآخرة، إن الله في غنى عن سائر البشر وعن سائر المخلوقات فهو الغني ونحن الفقراء
إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ.

          إخواني أما نحن إخوانكم الذين شرفهم الله بأن يكونوا خدام بيته، وأن يكونوا أبناء أولئك السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فإن سياستنا في ديننا أن نحافظ على كلمة التوحيد، ونعمل على بثها في ديارنا وفي أنحاء العالم بقدر ما نستطيع، ونسهل للمسلمين أداء حجهم في أمن وراحة واطمئنان، وأن نتعاون مع إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ممن يريد أن يتعاون معنا على إقامة شريعة الله، ونصرة دينه، محافظين في ذلك على قوميتنا العربية التي حافظ عليها آباؤنا من قبل. فنحن مع إخواننا المسلمين على استعداد لعمل كل ما فيه نصرة للإسلام والمسلمين، ونحن مع إخواننا العرب عاملون على حفظ قوميتنا العربية ومبادئنا العربية؛ لأنه إذا خلصت بلاد العرب للعرب، واجتمعت كلمتهم كانوا حصناً للإسلام ومبادئه، من أجل ذلك ـ كنا ولا نزال ـ دائبين على نصرة قضايانا العربية، ولن يهن لنا عزم، ولن نقف عن السير؛ حتى نصل إلى بغيتنا إن شاء الله من إخراج آخر مغتصب وعدو للعرب والمسلمين من بلاد العرب ومن بلاد المسلمين.

إخواني
          كلنا نذكر، وما نسينا ولن ننسى إخواننا من أهالي فلسطين؛ الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم بغير حق إلاَّ أن يقولوا ربنا الله، وإن قوميتنا القومية العربية، وإن أرض فلسطين أرضنا وبلادنا، أخرجوا من ديارهم بغير حق، فتكالبت عليهم سائر قوى الاستعمار من مشارق الأرض إلى مغاربها، ولم يشذ عن تلك القوى شاذ، بل كانوا قطعة واحدة يؤيدون تلك العصابات الصهيونية المجرمة الآثمة، حتى أخرجوا إخوتنا من ديارهم وأموالهم، وقعدوا في العراء ينظرون إلى أملاكهم وبيوتهم، ولم يوجد في الضمير العالم من قوى الاستعمار روح حية تشعر بشعور الإنسانية، بل كان عطفهم على أولئك المجرمين من الصهيونية. ولم تكتف قوى الاستعمار بما مكنت لهذه العصابات الصهيونية المجرمة من تأييد جرائمهم؛ التي تعتبر سبة في جبين الدهر، بل أخذت تتعهدهم بمعاونتهم بكل ما تستطيع من مال وسلاح وعدد، وعديد وما اجتمع مؤتمر سياسي وكان لتلك العصائب الصهيونية مصلحة ما إلاَّ تسابقت كبريات تلك الدول إلى مناصرتهم بكل جهد وطول، حتى أدى بهم ذلك إلى أن أخذوا يناصرونهم في قسم هو من صميم البلاد المقدسة؛ ذلك سعيهم لنصرتهم في إيجاد حق لهم في خليج العقبة الذي يعتبر قطعة لا تتجزأ من البلاد المقدسة، لا نذكر هذه الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها دول الاستعمار استعظاماً وقبولاً بالأمر الواقع، بل هو وصف لبيان تكالب الاستعمار، وعمله لمقاومة الإسلام والعرب، ونحن لا يأس عندنا ولا قنوط وإننا نذكر أمام جرائم الصهيونية ومعاونيها ما قال الله سبحانه (لعاد قوم هود)
فَأمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً، أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْي فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنْصَرُونَ. من أجل ذلك فإن قوانا لن تهن وإن عزائمنا ستظل مشحوذة حتى يتم لنا ما نريد من جمع قوتنا، وجمع كلمتنا حيث يفرق الله جمعهم. فإلى إخواننا الذين يقيمون حول فلسطين نوجه نداءنا بأن يصبروا ويصابروا ويرابطوا، وأن الله سينصرهم بحوله وقوته، ثم إننا نعمل مع إخوتنا العرب لنصرتهم إن شاء الله، بعد أن يتكامل للعرب جمع كلمتهم، ورأب بعض الصدوع بينهم، وأولئك إخوتنا في الجزائر الذين ضربوا المثل الأعلى في البطولة حيث قاتلوا هذه السنين الطوال بثبات لا يعرف الكلل، ولا الملل وأذاقوا فرنسا التي تعد من أقوى دول العالم مرارة الضعة والانكسار تجاه الثبات والنضال والجهاد؛ وإنا نحمد الله أن تمكنا من القيام بجهد متواضع في نصرة إخواننا في الجزائر مادة ومعنى، وستستمر مساعدتنا لهم حتى يأذن الله لهم بالنصر، ويخرج آخر جندي مغتصب فرنسي من ديارهم، ولقد قطعنا علاقاتنا مع فرنسا أثر عدوانها على شقيقتنا مصر، ولم نر أن نعيد علاقاتنا معها إلاَّ بعد أن تتجه الأمور إلى إعطاء إخواننا في الجزائر حقوقهم من الحرية والاستقلال غير منقوصة، ونسأل الله في هذا الموقف الشريف أن يؤيد إخواننا في الجزائر، وينصرهم ويؤيدهم بنصر من عنده.

          إخواني: لا يوجد مسلم في قلبه ذرة من إيمان إلاَّ ويشعر أن في عنقه دين لجزيرة العرب التي انبثق الإسلام منها، وانتشر في سائر العالم وعليه أن يتمنى لهذه الجزيرة الأمن والسلام، وكلنا يعلم أن أطراف جزيرتنا من بعض الجهات الشرقية، والجنوبية الشرقية، والجنوبية منيت بالاستعمار مكايده ونحن عاملون وثابتون في الدفاع عما هو عائد للمملكة العربية السعودية لاسترجاعه بعد العدوان الذي وقع عليه، ولن ندخر جهداً في سبيل عودة ذلك الجزء من وطننا إلى أمه، وسنتعاون مع إخوتنا العرب في كل ما ينصر إخواننا في أطراف جزيرتنا؛ حتى ينجوا من الاستعمار وأعوانه.

إخواني

          هذه سياستنا. وكل آمالنا وأهدافنا

أولاً:

أن يحافظ المسلمون على دينهم في أوطانهم، وأن يعملوا على مقاومة المبادئ التي تعمل على هدم الإسلام.

ثانياً:

أن نعمل على تقوية العلاقات مع الدول الإسلامية؛ ليتعاونوا على حفظ كيانهم وكيان المبادئ الإسلامية.

ثالثاً:

أن تعمل على إخراج أعداء العرب من بلاد العرب، وأن يعيش العرب أحراراً في بلادهم سواء في فلسطين أو الجزائر، أو الجنوب العربي، أو الجنوب الشرقي العربي.

رابعاً:

وهو الذي ندعو الله مخلصين أن يؤيدنا فيه وبنصرنا جميعاً وهو أن يجمع كلمة العرب في صعيد، ويزبل الشحناء فيما بينهم، وأن يعيدهم إلى جامعتنا العربية كتلة واحدة متراصة حتى يتمكنوا من الوصول إلى أهدافها السامية. ولذلك أدعو الله وأدعو سائر العرب والمسلمين أن يؤمنوا معي. اللهم اجمع كلمتنا، وأزل الفرقة مما بيننا، واجمعنا على ما يحبك ويرضيك، كما أسأله تعالى أن يتقبل منا ومنكم حجنا، وأن يعيدكم إلى أوطانكم سالمين في أبدانكم، غانمين برضوان الله تعالى سبحانه وتعالى وتوفيقه، وأن يعز الإسلام والمسلمين والعرب أجمعين. والسلام.